26 نوفمبر، 2024 1:35 م
Search
Close this search box.

عصافير على أكتاف دواليب الدم !

عصافير على أكتاف دواليب الدم !

في الأعياد والمناسبات تعطي صور الأطفال، وهم يعتلون دواليب الهواء، دلالات للفرح ، وتبعث رسائل تشير لطفولة سعيدة ، ومستقبل وضّاء إن توفّر لتلك الطفولة ، حاضنة إجتماعيّة جيّدة توجّهها التوجّه الصحيح ، والسليم ، فالطفل بذرة إن وجدت الظروف الملائمة للإنبات نمت ، ومدّت أغصانها لتحتضن أفقا مفتوحا لّعطائها ، أمّا إذا لم تجد الظروف الملائمة فإنّها تنشأ عليلة، وقد يصبح وجودها مؤذيا لمن يشاركها المكان والزمان !

والعبارة الشائعة ” خذوهم صغارا” تشير إلى ضرورة الاهتمام بالنشء الجديد ورعاية مواهبه ، لكنّ البعض ،بدلا من ذلك ، يزرع بذور الشر في نفوس الأطفال ، وفق استراتيجياته، ليضمن استمرار مشاريعه المدافة بالدم ، وكمثال على ذلك إن العراق شهد مطلع السبعينيات إنشاء منظمة أطلق عليها” منظمة الطلائع” كان عمل القائمين عليها تدريب الأطفال الذين يلتحقون بها ، وهم من طلبة المدارس في المرحلة الابتدائية ، تارة مخيّرين وتارات مجبرين ،تدريبا عسكريّا ، وحين كان والدي ،رحمه الله، يرى صورهم ببدلاتهم الزرق في البرامج التلفزيونيّة ، كان يشيح نظره عنهم ويقول بصوت حزين” نحن مقبلون على حرب” ، وكنا نفاجأ ، بهذا الكلام ، فالبلد كان يعيش وضعا مستقرّا بعد حل ّمشكلة الأكراد حلّا سلميا وكانت العلاقات مع دول الجوار جيّدة ، وبخاصة مع ايران بعد توقيع اتفاقيّة الجزائر مع الشاه عام 1975 م ، وكان أخي الأكبر يضع هذه المعطيات امام والدي، ليخفّف من منسوب التشاؤم الذي عصره قلبه حتى أوقف نبضه بعد سنوات من الألم ، لكنّه كان يشير إلى صور الأطفال وهم يتلقّون تدريباتهم ، التي تجهز على طفولتهم ، ويقول :

” حبر على ورق ! نحن مقبلون على حرب” وهذا ما حصل بعد سنوات قليلة ، وكانت حرب الخليج الأولى مع إيران !!

لم تكن تلك نبوءة من رجل كادح أمضى الثلث الأوّل من عمره فلّاحا في ميسان، ثم أمضى الثلث الثاني عاملا في السكك الحديدية ببغداد ، قبل أن يمضي الثلث الأخير على أسرّة المستشفيات ، لكنّ المقدّمات تشير إلى النتائج ، وما تلك المقدّمة “الزرقاء” التي امتدّت لتقرض بياض طفولة عراقيي السبعينيات إلا لتؤكّد إنّها كانت نذيرا بحرب أكلت الأخضر من أعمارنا بسعر اليابس !!

تذكّرت هذه التفاصيل ، وأنا أشاهد صورة انتشرت ،مؤخّرا ،عبر مواقع التواصل الاجتماعي لطفل في السابعة من العمر ،يرتدي قبعة بيسبول أمريكية و”تي شيرت” أزرق، يحمل بكلتا يديه رأسًا مقطوعة، لجندي سوري ، تلك الصورة التقطت له في مدينة الرقة شمال سوريا ، بكاميرا والده الذي ينحدر من أصول لبنانية، ويحمل الجنسيّة الاستراليّة ، إذ يواصل أعماله الاجراميّة مع إرهابيي “داعش” وهو ماجعل رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت يعبّر عن استنكاره للصورة حين نشرتها جريدة “ذي أوستراليَّن توديه”الاسترالية ،ورأى”إن الصورة تبرز مدى وحشية المسلحين المتشددين”.واعتبرت الدكتورة عزة العشماوي، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة الصورة “نوعا من الوحشية من الأب، الأمر الذي سيظل وصمة للطفل طول عمره ، لأنه يشجع على العنف وإراقة الدماء”

هذا الطفل هو ضحيّة تلك العصابات التي تعمد إلى تدريب الأطفال على القتل لتعدّ جيلا مشوّها لا يعرف غير الذبح ، والدم ، واستهداف الآخر ، ناقلة أمراضها إلى الجيل الجديد ليستمر دولاب الدم بالدوران ، وهذا توجّه خطير ستظهر نتائجه السلبيّة على الواقع ، فبذور العنف سرعان ماتتفتّح عن ثعابين، وعقارب، تزحف لتنشر الخراب في المكان ، لذا من الضروري أن تكون للمنظّمات الدوليّة ، ومؤسسات المجتمع المدني ، وقفة حازمة دفاعا عن الطفولة ،وحماية لها من التشويه ، لكي ينشأ الأطفال بعالم خال ٍ من العنف ، وصولات دواليب الدم !!

أحدث المقالات