23 ديسمبر، 2024 10:55 ص

عدلوا الدستور لأنه مطلب جماهيري

عدلوا الدستور لأنه مطلب جماهيري

من ضمن مطالب الشعب العراقي المشروعة هو تعديل الدستور وهذا المطلب لامساومة  عليه ولاتراجع عنه  .لان التعديل يرسى الأساس لنظام سياسى قابل للحياة والتعايش السلمي الكريم المتوازن تحت هوية واحدة فقط هي “الهوية العراقية”.ومن دون شك في إن العقلية التي كتبت الدستور الحالي ، لم تكن تملك أدنى حس ديمقراطي ووطني، ففي الوقت الذي كان الشعب ينتظر منها أن تؤسس لبداية جديدة، تمثل الديمقراطية والحرية ابرز سماتها، كان كل حرف في الدستور، يمثل “مشكلة”، أو يقيده بصراعات أو بأشكال متخلفة من حيث بدأنا. والدستور لكي يكون ديمقراطيا، أو يتضمن شيئا من الديمقراطية، يجب أن يكتبه ديمقراطيون، وطنيون، ينظرون الى ابعد مما تراه أعينهم، ويعرفون جيدا بأنهم ليسوا ملائكة ولا هم يكتبون قرانا عربيا، هم ليسوا سوى مجموعة اعتاشت على  فتات موائد الغرب جمعهم قاسم مشترك هو “انتفاخ الجيوب” . ونصبت نفسها ممثلة الإله في الأرض، ووصية على عباده، حتى يقررون كيف تكون مصائر الناس والى أي نفق تذهب.

 الدستور العراقي الدائم يفتقد الى أهم خصيصتين يجب أن يتمتع بهما أي دستور وإلا كان شعارات فوضوية لا تنتمي الى أي نسق إنساني، وهما؛ إمكانية تعديله عندما تظهر مسألة أو تبرز حاجة ملحة الى تعديل أو إلغاء فقرة أو مادة لا تلائم الواقع أو تقف بالضد من تطلعات الشعب، وثانيا ؛ إن الدستور قد أغفل أهم ركن من أركان الديمقراطية، عندما حرم السلطة التشريعية من حقها في التشريع وأسنده الى السلطة التنفيذية. مما يعني انه ألغى فكرة الفصل بين السلطات وان مشرعيه لا يعرفون إن التشريع يعود للبرلمان لا للحكومة ومجلس رئاسة الجمهورية. نعم هذا ما جاءت به المادة 60 التي نصت على إن مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. بينما سمحت للبرلمان في ذات المادة بأن يقدم عشرة من أعضائه مقترحات للقوانين، يرسلونها بعدئذ الى مجلس الوزراء يحوله الى مشروع قانون ومن ثم يرسله مرة أخرى الى البرلمان لكي يقره أو يرفضه. أما لو فكر البرلمان يوما بسن قانون لم يمر على مختبر الحكومة لسارع رئيسها الى محكمته الاتحادية للطعن به بدعوى عدم دستوريته حتى لو كان هذا القانون سينهي الإرهاب والفساد والقتل فقط لأنه غير دستوري!.

 وبما إن الدستور جاء حازما في مسألة تخصص الحكومة ورئيس الجمهورية بإرسال مشروعات القوانين فان مجلس النواب هنا قد خرق قواعد النظام البرلماني عندما شرعا قانونا أضاف إليه هو بعض النصوص التي تختلف عن تلك التي وافقت عليها الحكومة!. وهذا ما يخالف الدستور كليا وبالتالي يجب الطعن به على اعتبار إن الدستور مصون ولا يجوز خرقه حتى لو كان  هذا الخرق بسيطا. وهذا الدستور الضعيف  رغم كونه مخالفا لأبسط مسلمات الديمقراطية إلا أن صيغته تلائم تماما الوضع السياسي القائم على “التوافق” في الصغيرة والكبيرة والمشاركة الجماعية في الحكومة، فكل من له بضعة مقاعد في البرلمان سوف يطالب بأن ينال شيئا من الوزارات وبالتالي فلا تخلو كتلة برلمانية من ممثلين لها في الحكومة، يعني إن القانون الذي يصدر من الحكومة سينال حتما الموافقة بسبب عدم وجود معارضة للحكومة في البرلمان. فالدستور هنا لم يفرق بين الحكومة والبرلمان، إذ أنهما وجهان لعملة واحدة، وما يسري على النائب يسري على الوزير. لكننا نجد أن القرار الذي يصدر من مجلس الوزراء ويصوت عليها وزراء تابعون لكتلة معينة سوف يلقى اشد المعارضة من ذات الكتلة المنتمي إليها الوزراء رغم أنهم يأخذون أوامرهم من مرجع واحد!. بالمناسبة فان الدستور ذاته لم يعترف بشيء اسمه رئيس الوزراء مثلما رئيس الجمهورية!  تقول المادة 66 : تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. وهذا يعني ان أي  قرار يصدر عن الحكومة فهو صادر من مجلس الوزراء وليس رئيس الوزراء. ومجلس الوزراء متكون من أعضاء ينتمون الى كتل  سياسية مختلفة كلها متواجدة في البرلمان. ثم إن رئيس الوزراء لا يملك عددا كافيا من الوزراء التابعين لحزبه حتى يمكنه أن يصدر قرارات رغما عن الشركاء.

ومع هذا نجد الحكومة تطعن بأي  قانون يصدر عن البرلمان دون إذنها والبرلمان يرى بان القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء هي قرارات يصدرها رئيس الوزراء فقط! .ولنا في قانون الموازنة انموذجا، ففي كل عام يصدر عن الحكومة قانون الموازنة الاتحادية، إلا انه يجابه بالرفض من كل الكتل السياسية في البرلمان، رغم إن وزراء هذه الكتل صوتوا عليه في الحكومة. هذا جزء بسيط  من مهازل هذا  الدستور .إلا يستوجب تعديله تنفيذا لمطالب الشعب .ولذلك نطمح ان يكون دستور العراق بعد التعديل ان شاءالله  في الدورة البرلمانية المقبلة جامعا مانعا يؤسس لحياة مستقرة أمنة ونظام سياسي واضح المعالم اساسه العمل الديمقراطي والإدارة الكفوءة.