29 أبريل، 2025 10:29 ص

عبد الله كوران رائد الواقعية الشعرية في الأدب الكردي

عبد الله كوران رائد الواقعية الشعرية في الأدب الكردي

يُعدّ الشاعر عبد الله كوران من أبرز الشخصيات الأدبية في تاريخ الشعر الكردي المعاصر ومن روّاد الشعر الكردي الحديث ومؤسّسي الواقعية الشعرية فيه. وُلد في (كوي سنجق عام 1904)* ،وكان أحد الرواد الذين أسهموا في تطوير الشعر الكردي من خلال محاولاته الجادة لتجديد الأشكال الشعرية والمحتوى الأدبي. ارتبط اسمه بشعر المقاومة والتجديد، وخصوصًا في ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي كان يمر بها الشعب الكردي في القرن العشرين.
نشأ في بيئة عائلية تشجع على التعلم والتمسك بالقيم الثقافية الكردية، حيث أثرت هذه البيئة على توجهاته الأدبية والسياسية فيما بعد. بدأ كوران في كتابة الشعر في سن مبكرة، وظهر تأثره بالثقافة العربية والفارسية، ولكنه سرعان ما تبنى الأسلوب الكردي الأصلي الذي كان لا يزال في مرحلة التشكّل والتطور في تلك الفترة. بدأ مشواره الشعري متأثرًا بالرموز الصوفية والتراث الشعبي، ثم انزاح تدريجيًا نحو التعبير عن قضايا الإنسان الكردي من خلال لغة مباشرة ومواقف اجتماعية وسياسية واضحة. اتّسم شعره بالصدق والالتزام، وكان من أوائل من كتبوا بالكردية المعاصرة بأسلوب يعتمد على اللغة اليومية والبناء البسيط دون تفريط بالعمق الرمزي.
التحق كوران بدراسة الأدب في بغداد، حيث تأثر بالأجواء الثقافية التي كانت تشهدها العاصمة العراقية في أوائل القرن العشرين. وعلى الرغم من انشغاله بالنضال السياسي من أجل حقوق الأكراد، إلا أن الأدب كان له الدور المحوري في حياته. قادته مشاركاته السياسية إلى المنفى عدة مرات، وقد كانت هذه التجارب تصقل تجربته الشعرية وتعطيها عمقًا إنسانيًا ورؤى اجتماعية واضحة.
نهدف من هذه الدراسة تقديم تحليل شامل لشعر عبد الله كوران من خلال استعراض سيرته الذاتية، سياقه التاريخي، سماته الفنية، والقضايا التي عالجها في قصائده. بالإضافة إلى ذلك، سنلقي الضوء على تأثيره العميق في الشعر الكردي المعاصر

السياق التاريخي والثقافي
في بدايات القرن العشرين، كان الشعب الكردي يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاحتلال والاستبداد، إضافة إلى محاولات القوى الكبرى لتفكيك هويته الثقافية. وكان هذا السياق التاريخي يشكل الخلفية التي نشأ فيها شعر عبد الله كوران. فقد عايش العديد من الأحداث السياسية الكبرى مثل الثورات الكردية في العراق وسوريا، والتي أثرت بشكل مباشر في أفكاره وشعره. كان كوران من المؤمنين بفكرة الوحدة الكردية، وقد عبّر عن هذه الرؤية في العديد من قصائده، حيث كان يعتبر أن تحرير الأكراد من الاستبداد لا يقتصر على النضال السياسي فحسب، بل يتطلب أيضًا تجديدًا في الثقافة والفكر.
“عبد الله كوران أكبر شاعر في تاريخ الادب الكوردي المعاصر من حيث الابداع للأشكال الفنية والأنواع الأدبية المختلفة، اذ سخر طاقات اللغات الخمس التي يجيدها ( التركية الفارسية الانكليزية العربية والكوردية) لخدمة اللغة الكوردية وآدابها، فارتبط بعلاقة خلق متساو مع (حافظ ، الخيام، عشقي، أبي تراب جلي، ناصر خسرو، نامق كمال، توفيق فكرت، جلال نوري، ناظم حكمت، شيللي، كيتس، الرصافي ، الجواهري)” (1).

