23 ديسمبر، 2024 1:54 ص

لكي يتفاءل الإنسان العراقي ينبغي أن يرى معالم طريق واضحة تؤشر إلى إمكانية حدوث طفرة من الوضع المريض الحالي إلى الحال الطبيعي الذي تعيشه شعوب أخرى من حوله، والذي يتوفر فيها الحد الأدنى من العدالة والوطنية والأمن وفرص العمل، وتتولى فيه حكومة قوية متنورة مؤهلة إعادة إعماره، وتحريك اقتصاده، وتجفيف منابع الفساد والعنف فيه، وتمنع الدول الخارجية من التدخل في شؤونه.

ويكاد يتفق الخبراء العراقيون والعرب والأجانب، وخاصة العاملين في المؤسسات الدولية المتخصصة، على أن العراق، إذا ما بقيت العوائق الحالية المتزايدة، وإذا ما استمر عجز الحكومة والبرلمان عن وضع خطط الإنقاذ العاجلة، وتنفيذها بسرعة واقتدار، فإن الدولة ذاهبة إلى الإفلاس والفشل والانحلال.

يقودنا هذا المنطق إلى البحث والتدقيق في تحركات الحكومة الحالية وقراراتها، قياسا بوعودها البراقة منذ ولادتها في مايو/أيار المضي، لنجد أن بصيص الأمل الذي منحته للمواطن كان خادعا وسرابا وأن هذه الحكومة أضعف ما مر على الوطن من حكومات، وأسوأ حتى من حكومات حزب الدعوة سيئة الصيت.

مثال محزن على حالة التردي. لقد خرج الناطق باسم رئيس الوزراء ليُطمئن أسرة الشهيد هاشم الهاشمي والشعب العراقي فزف لهم بشرى “التعرف على اثنين من قتلة الخبير الأمني والاستراتيجي الشهيد هشام الهاشمي.

لكنه استدرك قائلا، “إن هناك جهاتٍ قامت بتهريب القتلة إلى خارج العراق بعد ارتكاب جريمتهم بيوم واحد”.

طبعا لم يجرؤ، أو لم يشأ أن يسمي تلك الجهات، ولا أن يعدنا بتطبيق القانون عليها وفق المادة التي تقول إن المتستر على المجرم شريك معه في الجريمة.

خصوصا وأنه أكد أن حكومة الكاظمي تتعهد “بملاحقة القتلة وجلبهم من خارج البلاد”.

ومن جانبه قال عبد الوهاب الساعدي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب،  “إن عملية اغتيال الخبير الأمني الشهيد هشام الهاشمي جنائية أكثر مما هي إرهابية، وإن وزارة الداخلية هي من تتولى التحقيقات، وإن جهاز مكافحة الإرهاب لا دور له في التحقيقات”.

ومن يدري، فقد تلصق الجريمة بداعش مثلما يفعل قادة المليشيات حين يقتلون ويحرقون ويختطفون ثم يلصقون التهمة بداعش، وهي بريئة منها، وداعش لا تكذب، لأنها دعاية مجانية تمنحها قوة لا تتوفر فيها، على قادعة (صيت غنى ولا صيت فقر).

وكما ترون. لإن كل شيء مغشوس في عراقنا الديمقراطي الجديد، حتى داعش لم تسلم من التزوير.

فحين تسأل مواطنا عراقيا عما إذا كانت التي تقتل الشرطة والجنود والعمال في أماكن تجمعاتهم هي داعش، بعد الصعقات القاتلة التي تلقتها من جيوش التحالف الدولي، وبعد أن أصبحت هيكلا عظميا لا يهش ولا ينش، ولم يبق من قوتها السابقة سوى النزر اليسير، تدمع عيناه، وخوفا من الانتقام، يتنهد، بعمق، ويهمس لك في أذنك: نعم. ما زالوا ينسبون كل جريمة لداعش. ثم يضيف، همسا أيضا:إن ثلاثة أرباع المنخرطين في الفصائل المسلحة المنتشرة،علنا، في المدن والقرى معروفون لدينا، والحديث عن دواعش رماد يذرونه في العيون، لأنهم ببساطة يعلمون أن داعش لن تكذبهم وتعلن براءتها من دم القتيل.

والأغرب من ذلك أن هذه الفصائل تحولت إلى وسائل حوار بين السياسيين المتقاتلين الحاليين على الفريسة. فحزبٌيستأجر هذا الفصيل لقتل أفراد من حزب آخر. وزعيم يرسل فصيلا آخر لاختطاف شقيق زعيم غيره. بل أكثر من ذلك. أصبحت الفصائل المسلحة تُستخدم في المقاولات. فكل شركة تلجأ إلى استخدام إحدى هذه الفصائل للفتك بشركة منافسة أخرى.

وحين تسأل هذا المواطن العراقي عن دور السلطات الأمنية في هذه المجازر الدائرة في المحافظات والعاصمة، يقول لك: أبدا. فالمحافظ ومعاونوه والشرطة والجيش فصائل أخرى من نوع آخرلا تتحرك إلا حسب المزاج والمصلحة والظروف. فإن كان المتضرر من المحظوظين المتنفذين فستقوم الدنيا ولا تقعد، أما إذا كان من باقي الشعب المقموع فسوف يُسجل الحادث، ببساطة ودون عناء وعلى الفور، ضد مجهول.