حكومة عبد المهدي بحاجة الى بوصلة خارجية ترشدها الى فنارات السلام الأهلي والأمان الاقتصادي
القطار الأمريكي ومحطات توقف القطار الإيراني … اكثر من تصادم محتمل
حروب صغيرة منضبطة الشدة … تعكس التفاهمات على طاولة التفاوض حول الملف النووي الإيراني
ازمة الاقتصاد الدولي عام 2020 … تظهر مبكرا على قيمة الدينار العراقي
مازن صاحب
ودع العراقيون عام مضى تصاعدت فيه حمى الانتخابات وشعت وعود المرشحين حتى اختلط الحابل بالنابل في آتون تشكيل حكومة عابرة للطائفية والعرقية وكل عناوين المحاصصة بشعار براق عن مكافحة الفساد والانطلاق في مشاريع التنمية المستدامة والظفر بالاستثمارات الأجنبية في البنى التحتية وتقليص فجوة الفقر فما الذي ينتظره العراقيون في عامهم هذا ؟؟
لا تبدو الإجابة على هذا السؤال بالسهلة في أفقها السياسي العراقي لمواقف الكتل البرلمانية من المتغيرات الإقليمية والدولية في عدد من المتغيرات أبرزها:
أولا : الواقع السياسي
يواجه العراق استحقاقات كبرى في مرور القطار الأمريكي المضاد للقطارات الإيرانية الرابضة في اكثر من محطة عراقية وزيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة لقاعدة الأسد نموذجا للتعبير عن هذا التضارب حد الصخب الصامت في ردود أفعال القيادات العراقية التي تحالفت مع رموز الموالاة للقطار الأميركي لاسيما في حركة المشروع العربي المتهم أصلا من قيادات التحالف الوطني السابق والبناء والإصلاح وسواهما بشتى النعوت السلبية ، وظهر هذا الامر واضحا في الضجيج حول استكمال حكومة السيد عادل عبد المهدي ، واشكالات الاتهامات للوزراء مرة بالإرهاب وأخرى بالخضوع لقانون المساءلة والعدالة ، فظهر البديل الأمريكي في نموذج عقد اجتماع لمن وصفوا بقيادات عراقية وطنية لتشكيل النموذج العراقي الراكب وربما القائد للقطار الأمريكي ليس في العراق فحسب بل وحتى في المنطقة، وهذا اصل مشروع المحافظون الجدد عند احتلال العراق عام 2003 ، بان يتحول ما يوصف بمركز الثقل الجغرافي في العراق الى موجة فوضى خلاقة تلغي ما ما وصفه مارتن انديك بمحور الشر الذي يضم ايران وسورية والعراق ، لذلك سحبت واشنطن قواتها من سورية ونقلت المعركة مع طهران الى العراق من جديد فقط ليقينها بان الحرب في سورية انما هي بالوكالة عن طهران ، والتعامل المباشر من محطات القطار الإيراني في العراق تمهد الطريق لزعزعة الموقف الإيراني الرافض للقيود الجديدة التي تريد واشطن فرضها ضمن اتفاقية ايران النووية والمتعلقة بصواريخها التي يمكن ان تحمل رؤوسا نووية ، او كيماوية ، وتلك التي يمكن ان تصل الى أراض حلفائها في الشرق الأوسط .
كل ذلك يعني خلخلة الاندماج السياسي داخل مجلس النواب ، مما يؤدي الى ظهور اندفاعات متضاربة اذا حاولت واشنطن فعلا الإعلان عن قائمة من العقوبات على قيادات عراقية بعنوان موالاة ايران والاخبار تتداول وجود مثل هذه القوائم التي سيتم الاعلان عنها تدريجيا ستكون القائمة الأولى تتضمن 54 اسما بينهم عدد من النواب، عندها ربما تصل الى مرحلة لا يستطيع معها السيد عبد المهدي البقاء في منصبه، او ان يجد المتضررون من البرنامج الأمريكي الذي سيطبق العام الجاري، بان وجوده لا يحقق لهم الغرض المنشود باي من الاتجاهين لركوب أي من القطارين او النزول منهما وهي المثلبة التي وقع بها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وانتهى مشروعه الإصلاحي بعد تحرير الأراضي العراقي من براثن داعش الإرهابي الى جلوسه في مقاعد المعارضة البرلمانية .
