23 ديسمبر، 2024 9:41 م

عذرا ..انها أمي

عذرا ..انها أمي

اعتذر فقد ابتعدت اليوم عن همومنا اليومية ..السياسية منها والاجتماعية لأتحدث معك عبر مساحتي هذه ..لأقول لك انني افتقدك بحرقة ..وبأن رحيلك المباغت لم يكن رحيلا ابديا..كان رحلة لم ينقطع خلالها تواصلنا معا ..لقد رأيتك قرب سريري بعد اجرائي عملية جراحية ولمحتك تدارين دموع فرحك حين زارني الفرح ..سمعت صوتك يناديني حين تاخرت في زيارة قبرك ، وشعرت بلمستك الحانية حين احتجت اليك ..قفزت من نومي ذات مرة باحثة عنك وحين استغرب اولادي ذلك ..قلت لهم ..”كانت معي ..مازلت اشعر بدفء حضنها ” ..
أمي ..تمر السنوات ومعها اعياد الام فأغبط كل من لم تفارقه نعمتك ..كنت نعمتنا والجنة التي لم نشعر بروعتها الاحين ذقنا جحيم فراقك …اتساءل احيانا بمرارة ..كيف تسنى لك ان تدخلي الدنيا وتخرجي منها دون ان تفكري الا بنا ..اين كنت انت ؟..لم تبحثي عن نفسك يوما ولم نبحث عنك ..كنا نبحث عن ذواتنا فيك ونغرف من حنانك وطيبتك وعطائك دون ان نشعر انك بحاجة ايضا الى مقابل ..لم تطلبي منا يوما ذلك فهل كانت كلماتنا الحلوة او هدايانا هي المقابل ؟…كنت بحاجة الى اكثر من ذلك ..اذكر انك وقبل ان تغادريني باسابيع ترددت كثيرا قبل ان تضعي رأسك بخجل على حجري كما كنت افعل دائما حين ازورك حتى بعد ان اصبحت انا الاخرى أما ..كنت بحاجة الى حناننا ..الى احساسنا بك ….لم تتقني فن البوح يوما فباحت به رغبتك الخجولة بالنوم في حجري ..يومها عبثت اصابعي في شعرك الباهت كما تعبث بشعر طفلتي الصغيرة فاحسست بتلذذك ووددت لو اغني لك تهويدة تمنحك غفوة هانئة كما كنت تفعلين معنا ….
لماذا جعلت اولادك قبلتك وكنت تحومين حولنا كطير مذبوح ارهقه تعب السنين لتلبي رغباتنا ..لم تعتذري يوما او تتاخري عنا ..لماذا لم نتخيل يوما ان جسدك لم يعد قويا وان اعصابك لم تعد تصمد امام أي طاريء ..اعتدنا ان نراك قوة ..عطاء دائم ووطن نلجأ اليه كلما شعرنا بقسوة الزمن ..
اذكر انك كنت تكذبين ايضا ..عندما كنت توزعين الطعام بيننا ولايبقى لك الكثير منه فتقولين انك شبعت ، وعندما تشترين لنا الثياب ولانرى لديك ثوبا جديدا فتقولين انك لاتحبين اقتناء ملابس كثيرة ..كنت ترغبين بكل ذلك ..الطعام اللذيذ والاثواب لكن رغبتك بها تتلاشى امام اصغر رغبة لنا ..لماذا جعلت منا محورا تدور حوله حياتك فلم تحصلي يوما على خياتك ..لقد عشت حياتنا نحن ..حملت همومنا فكان كل من ينظر في وجهك يرانا فيه ..كنت تستمدين وجودك من وجودنا وسعادتك من ابتساماتنا ..اليوم ، اشعر وكأننا كنا نستمد وجودنا من وجودك وسعادتنا من ابتسامتك ..وحين رحلت عنا ..انفطر قلب وجودنا وحملت ابتساماتنا غمامة حزن ابدية ..
يعزيني اليوم والجميع يحتفل بعيد الام انك لم تبارحي ذاكرتي ولااحلامي ولاتفاصيل حياتي ..مازلت معي فأنت وطني ولن اغادرك يوما فأمسي غريبة ..( من بعد عينج ييمة ) ..