تناول بيان لمجلس القضاء الأعلى مؤخراً حق القضاء في الرجوع عن مبدأ قضائي تضمنه حكم سابق صادر عنه .
ويتصل مضمون البيان بتطبيقات قضائية على المستويين الوطني والأجنبي، فعلى المستوى الوطني وجدنا أن المحكمة الإتحادية العليا في العراق ذهبت في بعض أحكامها مؤخراً مؤخراً إلى الرجوع عن مبادئ سابقة ، وعلى المستوى الأجنبي شهدت الولايات المتحدة مؤخراً نقاشات كثيرة حول ما ذهبت إليه المحكمة الأمريكية العليا مؤخراً في حكم لها بعدم جواز الإجهاض بعد مضي خمسة عشر أسبوعاً على الحمل لتكون قد تراجعت عن مبدأ أسسه حكم سابق في العام ١٩٧٣ منح المرأة الحامل الحق في الإجهاض .
موقف القوانين من مبدأ السوابق القضائية وحق القضاء في الرجوع عنها :
هناك موقفان يسودان القوانين والنظم القضائية في العالم هما :
١- النظام الأنكلوسكسوني الذي يجد أبرز تطبيقاته في بريطانيا والولايات المتحدة ، وهو نظام يجعل للسوابق القضائية ( Jurisprudence ) أي الأحكام القضائية السابقة صفة مبادئ قضائية مستقرة ، ولهذا تبحث المحكمة عادة عند عرض قضية ما عليها عن الأحكام الصادرة في قضايا مماثلة للإسترشاد بها .
٢- النظام اللاتيني الذي لا يمنح الأحكام السابقة صفة الإلزام . وهذا النظام متبع في فرنسا وألمانيا ودول أخرى في العالم منها العراق ومصر ومعظم الدول العربية .
هل اهتم القانون العراقي بالسوابق القضائية ؟.
يميل النظام القضائي العراقي إلى النظام اللاتيني كما سبقت الإشارة ، ويدل على ذلك أن الفصل الخاص بالأحكام في قانون المرافعات المدنية ذي الرقم ( ٨٣ ) لسنة ١٩٦٩( المواد ١٥٤ – ١٦٣ ) جاء خالياً من الإشارة إلى السوابق القضائية واكتفى في المادة (١٥٩) بإلزام المحكمة ببيان الأسباب والمواد القانونية التي تبني عليها الحكم، غير أن حرص المشرع على توفير الإستقرار في الأحكام ظهر في قانون التنظيم القضائي ذي الرقم ( ١٦٠ ) لسنة ١٩٧٩ الذي حدد في المادة (١٣) منه اختصاصات الهيئة العامة لمحكمة التمييز ، إذ بيّن أن من هذه الإختصاصات ” ما يحال عليها من إحدى الهيئات إذا رأت العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة ” ، وبهذا أظهر هذا القانون ميلاً إلى الأخذ ببعض مزايا النظام الأنكلوسكسوني مانحاً للمبادئ القضائية السابقة صفة يمكن القول إنها استرشادية ، وأناط بالهيئة العامة لمحكمة التمييز النظر في اجتهاد المحكمة حين التحول إلى مبدأ جديد ، غير أنه علّق ذلك على قيام الهيئة المختصة في محكمة التمييز بعرض القضية هلى الهيئة العامة فيها .
وبشكل عام فإن محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الإستئناف في العراق ليست ملزمة في أحكامها باتباع مبادئ سابقة حتى وإن كانت قد وردت في أحكام محاكم أعلى منها درجة ، ولكن هذه الأحكام تظل عند الطعن فيها خاضعة لتدقيق المحاكم الأعلى منها درجة، التي تسعى إلى إرساء مبادئ قضائية ذات ثبات نسبي وليس مطلقاً لأن القانون لا يمنعها من الإنتقال من مبدأ إلى آخر . وفي كل الأحوال يظل العهد بالقضاء هو الحياد وابتغاء تحقيق العدالة عند الرجوع عن مبدأ وإقرار مبدأ آخر .