23 ديسمبر، 2024 5:39 م

عبير التوابل ، للكاتب إحسان وفيق السامرائي .. وبعض المسكوت عنه     

عبير التوابل ، للكاتب إحسان وفيق السامرائي .. وبعض المسكوت عنه     

 يُعرّف الأستاذ “إحسان وفيق السامرائي” كتابه الجديد* بصفته:” لوحات عن الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية والتاريخية في البصرة من القرن العشرين حتى سنة 1979″. ويهديه  إلى زوجته السيدة “خنساء الجلبي- قربان المحبة والوفاء”. قدم للكتاب الدكتور عامر السعد- مدير مركز دراسات البصرة. ما يحسب للمؤلف تناوله لأحداث ووقائع  وسيرة المدينة وناسها سواء أكانوا في أعلى السلم الاجتماعي أم في درجات مختلفة منه ومن ضمنه القاع، وهو لم يتجاهل أو يتغاضى عن سكانها وميزاتهم مهما كانوا لأن هذا التغاضي يعني القفز على تاريخ المدينة وتجاهل سماتها و فراداتها التي تميزها عن غيرها ، فالمدن كما يقال بـ” ناسِها”، والبصرة مرّ بها أقوام عدة واختلطت على تربتها أجناس بشرية شتى جاءت عبر مواكب تاريخها لكن كل مَنْ حلّ فيها نسي ماضيه وامتزج بثقافتها وشخصيتها ذات السمات المميزة بتقاليدها ومذاهبها عربية وغير عربية. يعتمد الكاتب”السامرائي” في كتابه الذي يتألف من(638) صفحة على مئات المصادر التاريخية والحديثة من كتب وصحف ومستندات ، ووثائق حكومية منسية ، ومذكرات شخصية، ورسائل خاصة و مرويات شفهية، وصور فوتوغرافية نادرة عن المدينة وبعض شخصياتها السياسية والفنية وعمرانها وآثارها،ومقابلات شخصية وملاحظات خاصة عن أزمان عاشها في البصرة وتفتح وتشكل وعيه الاجتماعي- الفني فيها، وبذل مؤلفه بصبره ودأبه وجهده الفردي على استخلاص محتواه من شتى المصادر، ولا يمكن حصرها أو عدها لأنه وزعها جميعاً في متن كتابه ، دون أن يضع له فهرساً خاصاً بها ليسهل الرجوع إليها، و لم يقسم كتابه على فصول جامعة أو منفصلة تحت موضوع واحد أو متقارب ، بل أورد كل ما أتاحت له المصادر التي حصل عليها واستخدمها مختلطة بعضها بالبعض الآخر ، و أشار إلى انه حافظ في نقله من مصادره التي اعتمدها المنقولة عن الصحف والبيانات المخطوطة والمطبوعة والمجلات القديمة على” الأغلاط النحوية والإملائية كما وردت ، وتركها على حالتها دون تصحيح كما لم يسع لتعديل بعض صياغاتها وألفاظها للحفاظ على الأمانة التاريخية”(ص20-21). وينقل عن الرحالة العرب والأجانب الذين مروا بها ما كتبوه عنها، ويثبت أسماء رؤساء بلدية البصرة في العهد العثماني ، ويقتبس( تلغرافات) حول ذلك ثم ينتقل إلى حدود(ولاية البصرة) بألويتها وأقضيتها ونواحيها التي رسمتها الإمبراطورية العثمانية، قبل أن تتهاوى، وكان الأفضل أن يبدأ بالثانية، أي مكونات وحدود (ولاية البصرة) العثمانية لا ببلديتها المحلية. من اللازم أن نؤكد أن كتاب الأستاذ السامرائي الذي استغرق العمل فيه أكثر من خمس سنوات في جمع المصادر والاطلاع عليها وتمحيصها ومقارنتها مع غيرها، ثم اعتمادها و الكتابة عنها، لهو جهد يتجاوز طاقة وإمكانات الشخص الواحد وهو من عمل لجان متخصصة في جوانب متعددة من الحياة البصرية وتاريخها لكن الأستاذ “السامرائي” تصدى لها منفرداً رغم كل الصعوبات التي واجهته. ونرى إن هذا الجهد والدأب فيما يخص (البصرة) قد شابه بعض النواقص التي لا نعتقد أن المؤلف يجهلها وربما فاتته سهواً ، ولابد من ذكر بعض الملاحظات التي لا اعتقد أنها تبخس الكتاب ودأب وإمكانات الأستاذ السامرائي في هذا الجهد. فمن خلال تعريفه ببعض مناطق البصرة ومنها(الشعيبة) مثلاً والتي تصفها(ليدي دراور) بـ” واحة تتلألأ ذرات الملح في إطرافها فيحسبها الثلج”- ص 219 – فأنه لا يتطرق إلى المعركة الضارية التي جرت فيها بين القوات البريطانية والمتطوعين العراقيين لقتالها على ارض ( الشعيبة) ذاتها خلال ثورة (العشرين) ،لكنه يتطرق لمقاومة عشائر (القرنة) للقوات البريطانية.