23 ديسمبر، 2024 4:41 ص

عرض تحليلي نقدي لقصة ” الأُرجوحة” للقاص محمد خضير

عرض تحليلي نقدي لقصة ” الأُرجوحة” للقاص محمد خضير

وفجأة ولمجرد متابعتنا الأسطر الأولى، يسري في مخيلتنا شعورُ آلإرتياح وآلمتعة ولا ندري إلى أية سياحة يقودنا هذا السيناريو. جادَّةٌ يخيم عليها آلسكون مظللة ” بمراوح آلسعف” و فتىً “حليق آلرأس فوق دراجته آلخفيفة كآلنائم… وأرض تبعثرت فيها جذوعُ آلنخيل وأعشاب آلسوس وآلحلفاء آلمتوحشة…” وبين أشجار آلرمان ” وعرائش آلكروم آلمتسلقة على آلجذوع، تنغمر آلجادة بشمس قوية..” ويبدو أن آلفتى قد وقع تماماً تحت تأثير السكون الذي يخيم عليه فلم يعد يسمع ” صوتاً حتى لِعَجَلَتَي دراجته وهما تدوران على غبار آلجّادَةِ آلناعم…” وهكذا آستمر آلمسير ” حتى لمح ناراً تلتهب في تنور على آلضفة آلمقابلة… وبين آلخضرة آلواطئة، قامت غرفتان من آلطين وَسَقيفَةٌ من آلقصب…”وهنا تأتي آلمعاناة… ياترى… باية لغة وأية إرادة يفْجعَ تلك آلمرأة آلتي ” ظهرت ملفوفةً بآلسواد من خلف آلتنور آلملتهب؟ توقف ودوّى صوتُهُ عِبْرَ آلنهر، آخترق حُجبَ آلصمت وانساب بين آلأشجار وسعفات آلنخيل: يا أمي. ” يا أمي.. ألَدَيْكِ ولدٌ في آلجيش؟” “نعم.. إبني علي” أجل يابني علي. وكان آلرد : ” علي قاسم؟ أنا قادمٌ من هناك..” “وكيف حاله؟ مَرَّت مدة طويلة من دون أن يكتب رسالة…” وجاءت تلك اللحظة آلحاسمة عندما جمع قواه ” يا أمي.. ولدك قد….” ولم يكمل.. بل من المستحيل له أن يكمل ، وباتت آلأفكار تتصارع في صدر آلأم. تطلعت إلى الفتى وإلى تلك آلحقيبة آلمعلقة بآلمقود. يا ترى أهذا كل ما بقي من إبني ؟ وعندها تساءلت” “أهذه حقيبته، لديه مثلها. كيف هو؟” ” بخير ويبعث بسلامه إليكم ولطفلته حليمة وهو يسأل عن طيوره… ولم أتصور إنه يملك هذا آلعدد ألكبير من آلطيور…”وهنا آستطاع آلفتى وبذكاء تخليص نفسه من آلموقف آلصعب بتغيير مجرى آلحديث تماماً، وإبعاد آلشك أو أي هاجس يثير قلق آلأم حول آبنها وآلناتج من آقتران حقيبة آبنها بآلحقيبة آلتي علقها آلفتى على مقود دراجته، ويبدو أنه نجح في ذلك حيث دعته آلجدة لعبور آلقنطرة فقد ” خرج أبوها لتكريب آلنخل ومعه زوجة آبنه.” وعندها دخل وجلس على آلحصير بعد أن ساعد حليمة ” على آلإستقرار في حمالة آلأرجوحة واستمر بتطمينها بأنهما نُقِلا من آلجبهة وسيحصل على إجازة ” ربما في آلشهر آلقادم.” وبهذا أصبح عقلُ آلأم كصفحة بيضاء يكتب فيه آلفتى مايريد.