يشكل القطاع السياحي في البلدان الأوروبية نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، وتصل إلى 12.4%، في مقابل نسبة أقل لدى البلدان الشرق أوسطية تبلغ 9.5% فقط. وفي عام 2013 سئل وزير السياحة الفرنسي عن رأيه في عدد السياح القادمين الى فرنسا وكانوا حوالي (60) مليون سائح، فأجاب انه عدد لا بأس به لكن نأمل ان يكون أكثر من هذا العدد، وفعلا وصل عدد السياح عام 2017 الى اكثر من (88) مليون سائح. وهذا ما يقال عن الفاتيكان حيث السياحة الدينية تمثل موردا رئيسا لهذه الدويلة، ولكننا سنختصر المبحث ونقارن العراق بالمملكة الشقيقة العربية السعودية لأنها الحاضنة الرئيسة للمسلمين، والأقرب الى العراق، والسياحة الدينية من مواردها الرئيسة.
من المعروف ان ايرادات أي دولة تعتمد على الثروات الطبيعية والمعدنية كالغابات والنفط والذهب وغيرها، أو من الضرائب سيما في اوربا والولايات المتحدة، أو الإستثمارات الداخلية والخارجية، أو السياحة عموما ومنها السياحة الدينية، وأخيرا عبر الأرصدة النقدية الموجودة في بنوكها مثل سويسرا. وبعض الدول تزاوج بين عاملين او أكثر. وسنحاول ان نختصر الحديث عن السياحة الدينية على اعتبار ان العراق مهد الحضارة الإنسانية مع الشقيقة الكبرى مصر، وفيها مراقد للأنبياء وأئمة الشيعة، بالإضافة الى مراقد مهمة لأهل السنة كأبي حنيفة والكيلاني وغيرهما وعدد كبير الصروح والمعالم الأثرية الأخرى مثل أور وسر من رأى وغيرها، كما انه يتمتع بطبيعة خاصة ففي الشمال حيث الجبال والغابات وموارد الماء الوفيرة، وفي الجنوب حيث الأهوار الساحرة، لذا فمن الممكن ان تشكل السياحة الدينية والعامة موردا كبيرا للعراق يساعده على التأقلم من التغييرات التي تحدث في سوق النفط الدولية، وقد مر العراق بتجارب مريرة في السنوات الماضية بسبب تدني اسعار النفط الذي تتحكم به جهات دولية لا حول ولا قوة للعراق تجاهها، فهو عامل يتأثر ولا يؤثر.
من المعروف ان العراق يعاني من عدة مشاكل اقتصادية، واقتصاده أحادي الجانب يعتمد على النفط بشكل رئيس ويشكل حوالي 98% من دخله القومي، وهو محمل بأعباء كبيرة منها عجز كبير في الميزانية بحوالي (72) مليار دولار كقروض خارجية، و(58) مليار دولار كقروض داخلية. علاوة على الفوائد المترتبة عليها سنويا. يضاف الى ذلك البطالة التي تصل نسبتها الى حوالي35% من الأيدي القادرة على العمل، ونسبة الفقر وهي حوالي 40%، وتدهور القطاعين الزراعي والصناعي بسبب ضغوط ايران لجعل العراق سوقا لمنتوجاتها الزراعية والصناعية، وفساد حكومي لا نهاية له على رأسه التراخيص النفطية، ومزاد العملة، والمنافذ الحدودية السائبة. اضافة الى المدن الني دمرها تنظيم داعش واجهز عليها الجيش العراقي والحشد الشعبي وقوات التحالف الدولي، كانت عملية تدمير وليس تحرير، تدمير مبرمج اعد له تحت سيناريو تنظيم داعش الإرهابي. وهناك حاجة الى اكثر من مائة مليار لإعمار المناطق المدمرة وليس المحررة. ناهيك عن مشاكل الماء والكهرباء والوقود وغيرها.
هذا يعني ان العراق بحاجة الى كل دولار يمكن ان يستفيد منه ويوظفه للتخفيف من حده مشاكله الإقتصادية وتدهورها.
