18 ديسمبر، 2024 5:22 م

عجلة الزمن والمشاريع الأستراتيجيه

عجلة الزمن والمشاريع الأستراتيجيه

لايستطيع أي مراقب منصف نكران الرغبة الصادقه لحكومتة السيد السوداني بالتخطيط والمتابعه لمشاريع ستراتيجيه طموحه لها مردوداتها الكبيره على تقدم وازدهار البلد. وتأتي على قمة تلك المشاريع مشروع ميناء الفاو الكبير وملحقاته ومشروع طريق التنميه وأضيف لهم مؤخرا مشروع مترو بغداد. وكل هذه المشاريع طموحه وتستحق التضحيه والموارد والطاقات التي توظف للوصول الى الهدف المنشود الذي تحييه وتنتظره الجماهير بفارغ الصبر. ولكن تفائلنا تثنيه البيانات المحبطه للمشاريع المتلكئه منذ سنين. فقد تعودنا منذ سبعينات القرن الماضي على الترويج لمشاريع عملاقه وكيف تبدأ اللجان الفنية عملها بهمه وحماس تروج وتخطط ولكن بعد حين وبقدرة قادر تهمل المشاريع وتظل حبرا على ورق. و التبرير الجاهز لفشل أنجاز المشاريع بأنواعها كان دائما الحروب العبثيه وقلة الموارد. وبالمقارنه نحن الأن نعيش بحبوحة الأمن والأستقرار ووفرة الموارد والهمه الصادقه للتخطيط والتنفيذ. وما على المشرع سوى أعطاء الضوء الأخضر وتخصيص الموارد والتعامل مع شركات متخصصه لها خبره طويله وأنجازات معروفه لأنجاز ما نصبو اليه جميعا. وواقعنا المتردي يحتم علينا التزاحم بكل قوه لردم الهوه بيننا وبين الأخرين . فقد بدد العراق الكثير من الثروات والموارد, واضاع سنين طوال يحارب ويتقاتل ويهدم, بينما كان الأخرين يبنوا ويعمروا بلدانهم. ورغم فرحنا الحالي واستبشارنا بجدوى المشاريع الطموحه الا ان في القلب غصه جراء ما نراه من تلكأ وتأخير ربما متعمد من قبل المنفذين, وعلى سبيل المثال مشروع تحديث شبكة الكهرباء الوطنيه, المشروع الأساس والمحرك لكل المشاريع الصغيره والكبيره. فرغم صرف مليارات الدولارات لا تزال الشبكة تراوح وتترنح مكانها. والكل يدرك ردائة شبكاتنا وتخلفها ونقص التجهيز والانقطاعات المستمره, ولا تزال المولدات الاهليه بشبكاتها العشوائيه وأسلاكها السائبه تشوه الشوارع والأزقه في عموم البلد ولكنها في نفس الوقت تفضح فشل الوطنيه في تغطية حاجة المواطن الى الطاقه الكهربائيه وخصوصا في محافظات الجنوب.والكل يدرك أن الطاقه الكهربائيه هي العصب المحرك لعجلة الحياة فبدونها لا معامل تعمل ولا اقتصاد يتحرك ولا أفراح ولا أتراح. لذا يجب ان تأخذ مشاريع الكهرباء الاولويه وبدونها لا نستطيع تنفيذ أي من المشاريع الرائده ؟ ودعونا ننسى لحين المشاريع المتلكئه والصغيره نسبيا ونعرج على المشاريع الطموحه التي تعمل الحكومه على أنجازها في قادم الأيام وعل كلماتنا تحظى بعناية المشرع:
اولا: ميناء الفاو: تم وضع حجر الاساس لهذا الميناء في 5. 4. 2010 ولهذا اليوم لا يزال العمل يسير بوتيره بطيئه جدا لا تبشر بأنجازه نهاية هذا العام او العام المقبل كما صرح القائمين على بنائه. وتكثر الاقاويل حول تهم الرشى والمعرقلات العراقية المنشأ والخارجيه وخصوصا من دول الجوار التي يؤثر انجاز الميناء على مشاريعهم المنافسه. ومن نافلة القول أن المنافسون يعملوا بوتيره أسرع ومواصفات أعلى مما نحن عليه. ومن حق الأخرين أنجاز مشاريعهم بوقت قياسي ليدخلو السوق قبلنا والبقاء للأصلح في العمل التجاري, والعملاء لا تهمهم جنسية الميناء بقدر ماتهمهم الخدمات اللوجستيه التي يوفرها الميناء. وأن لم ننجز ميناء الفاو في وقته المحدد سيسبقنا الأخرون ونخسر الكثير من الفرص. وتيره العمل في ميناء الفاو بطيئه جدا كما اسلفنا والمواطن لا يقتنع بالأعذار والتبريرات العديده التي يطلقها القائمين على المشروع. والكل ينتظر ساعة الحقيقه ويتسائل هل سنحتفل بأفتتاح الميناء نهاية العام أم سيخرج علينا ذوي الشأن بتبريرات أخرى سئم الجميع سماعها.
