خرج علينا مذيعون ومقدمي برامج تلفزيونية ومحللين سياسين كبار وصغار, ومتابعين للشأن العراقي , وعواجل بأشكال وألوان مختلفة , لتنقل لنا للمرة العاشرة أو أكثر خبر عن مقتل عزة إبراهيم الدوري- نائب الرئيس العراقي السابق, وأحد ثلاثة مسئولين لحزب البعث المنحل , الذي أنشق لحد اليوم إلى ثلاثة أجزاء منذ العام 2006, والمتهم أيضاً بأنه قائد جيش الطريقة النقشبندية, والمطلوب أمريكياً وعراقياً وإيرانياً.. وبهذا الصدد ثمة أمور يجب أن تقال..
(1)
من هو عزة الدوري , لكي ينال كل هذا الأهتمام والضجيج , وتتناقله وسائل الإعلام العراقية والعربية والعالمية, ولماذا كل هذه الضجة التي أإثارها هذا الطرف أو ذاك حول الرجل الغامض ؟, الذي لم نكد نراه منذ أذار 2003, عدا رسائله المسجلة بصوته والتي يطل بها علينا بين فترة وأخرى في مناسبات حزبية وسياسية عراقية,وأكاد أجزم أن من يسمعها لايتجاوز عدد أصابع اليد.. والذي لانعرف عنه سوى أنه درويش يتبع الطريقة الصوفية, ولم يعرف عنه تلك القوة والهيبة والسلطان التي كان يحملها رجال أخرين في حكومات حزب البعث أو قياداته القومية والقطرية؟
(2)
كل الذي نعرفه عنه شخصياً, أنه عمل وزيراً لوزارات كان وجوده فيها كارتونياً, ولم يكن بذلك الشخص المؤثر أو ذو النفوذ, وكانت تلك الوزارات تدار من قبل الوكلاء الفنيين والمهنيين كوزارة الزراعة والداخلية التي أستوزرهما عبر فترات معينة من تأريخ
العراق الحديث, قبل أن يرقى إلى عضوية القيادة القطرية والقومية, ومن ثم وصل إلى منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة, وكان منصباً حزبياً منفصلاً عن إدراة الدولة العراقية التي كان يحكمها صدام حسين, بقوة ويديرها من خلال مكتبه وبإشراف مباشر وصارم منه, وأتحدى أحداً يأتيني بقرار واحد أتخذه عزة الدوري بمفرده وكان حراً في إقراره, المعروف عنه كذلك أنه كان يحب الزراعة كثيراً وكان يملك مزارع ضخمة في كركوك , كان يقضي جلّ وقته فيها بعيداً عن مشاكل السياسة التي لايفقه فيها شيئاً,ومعروف أيضاً بحبه للنساء فهو متزوج من 5 نساء, وعندما تمت محاجتته بأن هذا مخالفة للشرع الإسلامي, أجاب, أنه قد (خاوى الكبيرة –أم أحمد)..أي أتخذ منها اخت.
(3)
جريمتين كبيريتين بنظري كان يجب أن يحاكم عزة الدوري عليها ويتحمل هو بنفسه مسؤوليتها أمام الله ثم التأريخ والناس أجمعين, الأولى كانت ترأسه الوفد العراقي إلى إجتماع دعا إليه الملك الراحل فهد بن عبد العزيز ملك السعودية أنذاك في شهر تموز من عام ,1990 مع وفد دولة الكويت الذي رأسه ولي عهد الكويت الراحل سعد عبدالله الصباح لحل التوتر الذي تصاعدت وتيرته بين العراق والكويت على آثر إتهامات متبادلة بين الجانبين بشأن أسعار النفط , وموضوع الحدود , وموضاعات أخرى, وقد نقل عزة وجهة نظر لصدام حسين غير حقيقية, عن نتائج الاجتماع , وبدل أن يكون – محظّر خير كما تقول العرب – كان دافعاً للشر ومؤيداً لوجهات نظر صقور لايفقهون شيئاً أو علماً ولم يتخرجوا حتى من المدارس الأبتدائية, أقصد حسين كامل, وعلي حسن المجيد, وكانت النتيجية تأييد صدام حسين بقرار الأندفاع بالجيش
لغزو الكويت خارقين كل قيم الرجولة والأعراف والأخلاق العربية الأصيلة, وضاربين بعرض الحائط مباديء الأمم المتحدة وحقوق البشر.