ثانيا: الواقع الأمني
من غير الممكن الاطمئنان الكلي لانتهاء مما يعرف بالحروب الصغيرة للمجموعات الإرهابية مقابل تواجد مكثف لقوات الحشد الشعبي في مناطق جبلية مثل سلسلة حمرين ومكحول، وما زالت منافذ بغداد الأمنية غير مغلقة كليا ، استخباريا على الأقل لأي تطور امني محتمل، وما يجري من فتح للمنطقة الخضراء، لا يعني بالضرورة استتباب الوضع الأمني كليا ، كون ترجمة تصاعد الغبار السياسي بين واشنطن وطهران، يمكن ان يترجم على بدماء عراقية زكية تذهب ضحية هذه الخلافات، هناك من يجدها ضريبة ادلجة مذهبية، وهناك من يصفها بنموذج للوفاء في وقوف ايران مع العراق ضد داعش، لكن أيضا ليس من المفترض ان تتطور المواقف سلبا لهدم جبل الدماء العراقية في هذا الاستقرار الأمني النسبي .
لذلك أي ترجمة للخلافات بين فرقاء القطارين الأمريكي والإيراني، يمكن ان يهدم ما تم بناؤه حتى الان لكن ليس بطريقة التفجيرات التي عرفها العراق بل في نموذج من الصراعات الخفية التي يمكن ان تتمثل في الاغتيالات السياسية وتنشيط حروب الذباب الالكتروني وإعادة نماذج المحاصصة في انتاج اشكال التهميش الطائفي، بما يؤكد تصاعد حمى الوطيس بين الفرقاء واحتمالات تفجير المواقف الأمنية في المناطق من خلال تصفية الحسابات بينهم ضمن وحدة النوع أولا، وبين الراكبين لكلا القطارين تحت عنوان “الحرب منضبطة الشدة “حسب حالة اقتراب القطارين من سكة التصادم المسلح بالنيابة من عدمه مما يجعل الوضع العراقي في مهب تقارب او تباعد مواقف الدول الإقليمية او الدولية، وربما تسعى واشنطن الى وضع نهايات لهذا الوضع خلال العام الجاري من خلال مجلس الامن الدولي تحت عنوان تهديد الواقع الأمني في العراق للمصالح الدولية لكن هذه المحاولات ربما تنتهي عند حافات الفيتو الروسي او الصيني وربما الاثنين معا .
ثالثا : الواقع الاقتصادي :
يتعرف الكثير من النواب بان العراق مدين بحوالي 132 مليار دولار لأكثر من عشرين دولة فضلا عن صندوق النقد الدولي ، وخدمة الدين تتصاعد سنويا ، مشكلة العام الحالي ان ثمة تهديد بأزمة اقتصادية دولية ويتوقع الدكتور طلال أبو غزالة في مقالة له ان تضرب ازمة الاقتصاد الدولي عام 2020 وتكون اشد من ازمة عام 2008 ربما تنجو منها اقتصاديات الهند والصين فيما تتعرض بلدان اوربية لخسائر هائلة ، وفي ظل هذه التوقعات تعمل الشركات النفطية السبعة على سحب تراخيص نفطية اكبر لتفادي الخسائر ، وهناك نسبة كبيرة من صادرات النفط العراقية قائمة على عقود التراخيص النفطية ولها ديون واستحقاقات على الحكومة العراقية غير معلنة بالرغم من وجود منظمة الشفافية الاستخراجية ، مما يعني ان العام الجاري سيكون عام المطالبة بهذه الديون وسط توقعات بانخفاض أسعار النفط الى اقل من أربعين دولارا في شهر نيسان المقبل لأسباب تتعلق بتصدير الولايات المتحدة للنفط بعد تكريره في عدد من الدول الافريقية ودول اميركا اللاتينية ، وهذا النموذج من الاكتفاء الأمريكي لتزويد اساطيلها البحرية وطائراتها بوقود امريكي صرف كنموذج للإدارة التجارية التي انتهجها الرئيس ترامب ولاقت ترحيبا من الشركات النفطية وكبريات شركات الصناعة الحربية الامريكية.
