23 ديسمبر، 2024 1:20 ص

عزوف الشباب عن القراءة …..ازمة فكرية أم مادية

عزوف الشباب عن القراءة …..ازمة فكرية أم مادية

ما أسباب عزوف الشباب عن القراءة؟، المشكلة التي نحتاج للوقوف عندها والبحث عن أسبابها ونتائجها وحلولها، عرفت بالملف الشائك والأشكالية المزعجة، والسؤال المحير الذي ردده الكثير في المنتديات والمحافل والتجمعات الثقافية، ولعل البحوث والآراء واستطلاع الرأي التي قام بها عدد من الكتاب والصحفيين لها الاثر الاكبر لتوضيح الصورة والوقوف على اغلب مسببات المشكلة وحلولها وعلى سبيل الذكر لا الحصر هذا ملخص ما جاء في التحقيق الذي أجرته لـ “swissinfo.ch”وكان بعنوان:

لماذا لا يقرأ العرب؟.. تتعدّد الأسباب و”الأزمة” واحدة!

ذكر في مقدمته: رغم انتشار “ظاهرة” إقامة معارض الكِـتاب في مُـعظم البلدان العربية، يُلاحظ الجميع انصراف الناس عن الحضور وعدم الإقبال على الشراء.. فما هو السبب؟ ورغم انتشار “المكتبات العامة” في العديد من الميادين والمدارس والجامعات العربية، فإن العين لا تخطئ عزوف الشباب الشديد عن القراءة والمطالعة.. فلماذا؟!

فكان رأي مريم التيجي، الكاتبة والباحثة المغربية: “السياسات الرسمية لا تشجِّـع المواطن المغربي على التّـصالح مع الكِـتاب”.

الدولة المغربية التي تستقدِم مغنِّـيين من كل أنحاء العالم وتعطيهم ملايين الدولارات وتقدِّمهم للجمهور مجانا في بعض المهرجانات، حيث تتحوّل ساحات المُـدن إلى موالِـد حقيقية، وحين يأتي موعد المعرض الدولي للكِـتاب، يختفي هذا الكرَم ويلزم كلّ من يريد اجتياز عَـتبات أبواب المعرض بأداء مبلغ من المال، حتى لو كان طالبا أو تلميذا أو مجرّد طفل! ، ممّا يطرح علامة استِـفهام كبيرة على هذه المفارقة، وتوضح مريم أن المكتبات العمومية المتبقِّـية في المغرب، باتت خاوية على عُـروشها.

متفقًا مع مريم (من المغرب)، يرى مازن غازي، الصحفي والإعلامي (من العراق) أن: “أسرع زيارة إلى المكتبات العامة في العراق، سترى مدى الإهمال والتخلّـف والتردّي الإداري لهذه المؤسسة التي تنفر ولا تجذب بموجوداتها وأثاثها المُـتهالك، الذي أكل عليه الدّهر وشرِب ولا يرقى الى عشر مِـعشار المكتبات الأوربية والأمريكية، التي نريد أن نجعل منها وسطا للمُـقارنة مع مكتباتِـنا البائسة”.

بينما كان رأي سمية رمضان الأديبة والكاتبة المصرية متفقا مع إسلام رمضان، مدير دار “ريتاغ” للتوزيع والنشر ومكرم ربيع الباحث اللغوي بالمركز العالمي للوسطية بالكويت: بأهمية العامِـل الاقتصادي وتأكيدهم على أن “الظروف الاقتصادية، وخاصة في الدول العربية النامية، والتي يُـعاني أغلب سكّـانها اقتصاديا (مثل مصر)، تُـعتبر عامِـلا هامّا في صرْف الناس عن القِـراءة وحضور معارض الكِـتاب، حتى وإن شعر بأهمية ذلك.

إلا أن مكرم ربيع يُـلفت الإنتِـباه إلى حقيقة مُـرّة، ألا وهي أنه “في بعض البلدان العربية، ذات الاقتصاد العالي (بلدان الخليج العربي)، لا تمثِّـل معارِض الكُـتب أو الشراء أهمية في حياتهم، وإن ذهبوا، كان ذلك للتنزّه وشغل أوقات الفراغ”، على حد قوله.