وكجندي عائد من جبهة آلقتال بإجازة من أجل أبلاغ آلعائلة بأن “علي” قد آستُشْهِدَ في آلجبهة، لابد له من تنفيذ ما جاء من أجله، لكنه لم يتحمل هول آلمأساة آلتي ستحل بالعائلة، عندما يكون وسط دائرة من آلعويل وآلنواح وآلبكاء. وستعلم آلعائلة في يوم ما بالتأكيد وتتجَرَّع هول آلكارثة. ولكن كان هَمُّ آلطفلةِ بالنسبة إليه أعظم.. فلابد من تهيئتها لفقدان أبيها وبأنها لن تراه في آلمستقبل. طفلةٌ في السادسة من عمرها وبعمر الزهور، وحيدة، مرتبطة بأبيها وبأمس آلحاجة إليه ، يهزها بقوة وهي في أرجوحتها، فهي مُعْتَدَّة به وتقارنه بالزائر. وعندما سألته وهو يخرج من آلنهر بعد أن سبح فيه ذاعناً لأصرارها ” هل آحمرت عيناك؟” ، برر لها بأن آلإحمرار ” يحدث لمن يسبح” وكان جوابُها حازماً ” لا. أبي لم تحمر عيناه يوماً.”، وكأنها تصر بعدم وجود شخص يضاهي أبيها. ياترى.. كيف سيتصرف أمام هكذا طفلة فخورة بأبيها وفي عقلها آلباطن خزينٌ لاشعوريٌ من آلحب وآلحاجة إليه وإلى حضنه آلدافيء؟ وما هو رد فعلها عندما تعلم باستشهاده؟ وهل سيتحمل بكاءَها لو علمت بالأمر؟

موقف في آلحقيقة لا يُحسد عليه أبداً، ولابد له أن يبدأ بآلخطوة آلأولى ولابد أيضاً أن تكون محسوبة وبعناية.دنا من أرجوحتها ” ودفعها فآفتقدها في آلشمس وآحتواها حين عادت، مُوقِفاً حركة آلأرجوحة.” وبالتأكيد كانت آلدفعةُ قويةً جداً أثارت إعجابها ويبدو أنه متقصد بها. سألته ببراءة ” لماذا أوقفتها؟ كانت دفعةً قوية ” دفعةٌ آقترنت بتلك آلدفعات آلتي يدفعها أبوها، ولكن تأتي آلمفاجأة، عندما أبدت إعجابها وفرحها حيث أكملت قائلة ” ولم يهزني أحدٌ مثلك.”. وكانت اللحظة آلحاسمة عندما تضاءل تأثير أبيها هنا، فآلدفعة آلان أقوى وأكثر بهجة من قبل، وهذا بالطبع يعطي نوعاً من آلألفة وآلود بينهما. وبالتالي يكون حضورُ آلفتى أكثر تأثيراً عليها. وهكذا آستمر في آلهَزِّ ودفْعِها عالياً ليزداد آقتران اللحظات معها بتلك اللحظات التي كانت مستمتعةً بها مع أبيها، وهو يدفع تلك الأرجوحة آلتي آعتادت عليها فهي ” لم تَنَمْ في مهدٍ أبداً وسرعان ما كانت تغفو في هذه آلأرجوحة، منذ ست سنوات وهي تنام فيها.” وتكررت آلدفعات ” وذابت ثانية في آلشمس، وعادت تضع رأسها على عضد ذراعها آلممدودة، ساكنة آلوجه وقد أغمضت عينيها.” . وهنا لابد من الإشارة إلى آلتأثير آلفسلجي لعملية آلهز في آلإنسان، حيث يؤدي الى آلإرتخاء والشعور بالنعاس وهذا يعني تضاؤل ألشعور وآلإحساس بتأثير آلواقع آلمحيط ومؤثراته آلمادية فيغور تدريجياَ في آلمجال أللاشعوري لعقله آلباطن،حسب آلمنطق ألفرويدي Sigmund Freud ومؤيدي مدرسة آلتحليل آلنفسي مثل كارين هورني وآنا فرويد وغيرهما، حيث يحس آلفرد بآلخدر وآلإرتياح والرغبة بالنوم، كنوم آلطفل مثلاً، وهكذا سنحت آلفرصة لحليمة من حيث لا تشعر بتذكر أبيها وآلإحساس بوجوده من خلال آلخبرات آلمتراكمة في آللاشعور وآلذي هو خزين للخبرات السارة وآلمؤلمة وآلخبرات آلتي من آلمفترض أنها نستها وآلتي خُزنت لا إرادياً وساعد آلهَزُ آلمتوالي في آلغور فيه، لتخرج بِعِدَّةِ طرق، وتتسرب من اللاشعور الى آلشعور ثانية عن طريق آلأحلام مثلا وألتذكر و ألأقتران كما حدت بالنسبة لآقتران حركة آلأرجوحة بين آلفتى وأبيها، فبدا لها وبوضوح رؤيته وهي مغمضة آلعينين : ” ها هو يؤرجحني في حضنه ولكنه لا يتكلم كآلأخرس…” وبدأ تأثير آلإقتران يزداد بين أبيها وآلفتى. لقد ” حَلَقَ شَعْرَ رأسه ِمثلك وكأني غريبة عنه فهو لا يعرفني ولا يتكلم معي أبداً.” لكنه أختفى عندما فتحت عينيها وآقتربت من واقعها فحاول آلفتى معها آلبحثَ عنه متسائلاً: ” أتسلقَ آلنخلةَ؟ لا. وإلاّ رأيناه. وهل غاص في آلماء؟
لا. وإلاّ آختنق…” وهنا حاول حسم آلأمر ” أه يا حليمة..أتعرفين أين؟” إنه… إنه ” في تلك آلحقيبة آلمعلقة في آلدراجة.” ويبدو أنه سيطر على إنفعالاتها تماماً وكأنها نُوِّمَت مغناطيسياً فأوحى لها أن أبيها ” كآلدخان” وبدأ آلفتى يتوغل في ذهنها قائلاً ” تذكري يا حليمة إنه كآلدخان.” . أوقَفَ آلأرجوحة ” وأنزل حليمة، ثمَّ رفعها لتستقر في حضنه” وساعدتهما آلجدةُ في الهز ” وأسرعت آلأرجوحةُ فآجتازت آلفَيء بقليل ثمّ حلَّقت فوق آلمجرى وكانت آلجدة تختفي خلف آلسقيفة” وشعرت حليمة بآلألفة أتجاههه فسألته عن آسمه وعلمت أنه “ستار” وجاء هذا آلإسم داعماً لجهوده فآلإسم مألوف لديها وهو آسم مقترن بآبن آلمختار وآلذي تلعب معه “خلف آلمغتسل” وذو تأثير إيجابي عليها، منحها مزيداً من آلإرتياح وآلثقة وآلإستقرار وهي في حضنه، فزادت آلألفة وآلقناعة بستار وبات مصدر آطمئنان لها فطلبت منه أن يريها أبيها ” نعم. أرني أبي آلآن. أراه يخرج من آلحقيبة هناك ويأتي نحونا.” وحاول “ستار” إكمال رسم آلصورة آلتي تراءت في خيال حليمة. أجل إنه “بلا رأس ولا يَدَيْن ولا رجلين ومن دون ثياب كآلدخان. دعيه يقترب تظاهري بالنوم ولا تفزعيه لأنه لا يحب غير آلنيام كآلموتى.” وبدا آلإثنان بانسجام تام فكانا ” يخترقان أوراق آلأشجار وأزهار آلرمان وأعشاب آلسوس، بآتجاه آلمد آللامع ” وبدا “ستار” وكأنه يصحو من غفوة ” هل نُمْتِ يا حليمة؟” أجابَتْهُ ” خرج من آلحقيبة كآلدخان ولم يتكلم.” “وأين هو؟”
أجل أين هو يا حليمة؟ ” لست أدري. لقد ذهب وغاص في آلنهر.”وهكذا آمتزج آلواقع بآلخيال وهو يحتضنها بأمان وكأنهما ” غاصا في أثره…” و… إلى آلأبد.ويبقى تساؤل لابد منه. هل بإمكان “ستار” إقناع آلطفلة بدون آلأُرجوحة؟ ويأتي آلجواب بآلنفي طبعا وهنا يتطابق آلعنوان مع ثيمة آلنص خلال حبكة دُرِسَتْ بعناية ونُحِتت بآقتدار. ورغم محاولة آلقاص “محمد خضير” في ضغط تفاصيل آلسرد، فقد تكررت كلمة ” حليق لأكثر من مرة ” كان فتىً حليقاً… وبلل رأسه آلحليق…. وصاح آلفتى آلحليق”، إضافة الى إن أبي” حَلَقَ شَعْرَ رأسِه مثلك وكأني غريبة أمامه…”،
