18 ديسمبر، 2024 9:09 م

في هذه الأيام نشاهد في طرقات المدينة سيارات حمل صغير وهي تحمل صناديق من الطماطة للبيع. سعر الصندوق الواحد منها يتراوح بين 3-4 الف دينار فقط لا غيرها. وكما يدعي البائع أن الصندوق الواحد يبلغ 12 كلغم والعهدة عليه.

بالطبع أن المبلغ زهيد وكل من يتراءى له المنظر يفكر في الوهلة الأولى بالسعر ويراود ذهنه ما يربحه هذا البائع؟! إنه يقود سيارة ويستهلك المحروقات وقد اشترى هذه الصناديق من شخص آخر ربح منها هو الآخر فكم يربح منها هذا المسكين؟! كم يربح يا ترى ذاك الفلاح الذي زرع وحصد وأفند أياماً طوال في المزرعة وهو يخدم هذا الزرع حتى ينبت؟! كل هذه الأسئلة تطرح نفسها بنفسها وأنا أنظر في الطرقات إلى الطماطة التي تجذبني بلونها الأحمر.

اشتريت صندوقاً من هذه الصناديق التي ملئت بالطماطة بلونها الحمراء القاني. وصلت البيت وبدأت عملية تفريع الصندوق من الطماطة. بعد أن قلبنا الصندوق وأصبحت الطماطة عاليها سافلها وبالعكس، حينها وجدت الإجابة على تساءلي القائل: ماذا يربح المزارع والفلاح والبائع بهذا الثمن البخس؟.

الإجابة كانت مخفية داخل الصندوق بين حبات الطماطة، حيث تبين أن ظاهر الصندوق من الطماطة الحمراء تسر الناظرين، لكن أسفلها صفراء أو خضراء كالتفاح الأخضر أو تحسبها فاكهة مختلفة!. الظاهر شيء والباطن شيء آخر تماماً وإذا وزنت الطماطة التي يمكن الاستفادة منها تجدها لا تتجاوز 2-3 كلغم فقط.

مبدأ مهم في علم الجيولوجيا تفيد بأن الحاضر هو مفتاح الماضي. أي أن بالإمكان أن تستنتج ما حدث في الماضي من خلال ما هو متواجد بين يدك اليوم.

حبات الطماطة لم تصطف في صندوق الطماطة هذه من تلقاء نفسها ليكون الجيد منها في الأعلى والفاسد منها في الأسفل محجوبة عن النظر. لا بد أن هناك من جلس وفكر وخطط ودبر الأمر. لا بد أن هناك من وضع الطماطة في هذا الصندوق حبة حبة لتكون الحبة الجيدة فوق والتالفة في الأسفل. رغم أن البائع يبدو وكأنه مسكين والفلاح ذو مستوى تعليمي بسيط، إلاّ أن العملية ليست كما نتصورها أبداً. فمن أجل الربح الوفير واستثمار الفاسد من الطماطة والوصول إلى الجيوب واستحصال الأموال، من المؤكد أن هذه العملية قد تم إنجازها بدراية تامة. لو كانت حبات الطماطة قد رتبت بالعشوائيات لكانت بعض الحبات الخضراء الفاسدة تطفو إلى السطح أحيانا. أمّا أن تكون الحبات الحمراء البراقة في الأعلى دائماً والفاسدة بعيدة عن الأبصار، فهذا أمر مدبر لا محال والموجود الأن يدل على ما قد حصل في الأمس.

ما يحدث من حولنا من المتغيرات السياسية وغيرها هي ليست وليدة الصدفة والعشوائيات. فلا بد أن هناك من جلس وخطط لنكون على ما نحن عليه من الفوضى القصوى. أما إذا كان هذا التخبط هو نتيجة الفوضى والعشوائيات كما نتصور، لكنا نجد بعض الشيء من الإصلاح والانتظام والسلوك الجيد أحياناً.

ما يتراءى لنا من الفوضى في حياتنا اليوم ممكن أن نطلق عليها تسمية الفوضى الخلاقة. أي أن هناك من أراد لنا الفوضى لغاية في نفس يعقوب وليتمكن هو من تمرير الماء من تحت التبن. العشوائيات الخلاقة هذه هو مورفين من نوع مؤثر جداً، حيث تجعل الشعوب مشغولة بإنقاذ نفسها من الغرق في مستنقع العشوائيات والخروج منها بأي شكل من الأشكال. العشوائيات والفوضى تجعل الشعوب تنشغل مع نفسها دون أن تفكر بما يدور من حولها من جرائم وسرقات. سياسة خلق العشوائيات من أهم الطرق المتبعة لتمرير التفاهات.