من المفترض أن تصب السياحة الدينية في صالح الخزينة العراقية وليس العكس، ففي موازنة عام 2019 بلغت تخصيصات الوقف الشيعي لعام (337) مليادر دينار عراقي، وتخصيصات المشاريع الإستثمارية (70) مليار دنار عراقي. يقابلها تخصيصات الوقف السني لعام 2019 (1) مليار دينار عراقي، وتخصيصات المشاريع الإستثمارية (2) مليار دنار عراقي، وسنترك هذه الأمر المريب والمخيب جانبا، لأنه ليس من صلب موضوعنا الحالي، ولكن من المفترض ان يكون الوقف الشيعي بشكل خاص ـ على اعتبار انه لا توجد سياحة دينية لمراقد أهل السنة في ظل حكومة شيعية طائفية ـ فإن الوقف الشيعي يستنزف الموازنة بدلا من أن يدعمها. على العكس مما يجري في دول العالم، سيما ان التخصيصات الإستثمارية وهمية ولا وجود لها على أرض الواقع. ففي المملكة العربية السعودية تعتبر السياحة الدينية المورد الثالث لإيرادات المملكة حيث يزورها الملايين لإداء فريضة الحج والعمرة وزيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرها من المعالم السياحية في المملكة، وتستثمر المملكة عوائد الحج لتطوير المنشئات السياحية في مكة وغيرها، وسيتم استقبال حجّاج في أكبر فندق بالعالم، يتألف من (10000) غرفة، و(70) مطعمًا، وتستعد المملكة الى استقبال أكثر من (20) مليون سائح سنويًا اعتبارًا من لعام 2030 ـ 2040 وستكون مكة المكرمة قادرة على استقبال حوالي سبعة ملايين حاج سنويا.
في العراق الحالة معكوسة، سبق أن ناقشنا في المقال السابق كيف تساهم الحكومة العراقية في تدمير كل المقدرات الإقتصادية في العراق خدمة للجارة ايران، وبدلا من الإستفادة من السياحة الدينية فأن الحكومة العراقية تصرف المليارات من الدنانير العراقية على زوار العتبات الشيعية. والواردات الناجمة عن الزيارات لا تشكل 5% من المصروفات، وهذه حالة شاذة لا يمكن تصورها، ولا يمكن أن تحدث في أية دولة في العالم ما عدا العراق. ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي وهو عراقي الأصل، فرنسي الجنسية، فارسي النزعة، يتصرف بثروات العراق كأنها تركة من أبيه، دون ان يرجع الى البرلمان العراقي على أقل تقدير. من المعروف ان الإتفاقيات الدولية من إختصاص مجلس النواب حصرا، لكن عبد المهدي عقد مع الرئيس الروحاني عدة اتفاقيات تنازل فيها عن الكثير من حقوق العراق، ولم يجرأ ان يتطرق الى حق واحد من حقوق العراق بشأن شط العرب او الآبار النفطية المشتركة، او المخدرات والسيول القادمة من ايران، وقطع مياه نهر الكارون والروافد المائية عن العراق، واغراق الأسواق التجارية العراقية بالسلع الايرانية الفاسدة ومنتهية الصلاحية، وايواء المجرمين الهاربين من العراق، وخروقات المياه الاقليمية، وتسليح الميليشبات الارهابية، والتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، وتجاوزات السفير الايراني في بغداد، وغيرها من الملفات الساكت رئيس الوزراء عنها.
الموضوع المتعلق باعفاء الزوار الايرانيين من الرسوم عن السياحة الدينة له اوليات وليس بجديد، فقد تحدث (صباح العزي) المسؤول في مطار بغداد” ان الرسوم المفروضة على منح تأشيرة الدخول معمول بها في العراق منذ سنوات طويلة على كل الأجانب القادمين إلى العراق وهي حوالى (32) دولارا للشخص الواحد. وكان الإيرانيون مشمولين بها حتى 2003، عندما أقدم رؤساء الوزارة الثلاثة إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي (جميعهم من حزب الدعوة) على إصدار تعليمات بإعفاء الإيرانيين منها نظرا لعلاقاتهم المتميزة بالحكومة الإيرانية، وقد شجع القرار مئات الآلاف من الإيرانيين على التدفق نحو العراق في المناسبات الدينية الشيعية الكثيرة، وبالتالي فقد خسرت خزينة العراق موارد مالية كبيرة كانت ستسد العجز الكبير في ميزانية البلد. وأشار العزي ان الحكومة الإيرانية لم تقم بإعفاء العراقيين من رسوم منح تأشيرة الدخول إلى إيران عملا بمبدأ المقابلة بالمثل”.
اصبحت الإتفاقية نافذة المفعول في مطلع نيسان 2019 وقبل زيارة الكاظم بمناسبة موته، لاحظ التبعية الدنيئة! لغرض حرمان العراق من الرسوم في أقرب فرصة ممكنة.