إثناء ذروة جهوده معها في آلأرجوحة. وربما أراد إظهارَ مزيدٍ من آلآنسجام بين شخصية آلزائر وأبيها.ويبقى تساؤل مشروع وهو لماذا جعل آلكاتب آلطفلةَ لا تنطق بصورة صحيحه؟ لنتابع هذا آلحوار:- “ماآسم هذه آلشجرة يا حليمة”؟ قال آلزائر.- “بمبر.” أجابت حليمة.- “ما إسمها؟” قال آلزائر.”……..”- “بمبر. إنها لا تنطق آلإسمَ صحيحاً.” أجابته آلجدة…ومن خلال آلحوار نرى أنً كلمة ” بمبر” كُتبت بطريقة صحيحة أي أن آلطفلة قد نطقتها والظاهر إن مشكلتها قد تكون بحرف آلراء مثلا لتتحول ألكلمة إلى ” بمبو” ،
وعندما نعود للجدة نرى حيرتها بمشكلة نطق الحفيدة للكلمات ” إنها لا تنطق آلكلمات صحيحة مع إننا سندخلها آلمدرسة في آلسنة آلقادمة.” وعليه فإن آلمشكلة بنطق آلكلمات وليست حرف أو حرفين، والمفارقة هو إننا لم نجد ما يشير ألى ذلك وعليه فقد تكون مشكلة النطق غير مبررة في آلنص. وعندما دعت آلجدة “ستار” للدخول إلى آلبيت قالت : أبوه خارج آلبيت لتكريب آلنخل ومعه زوجة آبنه.” أي أم حليمة. ومن آلعادات آلمألوفة هو أن آلرجل لايدخل آلبيت إذا لم يكن صاحبه موجوداً، لكن آلجدة جاملته ودعته معبرة عن حسن آلضيافة :” لِمَ لا تَعْبر إلينا، فآلقنطرة هناك” ونوّهت أو لمًحت بأن آلجد غير موجود ولا بأس من آلدخول الى آلدار خاصة وإن أم حليمة وهي شابة مع آلجد خارج آلبيت ولا مانع من الدخول إضافة إلى أنه تجشم عناء آلقدوم بدراجته وتحمل آلأتربة ومتاعب آلطريق. وقد رأت آلجدة أنه جلب آلإطمئنان إليهم فشعرت أنه قريب إليهم. وقد حرص آلكاتب على آستعمال آلرمز للدلالة على إن “ستار” جاء من آلمدينة ولم يسكن في منطقة ريفية مجاورة. فهو أولاً لم يألف المرور بهكذا أماكن من خلال وصفه وهو في آلطريق بطريقة توحي إلى آلمتعة واستناده إلى آلجدار ليصل إلى ثمار آلتوت آلتي لم يألفها على ما يبدو، وأيضاً خوفه من آلكلاب آلتي كادت تلقي به ” أسفل آلجادة.” وأخيراً تقديم آلجدة آللبن وبدت معتذرة إليه ” إنه من دون ثلج. لا يصلنا آلثلج هنا.” وكأنها تقول أنتم في آلمدينة تشربون آللبن وآلماء بارداً، وكانت إجابته غاية في آلتهذيب ” أللبن طيب حتى من دون ثلج.” وهكذا يشاركنا آلكاتب في ربط مفاصل آلقصة حيث أعطت كلمة ” ثلج” مفهوما دلالياً علينا آكتشافه، ولكن آلأروع تكرار كلمة ” حياة” في بداية آلسرد بطريقة مألوفة لكنه وضعها في آلحقيبة آلمعلقة في آلمقود بطريقة غامضة. ” حياة كرات آلنبات.. حياة أثمار آلأعذاق غير آلناضجة… ثمَّ آلحياة آلأكثر غموضاً وتحفزاً في آلحقيبة آلمعلقة بآلمقود…” ياتري.. أية حياة في هذه آلحقيبة؟ لم نفهمها بآلتأكيد، ألا عندما نقف جوار آلنهر نستمع لسؤال ألجدة آلحائرة، فهي آلتي أعطتنا ومضة مضيئة ًflash point حلّت جزءاً من آلتيه آلذي وضعنا فيه آلكاتب:- ” أهذه حقيبته؟”- “هذه؟ ..لا، حقيبتي.”- “لديه حقيبة مثلها.. كيف هو؟” وعندما نعلم بأستشهاده :” ولدك قد…” نعلم أن “علياً” لم يمت فهو شهيدٌ حيٌ. وهكذا تكون آلحقيبةُ رمزاً لحياةَ آبنٍ زوجتهُ باتت أرملةً، ولطفلةٍ يتيمة.ومما تقدم فهمنا أن آلأبَ وأمَّ حليمة خارج آلبيت ويبدو أنهما بعيدان بالتأكيد.

