23 ديسمبر، 2024 4:34 ص

عزيز محمد شيوعيـة بـلا جنـاح: الاستعبار والاستبصار

عزيز محمد شيوعيـة بـلا جنـاح: الاستعبار والاستبصار

الحلقة الثانية
عزيز محمد في الميزان
ولد عزيز محمد في العام 1924 في كردستان لعائلة فلّاحية معدمة ويقول في إحدى مقابلاته النادرة: إن والدتي ووالدي كانا يحسبان عمري بحساب الحصاد؛ وكان والده محمد عبدالله يعمل أجيراً في قرية بيركوت التي هي مسقط رأسه، أما والدته سوسن قد نزحت من قرية (وان وباش قلعة) في تركيا خلال الحرب العالمية الأولى وتزوّجت في إربيل، ولكن زواجها لم يدم طويلاً، ولذلك كان عزيز محمد يردّد إنه ” ابن أمه” اعتزازاً بها وبتربيتها على الرغم من ظروفها الصعبة والقاهرة التي أجبرتها على العمل في المنازل، وقد تعلّم القرآن كما يقول في مسجد أبو بكر الصدّيق ثم دخل المدرسة الابتدائية وتخرّج منها وعمل مستخدمًا في دائرة التموين لفترة قصيرة.
في بداية مشواره السياسي انتمى إلى حزب هيوا (الأمل) العام 1941 الذي كان أعضاؤه يردّدون القسم على القرآن وجبل كردستان والخنجر ورأس الرئيس، (مقابلة مع سيروان رحيم نشرت بعد وفاته في جريدة رووداو – باللغة الكردية على خمس حلقات، ترجمة خاصة ، بتاريخ 14-11 لغاية 2/12/2019، وأضيفت إليها حلقة سادسة مع زوجته الرفيقة “كافيه” التي ذكرت فيها أنه أمها تركمانية متعصبة وأولادها آراس وشيرين وفينك لم يتعرفوا على والدهم إلا بعد العام 1973 (بسبب ظروف العمل السري ما بعد انقلاب العام 1963) وقد تعرفت على عزيز محمد عن طريق الحزب كما تقول.
التحق عزيز محمد بصفوف حزب شورش (الثورة)، وفي أواخر العام 1945 ومطلع العام 1946 انتمى إلى الحزب الشيوعي بعد أن انتشرت الأفكار اليسارية بفعل انتصارات الجيش الأحمر السوفييتي وتولّى مسؤولية لجنة إربيل للحزب لاحقاً، وسرعان ما استدعي إلى بغداد لمهمة خاصة بعد اعتقال قادة الحزب “فهد وحازم وصارم” العام 1947 ليسكن في بيت المطبعة مع والدته، خصوصاً وهو غير معروف، وهو أسلوب غالباً ما يتبع في البيوت الحزبية، لغرض التمويه بإسكان عائلة في البيت الحزبي، وكانت تلك أولى مراحل احترافه الحزبي، حيث كان ما يزال شاباً يافعاً، ولم يمكث طويلاً في بغداد التي جاءها من كردستان حتى ألقي القبض عليه في 12/10/1948 كما يقول في إحدى مقابلاته القليلة، ورمي خلف قضبان السجن، بصدور الحكم عليه 15 عاماً قضى منها 10 سنوات متنقّلاً في السجون المعروفة مثل الكوت وبعقوبة وبغداد و”نقرة السلمان” الصحراوي الشهير، علمًا بأن والدته اعتقلت معه ومكثت في المعتقل نحو أربعة أشهر.
وكان قد تأثر بعز الدين فيضي كما يقول، وهو أحد التربويين في مدينة إربيل ومن عائلة دينية عريقة (أسرة الملا جرجيس الإربيلي). ويقول أن أول شيوعي في كردستان كان صالح الحيدري (شقيق جمال الحيدري الذي استشهد في العام 1963 وممتاز وجمشيد) وكان أنور دلوز من أوائل الذين مهّدوا للتنظيم الشيوعي. أما كيف اهتدى إلى الشيوعية، فقد كان عن طريق جمال الحيدري وملّا شريف ابن ملا عثمان ره نكه راشان.
وفي السجن كان عليه أن يستقبل خبر إعدام “فهد” أمين عام الحزب، الذي أحدث ضجّة في أجواء الحركة الشيوعية ذات المنهجية التقديسية للزعماء والأمناء العامين، وخصوصاً حين يكون شخصاً بمواصفات فهد وهيبته وسطوته على الحزب، فضلاً عن استشهاده البطولي.