وعند تناوله(شركة نفط البصرة) فأنه يتحدث عنها مفصلاً وتنقيباتها النفطية ومنجزاتها الكثيرة ومنها تطوير القطاع النفطي في البصرة و بناء مستشفى خاص بالعاملين فيها وكذلك بناء حي سكني لهم، وحتى مَنْ تعاقب على إدارتها من الانكليز والعراقيين، لكنه يهمل النضال المَطلبي والوطني- الديمقراطي ،  الذي خاضه عمال الشركة ، عبر الإضرابات والأعتصامات العمالية المتتالية ، وتصدي السلطات القمعية لهم والمواجهات الشرسة بين عمال الشركة وقوات الشرطة والتي سالت فيها دماء العمال ووقع بعض الشهداء من عمال الشركة ذاتها، ناهيك عن الاعتقالات التي طالت الكثير منهم ، وبحسب ما أورده” حنا بطاطو” و” د.سعاد خيري” و”عزيز سباهي” وغيرهم فأن المحرض والمنظم على هذه الإضرابات كان”الحزب الشيوعي العراقي” في البصرة، و أن الشهيد “سلام عادل” كان الواقف خلفها كونه كان حينها المسؤل عن اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في البصرة.يتناول الأستاذ السامرائي النشاطات الثقافية والفنية في عموم مناطق البصرة بكل أقضيتها وبعض مناطقها ومنها، ولا يذكر محلة (الجمهورية/الفيصلية) وما فيها من حركة ثقافية – اجتماعية، و(الجمهورية) قدمت للبصرة والعراق المع الأسماء ، وعلى سبيل المثال لا الحصر الفنان “فيصل لعيبي” وشقيقته الفنانة “عفيفة لعيبي” وشقيقته الأخرى الشاعرة الشعبية “ليلى لعيبي”، والفنان التشكيلي “صلاح جياد”، والقاص المرحوم” لطيف ناصر حسين” والشاعر الشعبي الشهيد “فوزي السعد” والملحن “طارق شبلي” والشاعر الشهيد” فالح الطائي”، و شاعر الأغنية العراقية العذب ، مجهول المصير”أبو سرحان” وعشرات الأسماء اللامعة من الأدباء والفنانين والصحفيين والمثقفين والرياضيين وكذلك السياسيين بكل توجهاتهم العلمانية والدينية والقومية المنفتحة. ويخص الأستاذ السامرائي مهرجان (المربد) باحتفاء خاص، ولابد أن نتفق معه في أن مهرجان (المربد) يعد: ” التظاهرة الاحتفالية الأكبر عربياً والمناسبة التي يحتضن فيها العراق مثقفي العرب ومبدعيه من دون أن نغفل عن أن الهاجس الإعلامي  والدعائي كان المحرك الأول لمن يقف وراء تلك الأنشطة الثقافية، وليس الرغبة في الثقافة وحب المعرفة”- د. صالح هويدي/ المثقف العراقي من ثقافة السلطة إلى ثقافة المستقبل. يصف الأستاذ “السامرائي” ما حدث يوم 14 تموز 1958 بالانقلاب العسكري تارةً أو بـ(الحركة) ، تارةً أخرى- ص192 وص 256 – و لم يتطرق لهذه السنوات التي منحت البصرة ، والعراق كله ، أبواباً متعددة من مختلف أنواع التحولات الاجتماعية والنشاطات التي لا عهد أو تراث للعراقيين بها، ولكنها بعدم ارتفاع قادة الثورة ومعهم كل القوى السياسية العراقية ، لم يرتفع الجميع إلى مستوى المهمات الوطنية الديمقراطية الكبرى التي كان يطمح أليها كل العراقيين على أسس متكافئة في تأكيد روح المواطنة العراقية أولاً ، و إقرار حق حرية الرأي والمعارضة الوطنية السلمية ، ثم الانتقال لبناء الدولة المدنية العراقية، وللأمانة والتاريخ فأننا وقد بتنا  