وعندما سأل “ستار” آلجدة عن عدد آلبقرات آلتي يملكون أسرعت ” حليمة ” بآلإجابة قائلةً: ” ثلاث. خرجت أمي ترعاهن خلف آلبيت.” ولو كانت خلف آلبيت قريبة لجاءت لرؤية آلزائر آلعائد من جبهة آلقتال لمجرد مناداتها. فهل يوجد تناقض contradiction في آلنص؟
ولحل هذا آلإشكال، نقول أن آلأم بعيدة كما قالت آلجدة، لكنها بنفس آلوقت أخبرت “حليمة” بأن أمها قريبة خلف آلبيت من أجل آلأطمئنان ليس إلاّ. وقد يكون “خلف آلبيت” هو ذلك آلمكان آلبعيد حيث يكرب آلأب آلنخيل وترعى هي آلبقرات قربه.ونلاحظ من معظم تفاصيل السرد ونهايته” إن ثيمة آلقصة theme تعبير واضح وشجب عميق للحروب آلتي تهدد آلوجود آلإنساني وتشيع الحرمان وألتفكك آلعائلي، ويكون في آلغالب الفقراء وآلبسطاء وآلمسالمون هم آلضحية. لكننا لم نجد تعبيراً إنفعالياً حزيناً متطرفاً بين ثنايا آلسرد، وإنما آلعكس خاصة في بدايته حيث بدا لنا ” ستار” وكأنه في نزهة بين ” أشجار آلرمان وعرائش آلكروم وحركة آلأجنحة آلرمادية لطيور آلفاختة… يشم روائح أزهار آلدفلى وآلأزهار آلبرية ويلتهم ثمار آلتوت آلسوداء….” ولتبرير هذا التساؤل لابد من آلإفتراضات آلتالية: أولاً أن آلقصة كتبت بعد زوال هول الصدمة عند خسارتنا الشنيعة في آلحرب مع إسرائيل عام 1967 ، حيث تقادم آلأيام يقلل من آلهوة آلنفسية آلتي سببتها نتيجة آلحرب آلخاسرة وثانياً إن حبكة آلقصة plot اعتمدت آلعقلانية وآلأبتعاد عن آلمبالغة ألتي لابد أن تهفت ويخفت اثرها مع تقادم آلزمن. وأعتقد أن هم آلكاتب هو أيصالنا إلى آلذروة climax ممسكين بتوازننا آلانفعالي فكان لابد للكاتب أن يحافظ وبحدة على توازنه آلإنفعالي ايضاً، وقد فعل، حيث قادنا إلى نهاية قد تثير آستغرابنا، فهو لم يقنع الطفلة فقط بأن أبيها قد تحول إلى دخان وغاص في آلنهر وإنما أقنعنا نحن القراء وجعلنا نتساءل بصمت… يا إلهي… كيف حدث هذا! وحتى إن لم نقتنع لكننا على آلأقل تعاطفنا مع ” حليمة” لدرجة أنه جعلنا نطمئن عليها لتصديقها ويقينها بأن أبيها قد غاص في آلنهر وألى آلأبد. وهنا يظهر قيمة وفعالية آلتكنيك آلسردي للقصة mechanism آلذي اتبعه آلكاتب، من خلال المحاورة dialogue والتحدث عن بعد من خلال ضمير آلغائب third person . إن آلقصة أعطت ربطاً زمكانياً للحدث بين ماضٍ آستمر لأيام هي حرب آلايام آلستة أو ما تسمى حرب آلخامس من حزيران ، وبين واقع جديد من آليتم وآلمأساة.من خلال سيمياء symbol مؤثر، فقد كانت آلطفولة من خلال براءتها عاملاً حاسماً تركزت تفاصيل آلقصة عليه. وكان آلسردُ سلِساً يجبرنا على إعادة آلقراءة لنكتشف مكامن رصانة آلسبك آلسردي وآلإشارات آلتي أضاءها آلقاص وبنجاح من أجل آلأبتعاد عن آلحروب وآلعدوان وإن أُجبِرنا عليها فلابد من آلاعداد لها لتجنب آلنكبات. لقد كانت نتائج حربنا مع إسرائيل مأساةً كشفت زيف إداعاءات آلحكام وخداع آلشعوب في آلحرب حيث ذُهل آلشعب بآلخسارة آلفادحة بعد أن وعدوه بالنصر، وهم يكبلونه بقيود لابد في يوم من آلأيام أن تنكسر وتلتوي ، وقد تنبأ “محمد خضير” في يومها ” كل آلناس يصبحون في يوم ما جنوداَ” أجل قال ذلك وقد صدقت نبوءته وكثر ألموت وآلدمار وألحصار وآلحرمان، لكن آلزمن لابدوأن يبشر بالخير حيث آلسلام وآلأمان. وقد يكون صعباً بل مستحيلاً إقناع طفلة أن أبيها قد تحول آلى دخان ، لكن آلذي أقنعنا نحن بأمكانه أن يعمل آلكثير. أجل إنه ” محمد خضير ” نفسه أيضاً.دمت ألِقاً أبداً. تحياتي ونحن سعداء وأنت بيننا..