ثانيا: طريق التنميه: هذا المشروع هو المتمم الاساس لميناء الفاو وكما ذكرت في مقالات سابقه أن مشروع كريدور بايدن الذي يبدأ من الهند مرورا بالموانئ الاماراتيه والسعوديه وصولا الى موانئ البحر المتوسط هو المنافس الرئيس لمشروع ميناء الفاو الكبير ومشروع طريق التنميه. وهناك لغط متواتر بأن كريدور بايدن بدأ يعمل منذ شهور وأزدادت أهميته ووتيرة العمل به مؤخرا بعد ازدياد خطورة الأبحار عبر البحر الأحمر لأسباب يعرفها الجميع. وأن لم نحاول شد العزم ومسابقة الزمن سوف لن نستطيع المنافسه رغم أن كل المعطيات ترجح أفضلية طريق التنميه العراقى على كوريدور بايدن ولكن للزمن احكام.
ثالثا: مترو بغداد : منذ ما يزيد على مائه وعشرون عاما أبتدأ العالم يتجه الى صناعة وتدشين قطارات الأنفاق. وكان لتركيا السبق حيث بدأ أول قطار تحت الأرض عام 1875, وتبعه مترو انفاق لندن عام 1890, ومترو بودابست عام 1896, ومترو انفاق شيكاغو عام 1897, وانفاق باريس عام 1900, ثم مترو انفاق نيويورك عام 1904 والذي يعد واحد من اكبر أنفاق العالم. وسرعان ما وصلت صناعة الأنفاق الى كافة بلدان شرق أسيا وغربها ويكاد لا يخلو بلدا من مترو أنفاق وقطارات معلقه لمعالجة الأختناقات المروريه. والأزمة المروريه الحاليه في العاصمه بغداد مشابه الى تلك التي كانت تحصل في مدن مثل اسطنيول ولندن ونيويورك وموسكو في بداية القرن المنصرم, وتم تجاوزها منذ قرنا ونيف بمترو الأنفاق. ولم تعوق طبيعة الاراضي طينيـة كانت أم صخريه حفر الأنفاق. ويكفي أن بعض الأنفاق شيدت حتى في باطن البحار وأشهرها النفق الواصل بين بريطانيا وفرنسا عبر بحر المانش. وأنفاق المترو لها ميزات عديده منها تخفيف الاختناقات المروريه وحرية التحكم بمساراتها وتوسعتها وسرعتها. ان الأزمه المروريه في بغداد تتفاقم بأضطراد ولا يحلها سوى نظام متورو انفاق حديث. وأن طبيعة التربه ليست مبررا أن يستبدل مشروع مترو الانفاق بالترام الارضي أو القطارات السريعه المعلقه. أن مثل هذه البدائل تفاقم الاختناقات بدلا من تخفيفها, لكونها تحتاج الى محطات تحميل وتنزيل فوق الأرض وشوارع واسعه جدا لا يقل عرضها عن 60-80 متر أضافه الى تزاحم سكة القطارات المعلقه مع الابنيه العاليه التي ستتحكم في مساراتها أو تحتم ازالة بعض الابنيه وتعويضها, بينما لا يحتاج مترو الانفاق سوى الى سلالم نزول وصعود لا غير ولا تأخذ حيزا ولا تتزاحم مع الابنيه فوق الارض وتكون منشأت بديله أو رديفه تحت الارض توفر خدمة نقل سريعه وأمنه وتخفف نسب تلوث الهواء.

واكرر القول أن الزمن لا يرحم ولا ينتظر المتلكئيين والمشاريع الثلاثه أعلاه تتطلب العمل المتواصل الدؤوب والتفاني والتسابق مع عجلة الزمن لأنجاز ما نصبو اليه بوقت قياسي. المواطن العراقي متفائل ولكن بحذر فتجارب العشرون سنه الماضيه ماثله أمامه وتزيد أغلب المتفائلين شكوكا لدرجة أن البعض يتسائل أن المنظومه التي لم تستطع التغلب على معضلة الكهرباء ومشاريع أخرى أقل تعقيدا نسبيا على مدى سنين طوال فكيف لها أنجاز المشاريع العملاقه والبدء بتشغيلها بوقت قياسي؟؟ انه حقا صراع مع الزمن. نسأل المولى التوفيق.
أ.د. عادل جميل
20. 2. 2022