القسم السادس
لقد ختمنا القسم السابق (الخامس) من مقالتنا ببعض مما ورد في بيان رئاسة إقليم كوردستان الصادر بتاريخ 29/3/2017 ، حيث ( يجب تعميق منهج التعايش والأخوة والتآلف بين مكونات كركوك والحفاظ عليه ) ، وذلك هو الحق والقول الصائب الذي نؤيده ونتفق عليه دون لبس أو غموض ، إلا إن السياسة الموصوفة بفن الكذب والتلاعب بالألفاظ وخلط الأوراق ، لم تدع للصدق مكانا يليق به ، فبعد أن قرر مجلس النواب بالأغلبية المطلقة إلغاء قرار مجلس محافظة كركوك برفع علم كردستان على المؤسسات الحكومية فيها ، رفض مجلس الوزراء قرار حكومة كركوك المحلية برفع علم إقليم كردستان الى جانب العلم العراقي فوق المباني الحكومية ، المبلغ لذوي العلاقة بكتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء المرقم ( ق/2/1/45/14216) في 11/5/2017 ، مؤكدا على وجوب إحترام الأطر الدستورية والقانونية ضمن وحدة العراق ، وإن التنوع العرقي والإثني والقومي يعيش تحت ظله سكان محافظة كركوك ، مجددا حرصه في الحفاظ على وحدة العراق وحماية المواطنين والتعايش بين المكونات ، وإتباع كل السبل الدستورية والقانونية من أجل تحقيق ذلك ، وموضحا بأن يخضع مجلس المحافظة والمجالس المحلية لرقابة مجلس النواب ، إستنادا لنص المادة (2/ثانيا) من قانون المحافظات غير المرتبطة بإقليم رقم (21) لسنة 2008 ، ومن ثم يكون قرار مجلس النواب بإلغاء قرار مجلس المحافظة واجب الإتباع . كما أكد المتحدث بإسم الحكومة العراقية على ضرورة رفع العلم العراقي لوحده في محافظة كركوك ، لأن رفع علم الإقليم أمر غير دستوري ، مشيرا إلى أن الحكومة العراقية ترفض جميع المواقف الأحادية في هذا الجانب ، لأن الدستور العراقي أوضح صلاحيات الحكومات المحلية في المحافظات التي لا ترتبط بإقليم، ومحافظة كركوك واحدة من هذه المحافظات ، وإن وضع كركوك ضمن المناطق المتنازع عليها لا يخرجها من صلاحيات الحكومة الإتحادية العراقية ، ولهذا لا يجوز رفع أعلام أخرى عليها غير العلم العراقي ، هي وكل المناطق الواقعة خارج حدود إقليم كردستان، ولكن ذلك الأمر البرلماني والحكومي لم يلق غير التهكم والسخرية من قبل نواب وسياسيي الأكراد ، والأغرب من ذلك ما حصل بعد إصدار محكمة القضاء الإداري قرارها المرقم (799/2017) في 16/8/2017 المتضمن ( وقد لاحظت المحكمة بان التشريعات النافذة لم تجز لأية جهة أن ترفع علما آخر إلى جانب علم جمهورية العراق ، ومنها قانون علم العراق رقم (33) لسنة 1986 ونظام علم العراق رقم (6) لسنة 1986… لذا قرر بالإتفاق إلغاء القرار المرقم (910) في 30/3/2017 ، المتخذ بناء على ماجاء في الجلسة رقم (337) في 28/3/2017 والأوامر الإدارية المتعلقة الصادرة بشأن رفع علم إقليم كردستان بجانب علم جمهورية العراق في جميع دوائر المحافظة والشركات العامة التابعة للوزارات وفي المناسبات الرسمية …) ، حيث رفض محافظ كركوك إنزال علم إقليم كردستان من المؤسسات الحكومية في المحافظة ، وقال إن ( علم كردستان لن ينزل من مدينة كركوك … وإن حكومة العراق تهمل كركوك ولا تقدم أي خدمات لسكانها ، لأنها متأكدة أن كركوك ليست تابعة للعراق … وأنه لا يوجد نص دستوري يمنع رفع راية كردستان ، طالما أن العلم العراقي مرفوع في المدينة ) . ولسنا بصدد مناقشة عديد القيل والقال من التصريحات التي لا تنم عن فهم وإدراك لما يجب أن تكون عليه العلاقة التنظيمية الرسمية بين الحكومة المركزية والإدارة المحلية للمحافظة ، من حسن التعامل وعدم تجاوز حدود النظام والآداب العامة ، إلى حد بلوغ إستخدام لغة التحدي الفارغ والتطلعات غير المشروعة ، إذ كيف يقبل قول المحافظ ( إن حكومة العراق تهمل كركوك لأنها متأكدة أن كركوك ليست تابعة للعراق ) ، ونص المادة (116) من الدستور ، يقضي بأن ( يتكون النظام الإتحادي في جمهورية العراق ، من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية ) . ثم أي عراق ذلك الذي يتكلم عنه وهو مسؤول إدارة أحدى محافظاته ، ولمن تتبع محافظة كركوك وإقليم كردستان إن لم يكونا من ضمن التقسيمات والتشكيلات التابعة لجمهورية العراق قبل الإحتلال وبعده ؟!. وكيف ( يضمن هذا الدستور الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة ، كالتركمان ، والكلدان والآشوريين ، وسائر المكونات الأخرى ، وينظم ذلك بقانون ) حسب نص المادة (125) منه . والمحافظ بهذا المستوى الضحل من التفكير العنصري والإنفصالي المتخلف ؟!.