وفي مقارنة موازنة 2019 خطة التنمية للأعوام 2018-2020 مع المنهاج الحكومي، لا تبدو وفقا لهذه الفرضيات وجود فرصا حقيقية للانطلاق بالاقتصاد العراقي نحو الامام وردم الفجوة في معدلات التضخم والبطالة ناهيك عن معدلات الفقر مقابل تزايد معدلات الطلاق لأسباب العوز الاقتصادي.
كل ذلك أنتج طبقة ثرية من أموال مفاسد المحاصصة، مقابل انخفاض شبه كلي في معدلات الإنتاج الوطني والاستثمار في الصحة والتربية والتعليم وهروب رؤوس الأموال الوطنية نحو الخارج وعدم ظهور قطاع خاص عراقي حكيم قادر على النهوض الفعلي بالاقتصاد الوطني وتدوير عجلته من جديد.
فيما هناك اكثر من عشرين استراتيجية وطنية ، ما زالت فجوات التطبيق فيها تأكل من جرفها بسبب مفاسد المحاصصة ، واي نموذج جديد في التعامل مع سعر صرف الدينار العراقي سيعيد من جديد حالة إدارة الاقتصاد بالتضخم كما كان الحال في تسعينات العقوبات الدولية، من خلال رفع سعر الصرف ربما الى 1500 دينار للدولار الأمريكي، فقط لتمكين الحكومة من دفع رواتب الموظفين، تحت عناوين براقة للحد من اغراق السوق بالبضائع الأجنبية ، ناهيك عن التبادل السلعي بين العراق وايران بالدينار العراقي والتومان الإيراني، مما سيؤثر حتما على سعر تحويل العملة في السوق الموازي .
رابعا: الحلول
لست بقارئ للبلورة السحرية باحثا عن حلولها لمعضلة مفاسد المحاصصة ، لكن لابد وان تكون هناك حالة من النهوض المدني في الأغلبية الصامتة تقوم على تقليل آثام هذه المحاصصة من خلال تشكيل تحالف مدني – اكاديمي ، يتعرف به من قبل الرئاسات الثلاث كنموذج مدني للمعارضة الشعبية تسعى لحوكمة السياسات العامة للدولة ، وفي حالة ظهور مثل هذا التحالف المدني ، فان الكثير من السياسات الحكومية ستلجأ الى نموذج المفاوضات مع كلا القطارين الأمريكي والإيراني تحت عنوان موحد هو مطالب الشعب بالحياد الإيجابي والخروج من بوتقة الصراع الى فضاء السلام الأهلي الوطني .
النقطة الثانية ، ربما العراق بحاجة الى نموذج من فرض الحصار الاستيرادي في جميع المنافذ الحدودية لتشجيع الصناعة الوطنية وتحسين معايير جودة الأداء للوظيفة العامة بقرار حكومي يسترشد بالمعايير التي يمكن لهذا التحالف المدني الاشراف على تنفيذها ، ما دامت الحكومة لا تجد معارضة برلمانية تفرض محاسبتها على تطبيق برنامجها وان حدد بمسافات زمنية ، لكن جغرافية مجلس النواب السياسية تفرض هذه المعادلة ، لا توجد معارضة برلمانية ، والحكومة بحاجة الى بوصلة خارجية ترشدها الى فنارات السلام الأهلي والأمان الاقتصادي .