(4)
والثانية التي لن ننساها لعزة, عندما ترأس وفداً أخر ولكن هذه المرة كانت وجهته إلى إيران قبل بدء حرب تحرير الكويت عام 1991, إلتقى خلالها بقادة إيران ومنهم رفسنجاني , وسمع منهم كلاماً معسولاً ووعود بالوقوف إلى جنب العراق في مواجهة الشيطان الأكبر أمريكا , وبضرورة الوحدة الإسلامية, ونقل تلك الرؤية بالطبع إلى سيده صدام حسين , وإلى خبراء العلاقات الدولية من أمثال ( محمد حمزة الزبيدي, ولطيف نصيف جاسم, ومزبان خضر هادي), وأثر إجتماع وافقت قيادة العراق أنذاك على نقل طائرات أشتراها العراق من ميزانية وجيوب المواطن العراقي الفقير إلى إيران , حيث نقلوا أكثر من 150 طائرة مدنية ومقاتلة, وكميات كبيرة من الذهب والأموال لحمايتها من القصف الجوي لقوات التحالف الدولي,وهو قرار خاطيء أخر بنيّ على جريمة أرتكبت بحق الكويت ..كانت نتيجتها أن قصفت نفس تلك الطائرات التي أُجليت إلى إيران بلدة صلاح الدين مسقط رأس صدام وعزة الدوري عام 2015.
(5)
لن نزيد ولكن أقول في خطاب له بذكرى ثورة تموز1968 ألقاه في تموز 2014 أشاد الدوري بتنظيم داعش بعد إحتلال الموصل , الذي ذبح عشرة من كبار قيادات حزب البعث جناح الدوري, ردأ على مدحه لهم , ووصفهم بالمجاهدين في ذلك التسجيل , ثم عاد قبل أيام ليشيد بعاصفة الحزم التي تقودها السعودية وتسع دول عربية أخرى
, وكل الدول المشاركة فيها تقوم بواجبات قصف وهجوم على تنظيم داعش في العراق وسوريا ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية..والسؤال هنا هل نحن أمام شخص يعيش شوزفرينيا أم أننا أمام ذات الشخصية التي أودت بالعراق إلى تهلكة بسبب جهلها بحقيقة مايجري من حوله؟
(6)
الذي نريد أن نصل إليه, الرجل عفى عليه الزمن وأصبح من الماضي, ونبش الأموات ليس في مصلحة الأحياء, إلا إذا كان لغايات سياسية وعنصرية وإنتقامية الهدف منها التشفي به وبنظام البعث, وهو الوقت المناسب للجهات التي روجت للخبر ونقل على أنه إنتصار في ظل تراجع كبير وخسائر متعاظمة لصالح تنظيم داعش الإرهابي في بيجي والأنبار ومناطق شرق بغداد, وفي ظل أزمة مالية كبيرة يعيشها العراق, وتراجع في علاقات العراق مع دول الجوار العربي, بسبب السياسات التي تنتهجها بعض التنظيمات والشخصيات العراقية المعادية للتوجهات العربية في الخليج التي تعمل على حسم الوضع في اليمن لصالح الشرعية.
أن عاش عزة الدوري أومات مالذي سيتغير في مسيرة العراق التي أصبحت تدار بالريموت كونترول من إيران؟ مالذي سيضيفه أو يحذفه مقتله إلى تاريخ العراق الذي لاندري أن كان سيبقى موحداً لحين التأكد حقاً من مقتله ؟..