وتضيف مريم: أن أسعار الكُـتب التي لا تزال أعلى بكثير من القُـدرة الشرائية للمواطن المغربي الذي اتفق معها مكرم وسُـمية في إرجاع حالة الرّكود التي تُـعاني منها الصحافة العربية المطبوعة إلى “ارتفاع أسعارها، فضلا عن انتشار الإنترنت بشكل كبير وبأسعار منخفضة في ظل حالة التنافس بين الشركات التي تقدِّم هذه الخدمة”.

يشاطِـرهما إسلام الرأي موضحًا أن “الصحافة تأتينا بالأخبار التي نكون قد تابعناها في الفضائيات على الهواء مباشرة وسمعنا العديد من التحليلات والآراء حولها، فلماذا نشتري الجريدة؟ خاصة وأنها بعد عدّة ساعات ستكون موجودة كاملة على موقع الجريدة على الإنترنت؟!! وهو ما يمكنني من قراءة مقالات كبار ومشاهير الكتّـاب بالمجّـان!”.

تحقيق لـ(الراية) بعنوان لماذا يعزف الشباب عن القراءة؟

جاء في مقدمته: “لماذا لا يقرأ شبابنا العربي؟ وإذا قرأ فكم يحتل حيز القراءة من حياته؟ وهل انشغال الشاب العربي بالسعي وراء التكنولوجيا الحديثة له دور في تدني مستوى القراءة لدى الشباب؟ وما تأثير الإنترنت على عزوف الشباب عن شراء الكتب؟ وكيف حال القراءة في وطننا العربي مقارنة بالدول الأجنبية؟.

يؤكد راشد المري أن من أسباب عزوف الشباب عن القراءة هو دخول التكنولوجيا إلى حياته وأصبح يتصفح الإنترنت بكل سهولة بدلاً من الذهاب للمكتبة العامة.

يرى طلال الشمري أن ارتفاع أسعار الكتاب هو أهم أسباب عزوف الشباب عن القراءة.

مضيفا: ولو بحثنا عن حلول نجد بأنه لابد أولاً من أن يكون لدى الشاب والطالب همة للقراءة والمطالعة أكثر ولا يعتمد فقط على الكتب المدرسية، وأن تشجّع المدارس الطالب على القراءة مثل أن يطلب المدرّس من الطالب بحثاً علمياً مصغراً حول موضوع ما، فمثل هذه الأمور وتشجيع الطالب منذ الصغر على القراءة يُخرج جيلاً عندما يكبر يحب المطالعة والثقافة، وهناك أساليب أخرى فلا بد من تدعيم الكتاب وتشجيع الناس على القراءة كما تفعل دول الغرب.

وأرجع عبد الرحمن المري سبب عزوف الشباب عن القراءة: إلى تغير ظروف المجتمع وعدم الوثوق بالمثقفين باعتبار ما يقولونه أو يكتبونه لا يهمهم، فضلاً عن اهتمام الناس بما يدور حولنا أكثر من اهتمامهم بالقراءة.

محمد المحمد قال: نعم نعترف بأن هناك انحداراً كبيراً في القراءة، وجيل النشئ الجديد لا يعرف شيئاً عن الكتاب ويعتمدون على النت في كل شيء.

وجاء استبيان رأي لـ(شبكة نبأ المعلوماتية) فكان تساؤلها:

لماذا يعزف الجيل الجديد عن القراءة، وما هي السبل التي يمكن ان تشجعه وتدفعه نحو القراءة وحب الكتاب؟

قال فيه عبد الكريم ابو حمزة: نعم نلاحظ عزوفا عن القراءة بصورة لا تحتاج الى توضيح خاصة بين صفوف الشباب، والسبب في رأينا نكوص الجهد الثقافي والحكومي في دعم الكتاب ومشاريع القراءة.

عادل سلام: ﻻن مشاغل الحياة ابعدتهم عن القراءة، فنراهم يعملون بعد الدوام بالنسبة للطلاب، وبشكل عام فإن الثقافة الشخصية ترتبط بالوضع العام للبلد وكلما استقر البلد سياسيا واقتصاديا نجد ان الشباب يتجهون الى قراءة الكتب والثقافة العامة.

زهراء الاسدي: يبدأ حب الكتاب من رياض الاطفال.. الطفل تربة تستقبل بذور الحياة.. من الروضة نزرع فيه القراءة وتكبر معه.. هنك تقصير من الكل حتى الأم .

