19 ديسمبر، 2024 10:37 م

“عبعوب “… والصخرة والمطر

“عبعوب “… والصخرة والمطر

بغداد عاصمة الرشيد وخاصرة العالم العربي ،قبلةً مناراً للشعراء والادباء والفنانين الذين تغنوا بها على مدار الأيام والسنين ، ويحج اليها العلماء والمفكرين والفلاسفة من كل ارجاء الدنيا ، لما تمتلكه من ارث حضاري وعمراني وثقافي ، كانت دار السلام تتميز عن غالبية عواصم الدنيا بتنظيم الشوارع والساحات والحدائق ومجاري المياه والصرف الصحي إضافة الى انشاء السدود والبحيرات ، كل ذلك بفضل العقول النيرة التي كانت تعمل بجد وعزيمة وشرف لتكون بغداد الاجمل .
تحولت دار السلام في غفلةٍ من امرها الى مكب اختلطت فيه أشلاء البشر واغصان الشجر وشظايا الحجر .حتى لم يعد بمقدور أبنائها ان يتنفسوا هواؤها النسيم ويشربوا ماؤها الوفير بسبب العقول النيرة التي مَنْ الله بها علينا بعد عام الغزو ، لتنهال على العراقيين ما هب ودب من العملاء والجهلاء واللصوص والمنافقين الذين تولوا زمام الأمور في بلد يعج بالخبرات وتمتلأ خزائنه بالخيرات . ومع اول اطلالة محملة برزق السماء ، ينزل المطر مدرارا على ارض بغداد ولم تمض الا ساعات قليلة حتى اختنقت الشوارع الازقة والمساكن والمدارس بالمياه التي اختلط فيها كل شيء ليعم بعدها السكون الذي اغرق العيون بالدموع والحسرة والالم على أناس فجعوا بأطفالهم ونسائهم ورجالهم ليتحولوا الى قرابين قدمتها ( حكومة المطر ) الى السماء .
بغداد تحولت الى فينيسيا جديدة يتجول فيها السياح والمصطافين بواسطة ( قدور الطبخ الكبيرة ) والاثاث التي تبرعت بها العوائل المنكوبة كنوع من تنشيط السياحة فيها . اما حكومة المطر فأنها سارعت الى اعلان الحداد القسري على طلبة المدارس والموظفين بمنعهم من الدوام الرسمي لأسباب الهية وبشرية ، وقد قدمت حكومة المطر عزائها الى أبنائها وطالبتهم بعدم التضرع الى الله مستقبلاً ليمنحهم نعمة المطر لان هناك من يحاول ان يستغل دعائهم ويضع العراقيل في طريقهم ويغلق مجاري مياههم بالصخور ، وقد اوعزت الى امين عاصمتهم الجديد “عبوب” ان يوضح لهم كيفية التعامل مع الصخرة التي اغرقت مدينتهم الجميلة ، التي اغتصبوا عذريتها المجرمون وشوهوا جمالها المفتون الذي اصدح بحناجر كبار المطربين ، ولعلنا اليوم نلمس فارقا كبيرا وبعداً طويلاً بين من يصف بغداد ومكانتها وعظمتها ليقول ، بغداد والشعراء والصور ومن يقول …عبعوب والصخرة والمطر .

أحدث المقالات

أحدث المقالات