وعاش عزيز محمد تجربة انشقاق”راية الشغيلة” كأحد أبرز مسؤوليها أو إدارييها مع جمال الحيدري في العام 1953 واشتهرت رسالته المعروفة “م” وهو اسمه الحزبي (مخلص) التي اعترض فيها على البرنامج الذي أصدره بهاء الدين نوري، والذي عدّه متطرّفاً، وقامت قيادة بهاء الدين نوري (باسم) بطرده وعدد من الكوادر معه وشهّرت بهم علناً وبالأسماء الصريحة التي كشفتها.
وكنتُ قد سألت نفسي: كيف اختار عزيز محمد طريق “العقلانية الحزبية” في السياسة وهو في السجن وقام بنقد التطرّف ومحاولات حرق المراحل التي اختارها الطرف الآخر، وبعدها هل اختار الانشطار أم أنه لجأ إليه اضطراراً على صعيد التنظيم على الرغم من كونه سجيناً؟ وغالباً ما يتّجه السجناء بحكم الضغوط التي يتعرّضون لها إلى التشدّد والتطرّف، فمن أين أتته تلك النزعة، لاسيّما وإن الحركة الشيوعية العراقية، شهدت في تاريخها تطرّفات أو استعدادات لها، لدرجة الانفلاتات أحياناً؟ وخلال سجنه كان متماسكاً ومرحاً وحاول أن يقرأ ويتعلّم ويواظب على الدراسة السجنية، وظلّ على هذا المنوال كما قال لي مستمرّاً في قراءة الأدب، وخصوصاً الرواية في حوار خاص معه في مطلع التسعينات، فضلاً عن تقوية لغته العربية.
وعاش عزيز محمد مرحلة ستالين وما بعده وشخصيته الأسطورية التي كان الشيوعيون يحلفون بها، وكان بعضهم يردّد “بالمبدأ والعقيدة والرفيق ستالين أبو البروليتاريا العالمية”، وعاش مرحلة نقده في العام 1956 على يد خروشوف،والمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، و”إنْ كانت هذه قد وصلت إلينا بطريقة مشوّشة وربما مريبة” كما يقول، الأمر الذي حزّ في نفوس كثيرين، بل إن بعضهم اعتبرها في بداية الأمر “دعاية امبريالية سوداء” ومحاولة لتشويه نُبل ستالين وطهريته وبطولته، خصوصاً بالمعلومات التي كانت تضخّها أجهزة الدعاية في الدول الاشتراكية،والصورة المثالية التي تعطيها عن المجتمعات الاشتراكية، وكنّا نصدق ذلك بحكم الصراع الأيديولوجي وظروف الحرب الباردة ، ناهيك عن حجم المعلومات الخاطئة والمغلوطة، بل وحتى الكاذبة عن نمط الحياة ومستوى التقدم المُحرز وحجم الحرّيات وقناعة الناس وغير ذلك من أساليب التضليل الديماغوجي التي تُظهر كل ما يخالفها بالسوء والاتهام والمشبوهية، وهو ما ينبغي أن نقوله في نقد أنفسنا وتوجهاتنا . وحسب نيتشه فإن القناعات الراسخة أكثر خطورة على الحقيقة من الأكاذيب.
وعاش عزيز محمد مرحلة ما بعد ثورة 14 تموز (يوليو) العام 1958، وما رافقها من نجاحات وانتصارات وأفراح، وكذلك من أحزان ومآسي وآلام، خصوصاً بتمزّق النسيج الوطني وانقسام الشارع العراقي إلى معسكرين:
الأول- القومي – البعثي، المدعوم من جمال عبد الناصر، والمؤيّد بشكل مباشر أو غير مباشر من بعض القوى المخلوعة والمحافظة، إضافة إلى بعض القوى الدينية الناشئة التي وجدت في هذا المعسكر وسيلة مناسبة لمواجهة ” الخطر الشيوعي”، لاسيّما وأن معاقلها أضحت مهدّدة، سواء بإخراج العراق من حلف بغداد ونظام الكتلة الاسترلينية وتأسيس منظمة الأوبك المصدرة للنفط وإصدار قانون رقم 188 للأحوال الشخصية العام 1959 الذي وضع لبنة أولية لمساواة المرأة بالرجل، وقانون رقم 80 لعام 1961 لاسترداد 99.5% من الأراضي العراقية من قبضة الاحتكارات النفطية .