إن في تجارب الشعوب ونظامها الإتحادي ما يفيدنا ، حين البحث في كيفية رفع أعلام الولايات المتحدة في أمريكا إلى جانب العلم الرسمي لها مثلا ، ما يساعد على نقل التجربة العملية في ذلك الشأن ، حين نجد رفع راية الولاية داخل البناية الرسمية لحاكم الولاية فقط ، وليس كما هو في العراق بعد الإحتلال ، ولكن إجراء الإستفتاء على إستقلال إقليم كردسان في 25/9/2017 ، كشف النوايا غير الخفية بشكل عملي وحقيقي ، وموضوع العلم جزء بسيط وممهد لذلك سياسيا من خلال الحكم المحلي بصيغة الإقليم ، وما أن نفذت الحكومة العراقية الإتحادية ( عمليات فرض الأمن في كركوك ) بتأريخ 10/10/2017 ، المستندة إلى نص الدستور ، بأن إدارة الأمن في المناطق المتنازع عليها هي من صلاحيات الحكومة الإتحادية ، فقد أنزل علم إقليم كردستان من على مقرات البيشمركة والدوائر الحكومية في كركوك منذ ذلك التأريخ وحتى الآن ، وقد إتهم السياسيون الأكراد بعضهم البعض الآخر بالخيانة ؟!.
ولعل ما يؤيد كل ما تقدم ، نصوص القوانين في هذا المجال ، التي تجيز إختيار شعار للمحافظة أو الإقليم أو الحزب فقط ، وليس علما خاص بكل منها ، وكما يأتي :-
أولا- نصت المادة ( 7/ ثالث عشر ) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 ، على أن يختص مجلس المحافظة في (( إختيار شعار للمحافظة ، مستوحى من الإرث التأريخي والحضاري لها )) .
ثانيا- نصت المادة (30) من قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010 ، على أن (( لا يجوز أن تتخذ المنظمة إسما يشابه أسماء الجهات الحكومية أو الأحزاب أو الكيانات السياسية أو الإتحادات أو النقابات )) .
ثالثا- نصت المادة (7) من قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 ، على أن (( يكون لكل حزب إسمه الخاص به ، وشعاره المميز له ، وينبغي أن يكون الإسم الكامل لكل حزب وإسمه المختصر ، وكذلك الشعار المميز له مختلفا عن تلك العائدة لأحزاب سياسية سابقة ومسجلة وفق هذا القانون )) .
أفلا تقرأون ما شرعتم أيها الطارئون ، أم أنكم مجبولون على ما تسمونه ( معارضة ) وأنتم أبعد ما تكونون منها ولا إليها تنتمون ؟!. وقد فصلنا لكم القول بأن لا وجود لعلم خاص بإقليم أو محافظة أو حزب أو منظمة مجتمع مدني ، كما لا يعلو على علم العراق أو يرفع إلى جانبه علم آخر … إنه هو فقط لا غير … وعليكم تذكر زيارة السيد مسعود بارزاني لبغداد في 21/11/2018 ، في الوقت الذي كان فيه رئيس الجمهورية خارج العراق ؟!، وبعد كل ما أشرنا إليها من أحداث ، وإعلموا أنها زيارة إستطلاع وإستكشاف تمهيدي لمرحلة جديدة ، وما تقتضيه من متطلبات رفع سقوف مطالب السياسيين الأكراد ؟!. أو أن هنالك ما يفوق إجراء الإستفتاء على إستقلال كردستان في 25/9/2017 ؟!. من قبيل مد النفوذ والسيطرة على كركوك من جديد ؟!.