التحوّل في البنية الشعرية الكردية
كان عبد الله كوران من أبرز المساهمين في تحديث الشعر الكردي، حيث لم يقتصر على الحفاظ على شكل القصيدة التقليدية، بل قام بتطوير أشكال جديدة للتعبير عن المعاناة الكردية. في فترة زمنية كانت تهيمن فيها الأشكال الشعرية الكلاسيكية، مثل القصيدة العمودية والرباعيات، جاء كوران ليكسر هذه القيود ويقدم نموذجًا شعريًا جديدًا يتميز بالحداثة في المعالجة واللغة.
إحدى أبرز التغيرات التي أدخلها كوران كانت في استخدامه للغة اليومية، التي تميزت بالبساطة والواقعية في بعض الأحيان، وهو ما جعل شعره أقرب إلى الناس وهمومهم. كما اعتمد كوران على الأبعاد الرمزية والأسطورية في تكوين النصوص الشعرية، مع ربط هذه الرموز بالواقع الاجتماعي والسياسي للشعب الكردي.
” السياسي والعضو السابق في مجلس النواب الدكتور رائد فهمي للمسرى إلى أن ” عبد الله كوران يعتبر بحق شاعرا مجددا، ولا يختلف عن السياب والبياتي وغيرهم من شعراؤء العراق المجددين “، مبينا أن ” الذي نحتاجه اليوم هو التعرف أكثر على الثقافة الكردية من خلال تصويب عمليات الترجمة في كل الاتجاهات” (2) .
أما في شكل القصيدة، فقد تخلى كوران عن الوزن التقليدي الصارم ليعتمد في الكثير من الأحيان على الشعر الحر، بما يعكس مرونة أكبر في التعبير عن الأفكار والمشاعر. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الشكل، بل كان أداة لتعميق المعاني الإنسانية والاجتماعية في شعره، وجعل قصائده أكثر تأثيرًا في الجمهور الكردي، الذي كان يعاني من القمع والظلم.

السمات الفنية لشعره

اللغة والصورة الشعرية
عُرف شعر عبد الله كوران بلغة بسيطة لكن عميقة، معتمدة على الصور الشعرية التي تثير الخيال وتحفز التفكير. استخدم كوران الرمزية بشكل بارع، حيث كانت صورة الطبيعة و الوطن تعد محاور أساسية في قصائده. كانت الأنهار، الجبال، والسهول الكردية في قصائده ليست مجرد عناصر جغرافية، بل كانت تحمل دلالات رمزية قوية تعكس نضال الشعب الكردي من أجل الحرية. على سبيل المثال، كانت الجبال تمثل الصمود والمقاومة، بينما كانت الأنهار ترمز إلى الحياة المستمرة رغم التحديات، “منح كوران القصيدة الحديثة طاقة إيجابية كبيرة، من خلال وعيه السياسي والثقافي على مستويات صناعة الصورة والفكرة والحدث وامتلاكه لوعي كوني تجسّد في مجمل شعره، وخوضه في المسرحيات الشعرية وتطويع الترجمات لصالح وعيه الشعري والإنساني” (3) .

في الصباح والمساء بل في الليل الدامس شمعة من تكونين ؟

في ليالي القدر و ” البراة ” نوراً في بيت من تكونين ؟

يا وردة في رياض عدن ذات القامة الهيفاء حبيبة من تكونين ؟

أقسمك بالله أخبريني حسناء من تكونين ؟

وجهها كالكتاب عذارها كالحواشي شاماتها كالنقاط لمن تكونين؟

توظيف الرمز والأسطورة
اعتمد كوران في العديد من قصائده على الرموز والأساطير الكردية، مثل أسطورة ميديا، والتي استخدمها كرمز للبطولة والصراع. هذه الأساطير لم تكن مجرد عناصر زخرفية، بل كانت تعبيرًا عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي عاشه الكرد. من خلال هذه الرموز، كانت قصائد كوران تدعو إلى الكفاح والتضحية من أجل قضية الشعب الكردي.

الموسيقى الداخلية والوزن
في حين أن كوران قد تخلى عن العديد من الأشكال الكلاسيكية في الشعر الكردي، إلا أنه ظل مهتمًا جدًا بالموسيقى الداخلية للقصيدة. كان يحرص على الحفاظ على نوع من التناغم بين الكلمات حتى في قصائده الحديثة التي تفتقر إلى الوزن التقليدي. استخدامه للأدوات الشعرية مثل (الجناس و التكرار) كان يهدف إلى خلق تأثير موسيقي مميز يعزز من قوة النص الشعري ويجعل قراءته ممتعة ومعبرة “المعنى الذي يؤدي بطبيعته إلى التشبيه الخاص بالنور والرزق بجعل الحبيبة وتصورها بالنور والرزق وبصورة موحية قوية تعكس الإحساس بالأشياء والتأثر بالجمال على نحو يلهب المعاناة التي تتلاحم مع قوة التأملات وذروة الذات والذهن الشعرية في صور التساؤل حيث تتوالى الصور الوصفية الجمالية ” (4).