وهذه المنجزات، إضافة إلى الاعتراف بشراكة العرب والأكراد في الوطن العراقي في الدستور المؤقت بعد الثورة مباشرة (27 تموز/يوليو والذي صاغه الفقيه القانوني حسين جميل ) وإصدار قانون الإصلاح الزراعي في 30 أيلول /سبتمبر/1958 رغم عيوبه وثغراته، كلّها جعلت الصراع حاداً وتناحرياً وإقصائياً، ولهذا حصل الاصطفاف والتمترس، لدرجة الاحتراب.
وقد كانت هناك مبرّرات إضافية للإطاحة بنظام الزعيم عبد الكريم قاسم، خصوصاً بعد المطالبة بضمّ الكويت وشنّ الحرب على الحركة الكردية لاحقاً العام 1961 والانفراد بالحكم وعدم انتهاء فترة الانتقال، وهذه العوامل جميعها قادت إلى الإطاحة بالحكم الوطني في العراق في 8 شباط (فبراير) 1963، وشكّل ذلك التاريخ تراجعاً ظلّ يتواصل بأشكال مختلفة، على الرغم من بعض المنجزات التي تحقّقت في السبعينات وهي عميقة وواسعة لكنها هي الأخرى لم تستمر، وشهدت البلاد موجة لم تعرفها من قبل من الاستبداد والعسف، ناهيك عن المغامرات والحروب.
أما المعسكر الثاني، فقد ضمّ الشيوعيين والحركة الكردية، وإنْ كانوا يحظون بدعم قائد الثورة عبد الكريم قاسم، لكن الخط البياني للتراجع كان واضحاً بعد ما سمّي بفترة “المدّ الثوري” آذار/مارس- تموز/يوليو 1959، وظلّ الديمقراطيون والوطنيون المؤطّرون وغير المؤطّرين يتذبذبون بين المعكسرين ، وإن كان ميلهم الأغلب إلى معسكر الحركة الشيوعية ، لكن الأخطاء التي وقعت بها هذه الأخيرة جعلتهم يتردّدون في الاعتراف بدورها الريادي على الرغم من سيطرتها شبه الكاملة في العام الأول من عمر الثورة على الشارع العراقي، وكان لمحاولة احتكار العمل السياسي وإقصاء الآخرين من الخصوم بمن فيهم حلفاء الأمس في “جبهة الاتحاد الوطني”، فضلاً عن ارتكابات شديدة سجّلت في رصيدهم السلبي، ولاسيّما في الموصل (آذار/مارس) وفي كركوك (تموز/يوليو) العام 1959، سبباً في هذا التباعد، خصوصاً مع الحزب الوطني الديمقراطي وشخصيات أخرى .
وإذا كانت حركة الشوّاف في 8 آذار (مارس) 1959 قد أحدثت شرخاً كبيراً في صفوف الحركة الوطنية وقادت إلى انفراط جبهة الاتحاد الوطني، بعد تصدّعها، فإن ما رافقها وما أعقبها انعكس على المشهد السياسي برمته وعلى السلطة والمعارضة في آن؛ وبغض النظر عن المجابهات المسلحة والمواجهات المباشرة وما سقط فيها من ضحايا، فإن واقعة “الدملماجة” التي حصلت بعد انتهاء المعارك وإعدام 17 شخصاً خارج القضاء من جانب محكمة صورية أثار الكثير من ردود الفعل الداخلية والخارجية، سواء تلك التي جاءت مباشرة أم التي حصلت بعد حين، فضلاً عن أن المطالبة بإعدام ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سرّي، ومن ثم الاستقواء على القوى الأخرى والعمل على إقصائها أو تهميشها وهذا ما ترك تأثيراته السلبية على الحزب الشيوعي قبل غيره.
وزاد الطين بلّة ما جرى في كركوك في 14-15 تموز (يوليو) من العام ذاته (1959) من مجزرة ضد التركمان راح ضحيتها أكثر من 31 إنسان ونحو 130 جريح، وأحرق 70 محل تجاري وقصفت دار سينما ، كل ذلك ساهم في صبّ الزيت على النار، بل أشعل الوضع السياسي برمته، لدرجة أن الزعيم عبد الكريم قاسم المناصر للشيوعيين، حتى ذلك الوقت، أُوغر صدره عليهم وتم تأليبه بسبب الإرتكابات التي حصلت والتي دمغها في خطابه الشهير بكنيسة مار يوسف 1959 ونعتها بالفوضوية، وبالطبع لم يكن ذلك بعيداً عن دور الدعاية الخارجية والدوائر الاستعمارية والرجعية التي ناهضت ثورة 14 تموز(يوليو).
