القسم الرابع
إن التدقيق في صياغة ومضمون الأسباب الموجبة لإصدار قانون علم إقليم كردستان المرقم (14) في 11/11/1999 ، يشير إلى حالة التخبط في إيجاد مبرر لصدور القانون في سنة 1999 ، بدليل ما أورده من تحديد برلمان كوردستان العراق سنة 1992 ، بأن ( علاقته الدستورية لهذه المرحلة مع السلطة المركزية ، على أساس الإتحاد الفدرالي ضمن عراق ديمقراطي برلماني ) ، وذلك ما لم تكن السلطة المركزية آنذاك على إستعداد لقبول أو تقبل مثل ذلك ( القرار التأريخي ) حسب نص الأسباب الموجبة ، ثم إن عبارة ( لكل كيان سياسي ، على إختلاف درجته وشكله الدستوري ، علم يعبر عن عزة وكرامة شعبه ويرمز إلى وطن ذلك الشعب ) ، مسألة لا تخص كل الأحزاب السياسية وطموحاتها المختلفة ، شأنها في ذلك شأن كل قبيلة أو عشيرة إتخذت راية ترمز لها ضمن وحدة الشعب والوطن ، دون أن ينصرف القصد والمعنى إلى أن يكون لكل كيان سياسي علم يعبر ويرمز إلى ما وصف به ، لأن الكيانات السياسية ومهما تعددت ، تنبثق من الشعوب والأوطان وليس العكس ، وبذلك فإنها لا تمثل تلك الشعوب والأوطان بشكل مطلق وتام ، وعليه فإن سلطتها ستكون أضعف وخلافا لشأن الدولة الراعية لكل الكيانات السياسية فيها ، التي تسعى إلى التوسع والإمتداد لتحقيق مصالحها على حساب الدولة الأم ، إنطلاقا من فرض الأمر الواقع بالقوة المسلحة وبمساعدة ومساندة دول الحرب والعدوان والإحتلال ؟!، أكثر من سعيها إلى صيانة رمز إستقلال الدولة وسيادتها وتعاملها مع مختلف دول العالم ، على وفق الأعراف والمواثيق الدولية ؟!. تجنبا لوقائع الفوضى والإرتباك الذي لا يخدم طرفي الصراع السياسي ، في جميع مراحل نشوئها المتعثرة بخطى طموحها وطمعها السابق لزمانها ، وغير المدرك لتداعيات ما يحيط بها .
أما ما يتعلق بشأن القاضي محمد (1893-1947) رئيس جمهورية مهاباد ، فهو ثاني من
أعلنوا الدولة الكردية في الشرق الأوسط ( بعد جمهورية أرارات التركية ) ، وهو من شجع الأكراد على تعلم العلوم والفنون لمواجهة ما كان يوصف بالإضطهاد والظلم بحق الكرد ، ولأنه قد تأثر بالأفكار الديمقراطية والوطنية ، وإنضم في ثلاثينيات القرن المنصرم إلى حزب (خويبون) الذي تأسس عام 1927.
*- وفي عام 1942 تأسست جمعية بعث كردستان ، وتركز نشاطها في مهاباد الإيرانية ، ثم تحول إسمها عام 1945 إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان بزعامته ، وكان برنامجه يتلخص في تحقيق الحرية في إيران ، والحكم الذاتي لكردستان داخل الحدود الإيرانية ، والإخاء مع الشعب الآذربيجاني وكل الأقليات غير الفارسية ، وإنتشرت شعبية الحزب في المنطقة وضمت مختلف فئات الكرد . وعليه إستثمر ( قاضي محمد ) ظروف ضعف الحكم في طهران ووجود القوات الروسية في الأراضي الإيرانية ، ليعلن في 22/1/ 1946 قيام ما عرف بجمهورية مهاباد أو جمهورية كردستان الديمقراطية بالوصف الكردي ، وانتخب رئيسا لها . واعتمد على السوفييت في تسليح قوات حزبه وتدريبهم . ونتيجة لحب الأكراد له ، أطلقوا عليه لقب ( بشه وا ) أي الإمام . وقد حاول التفاوض مع حكومة طهران حول علاقة جمهوريته بوصفها سلطة حكم ذاتي مع الحكومة المركزية ، لكن الحكومة الإيرانية ردت في كانون الأول/ ديسمبر1946 ، بإرسال حملة عسكرية بعد إنسحاب القوات السوفيتية من إيران ، نجحت فيها بالقضاء على الجمهورية الكردية الفتية . وبعد وصول القوات الإيرانية إلى مهاباد ، قام قائد تلك القوات (همايوني) بجمع قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في بلدية المدينة ، وطلب منهم الأسلحة المستلمة من الإتحاد السوفييتي ، فأجابوه أن البنادق وزعت وأحرقت قائمة الأسماء الذين إستلموها ، وقام ( قاضي محمد ) بوضع مسؤولية هذا العمل على عاتقه الشخصي فقط ، فأعتقل ومعه جميع الموجودين من قادة الحزب البالغ عددهم (28) عضوا ، عدا الملا مصطفى البارزاني الذي إلتحق بالقوات السوفيتية المنسحبة ، وتمت محاكمة ( قاضي محمد ) عسكريا ، فحكم عليه بالإعدام في 23/1/ 1947 في ساحة جارجرا ، وهي نفس الساحة التي أعلن فيها قيام جمهورية مهاباد .
*- وبناء على ما تقدم ، يكون القول ( ولقد كان لكوردستان راية تداولتها الأجيال ، ودافع عنها وصانها قادة الكورد الميامين ، إلى أن سلمها القائد الخالد القاضي محمد قبيل إستشهاده ، إلى زعيم وروح الأمة الخالد مصطفى البارزاني ، الذي حافظ عليها ودافع في سبيل إعلائها بكل تفاني وإخلاص ، وإكراما لهذه المسيرة التأريخية ، وهذا الإخلاص والتفاني والتقدير ، وتحقيقا لحلم شعبنا وإستجابة لرغبته وإمتثالا لإرادته ، ولإجل التجسيد التشريعي والقانوني لهذه الراية ، الذي يتم لأول مرة في تأريخ الكورد وكوردستان ) . غير متطابق مع واقع الحال ، لأن الملا مصطفى البارزاني عاد من الإتحاد السوفيتي إلى العراق في يوم 5 /10/1958 ، وبعد عودته من زيارة إلى الإتحاد السوفيتي في شهر كانون الثاني من سنة 1961 ، قابل البارزاني عبد الكريم قاسم في شهر شباط ( بعد شهر من عودته إلى العراق ) ، حيث لم يظهر الزعيم عبد الكريم قاسم الود والترحيب كما كان في السابق ، فحاول البارزاني تجديد الولاء للحكومة العراقية ؟!، إلا أنه قرر ترك بغداد والرجوع إلى كردستان وذلك في شهر آذار 1961 ، لتندلع المعركة المسلحة مع حكومة عبد الكريم قاسم في تموز 1961 ، مما يؤكد غياب الملا مصطفى البارزاني عن الراية والحفاظ عليها والدفاع في سبيل إعلائها بكل تفاني وإخلاص لمدة (15) خمسة عشرة سنة في الأقل ، في المنطقة التي نشأت فيها الراية وليس في العراق ؟!. الذي كان ساحة الصراع المسلح بين الحركة الكردية المتمردة على حكومة العراق المركزية ولغاية الآن ، بإستثناء فترات التمهيد لرفع سقوف المطالب بإتجاه الإستقلال على حساب مساحة وثروات الوطن العراق ، دون غيره من دول الجوار التي يتجاوز عدد الأكراد فيها على ضعف المتواجدين فيه ؟!. وبدون توافق وإتفاق المثلث العراقي التركي الإيراني وبإشراف دولي ، على تحديد المناطق المكونة للدولة الكردستانية ، وفقا لقواعد حق تقرير المصير ؟!. بدلا من إستغلال الدول المختلفة للموضوع كورقة ضغط عند تصادم مصالحها السياسية ، دون مبالاة لما يدفعه سكان المنطقة من ثمن باهظ ، لتحقيق مصالح أحزاب وسياسات حكومات متناوبة ؟!.