الآن على مسافة بعيدة جداً عن تلك السنوات ، وما رافقها من أحداث وتجاوزات ، لا ننكر ما جرى خلالها ، من توجهات وأفعال  وممارسات مريرة ووحشية ، مهما كانت الدوافع والحجج التي خلفها أو تلبستها حينها، وقد مورست من قبل قوى سياسية – تقدمية ، ضد مَنْ يختلفون معها في الرؤى والتوجهات والقناعات السياسية-الاجتماعية،ووجَهتْ تحركات الشارع البصري ، والعراقي كله ، لصالح نشوة وتوجهات (العسكر) ، ولم تكن طرفاً في السلطة ، وارتبطت هيمنة وسيطرة (العسكر) في التحكم وسدة القرار ، بالجحيم والدمار والخراب والموت والتعسف، الذي طال البصرة و العراق وشعبه، وتمخضت عنه عاصفة 8 شباط الدموية عام 1963.ولم يتطرق الكاتب إلى المقاومة الباسلة للبصريين بمواجهة قطعان الانقلابيين ، وبعد انكسارها شهدت البصرة فضائع و قسوة ممارسات (الحرس القومي) ، والذين اتخذوا من بناية ( نادي الاتحاد الرياضي) مقراً لهم ، وتم فيها الإجهاز على كثير من النساء والرجال وحتى الأطفال ، وشمل ذلك كل مكان في البصرة، وتم  توثيق جزءاً قليلاً جداً منه في كتاب الـ”منحرفون “، وما جاء فيه من صور وحقائق ،على قلتِها، إزاء الوقائع الفعلية التي حصلت تصنف ضمن الأفعال (البربرية). يتحدث الأستاذ السامرائي عن الاصطدامات التي حدثت في (المعقل) مع قلة من منتسبي (الحرس القومي) ويورد أسماء مَنْ قتل منهم يوم 18 تشرين الثاني عام 1963 ويصف مَنْ قام بالحركة وأيدها بـ(عناصر الردة). ولم يتطرق إلى إعدام العاملين (عبد الله رشيد وكريم حسين) عام 1964، وتعليقهما مقابل مقر(المؤسسة العامة للموانئ العراقية)، وفي(المعقل) بالذات، منذ الصباح إلى المساء ، ولم يذكر الاحتجاجات الشعبية التي حدثت جراء ذلك وفي ذات اليوم. وللعلم قامت قيادة الحزب الشيوعي في البصرة بترميم قبريهما مع إجراء مراسيم التأبين المناسب لهما و بحضور جماهيري كبير في مقبرة الحسن البصري بالزبير بعد سقوط النظام . ولا يذكر الكاتب أحداث ووقائع مرت بها البصرة بعد انقلاب 17-30 تموز 1968 وأحدثت جروحاً غائرة في أرواح وأجساد البصريين وتشرد الكثير منهم واختفى المئات غيرهم و مصائر بعضهم مازالت غامضة حتى الآن؟.ولا التصفيات والممارسات التي راح ضحيتها في البصرة،بعض نشطاء الفكر السياسي التقدمي و الديني-السياسي، وكذلك بعض حملت الفكر القومي الذين توجهوا حينها يساراً. كما إن الأستاذ السامرائي يوثق لوصول المنفيين الكرد من الاتحاد السوفيتي بحراً إلى ميناء البصرة والاحتفالات الجماهيرية التي جرت ترحيباً بعودتهم لوطنهم ومعهم الملا “مصفى البرزاني”، وينسبها إلى(الحزب الشيوعي العراقي)، لكنه تجاوز المرحلة التي شهدت البصرة فيها حراكاً سياسياً واسعاً ضد الحرب في كردستان في بداية الستينيات وشعار (الحزب الشيوعي) الذي كان يغطي المحلات الشعبية وهو(الديمقراطية للعراق..والحكم الذاتي لكردستان) وسيق جراءه مئات البصريين إلى الاعتقال من قبل مديرية أمن البصرة وقبعوا لفترات طويلة جداً في مواقفها ومعتقلاتها. ما هو مثير حقاً أن الأستاذ السامرائي  وفي الصفحة (512) من كتابه يورد عنوان ((السريون)) ويخص به (الشعبة الخاصة) التي أسست زمن النظام الملكي وترأسها(بهجت العطية)، ويؤكدا السامرائي أن مهمتها:” محاربة التنظيمات السرية والمبادئ الهدامة الشيوعية..!!”.وللعلم و بعد 14 تموز 1958 تحول اسمها إلى (مديرية الأمن العامة)، ويذكر أسماء أهم العاملين فيها في البصرة . ومنهم (م. ي) و(ج.