أعود إلى الرفيق عزيز محمد الذي وصف الحادثة بما يلي: ” تعرّض الموكب (المقصود مسيرة 14 تموز) لإطلاق رصاص، ولم تُعرف الجهة التي أطلقت منها ودبّت الفوضى، بل الهستيريا، حتى الآن فقدت السيطرة على الوضع وحدثت انتهاكات وأعمال تصفية ضد التركمان. ولم يكن لنا فيها كمنظمة أي دور، وبالعكس بذلنا ما نستطيع من جهود لحقن الدماء ولم نوفق”.
أي كلام عام هذا؟ إذا كان مسؤول الفرع والمشرف على منظمة كركوك لا يعرف من أين أتى إطلاق النار؟ علماً بأن العديد من القيادات الشيوعية كانت تتولى مناصب عليا في المحافظة ، أذكر على سبيل المثال لا الحصر أن داود الجنابي (العميد الركن) كان قائد الفرقة الثانية للوحدات العسكرية وذلك بعد نقل ناظم الطبقجلي، ومعروف البرزنجي وهو كادر في الحزب الشيوعي كان سكرتيراً للجنة أنصار السلام وفي الوقت نفسه هو رئيس البلدية، والشهيد نافع يونس سكرتيراً لمنظمة الحزب وعوني يوسف رئيساً للمحكمة (من البارتي) إلى غير ذلك من قيادة الحزب للمنظمات الديمقراطية بمشاركة كردية (البارتي).
وكان مكرّم الطالباني العضو القيادي في الحزب الشيوعي حتى العام 1984 قد اشتكى من تصرّفات بعض الشيوعيين في المدينة الذين كانوا يعتبرونها مقاطعة شيوعية وتكهّن بحدوث انفجار للوضع بين الكرد والتركمان وحذّر من تدهور الأوضاع ومن الصدام الذي ستكون عواقبه وخيمة ولا تحمد عقباه بتقرير رفعه إلى قيادة الحزب الشيوعي، طالباً فيه معالجة الوضع، ولاسيّما تصرّفات بعض الرفاق التي تسيء إلى سمعة الحزب ومبادئه الإنسانية، (ويسمّيهم بالإسم) معتبراً تدخلاتهم لم تبقِ أي قيمة لرئيس الوحدة الإدارية (والمقصود – المتصرف/ المحافظ) وهو ما ورد في مخطوطة مذكرات مكرّم الطالباني والموسومة “الحياة لا تجري دوماً حفيفة ناعمة”.
ولا يمكن الاقتناع بما ورد على لسان الرفيق عزيز محمد، بأن ثمة هرج ومرج قد حصل وجرى إطلاق نار وفي اليوم الثاني حرقت محال تجارية ودكاكين (تعود إلى التركمان) وقُتِل من قُتل وجُرِحَ من جُرح دون تحديد الجهة المسؤولة عن ذلك باستثناء عبارات حول الجهات الخارجية وشركات النفط والقوى المعادية للثورة.
ظلّت تدور شبهات التواطؤ والمسؤولية بحق الشيوعيين، ولاسيّما الكرد منهم وبشكل أكبر بحق القوميين الكرد (البارتي)، وهو ما كنتُ قد توقّفتُ عنده أكثر من مرّة، وقد حاولت تقديم قراءة ارتجاعية لتلك الأحداث المأساوية في عدد من المعالجات انطلاقاً من النقد والنقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء وكشف الملابسات ضمن اجتهادات توصلت إليها عبر حوارات وقراءات وتدقيقات ومقارنات، إضافة إلى شهادات، لاسيّما من طرف الضحايا وعوائلهم. ويمكن الرجوع إليها في كتابي عن سلام عادل ” الدال والمدلول وما يمكث وما يزول” وفي مطارحات أخرى .
