لقد الحقت ثقافة الداخل و الخارج كارثة عراقية ، حيث تناخت قوى المعارضة لتشكيل حكومات حزبية و تنظيمية من بين صفوفها خارج الوطن على أعتبار أن أهل الداخل ليسوا الرهان المفضل، و فعلا كان التصور في مكانه لأن العراقيين لم ينتصروا لسياسيين يجهلونهم جملة و تفصيلا، ثم أن تغييب الكفاءة الوطنية اعطى مكانا للمتصيدين في الماء العكر، الذين يجتهدون في المكان الخطا و يقراون المتغيرات بالمقلوب ، فجاءت عمليات الاقصاء الجماعية من اجتثاثات و تصفيات و ملاحقات مفتوحة لتندحر بعد ذلك ارادة التغيير العراقي الى حين!!
ولعب مشروع التغطية على غياب الشعبية بالتثقيف الطائفي المفتوح دورا بارزا بزرع الخوف في النفوس وتجميد الأمل في العقول قبل أن تلحق عوامل التعرية السياسية و الأمنية دورا محوريا في تغيير القناعات الشعبية، فبين مسؤول مترف حد النخاع و بين مواطن يكدح للبقاء ظهرت عناوين للفصل بين الفريقين، فجاءت الاحتجاجات و الاعتصامات و المظاهرات كردة فعل طبيعية لكنها غير عفوية، فرفض سلطة الأمر الواقع يمثل عنوانا جديدا سيعيد ترتيب البت من الداخل.
لكن في المقابل تعاملت السلطة مع مطالب المواطنين بعقلية الحاكم الأمني و رجل السلطة الاستبدادي، دون الاعتبار لما يسمونه المشروع السياسي االديمقراطي في العراق الجديد، الذي يتسع لجميع أبنائه، أو حتى مبدأ قبول الرأي الأخر، ومع ذلك لم تنجح اجراءات القمع في انهاك الارادة الوطنية، حتى وإن أكلت من جرفها بعض الشيء، بدليل تزايد الانتقادات و ارتفاع سقف المطالب و اشتداد صدى الأصوات المطالبة بالتغيير.
و لأن الأصوات لم تهز كرسي الحكم كما ينبغي بسبب اجراءات السلطة الانتحارية التي تعيد الى الواجهة أساليب الحكم في ديكتاتوريات العالم بتوقيتات مختلفة، و لأن حقوق الانسان تنتهك بلا شفقة في العراق عكس غيره من دول رفض الحكم غير الرشيد، فان شعوب هذه الدول يتظاهرون و يهتفون و ينتقدون و يرجعون الى بيوتهم للقاء أخر، بينما تلاحقهم اجهزة السلطة الى المقاهي و غرف النوم في العراق، وهي قضية في غاية الخطورة يجب رفع الصوت لفضحها و بالتالي سحب ورقة التخويف من بين يدي حاكم يفترض نفسه مقبولا و يتصرف على أساس هذا الخطأ.
وهناك عامل نفسية فرضتها عنجهية السلطة و فلسفة الاحتلال في استخدام القوة المفرطة لاشاعة الخوف في النفوس والالتفاف على أي خطاب وطني عابر لاجندة الاحتلال و ما بعده، لذلك ابتكروا المزاج الطائفي و وفروا له جميع عوامل الأبتزاز، فكلما ارتفع سقف المطالب تنوعت اشكال التفجيرات و التصريحات ذات اللون الواحد، فتستعيد الحكومة انفاسها بوعود و تنازلات و تأسيس مواكب اضافية في قافلة الفشل العام ليبقى الأمر بين فكي الطائفية و القوة المجنونة.
و من هنا تأتي الحاجة الى متغير يلغي القوتين في وقت واحد من خلال اعادة الروح الى عروبة العراقيين لتكون وصفة سحرية للتقارب و التفاهم تحت مظلة جامعة و غير قابلة للإختراق و المساومة، فالذي يرفض عروبة أبنائه يتخلى عن الأنتماء الى بيت رسول الله و بذلك يخرج من الملة، و الذي يعدها من بين شوفينيات المساومة يرفض ارادة الله في خلقه، لذلك يقع على عاتق كل المحبين للعراق و استقراره أن يحتشدوا في مشروع عروبة العراقيين و بما يجعل من باقي شرائح المجتمع في أمان مطلق بوصفها من بين أعمدة البيت المهمة لحماية قواعده، عندها سيبتلع المزايدون ألسنتهم الطائفية التعبوية لخدمة أحزابهم و مقاماتهم الطارئة و ستشرق شمس العراق مع أخواتها العربيات بتوقيت جديد و لون مبتهج و ديمومة حياة كريمة!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]