18 ديسمبر، 2024 9:34 م

عراق الازمات بلا تدبير !

عراق الازمات بلا تدبير !

الفساد كلمة فارغة من المضمون هدفها تغطية الحقيقة التي لها اسم واحد هي السرقة والنهب. كلمة الفساد تعفي اللصوص من المسؤولية، لأنهم سيقولون إن المجتمع بأكمله فاسد، لكن كلمة نهب وسرقة تعني أن هناك لصوصاً يجب أن يحاكموا ويدفعوا الثمن ويردوا الأموال التي كدّسوها. نعم لقد وصل الامر الى اعلى المستويات مما يصعب السيطرة عليه وبانت ملامح سوء التدبير سنوات من النهب المستدام بدون التفكير بمصير هذا الجيل و الاجيال القادمة. 2020 في الاشهر الثلاثة الاولى اذهلت العالم، فقد بداء بانتشار وباء كورونا في الصين وانتقل بعد ذلك لبقية دول العالم ليصبح وباء عالمي يصعب السيطرة عليه ولم يكتشف الى تاريخ كتابة هذه السطور العلاج الحاسم، وبعدها اشتد الصراع بين الدول المصدرة للنفط لتنهار الاسعار. وبالنظر لوضع العراق فقد وجدنا الحكومة المنتهية الصلاحية قد ولدت وكبقية ولاداتها التي بلا نفع خلية ازمة لتدارك الوضع وكان اول ظهور اعلامي لها يحمل بطياته الشعور بالمسؤولية ومعرفة حجم الخطر ففي الدقائق المسربة من الاجتماع الذي سبق الظهور المباشر على الهواء كان الصمغ و العلك يملئ ارجاء المنصة و عبارات الـ”كلاوات” تتراشق بين اعضاء الخلية ليصاحبها ضحك خفيف بينهم لهول الفاجعة وختامها كان مع رئيس خلية الازمة طالباً منهم بـ” اصلخنه بفد اشارة”. لن اتكلم اكثر من ذلك فهذه الدقائق المسربة كشفت التدبير العالي من الحكومة. بينما نجد بقية الدول تعمل بلا هَوَادة لدر الخطر و انقاذ شعبها. ليس هناك أي إعجاز أو شيء فوق العادي تمتلكه الدول المتطورة ولا نمتلكه، لديهم أساتذة ولدينا أساتذة بل إن الكثيرين من أساتذتهم هم من العرب، ولديهم مختبرات ويمكننا ان ننشئ مثلها ولديهم مناهج ومبانٍ ولدينا مثلها، ولكن هناك أشياء لديهم ونفتقدها، أهمها الاهتمام الحقيقي والاستثمار في البحث العلمي ومهما كانت الظروف الاقتصادية، لأنه ببساطة هذا الاستثمار كفيل بتحسين الظروف الاقتصادية، ويكفي أن نعرف أن ستة من الأدوية الـ10 الأكثر مبيعاً في العالم تم إجراء أبحاثها وتركيبها في الجامعات وأن وحدة بحثية صغيرة في احدة الجامعات تدر دخلاً يزيد على 60 مليون جنيه إسترليني سنوياً. ابسط مقومات الوقاية نفتقدها فما بالك بالعلاج. وفي ظل الانشغال بكورونا و سبل العلاج و دفن الوفيات انخفض سعر النفط بشكل كبير الا ان هذا الامر كان متوقع لدى بعض الدول التي تمتلك نظرة مستقبلية للوضع. حيث نجد تنوع وتطور الأساليب التي يجري استخدامها في الدول لإدارة الأزمات و الاستعداد لها، وأهمها النظرة المستقبلية و توقع مآلات القادم للسيطرة على الوضع، بينما نجد الدول النامية تتخذ الأسلوب التقليدي للمعالجة الا انها لا تنجح غالبا في تقديم العلاج الفاعل والكامل للأزمة، بل قد تنجح في المعالجة المؤقتة للأزمة، لكن هذه الأزمة قد تخمد لمدة من الزمن ثم تعود من جديد أكثر شدة وأعنف قوة وهو ما حدث مع العالم عموماً و العراق خصوصاً. فقد استيقظ العالم فجر الاثنين التاسع من مارس 2020 على زلزال اقتصادي عندما انهارت أسعار النفط بصورة لم يسبق أن تم تسجيلها من قبل مطلقا في تاريخنا الحديث، فقد تراجعت الأسعار خلال دقائق معدودة بأكثر من 30%، وذلك بعد عدة أيام من الخسائر المتواصلة التي أدت به إلى أن يهوي إلى مستويات لم نعرفها منذ سنوات. ما حدث في الأسواق يشكل انهياراً وليس هبوطاً عادياً أو منطقياً، هو انهيار بكل معنى الكلمة، إذ لا توجد سلعة تفقد ثلث قيمتها خلال دقائق معدودة وفي حال استمرت الأسعار المتدنية فما مصير العراق واقتصادها الذي يعتمد في إيراداته المالية على مبيعات النفط منذ سنوات طويلة؟ تبدو المنطقة أمام أزمة اقتصادية مقبلة، وملامح هذه الأزمة تتضح شيئاً فشيئاً، فسعر البرميل الواحد من خام برنت وصل 72 دولاراً في بداية العام الحالي 2020، لكنه يتجه اليوم إلى 30 دولاراً، وسط تحذيرات بأن يهوي نحو الـ20 دولاراً. هذه الازمة ليست مقاربة بما مررنا بها آبان حكومة العبادي بعام 2016 بل اشد بكثير وحتى الدول التي منحت العراق قروضاً في تلك الفترة لتغطية الفارق ليست مستعدة للدفع مجدداً. ختاماً دأب الخطاب التخديري مُنذ سَنَوات على لسان المسؤولين العراقيين والشعب فقد ثقته كُلياً بمُؤسسات الدولة و برجالاتها وهُناك فجوة عميقة بين الشعب والنظام. تمر ايام ليست سهلة على العراقيين وتمضي بنا الحكومات الى المحرقة على الصعيد الامني و الاقتصادي وكُلً حامل صك الهلاك بيده بانتظار حلول اجله وسط نظرات دول العالم لنا. لا أدري ماذا أقول فقد جفَّت الألسن وبُحّ الصوت ونفذ مداد اقلامنا بعد سيل من المقالات التي ترسم خارطة طريق و تطالب بناء دولة رصينة.