وقيّمت لاحقاً قيادة الحزب في العام 1959 ما حدث ، وأقتبس هنا النص الآتي: وفي خضم الصراع وذروته استثمرت عناصر مندسّة بعض الاندفاعات وساقتها في اتجاهات تدميرية أحياناً وإن: “لجوء بعض الجماهير المتأخرة سياسياً إلى أساليب السحل وتعذيب الموقوفين ونهب الممتلكات والتجاوزات على حقوق وحرّيات بعض المواطنين الأبرياء هو أسلوب لا يجمعه جامع مع الكفاح الثوري” وإذا كان ذلك صحيحاً ، وهو صحيح كما أعتقد، فأين دور الحزب الذي كان يهيمن على الشارع تماماً، ومعه المنظمات الديمقراطية والعديد من قادة الجيش في كركوك؟ ولو راجعنا جريدة اتحاد الشعب خلال ما حدث سنرى خطابها مختلفاً عن هذا التقييم. ولعل الجو العدائي السائد في المدينة ونهج احتكار العمل والاحتكاك الكردي- التركماني هو الذي دفع بعض الشيوعيين الكرد إلى الانخراط بذلك حتى بدون تعليمات من قيادة الحزب، دون أن نهمل دور الجهات المعادية الخارجية والداخلية التي ساهمت في توتير الأوضاع.
كان جديراً بالحزب الاعتذار عمّا حصل للضحايا وعوائلهم وهو ما يزال مطلباً لدى التركمان تجدّدت الدعوة إليه في العام 2009 في ذكرى 14 تموز (يوليو) . كما كان جديرًا به أيضًا أن يكشف عن المرتكبين وإذا كانوا من بين صفوفه أن يسلّمهم إلى السلطات لتقديمهم إلى القضاء لارتكاباتهم وأن لا يخفي ذلك ، والأجدى به أيضاً أن يقدّم نقداً ذاتياً صريحاً وجريئاً، إذا كان قد تورّط، بناء على معلومات مغلوطة أو تقديرات خاطئة. وما ينطبق على أحداث كركوك يمكن أن ينطبق على أحداث الموصل، لاسيّما في الموقف من الضحايا الأبرياء والقتل خارج القضاء وأجد في مثل هذا الموقف شجاعة ثورية وطهرية نضالية.
وأكتفي بهذا القدر ويمكن الرجوع إلى آرائي بخصوص ما حصل في الموصل وكركوك بتوسّع في كتاباتي العديدة منذ أكثر من ربع قرن ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتابي : عامر عبدالله – النار ومرارة الأمل ، وكتابي: المثقف في وعيه الشقي، وكتابي: المثقف وفقه الأزمة ، إضافة إلى كتاب: سلام عادل الدال والمدلول وما يمكث وما يزول.
وعزيز محمد كان قد تطوّع في تقديم اقتراح لحلّ التنظيم العسكري في اجتماع اللجنة المركزية، وإنهاء الوجود المنظّم للحزب الشيوعي في الجيش، ولا أدري على ماذا استند في ذلك ووفق أي حسابات؟ وكيف مرّت أو هُضمت مثل تلك المقترحات في حين كان الحزب في أوج قوته؟ وكان وجود رفاق له في الجيش عامل ردع ضد قوى كانت تتربّص به وبالتجربة الوليدة، وأثبتت التجربة أن حالة الخدر وكذلك عدم اليقظة وإهمال الخط العسكري، ساهم في إمرار المخططات التآمرية.
وعاش عزيز محمد تجربة ما بعد انقلاب 8 شباط (فبراير) 1963 وخط آب 1964 و”سمة العصر” التي كان يتم التنظير لها في إطار طريق التطوّر اللّارأسمالي والتي قال عنها بطريقته الناعمة المُملّحة “أنها لم تصل إلى كردستان” في معرض تعليق يحتوي السخرية والدهشة وعدم الرغبة في إبداء الرأي بشأن التوجّه الجديد للحركة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي، والدعوات المعلنة والمبطنة لحلّ الأحزاب الشيوعية، وخصوصاً العربية وتضخيم دور ما أطلق عليه “الديمقراطيون الثوريون”، وهو تعبير ملطف لـ “البرجوازية الصغيرة” بسبب صراعات معتقة قديمة وجديدة، ومراهنة السوفييت على تطوّر بعض أنظمة العالم الثالث ومنها نظام عبد الناصر في مصر ونظام هواري بومدين في الجزائر والنظام السوري في دمشق، لاسيّما بعد حركة 23 شباط (فبراير) 1966، إضافة إلى بعض بلدان آسيا وأفريقيا.
يتبع