محمد علي العطار: 400 كتاب هو حجم الكتب المخصصة سنويا للطفل العربي، مقابل 13260 كتاب للطفل الأمريكي، و5838 كتاب للطفل البريطاني، و2118 كتاب للطفل الفرنسي، و1485 كتاب للطفل الروسي.

أما بحث واثق غازي الأستاذ بكلية العلوم جامعة البصرة بعنوان: عزوف الشباب عن القراءة، والذي بدأ بمقولة الفيلسوف مكسيم جوركي (إن هذه الكتب غسلت روحي وحررتها من أدران الواقع المرير العقيم. ولقد كان في جملة ما كسبته منها إدراكي أنني لم أكن وحدي على ظهر هذه الأرض، وبذلك أستحوذ علي شعور بأنني لست ضائعًا في هذه الحياة).

فقد أرجأ أسباب عزوف الشباب في مبحثه الأول الى سببين رئيسيين:

١- عدم إيمان الشباب بجدوى القراءة: إن الشباب اليوم لا يدركون أهمية القراءة، فهم لا يعتقدون بأن القراءة نافعة، بل أن بعضهم يعتقد أنها ضارة، وبالتالي فهم لا يملكون الدافع للقراءة لأننا نعلم من دراسات علم النفس، أن الإدراك هو المرحلة الأولى من مراحل الفعل البشري يتبعها الوجدان ومن ثم النزوع. إذاً يمكن القول إن السبب في أساسه معرفي لكنه يتحول بالنتيجة إلى سبب عاطفي، فالإنسان الذي يدرك أهمية القراءة في حياته يملك عاطفة إيجابية نحوها، والعكس صحيح فالمعرفة تولد الألفة والجهل يولد العداء. ومن الجدير بالذكر إن الإدراك لا يكفي لوحده في دفع الشباب للقراءة بل يجب أن يصبح هذا الإدراك سببًا في التأثر العاطفي أي الوجدان. فبعض الشباب يدركون أهمية القراءة في خلق توجهاتهم السليمة وفي بناء شخصياتهم، ولكنهم رغم ذلك لا يقرؤون لأن هذا الإدراك لم يتحول لديهم بعد إلى عاطفة حب للقراءة. وقد نجد شابًا يدرك أهمية القراءة ويحبها ولكنه لا يقرأ لأنه لم يصل بعد إلى مرحلة النزوع أو العمل وهي النتيجة النهائية التي يقود إليها الإدراك والوجدان. علينا أن نعلم أن هذه الخطوات متسلسلة وتحتاج إلى وقت، وكلما توفرت الظروف المساعدة كلما كان زمن الوصول إلى الهدف أقصر.

لذلك كان لزامًا علينا إذا أردنا لشبابنا التوجه نحو القراءة أن نبين لهم أهميتها أولا.

2- انشغال الشباب بوسائل الإعلام: تنافس وسائل الإعلام المسموعة والمرئية الكتاب المطبوع بل تتحداه أن يصمد أمامها، فهي تعمل على اجتذاب الشباب إليها بما تمتاز به من إثارة وجمال وتسلية، لتترك الكتاب المسكين قابعًا وحده على رفوف المكتبة مغطى بالتراب.

وهناك اسباب ثانوية وهي اقتصادية وسياسية وتربوية واجتماعية ونفسية.

ونلخص نتائج عزوف الشباب عن القراءة في نتيجة واحدة هي (ضعف الشخصية في جانبيها الفكري والسلوكي) وتترتب عليها نتائج عديدة ابرزها:

١_ فقدان إرادة التغيير: لعلنا لا نغالي إذا قلنا إن الشباب اليوم بصورة عامة لا يملكون من إرادة التغيير سوى النزر القليل. ويعود السبب في ذلك إلى ضعف وتدني الجانب المعرفي الذي هو الخطوة الأولى في عملية التغيير. ويمكننا أن نتحسس هذا الضعف من خلال مراجعة بعض الإحصاءات المتعلقة بهذا الموضوع، ففي الوطن العربي لا يتجاوز معدل القراءة للفرد الواحد (10) دقائق خلال العام. فالحقيقة التي لا ينكرها أحد هي أن أمة اقرأ لاتقرأ.