لو أخذنا بتصريح عضو اللجنة المالية، حمه رشيد في 12/3/2019 إن ” الإجراء يصب في مصلحة إيران فقط، نظرا لدخول أكثر من (7) ملايين إيراني البلاد سنويا، لزيارة العتبات المقدسة في محافظات بغداد، وصلاح الدين، وكربلاء والنجف، وسط البلاد”. يعني ان عدد الزوار الايرانيين سنويا (7) مليون زائر ـ فرضا ـ وان رسم الدوخول للزائر (40) دولارا، فهذا يعني خسارة العراق(280) مليون دولار سنويا. فبأي حق يحرم رئيس الوزراء العراق من هذا المورد؟ هل صار العراق ملكا للمنفرجي يتصرف به كما يشاء؟ وهل هذا هو العادل الأمين الذي رشحته مرجعية النجف لتولي رئاسة الوزراء؟ هل المرجعية حريصة على مصلحة العراق أم ايران؟
ليت الأمر توقف عند هذا الحد البائس فحسب، فقد أكد عصام اللامي، مدير مكتب سياحة يقوم بتنظيم رحلات سياحية إلى إيران” ان الإيرانيين يتمادون في استغلال العلاقة المتميزة بين حكومتي البلدين لغرض فرض الكثير من الشروط والحصول على الامتيازات وخاصة في مجال السياحة الدينية، حيث تفرض هيئة الحج الإيرانية شروطا على الفنادق والمطاعم وشركات النقل العراقية التي تخدم الزائرين الإيرانيين”.
الفاجعة الأخرى ان الزائر الايراني يأتي الى العراق على متن الخطوط الجوية الايرانية لأنها الأرخض، وبرا أما سيرا على الأقدام من المناطق الحدودية او الباصات الايرانية، واعتبارا من دخول الزائر الايراني العراق يُقدم له الطعام والمياه المعدنية مجانا، وكذلك كل وسائل الراحة الممكنة مجانا، وتقدم له البطانيات مجانا، وينام في خيم نصبت له على طوال الطريق الى العتبات الشيعية مجانا، ويقوم سفلة القوم بتدليك أقدام الزوار مجانا ولا يكتفوا بهذا بل يقبلوا أقدامهم واحذيتهم القذرة. بمعنى السائح لا يصرف شيئا خلال زيارته، فكل شيء في العراق مجانا، والأغنياء منهم يسكنوا فنادق في كربلاء والنجف بأسعار منحفضة وفقا لعقود تعقدها الشركات السياحية الايرانية التابعة للحرس الثوري حصرا مع أصحاب الفنادق.
أما الذي يجنيه العراق من السياحة الدينية وهذا ما يعرفه عبد المهدي قبل غيره لأنه يقوم بتوزيع السندويشات بنفسه على الزوار الايرانيين وهو يلبس دشداشته السوداء في عاشوراء.
1. فرض الخطة الأمنية واستنفار عشرات الألاف من رجال الأمن والجيش والشرطى لحماية الزوار الايرانيين، مما يسبب ازعاج المواطنين العراقيين، وتعطيل الحياة عموما.
2. قطع الطرق العامة، وخلق أزمات مرورية خانقة في معظم المحافظات الجنوبية والوسطى والعاصمة بغداد، مما جعل بعض العراقيين يسافرون الى خارج العراق للتخلص من هذه الأزمات.
3. صرف مئات الملايين من الدنانير لتنظيف المدن الدينية من مخلفات الزوار. حيث تغرق العتبات بالأزبال، ناهيك عن ضعف خدمات البلدية.
4. ازمة كبيرة في طفوح المياه الثقيلة، فالمدن الدينية كالنجف وكربلاء والكاظم وسامراء غير قادرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة، وهذا ما يقال عن مرافقها العامة.
5. ازدياد الجرائم سيما السرقات بإعتراف الأجهزة الأمنية، فقد تم القاء القبض على عدد غير قليل من اللصوص الإيرانيين الزوار.
6. تزايد الممارسات غير الأخلاقية عبر زواج المتعة الذي يشجع عليه مراجع الشيعة.
7. انتشار ظاهرة التسول وبقاء عدد كبير من الزوار في العراق لغرض العمل والتسول.
8. نشاط ملحوظ في تجارة المخدرات، حيت يحمل بعض الزوار مخدرات معهم خلال زيارتهم، سيما انه لايوجد تفتيش دقيق معهم، فقد اعلمنا احد الضباط العراقيين ان بعضهم يحفرون من الداخل نسخ من القرآن الكريم وكتب ضخمة مثل مفاتيح الجنان والصحيفة السجادية، ويفرغونها من الأوراق، ويحشون الكتب بالمخدرات.
9. زيادة النفوذ الايراني داخل العراق وتوغل الحرس الثوري بأغطية زوار للعتبات الشيعية، وشركات سياحية وغيرها.
لنقرأ ما يقوله احد اقزام ولاية الفقيه، وهو عضو في البرلمان العراقي، صرح (عبد القادر محمد) أن ” دخول أعداد هائلة من الزوّار الإيرانيين إلى العراق سيساهم في إنعاش الاقتصاد العراقي، لما ينفقونه من أموال في داخل البلاد، وأن هذا القرار سيصب في مصلحة العراق وإيران”.
هل هناك من يحل لنا هذا الطلسم البرلماني؟