23 ديسمبر، 2024 10:48 ص

عش الدبابير ونظرية المؤامرة

عش الدبابير ونظرية المؤامرة

لست من المولعين كثيرا بنظرية المؤامرة برغم هوس الكثيرين بها  الا اني اجدها شماعة للفشل عن معالجة مشاكل كثيرة اقتحمت حياتنا على الصعيد السياسي والاقتصادي والامني ، فكلما واجهتنا ازمة انبرى لها مهووسو تلك النظرية فقالوا إن جهات اقليمية ودولية خططت وموّلت ونفذت بأذرع موالية لها ، واذا كنت لا استبعد وجود حالات مشابهة في واقعنا نظرا للتركيبة المعقدة الموجودة في منطقتنا وتصارع الاتجاهات التي تفتح الباب على مصراعيه لاستغلال هكذا حالات للوصول الى مكاسب جهات دخلت على الخط مستفيدة من الحالة المرتبكة في مجتمعاتنا وهشاشة الطبيعة المعرفية وتأخرها فتبدأ بتحريك المشهد كمن يحرك الاحجار على رقعة الشطرنج ، رغم قناعتي بإمكانية حدوث ذلك إلا انني أجد من السذاجة بمكان أن نعلق كل الاحدث صغيرها و كبيرها على ذلك السيناريو لنتنصل عن حمل وزر واقعنا ومآلاته ..
وعندما تبرز على الواجهة ظاهرة معينة أو احداث ملفتة تكثر حولها الاقاويل والتأويلات وهذا عينه ما شهدناه بعد العاشر من حزيران يكون لزاما علينا التوقف عندها والتفكير مليّا بما يحدث حين سطع نجم ما اصطُلح على تسميته اختصارا بتنظيم داعش والذي اصبح لاحقا الدولة الاسلامية والذي استطاع ان يخطف الاضواء عن تنظيم القاعدة الذي ظل طوال سنوات متسيّدا المشهد !! فلم يعد للقاعدة ذكر في غالب نشرات الاخبار الا ما تناثر هنا وهناك وحصة الاسد كانت لداعش ( الدولة الاسلامية ) واخواتها المبايعات لها .
وكنت كغيري من المتابعين لتطورات الاحداث ابحث واتجول بين صفحات المواقع والوكالات وبينما انا كذلك اذ وقع نظري على خبر مفاده أن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن كشف ان الوكالة وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية MI6 والموساد الإسرائيلي وراء ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ” داعش” ويخلص تقرير سنودن أن عملية تُعرف باسم “عش الدبابير ” تهدف الى جمع المتطرفين من كل انحاء العالم بالقرب من اسرائيل غير ان فوّهات بنادق تلك الجماعة المتطرفة تبقى موجهة الى انظمة تلك الدول الموجودة فيها لضمان حماية اسرائيل في إشارة الى داعش وعملية عُرفت باسم ( عش الدبابير ) .. ويواصل التقرير ان زعيم الدولة الاسلامية أبا بكر البغدادي تم تدريبه لمدة سنة على يد الموساد الاسرائيلي على استخدام السلاح وتعلُّم فن الخطابة وعلم اللاهوت .
هذا ابرز ما تناقلته الوكالات عن التقرير المنسوب الى ادوارد سنودن والذي بحثت كثيرا فلم اجد غير نص واحد بنفس المحتوى قد تم تداوله بين تلك الوكالات والصحف ورغم جهودي المضنية بمحاولة الوصول الى نص التقرير المسرب الا انها باءت بالفشل ..

واذا ما سلّمنا بصحة نسبة هذا التقرير للموظف السابق في وكالة الامن القومي الامريكي فإن تساؤلات عدة تحوم حوله ابرزها :
لماذا تم الكشف عن تلك المعلومات الان ؟؟
 لماذا لا يوجد الا محتوى واحد للخبر بكل الوكالات ؟؟
 لماذا لم تنشر تلك الوكالات نسخة الوثيقة المسرّبة واكتفت بالسرد فقط؟؟
 الى أي مدى يمكن ان يقنع هكذا خبر مؤيدي البغدادي بأنه عميل ؟؟
 ولماذا يجب أن نصدق اساسا بما يقوله سنودن ؟؟

نعود الى بداية حديثنا عن نظرية المؤامرة ، إن المتتبع لفكر الجماعات الجهادية لن يألو جهدا باكتشاف طبيعة الفكر والنشأة منذ أيام الحرب الافغانية في ثمانينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا ، وإذا ما سبرنا اغوار ذلك الفكر وجدنا ان ادبياته تحتوي الكثير من التشدد المبني على تأويلات شرعية انتجت احكاما قاسية بحق المخالفين تركت آثارها دما مهراقا واستخفافا بالارواح في مختلف البلدان التي تواجد فيها !! حتى ان بعض منظري تيار السلفية الجهادية امثال ابي محمد المقدسي وابي قتادة الفلسطيني وابي بصير الطرطوسي وغيرهم اصدروا فتاوى بالضد من افعال الدولة الاسلامية ما يعني ان هناك تحولا خطيرا في منهج التيار السلفي الجهادي وانشطارا واضحا في انتماءاته وهو ما بان واضحا في تراشق الاتهامات بين قادة القاعدة والدولة الاسلامية .
لكن بالعموم هكذا فكر لم يكن لينتشر لولا وجود البيئة الحاضنة له في مجتمعاتنا التي عانت التسطيح الفكري والتشظي والازمات على مدى عقود  وساهمت الحروب في تغذيته بشكل كبير وتسلط الانظمة الديكتاتورية على الشعوب وتعاطيها مع المعارضين لها بأسلوب همجي كل ذلك شكل ارضا خصبة وبيئة مناسبة وحاضنة موالية لنشوء ونماء التنظيمات المتطرفة على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها .. كل ذلك يجعلنا نعيد التفكير بمسألة المؤامرة التي نرمي عليها عللنا على طول الخط وكأننا لولاها لكانت مدننا كتلك التي جاءت بأحلام افلاطون في مدينته الفاضلة !!
لا شك ان هناك مصالح دولية وتصفية حسابات وصراعات وحروبا باردة وساخنة ساحاتها بلداننا المنكوبة غير ان ذلك لا يعني ان نعمي ابصارنا عن حجم مأساتنا ونقفز على واقعنا بطريقة التغابي ونتحاشى معالجة اخطائنا وتشكيل حروف حياتنا وتشخيص مواطن الخلل ونقاط الضعف لدينا ولملمة أوراقنا ورفع الخمار عن عقولنا وابصارنا كي نعاين الواقع بعيدا قليلا عن نظرية المؤامرة .