22 نوفمبر، 2024 6:04 م
Search
Close this search box.

عراقان، أم عراق واحد في يدٍ واحدة؟

عراقان، أم عراق واحد في يدٍ واحدة؟

اليوم يكون رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، قد أكمل سنة واحدة في الحكم إلا خمسة وعشرين يوما فأصبح واضحا، ودون الحاجة إلى تفصيل الإثباتات والبراهين، أنه لم يستطع أن يمسك بعجلة القيادة كلها، فيملك القدرة على اختيار وجهة سيره القادمة الواحدة، شرقاً مع طهران أو غربا مع واشنطن والرياض.

وذنبه أنه قَبِل أن يتولى قيادة وطن محترق، من رأسه إلى أساسه، وهو لا يملك ما يطفيء نيران حرائِقه المتصاعدة، لا بمؤهلاتهِ الشخصية الفقيرة، ولا بجيشه الممزق، ولا بأجهزة أمنه المخترقة، ولا بوزرائهِ ومعاونيه. لقد ظلموه وظلموا الشعب العراقي حين حمّلوه ما لا طاقة له به، وليس له فيه قرار.

وفي أعقاب كل جريمة ومجزرة مهينةٍ للدولة والحكومة ولسمعتهما وأمن شعبهما ورزقه اليوم ورزق أجياله في الغد، لا يملك، وهو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، سوى التنديد والتهديد والوعيد، وسوى حلف اليمين على أن تكون آخر جريمة، وعلى أنه لن يسمح بتكرارها، وسيلقي القبض على الفاعلين، قبل أن يجف دماء ضحاياهم الأبرياء، وسينزل حكم القصاص بهم وبمن كوَّنهم ومولهم وسلحهم وحمّلهم بالمفخخات والصواريخ، وأمرهم بأن يدخلوا بها الجنة ويستمتعوا بالحور العين، سواء كانوا من داخل الوطن المحتل أو من وراء حدوده المستباحة. ثم لا يحدث شيء، ولا يسمع أحدٌ، بعد ذلك، أو يقرأ شيئاً عن نتائج تحقيقات الحكومة، وفي النهاية تُسجل الجريمة بعد الجريمة ضد مجهول.

وإذا سألت مواطنا عراقيا متابعا لما جرى وما يجري من أحداث عراقية، داخلية وخارجية، منذ جلوسه على مقعد القيادة الأول في 5 مايو من العام الماضي وحتى اليوم، هل هناك عراقان، عراق مصطفى الكاظمي وعراق الحشد الشعبي، سيجيبك، وعلى الفور، بـ (كلا) ثم (كلا)، فالذي يخاف فيه هذا المواطن ولا أمان، ويجوع ولا مُطعم، ويعطش ولا من يسقيه قطرة ماء صالحة، ويمرض ولا حبة دواء غير مغشوشة، هو العراق الذي يعيش أسوأ أيام عمره الطويل.

أما ما هو كائن في بلاد النهرين، حقيقيةً، فهو أن هناك عصاتيْن، عصا الكاظمي وعصا الحشد، يهش بهما مالكٌ واحد على القطيعين والراعيين فيضبط بهذه طغيان هذا، ويمنع بتلك جنوح ذاك.

واستدراكاً لابد أن يكون المتابع السياسي للتطورات الأخيرة قد تنبه ولمس، دون شك، تغيراً كبيراً في سلوك المحتل الإيراني في العراق، في هذه الأيام.

فمن مجمل الزيارات المكوكية التي قام بها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، في الأشهر والأسابيع الأيام القليلة الأخيرة، تبين أن النظام الإيراني قد وجد أن من مصلحته الملحة العليا أن يجري بعض ترميمات وتشطيبات على سلوكه العام  في العراق، وذلك بوسيلتين اثنتين متلازمتين:

الأولى، أن يرمي عن ظهر احتلاله ما لم يعد ينفعه، وخاصة ما أصبح وجوده يسيء لسمعته ويشوش على خططه ومصالحه الاحتلالية.

وبحكم كونه في أدق مراحل جهاده المضني لرفع العقوبات الأمريكية وتحسين صورته العالمية فهويستخدم عصا حكومة مصطفى الكاظمي:

أولا،  لتكسير أيدي (بعض) الحشدييّن الذين زادوا عيار ولائهم لسيّدهم وولي أمرهم فتصرّفوا بجهالة وقسوة همجية غير مقبولة من الشعب العراقي.

وثانيا، حذف بعض الفاسدين السياسيين (الهامشيين) الذين انتهت صلاحيتهم للإستخدام، من الصغار وليس الكبار. وتأتي عملية اعتقال آل كربولي لتكون تهديدا لغيرهم من الذي فسدوا وأفسدوا، وليظل الجميع متخوفا من ساعة حساب وعقاب.

وثالثا، ملاطفة السعودية بتكليفه بنقل رسائل متنوعة إلى الرياض تدعو إلى الحوار، وإلى التوصل لحل (معين) لحرب اليمن، حتى لو لم تصل هذه الوساطة إلى نهايتها السعيدة. وعلى ذمة صحيفة فاينانشال تايمز، نقلا عن مسؤولين مطلعين، فإن مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبارا أجروا محادثات مباشرة في بغداد من أجل محاولة إصلاح العلاقات بين الخصمين الإقليميين.

وطبعا السعودية لا تجهل نوايا النظام الذي يستحيل أن ينزع أنيابه السامة ببساطة، ولكنها قد يهمها الاستكشاف، وربما ترطيب الخواطر أملا في ما لا أمل فيه.

ورابعا، مشاغلة مصر والأردن بفكرة “توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدان الثلاثة، وتعزيز التنسيق والتشاور بين إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

أما الوسيلة الثانية فهي تكليف فصائل معينة من مليشياته  بتعكير مياه الكاظمي بالعودة إلى إطلاق الصواريخ على مطارات ومعسكرات وقواعد عسكرية ومؤسسات أجنبية وعراقية لعدم السماح له، ولا لغيره، بالانجرار وراء الضغوط الأمريكية – السعودية إلا بالقدر الذي يسمح هو به، ويحقق مصالحَ معينة ضرورية لإدامة احتلاله للعراق، ومنها، وأهمُّها، إشعارُ القطيعيْن المتواجهين، قطيع الحشد وقطيع الحكومة، بأنهما باقيان كما هما، خطين متوازيين، إلى أن تصدر توجيهات جديدة، وإفهامُهما أن معركة الحسم بينهما لم تحن بعد، وأن نصر أحداهما على الأخرى وتسليم الجمل العراقي بما حمل لمن ستنتصر منهما على الأخرى أمرٌ مؤجل إلى أمد غير منظور.

وعليه، فلا الكاظمي بقادرٍ على الخروج عن طاعة الولي الفقيه وحرسه الثوري وفيلق قدسهِ الموكل بإدارة المستعمرة العراقية، ولا الحشدُ الشعبي مسموحٌ له بإغراق سفينة مصطفى الكاظمي ومن معه من موالين ومناصرين، على الأقل في الأشهر الباقية على الانتخابات المفترض إجراؤها في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر القادم.

أحدث المقالات