19 ديسمبر، 2024 5:57 ص

نقلت وسائل الاعلام بالأمس خبر انتحار شابين عراقيين حزنا على عدم فوز منتخب كرة القدم ببطولة خليجي 21، الى حد الأن ليس في الخبر مفاجأة، فمثل هذه الأمور تحدث في كل مكان، لكن أن يكون أحد الشابين من الانبار والأخر من البصرة، فهنا تكمن العبرة في صدق الأخوة العراقية وتجانس مزاجاتها، حتى في أعقد مراحل احتقان السياسة الطائفية في بلد لم يتعود هجمة كالجارية حاليا،  تستهدف أخوته من الداخل، انها فعلا أخطر من جريمة الاحتلال.
أن أصعب ما يمكن التفكير به هو طريقة تعامل السياسيين مع الأخوة العراقية، وكأنهم لم يعيشوا طفولة هذا البلد، ولم يزوروا مضايف أهله، حيث العادات متطابقة، والوجوه متشابهة في ملامحها العربية، أما أمهاتنا فيتقاسمن الوفاء والكرامة وحتى نوع الرداء، فيما مفردات عشقنا هي غصن زيتون اضافي في مودتنا، وليس هناك من شعب يرد السؤال أو يعزز الجواب بمفردة ” ها عيني، ها خويه”، التي هي في أبسط الأحوال  تأكيدا لأخوة متجذرة، عكس ما يروج له حالمون بجاه على طرف الطائفة، بينما ولدنا من رحم عراقي لم يكن طائفيا، لذلك تتوزع حتى الأسماء على كل بقعة أرض عراقية.
أعرف أن البعض سيتهمني بمرض “الاستكماتزم” وينصحني بتصحيح البصر لقراءة المشهد جيدا، وربما يذهب سوء الظن ببعض أخر الى توصيف هذه النظرة لحقيقة شعب العراق، بعدم الواقعية، وفي الحالتين فاني مثل كثيرين جدا من أبناء هذا الشعب، على يقين مطلق أن فخ الطائفية مشروع سياسي يستهدف قلب العراق في الصميم، حيث لا توجد محافظة عراقية من لون واحد، وهو من اسرار أخوتنا المتجانسة ،  لأن عراقتينا كانت وستبقى أكبر من كل محاصصات الزمن العاثر، الذي يريدونه ثوبا جديدا لوطن يرفض الحزن والتقسيم و المفاهيم العبثية، ومقاساته ظلت عصية على محاولات تمييعها، لذلك تأنف روح وعيون العراق من مجرد النظر أو التفكير في سيناريوهات زرع الفتنة في عقول ونفوس تتباهى بعراقية فريدة.
لاندري لماذا يستفز السياسيون حكمة شعب العراق ، وكأهم يجهلون أو يتناسون في زحمة الانغلاق المذهبي السياسي، أن شعب العراق موحد بالفطرة، ولا يمكنه التنفس بنصف رئة، لذلك لا يوجد شعب يلح في السؤال عن أوضاع أهله مثلما يحدث بين العراقيين، حتى أنهم يبالغون في السؤال” شلونك عيني ، شخبارك شلونك بعد أنشالله زين”، مفردات بنكهة عراقية خالصة في نقائها، ومع ذلك يخرج علينا سياسيون بطروحات تشمئز منها النفوس، حيث يصفون شعب العراق ب” المكونات” ، وكأنة الأمة العراقية اضحت هي الأخرى من الماضي التليد!!
يعيش العراق غربة حزينة مع الذات، ويصارع شعبه الأمرين للمحافظة على أخوة يراها السياسيون خطرا على مستقبلهم، عندما تتوضح باقي خيوط اللعبة الخارجية، التي تدفع ” دم القلب” لتأجيج صراع عرقي ومذهبي في العراق، وهناك من يمسك ببعض خيوط لعبة ستحرق أصابعه قبل غيره، لأنها تستهدف وحدة العراق لا ما يسمونه عملية سياسية تتميزعنغيرها بعدم قدرتها على النمو وعدائية المشاركين فيها.
يقولون ان العراق الديمقراطي الجديد حريص على صيانة الحريات وحقوق الانسان، المكفولة بالدستور الجديد، لكن في المقابل يصطفون ضد أي ردود أفعال شعبية طبيعية جدا في ظل تقاعس حكومي عن الخدمات غير مسبوق، و قائمة طويلة من المحرمات، وكأن الأمس القريب تلبس” ديمقراطية الاحتلال”، أو لأن مزاج الحكم يحتاج الى مصدات وقائية، فيما الصحيح أن تكون مطالب الشعب أهم بكثير من البحث عن مميزات اضافية للمسؤولين، والتعامل مع هذه الاحتجاجات بروح عراقية، لا بنفس عدائي، وكأن المنصب يتقدم على حقوق الشعب، ما يستدعي مراجعة سريعة للحسابات من قبل الجميع، فليس هناك من طرف غير متورط بمآساة العراق وشعبه، وان عدم الانتصار للشعب والتعامل معه بمزاج وطني، يعني أن هناك خللا في السلوكيات، خاصة وأن شعب العراق تحمل أكثر من طاقته ملايين المرات، سياسيون يتنعمون أكثر من الخيال وبسرعة فائقة جدا، وشعب تحاصره خلافاتهم في كل لحظة، فتقض مضاجعه، فيما  يغص السياسيون باحلام وردية ونوم عميق خارج حدود الوطن، ومع ذلك يتعكر مزاجهم عندما يسمعهم الشعب صوت غضبه وعدم رضاه!! أليس ذلك ظلما وتجريحا بمزاج العراقيين وتغييبا متعمدا لحقوقهم، التي يقول سياسيون أنهم ناضلوا كثيرا من أجلها، فلماذا تنحرف عنها أولوياتكم اليوم ياسادة!! ولا تنسوا أن شعب العراق سيرفع صوته اللاطائفي وستصغون اليه!!
رئيس تحرير” الفرات اليوم”
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات