القسم الثاني
إن مدة حكم حزب البعث للعراق لخمس وثلاثين سنة تقريبا ، إعتبارا من 17/7/1968 ولغاية 9/4/2003 ، المتميزة بحكم الإدارة شبه المركزية في أفضل مراحل تطبيقاته العملية ، لا بد من أن تترك بعض من سمات بصماتها المنبثقة من توجهات سياسية حزبية معروفة ، على مجمل الأنشطة والممارسات العملية والفعلية ، الداخلية والخارجية للدولة الحاكمة طيلة تلك المدة ، ومن بينها ما يرمز به إليها من علم وشعار ونشيد وطني ، حيث نصت الفقرة (ثانيا) من المادة (2) من قانون علم العراق رقم (33) في 8/3/1986 ، على أن ( تمثل ألوان العلم العراقي ألوان الرايات العربية التي أستخدمت في التأريخ العربي ، منذ فجر الإسلام حتى الوقت الحاضر ، وتمثل النجوم الثلاث مبادئ الوحدة والحرية والإشتراكية ) ، كذلك نصت الأسباب الموجبة لتشريع القانون المذكور ، بأن ( كانت الراية في تأريخ العراق والتأريخ العربي بشكل عام ، رمزا مهما من رموز الكرامة والعزة والوطنية والقومية ، وقد أولاها أجدادنا أهمية متميزة ، سواء في دفاعهم عن مبادئهم أو في إحتفالاتهم الوطنية ، وإعتزازا من ثورة السابع عشر/ الثلاثين من تموز المجيدة بالعلم العراقي ، وما يمثله من قيم الرفعة والإعتزاز بالرمز الوطني ، ونظرا لأهمية الأحكام والمراسم المتعلقة بالعلم ، ولعدم تضمين قانون العلم الوطني رقم (28) لسنة 1963 لكل هذه الأحكام والمراسم ، فقد شرع هذا القانون) الذي عدلت المادة (2/أولا) منه بموجب القانون رقم (6) في 22/1/1991 ( وتكون على الوجهين عبارة الله أكبر ، كلمة ( الله ) بعد النجمة الأولى ، وكلمة (أكبر) بعد النجمة الثانية ) ، كما تقرر بموجب القانون رقم (14) في12/5/1992 ، تعديل قانون شعار الجمهورية العراقية وختمها رقم (85) في 2/6/1965 على أن (1- تحل عبارة ( جمهورية العراق ) محل عبارة ( الجمهورية العراقية ) الواردة في القانون المذكور آنفا . و ( 2- يتمثل شعار الجمهورية في نسر زخرفي مأخوذ من نسر ( صلاح الدين ) ، مرتكز على قاعدة كتب عليها بالخط الكوفي ( جمهورية العراق ) …
أما بعد الإحتلال الغاشم سنة 2003 ، فقد نصت المادة (8) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية لسنة 2003 ، على أن ( يحدد علم الدولة ونشيدها وشعارها بقانون ) ، وتلك وصية المحتل وإن إختلفت صياغة النص القانوني دون المساس بجوهر مضمونه ، حيث لا يعقل أن يكون المحتل وأعوانه قد وجدوا العراق من غير علم أو نشيد أو شعار وطني ، إلا إنها ضغينة عقول وتفكير الطارئين الذين لا ينتمون إلى العراق ، ولا يعرفون مضمون تشريعاته الرصينة في هذا المجال أو في غيره ، وإن لم ولن يستطيعوا الإتيان بأقل من معشارها وطنية ومهنية خالصة ، ولا يخفى وفي ضوء كل ما تقدم من بينات ، أسباب إصرار المحتل وأعوانه على تغيير العلم العراقي بآخر ينسيهم ما يذكرهم به ، مستغلين جهلهم وجهل الكثيرين بالقانون وبتفاصيل مواده والأسباب الموجبة لتشريعه ، وترديد الببغاوات لما يعد من الإشاعات والحكايات والإتهامات والتأويلات الباطلة ، ليطل على الشعب العراقي نموذج علم أقره مجلس الحكم بقراره المرقم (72) في 28/4/2004 ، بتوقيع ( مسعود بارزاني ) بصفته رئيس المجلس حينها ، والمتضمن ( إعتماد التصميم المرفق ، ليكون علما مؤقتا لجمهورية العراق لحين إنتخاب الجمعية الوطنية واقرار العلم الدائم ) . المتكون من هلال باللون الأزرق الفاتح على خلفية بيضاء ، وخط باللون الأصفر بين خطين باللون الأزرق في الجزء السفلي من العلم . ويرمز الهلال الأزرق في تصميم العلم الجديد إلى الإسلام ، ويشير الخطين الأزرقين إلى نهري دجلة والفرات ، والخط الأصفر إلى الأكراد ؟!. وقد أثار تصميم العلم موجه غضب وإنتقادات كبيرة ، ولاقى إستهجانا ورفضا شديدا من قبل قطاعات واسعة من الشعب العراقي ، كونه شبيها بعلم الكيان الصهيوني في إسرائيل ، ثم لتبدأ بعد الرفض الشعبي لإعتماده ، تصريحات وتبريرات سياسيين لا يشك في ولائهم للأجنبي الآثم بإحتلاله وحقده على العراق ، ومنها أن النجوم الثلاثة ترمز إلى أهداف حزب البعث ، في الوقت الذي كان النص القانوني واضحا في كونها تمثل مبادئ الوحدة والحرية والإشتراكية ، وهي ذات ما تمثله على وفق مضمون النص السابق لإعلان ميثاق الوحدة الإتحادية عام 1963، والفرق بين (المبادئ) التي تعني الأسس والقواعد العامة ، وبين (الأهداف) التي تعني الغرض المقصود تحقيقه من التوجهات السياسية المعلومة والمحددة ، واضحة ومعلومة ، إلا إن التشابه في المفردات المستخدمة أفزع دعاة التغيير المزعوم في ظل الإحتلال ، وحرك غريزة الرغبة في تبديل أغلب المفاهيم على وفق التوجهات السياسية الساذجة ، كالتي أطلقها رئيس إقليم كردستان حينها ، من أن العلم السابق قد قتل في ظله عدد من الأكراد ، متناسيا ومتجاهلا عدد الذين قتلوا من العراقيين تحت ظل أعلام كافة حكومات العراق ، وتحت ظل علم حركة التمرد الكردي المسلح وأنصارها من أعضاء الأحزاب الأخرى ، منذ العهد الملكي ولغاية الإحتلال الأمريكي البغيض للعراق ، إضافة إلى منع رفع العلم العراقي في إقليم كردستان ، الذي هو جزء من شمال العراق ، والإقتصار على رفع علم الإقليم بعد الإحتلال سنة 2003 إلى حين إقرار قانون العلم العراقي الجديد . ولكنه لم يدرك أن علينا أن لا ننسى من قضى نحبه شهيدا من العراقيين جميعا تحت ذات الرايات ، في معارك العرب ضد الكيان الصهيوني الغاصب لأرض العرب في فلسطين ، وكذلك عند مواجهة عديد الأعداء من حاملي أعلام ورايات إسرائيل وإيران وأمريكا ومن معهم من دول العدوان الثلاثيني عام 1991 ، ودول الإحتلال عام 2003 ومن معهم من العراقيين ورعاع سياسة العدوان وأرباب خيانة الأوطان سنة 2014 . إلى الحد الذي هدرت فية كرامة الشهيد وهيبة (الدولة) أمام سياسيي الصدفة ، وهم ينظرون إلى سفير إيران مغادرا قاعة الإحتفاء بذكرى الشهيد في 15/12/2018 ، عندما طلب مقدم الحفل الذي نظمه تحالف البناء من الحاضرين ، الوقوف دقيقة صمت تكريما لأرواح شهداء العراق ؟!. في ظل راية العراق ؟!. وبدون إتخاذ قرار طرده الذي يستحق وهو صاغر مهان ؟!.