عثمان هذا شخص من أهالي القرى المجاورة لمدينة كركوك. يعمل منتسباً في إحدى مراكز الشرطة. يأتي الى كركوك يومياً ويعود إلى قريته بعد انتهاء الواجب. القرية هي المكان الوفير الذي نعتبره نحن أهل الحضر مصدراً للخير الوفير. ففيه الزرع والانتاج الحيواني وكل ما نأكله هو من القرية ومن جهود الفلاحين. نعتبر ناتج القرية أصيلاً صحيحاً لا شوائب فيه، بينما المنتج المستورد يكون فيه الكثير من المواد الكيماوية التي تضر أكثر مما تنفع.
لا بد أن عثمان يدين بصحته إلى ما يأكله من طعام طبيعي لم يتدخل فيه يد الإنسان ولم تخربه السماد الكيماوي. ليس مثلنا نحن من نشتري البيض والطماطم والخيار الذي ليس فيه من هذه الأسماء إلاّ الشكل الخارجي والفحوى سيئة للغاية. القيمة الغذائية فيما نشتري من المواد الغذائية المستوردة تكاد أن تكون مفقودة وصفار البيض المستورد أبيض في الكثير من الأحيان وليس كالمحصول المحلي وناتج القرى الطبيعي الطازج.
وددت أن أطلب من عثمان بأن يحضر لي كمية من البيض من القرية. فالبيض القروي ليس كمثله بيض في الأسواق حيث القيمة الغذائية العالية. التقيت به وطلبت منه أن يأتي لي البيض مهما غلا سعره. رحب بي عثمان كثيراً وقال لي (تدلل عمي).
سعدت جداً وشكرته مقدماً على البيض الذي سيصلني حتماً وأتمتع أنا وأفراد عائلتي بالطعم اللذيذ.
مرت الأيام والأسابيع ولا خبر من عثمان. انتظرت مزيداً من الوقت وكلما أشاهد عثمان لا أجده يتطرق إلى الموضوع قط. أنا لا أريد تذكيره فقد يكون لديه سبب ما يمنعه في جلب البيض ومن الأولى ترقب زوال الأسباب.
ذات مرة وأنا في محل حيينا الصغير، وجدت عثمان يخرج من المحل وهو يحمل بيده كيساً من البيض التجاري. ألقى السّلام عليّ وخرج. تحدثت إلى صاحب المحل وأخبرته بأنني أنتظر أن يجلب لي عثمان بيضاً من القرية. فضحك صاحب المحل وقال أن عثمان يشتري البيض التجاري من هذا المحل كل يوم.
عثمان الذي أنتظر منه أن يجلب لي البيض من القرية هو من يشتري البيض التجاري من الأسواق. تبين أن عثمان نفسه لا يتمكن من أكل البيض الطازج فكيف له أن يجلب لي ذلك؟!
عثمان الذي وضعت فيه الآمال وانتظرت أن يسعفني بالبيض الطازج هو أحوج من يكون إلى ذلك. فكيف لي أن أحصل على مناي من شخص يفتقده اصلاً؟!
هكذا إذا بنيت الآمال على أناس غير مؤهلين، فإنك سوف تصدع وتصدم بعد طول انتظار.