هل استقر بك المقام وغابت عنك هواجس الرحيل…؟ يا انت …يا أنت الذي مذ كنت تفكر بأن روحك طائر يحلق بجناحين ويعبر كل الآفاق دونما خوف أو وجل .
اوّ ما راودتك صور علقت بصفحات السنين تمتد بصائرها فتتجمع سحائب الشوق وتضرم بروق الألم مضيئة كالنور ومحرقة كالنار لكنها حين تقبل أفنان شجر الحنين تعود نغما مليئا بالحب ويكون بردا وسلام فهي الحقيقة والايمان بأمر الله تعالى الذي جعل من النار التي اججها الطاغية النمرود بردا وسلاما على نبيه الكريم ابراهيم الخليل فتجلت كلمة الله العليا وأذلت بمعجزتها ذلك الجبروت.
ستغمض عينيك كأن الذي حولك رؤى وكأن حلمك البعيد الذي اوقدت له شموع السنين بخورا وايام العمر زرعتها وروداتعطر الدهر بطيبات النسائم كأنه حلم لم يكن ولا كان وكأن الذي عاش ذلك هو آخر سواك.
سندي في الحياة من….؟
سأشيح بوجهي وأعبر الطرق مغمَّض العينين كي لا أرى مشاهد تشج قلبي وتحرق نفسي بألم مرير.
في المشاهد غصص كبيرة وعظيمة عبر الزمن فيها رأيت موكب جنازة النعش اربعة بالكنيسة الكبرى وبعض القسيسين وخمسة او ستة من المصلين فظننها لأول مرة جنازة ميت من عامة الناس لكني فوجئت واندهشت ايما اندهاش حينما سمعت قسيسا يقول :- صلوا لأجل الملك النقي فرنسوا دي فالوا ,الملك الثاني المدعو بهذا الاسم… عجبا…! الملك الشاب ذو العشرين عاما ابن الملك هنري الذي انحنت عنده الرؤوس وابن كاترين دي مدسيس الملكة الدموية…! لكن ها قد مضى كأي فرد بسيط إذ انحسر عنه السلطان واتخذ الأخرون مواقعهم في الأمر والنهي وسارع ذوي المصالح للمصافحة وطلب الرضا.
هكذا هي الحياة …قال لي :- لا تحزن ولا تبتأس فما بين السطور والصفحات كثير من اللامعقول لكنها وقائع……
واعاد لي توجيهاته …لاتكن متعصبا لشيء او لأمر او لأنسان فستمضي الأيام وربما تكتشف ذات يوم انك اسأت الأختيارأو التوجه أو الانتقاء ولا يهولنك اشتداد الخطوب فبين إغماضة عين وانتباهتها تتغير الأمور ويفعل الله تعالى ما يشاء اذ يقلب الأمر من حال الى حال.
اجل أفة الدنيا هو التعصب الاعمى
هتفت متألما: أجل فكم من المآسي الانسانية عاشتها البشريةفي كل الأمصار والأقطار وراودتني نفسي الى استعادة المواقع والوقائع وتداخلت الازمنة والامكنة فوجدت في بلدي ايضا تلك المذابح التي احدثها الجهل والتعصب الاعمى بتوجه من ارادات مجرمة كانت الدماء تسيل وكانت مظاهر الانفلات والتخريب والتقتيل تحت مسميات مختلفة فهناك من يشعل الاوار ويستغل الافكار بطرق شتى منها التأجيج والتفخيم والتكرار والخديعة والكذب والادعاء بالدفاع عن الحقوق لتصب جميعا لمصلحة ذوي النفوذ والسلطان وتنال بوحشيتها براعم الحياة وجمالها فأذكر الابيات التي تصدرت كتاب شهداء التعصب تأليف ميشيل زيفاكو
اذا التعصب نادى القوم واجتمعوا
يوما وايقظ فيهم نائم الفتن
افنوا خيارهم قتلا وتهلكة
وصيروا الجهل فوق الدين والوطن
ومن خلال صفحاته التي توضح وقائع حقبة تاريخية سادت فيها حروب طاحنة باسم المذاهب المختلفة, الكاثوليك ,البروتستانت ,راح ضحيتها الكثير الكثير اذ يقتلون تقربا لله وحبا لله وهم جميعا خلق الله.