هذا العنوان قد يستفزک عزیزي القاريء، ولکنني سوف ازید من استفزازک قلیلا و اضیف : وهو المطلوب! فاستميحك عذرا مسبقا!
سوف اتطرق الی بعض النقاط و اترک لک الخیار للرد علی السؤل المطروح سلبا او ایجابا.
ففي رأیي یحتاج المرء الی قدر کبیر من القدرة علی خداع الذات لیطلق علی الکیان الحالي المعروف بالعراق اسم الدولة.
من مقومات الدولة ان تکون صاحبة قرار، سواء اکان القرار خاصا بشکل الدولة و تشکیل هیئاتها او یتعلق بعلاقاتها الدولية مع محیطها القریب او البعید.
لقد شکل الاحتلال الامیرکي قطعا مفصلیا مع تأریخ العراق السابق للاحتلال منذ قیام الدولة العراقیة عام ١٩٢١ و لحین لحظە الاحتلال عام ٢٠٠٣
في تلک الفترة ، و علی الرغم من التقلبات السیاسیة و سیادة الدیکتاتوریة و وجود مؤشرات علی اصطفافات طائفیة و قومیة ، کان العراق یکتسب مقومات الدولة و یحرص علی ان تعاملە بقیة العالم کدولة ، حتی و ان لم تکن دولة للجميع، و لکن کدولة للفئة او الفئات التي کانت تتحکم بمقالید الامور في اي مقطع تأریخي من عمرها خلال فترة الثمانین سنة تلک.
بعد الاحتلال، و علی الرغم من نعمة الدیمقراطیة التي تسمح للجمیع بالترشح و الانتخاب الا اننا نلاحظ ان عملیە تشکیل الحکومە و اختیار من سیتولی مسؤولیة المناصب السیادیة فیها تتلکأ و تأخذ وقتا غیر منطقي، لانها یجب ان تمر بسلسلة من الموافقات من دول الجوار وامیرکا و توافقات بین الاطراف السیاسیة التي لا تعیر نتائج الانتخابات اهتماما کبیرا بل انها ترید و بإي ثمن، و عبر مشاهد سریالیە، حصتها من الکعکة و تصرح بذلک دون حرج او خجل!
في دولة ثيوقراطية ، كايران مثلا، تدار الدولة بإرادة من الولي الفقيه، فهو الذي يوافق علی من یتولون المناصب السیادية، وهو الذی یتدخل عندما یخفقون فی ذلک، اما فی العراق فلا یتولی احدهم منصبا سیادیا دون مبارکة المرجع، ولکن المرجع لا یبالي بنتائج هذا الاختیار مهما بلغت درجة الاخفاق!
من المقومات الاخری للدول وجود قوە ماسکة لکیان الدولة و علاقة المواطن مع دولتە، سواء اکان ذلک خلیطا من قوة القانون و وعي المواطن، مایجعل ماکنة الدولة تدور دون اللجوء الی قهر او اخضاع ، او القوة القاهرة للشرطة و الجیش. في العراق الحالي لا نری لا هذا و لا ذاک. کل مانراە هو مجموعة من الملیشیات مختلفة المصالح و الولاءات تفسر کل منها القانون بما یخدم مصالحها الفئویة. في غابة کهذە یصبح المواطن الغیر حزبي و الغیر میلیشیاوي اضعف کائنات الغابة و مسألة افتراسە من الکواسر مسألة وقت.
من مقومات الدولة ان هناك فلسفة اقتصادية تتبعها الدولة وتعمل كل اجهزة الدولة على تطبيقها، سواء اكانت هذه الفلسفة رأسمالية الاتجاه وتعمل على توفير آليات السوق الحر، ام اشتراكية المنحى تسيطر فيها الدولة علی مفاصل الاقتصاد لحماية الطبقات الاقل حظا و حصة من الناتج الاقتصادي الوطني ، بينما في العراق يتم تحديد سعر العملة مثلا، و هو احد آلیات تسییر الاقتصاد، من قبل اشخاص لا يمتلكون الحد الادنى من المعرفة الاقتصادية و من خلال التغريدات التويترية، اما لامرار صفقات مريبة او لاغراض شعبوية آنية دون اي شعور بالمسؤلية ازاء ما تخلقه هذه الطريقة من فوضى في الاقتصاد و تحويل السوق، علی مافيها من آليات الافتراس، الى غابة لا تراعى فيها حتى قوانين التطور السارية في الغابات الطبيعية.
من مقومات الدولة ایضا، انە حتی في حالة وجود شيء من الاضطراب في العملیة السیاسیة فهناک رؤیا و تفاهم مشترک بین جمیع الاطراف علی ان مرافق الحیاة الیومیة للمواطن کالمدارس و المستشفیات و الدوائر الحکومیة و المرور یجب ان تسیر کالمعتاد . ما نراە في العراق الیوم هو ان المواطن یعیش في دوامة من نقص الماء و الکهرباء و مدارس آیلة للسقوط و مدن تحولت باكملها الى مكبات للنفايات ومزابل تهدد حياة و صحة حتی الفئات التي ليست مضطرة لكسب قوتها من هذه المزابل، دعک من ان ظاهرة الاقتتات علی المزابل کافیە لسحب صفة الدولە من أي كیان، فما بالک بکیان یستقر علی بحر من النفط؟!
في السنوات العشر الاولى من الاحتلال وازاء الاخفاق الصارخ للامريكان في تقديم بديل يسكت انتقادات الرأي العام العالمي للوضع المأساوي الذي آلت الیە امور العراق «المحرر»، عمل الامریکانريثما ینهون احتلالهم المباشر و المکلف، علی تقدیم کردستان علی انها « العراق الآخر» نظرا لما عم فیها من عمران و استقرار نسبیین، ولکن شیطان الدولار النفطي زین للسیاسیین الکرد ان امکانیات الثراء الفاحش لا حدود لها فانغمروا في سیاسات اثراء الذات، ثم العائلة، ثم العشیرة و اخیرا الحزب .. و لیذهب بقیة الشعب الی الجحیم، و تحققت بذلک تمتین لحمة الفساد الوطنیة و عادت کردستان جزءا عزیزا لا یتجزأ من منظومة الفساد و اللادولةالعراقیة
لطالما نقرأ و نسمع ان الامیرکان ارادو من احتلالهم و یریدون من هیمنتهم المستمرة انهاء العراق کدولة و تحویلە الی کائن هلامي و اطلال دولة، و كآن کل المؤشرات التي اشرنا الیها لیست کافیة للاستدلال علی ان المهمة قد انجزت، کما قال جورج بوش الابن عندما خاطب جنودە من علی ظهر الفرقاطة الامیرکیة.
لماذا من الضروري تحدید اذا ماکان العراق في وضعە الحالي دولة ام لادولة و الاتفاق علی تعریف يشکل، بلا ادنی شک، الما کبیرا للعراقیین ؟
لانە، و برإیی المتواضع مرە اخری، فان مهمات من یتصدی لاصلاح امور دولة موجودة ، بالرغم من کل نواقصها، تختلف عن مهمات من یرید تحویل کیان هلامي و اطلال دولة الی دولة تستحق تسمیتها بدولة. ان علی تحدید ذلک التعریف یتوقف تحدید المهام و سبل انجازها بالنسبة للقوی التي ترید التصدي لمهام اعادة اللادولة الی اطار الدولة، من دون التورط في الكثير من الأوهام ..