2 _ انعدام الفكر النقدي: لا نقصد بالفكر النقدي التمرد ورفض الواقع وعدم قبول الأوضاع الراهنة، فهذه تكاد تكون صفة ملازمة لشعوب الأوطان العربية والإسلامية. ولكن ما نقصده بالفكر النقدي هو القدرة على تشخيص مواطن الخلل وتحديد أسبابها ونتائجها ومحاولة إيجاد الحلول الناجحة لها.

3 _ شيوع الانحرافات الخلقية: يعد الفراغ آفة الشباب في هذا العصر، فبسببه يتحول الشاب إلى مجرم وإلى مدمن مخدرات، وهذا ما تؤكد عليه العديد من الدراسات الاجتماعية والسيكولوجية. لان الشباب طاقة إذا أسيء استخدامها وقعت الكارثة. ولو استطعنا أن نحول هذه الطاقة إلى القراءة والسعي وراء المعرفة بدلا من السعي وراء الجنس والمخدرات لاستطعنا أن نحل الكثير من مشكلات الشباب لدينا.

بما إن الحل يتمثل بإقناع الشباب بجدوى القراءة فإن الحلول يجب أن تبنى وفق قاعدة الحوار أي ايجاد السبل التي تضمن التواصل بين الشخص القارئ وبين الشاب غير القارئ وهذا يمكن تحقيقه باتباع الوسائل الفردية أو الجماعية وكما يلي..

1- الإقناع بأتباع الوسائل الفردية: تتمثل هذه الوسائل بقيام الإنسان القارئ والذي يفترض به أن يكون مثقفًا، بمحاولة إرشاد من يحيطون به وتنبيههم إلى ضرورة القراءة سواء كانوا من أفراد أسرته أو من أصدقائه أومن طلابه إذا كان مدرسًا.. الخ.

2- الإقناع بأتباع الوسائل الجماعية: يمكن أن يكون العمل جماعيًا بدل أن يكون فرديًا. فإنشاء مكتبات صغيرة لإعارة الكتب إلى الطلاب مثلا في كل كلية أو قسم من أقسام جامعاتنا لابد أن يساهم في تشجيع الطلاب على القراءة خصوصًا إذا كانت هذه المكتبات تدار من قبل الطلاب أنفسهم. ومن الجدير بالذكر أن المؤسسات التعليمية والتربوية المتمثلة بالمدارس والجامعات قادرة على زيادة وعي الطلاب وإشعارهم بأهمية القراءة أكثر من أي مؤسسة أخرى خصوصًا إذا تبنت هذه المؤسسات خطة واضحة لتحقيق ذلك، ولعلها تكون قادرة على إنجاز هذه الخطة بمجرد أن يجمع مدرسيها على تخصيص بضع دقائق من وقت المحاضرة للحديث عن أهمية القراءة أو أحد المواضيع الثقافية التي تستهوي الطلاب، على أن يكون طرح هذه المواضيع عفويًا وغير مصطنعًا.

(1) كلمتنا الأخيرة: (إن الثقافة هي وسيلة هامة من وسائل تربية الإرادة، ومن خلال الثقافة يمكن للإنسان أن يفهم واجبه، ويستثير حماسه الذاتي، ويكون لنفسه ملكة مستقلة للحكم على الأمور وتقديرها تقديراً صحيحًا، والإنسان المثقف هو الإنسان الشفاف المرن الذي لا يتجمد في موقف أو في حالة.. الذي لا يتصلب أمام ظرف أو مشكلة من المشاكل.. والشخص المثقف “طاقة” وليس “كتلة”.. والفرق بين الطاقة والكتلة، هو الفرق بين قطعة الخشب وتيار الكهرباء.. في الأول جمود وتصلب، وفي الثاني مرونة وحيوية وقابلية سريعة للتشكل.. فالثقافة العميقة تربي الإرادة، وتخلق الشخصية المستقلة الفعالة التي لا تقلد في العمل والقول، وإنما تقول الكلمة الصحيحة حسب الاستنتاج الواعي من خلال الموقف، والثقافة تؤدي إلى القدرة على مراجعة النفس باستمرار، ونقدها نقداً ذاتيًا مستمراً… والمراجعة النفسية والنقد الذاتي من اعظم وسائل بناء الشخصية السليمة الفعالة.. الشخصية القادرة على التضحية، وعلى إتقان العمل المثالي الناضج المطلوب) (1). رجاء النقاش، تأملات في الإنسان.