أ) و (ف.الأ) ويخصهم بأكثر من ثلاث صفحات في كتابه ويصفهم أنهم:”..ممن خدم البصرة وظلوا في ذاكرة المدينة..محرومون من حقهم وتضحيتهم وإخلاصهم لتربة الوطن، فمتى نشعر بالضرورة لتقيم رجال الأمس وأسرهم لننصفهم بعد أن أصبحوا جزءاً من التاريخ؟”(ص514). ولكن السؤال الأهم ، في ما أرى ، هو متى ننصف ضحاياهم أولاً؟. ومن الذين قبعوا في المعتقلات والسجون سنوات نتيجة تقاريرهم السرية ووشاياتهم الكاذبة المزيفة وأفعالهم الإجرامية القذرة، و خاصة ما فعله (ف.الأ..) و(ج.أغ..) خلال أعوام 1961-1968.كما قدم الأستاذ السامرائي جرداً مفصلاً عن أدباء وكتاب المدينة خلال عقود من السنوات مع سيرتهم ومؤلفاتهم وقد شمل ذلك الجرد على أكثر من 98 شخصية ثقافية وفنية وأدبية، لكن فاته التوثيق لبعضهم ، ومنهم مثلاً الكاتب والقاص والناقد والصحفي والمترجم اللامع “مصطفى عبود/ أبو النور” والذي ترجم عشرات التراجم ومنها رواية “عاصفة الأوراق” لماركيز ، ولم يشر كذلك ترجمته لكتاب”تحت أعواد المشنقة” ليوليوس فوتشك و الذي نشرته دار الرواد منتصف عام 1978، ثم هرب من العراق ليتوفى في براغ،  ولا الفنان والشاعر “محمد سعيد الصكار”، ومكتبه للخط والإعلان الواقع في (العشار) ، وفي تعداده لأدباء قضاء(أبو الخصيب) ، لم يذكر الشاعر “مصطفى عبد الله” الذي غادر العراق نهاية عام 1978 وتوفى في المغرب عام 1988 وله ثلاث مجموعات شعرية وأصدرت وزارة الثقافة مؤلفاته الكاملة التي جمعها و قدم لها الشاعر عبد الكريم كاصد.ولم يتناول نشاط بعض أدباء وكتاب البصرة وتجمعهم في مقهى (أبو مضر) أو ما اصطلح عليه شعبياً بمقهى(الدَكّة) والكثير من المشاريع والنتاجات الثقافية والأدبية التي انطلقت منها، وفي مقدمتها (12 قصة/ بصرية) بحلقتيها ، لكنه يذكر الحلقة الثانية من(12 قصة) ويضيف إلى مَنْ ساهم فيها القاص الراحل “كاظم الأحمدي” الذي لم يشترك في حلقتيها ، ولم ينتبه إلى أن الحلقة الثانية ساهم فيها(13) قاصاً لكنها حملت الاسم الأول أي(12) قصة وانسحب من المشاركة فيها: محمد خضير وعبد الصمد حسن ومحمد السباهي، وشارك بدلاً عنهم:” الراحل خليل المياح وسلمان كاصد وحسن موسى وشاكر السكري” وصدرت عام 1972. وكذلك لا يؤرخ لمنجزات الشاعر “مهدي محمد علي” الذي له ثمانية دواوين شعرية ، إضافة لكتابه المعني بالبصرة ذاتها والمعنون(البصرة جنة البستان)  ، وكذلك لم يتطرق إلى القاص والروائي والناقد الراحل” يعرب السعيدي/ أبو الحارث” ومساهماته في المشهد الثقافي في المدينة!. لكنه يذكر بتقدير عميق العديد من الساسة والشخصيات الاجتماعية والمهنية والثقافية والفنية والشعبية البصرية- نساءً ورجالاً- ويورد الكثير من أسمائهم وينشر بعض نتاجات شعراء وشاعرات المدينة ويؤرشف لبعض كتابها ويتحدث عنهم جميعاً، بكل مودة وتهذيب واحترام ، ويصفهم بصفات لائقة بهم وبعلاقته المتحضرة معهم. يتحدث الأستاذ السامرائي عن مقتل (كاظم سعيد) وهو الكادر الشيوعي ، في البصرة، والذي أصابه سعار لا مثيل له ، في متابعة أعضاء وأصدقاء ومؤازري الحزب الشيوعي العراقي، بطرفيه حينها ، أي (اللجنة المركزية والقيادة المركزية)، ويذكر أن مَنْ قتله “عضو القيادة المركزية” عبد الزهرة مزبان،  وكذلك قتلَ معه السيد إسماعيل الرديني ،حينما حاول الرديني حماية صديقه كاظم سعيد، وان عبد الزهرة مزبان هرب إلى مدينة العمارة ليموت بعد فترة “لإصابته بمرض السرطان”!!. وبحكم معرفتي الوثيقة والخاصة جداً بالمناضل الصلب والعنيد (عبد الزهرة مزبان) أرى ضرورة التأكيد على أن السيد إسماعيل الرديني لم يُقتل حينها ولم يكن مستهدفاً أساساً، بل أصيب عن طريق الخطأ بطلق ناري ، وتوفى بعد فترة في المستشفى ، وان عبد الزهرة مزبان- أبو ثائر- والذي يتمتع بخلق رفيع وتهذيب اجتماعي عالٍ و في مختلف الظروف والمحن التي واجهها في حياته الاجتماعية – النضالية، ومنذ القبض عليه بداية عام 1961 بقي رهن الاعتقال في موقف رقم(4) بمركز شرطة البصرة القديمة، وتنقل في مواقف ومعتقلات عدة ، وأخيراً في سجن (الحلة المركزي/ القلعة الخامسة) بعد الحكم عليه بالسجن ، نهاية عام 1962 ، وعند انتهاء محكوميته عام 1965 لم يطلق سراحه ، وظل محجوزاً في سجن الحلة ، حتى شمله العفو عن السجناء والمحجوزين السياسيين والذي جرى بعد 30 تموز 1968 ، وانه فعلاً قتل “كاظم سعيد”، ليلاً في الشارع المجاور لشارع الوطني، و انتقل أولاً إلى العمارة ثم إلى بغداد متخفياً ، وتمت محاكمته غيابياً بتهمة((قتل رجل الأمن كاظم سعيد))، حسب قرار الحكم المنشور في جريدة الثورة، و التي نشرته على صفحتها السابعة أكثر من مرة،  وصدر عليه ،غيابياً ، الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت، من قبل محكمة الثورة. عندها غادر (عبد الزهرة مزبان) بهوية منتحلة إلى الموصل وفي نقطة التفتيش ، و قبل دخولها ، تم الشك بهويته فألقي القبض عليه ، وقد حاولوا بشتى الوسائل معرفة هويته الفعلية واسمه الحقيقي لكنهم لم يحصلوا منه على شيء ما ، و أحيل إلى المحكمة بتهمة(حيازته هوية مزورة) وبمساعدة تنظيم “القيادة المركزية” استطاع الهرب ، والتحق بجماعة(الكوادر) المسلحة في منطقة (الهدام) التي تقع في اهوار العمارة ، وبقي فترة هناك ، ونتيجة خيانة ناقل الأرزاق للخلايا المسلحة ، تم نصب كمين لهم من قبل شرطة العمارة وأمنها ، وحدثت مصادمة عسكرية بين الطرفين وقد استشهد المناضل والثوري(عبد الزهرة مزبان) في تلك المصادمة المسلحة العنيفة وبندقيته في يده ، ولم ((يمت عبد الزهرة مزبان بالسرطان))، كما ذكر الأستاذ السامرائي في الصفحة (279) من كتابه. الملاحظات السابقة وأخرى غيرها ، لا نرى ضرورة التطرق إليها، لا تقلل أبداً من جهد الأستاذ إحسان وفيق السامرائي الذي بذله في كتابه، وهو كما وصفه الشاعر “حسين عبد اللطيف” في كلمته بالكتاب أنه:” يدخلك إلى متحف، فيه من كل نادرة عجيبة، وقائع وأحداث، حكايات وأساطير، نوادر ومآسي، فيضانات وأوبئة ، غزوات واحتلالات وأثار سياط (ص8)”. وعذابات خاصة-عامة ، مزقت نسيج البصرة الاجتماعي والسياسي والأدبي والثقافي ومازال ميسمها شاخصاً على الأجساد والأرواح وحتى المؤلف نفسه ، لم ينجُ من تداعياتها ونكباتها وعذاباتها في ما بعد 17 تموز 1979. ومع تقديرنا لجهود الباحث ، فأنه يستحيل تماماً على أي شخص كان و بمفرده خاصةً ، أن يكون ضليعاً وملماً، وحيادياً، بتاريخ مدينة كـ”البصرة” ، لذا فأن الأستاذ “إحسان وفيق السامرائي” يدرك هذا ، فنراه في الصفحة (20) من كتابه يُورد ما ذكره (العماد الأصفهاني) :” إني رأيت انه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده لو غيّر هذا مكان هذا أحسن ولو زيد لكان يستحسن ولو قدم هذا مكان ذاك لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر”.
*لوحات من البصرة..عبير التوابل والموانئ البعيدة/ إحسان وفيق السامرائي/ البصرة-2012.