النزعة الواقعية والإنسانية
كان كوران شاعرًا ملتزمًا بقضايا شعبه، ولذا نجد أن معظم قصائده تتسم بنزعة واقعية تعكس هموم الناس وآلامهم. لم تكن قصائده مجرد وصف للأحداث، بل كانت بمثابة دعوة للتحرك والتغيير. تناولت قصائده قضايا الحرية، العدالة الاجتماعية، والتضامن بين الشعوب وأرتبطت بقضايا الإنسان في بحثه عن الكرامة والعدالة.”لعل ما يوضح رؤية الشاعر عبد الله كوران للمشهد العراقي، هو القصيدة التي تحمل عنوان (قصة الأخوة)، حيث يقول:

أخي العربي
كم من عباءة
كم من لبّاد
مزقنا –
كنا نعمل بالسخرة للظالمين
آه كم مسحنا العرق من جباهنا
ونحن مثقلون بالأحمال

“يقول الدكتور عز الدين مصطفى رسول، في المقدمة التي كتبها لديوان كوران: «أن أعماله الأولى كانت قصائد رومانتيكية، ومن ثم أصبحت تصنف كقصائد من الواقعية، وتحكي عن ألوان الحياة والإنسانية والاشتراكية. استخدم عبد الله كوران صور من الفلكلور الكردي واللغة المحكية في بناء القصيدة لتصوير حال الشعب” (5) .

القضايا المركزية في شعره

الوطن والمنفى
من أكثر الموضوعات التي تكررت في شعر كوران هي القضية الوطنية، إذ كان يعتبر أن الشعر ليس مجرد وسيلة للتعبير الفني، بل هو أداة نضالية. وقد تأثر بشكل عميق بتجربة المنفى، التي كانت تلعب دورًا محوريًا في تشكيل رؤيته للحياة. يذكر كوران في العديد من قصائده شعور العزلة والغربة، لكن هذا المنفى لا يُعبر عن الفقدان فقط، بل عن مقاومة مستمرة وأمل في العودة.
وقد سبح كوران عميقاً في حياة شعبه ووطنه ففي مسرحياته حلم فقبر و جوقة اليونسكو و رثاء الغابات و البلاد المعمورة سخرية عميقة من الأوضاع الاجتماعية،وفضح للوجوه الاستعمارية والأجهزة البوليسية والثقافة التي يبشر بها الاستعمار، وكشف عن حقيقة الدورات التي فتحت تحت اسم الأمم المتحدة لمكافحة الأمية والتي تستهدف الجهاز التعليمي،وهذا ما يتكرر الآن بتسميات مختلفة وفي مناطق مختلفة من العالم رسم كوران لوحات خالدة لطبيعة وطنه في قصائده ، كما أبدع في الكتابة عن المرأة وعن عيد النوروز (6) .

أخي العربي
يا ذا العينين السوداوين
مرّاًَ كان نصيبك
مرّاً كان نصيبي
قد جرعنا المرارة من كأس واحدة
فأضحت أخوتنا عسلاً شهياً

العدالة الاجتماعية
من القيم التي شغلت عقل كوران (العدالة الاجتماعية) لا سيما في سياق الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي كان يعاني منه المجتمع الكردي. وكان يربط بين الحرية الوطنية والعدالة الاجتماعية، معتبرًا أن أحدهما لا يتحقق دون الآخر. لذلك، نجد أن الكثير من قصائده تتناول قضايا الفقر والتمييز، داعية إلى بناء مجتمع أكثر عدلاً ومساواة.
“وقد تبنى هذا الشاعر الكبيرأهداف الحركة التقدمية المعادية للأستعمار والمناضلة من اجل السلم فى العالم، واصبح آنذاك عملاق الأدب الكردى المعاصر ورائدا للواقعية الأشتراكية، وقد بهرتنا ( نحن المتطلعين الى العدالة الأجتماعية والى عالم ترفرف عليه حمائم السلام خال من الفقر والبؤس والأستغلال” (7) .

أخي العربي
لمع سيف
وغرق بريقه في دماء
سالت من عنق أبي
من عنق أبيك
على تراب التاريخ
وفجعنا كلانا بأبوينا
الهموم تعصر أعيننا قطرة، قطرة
فتعانقنا وبكينا معاً
فجعل البكاء منا أخوين

الحب والطبيعة
بالإضافة إلى القضايا السياسية والاجتماعية، كانت قضايا الحب والطبيعة من المواضيع التي تناولها كوران في شعره. وكانت الطبيعة في شعره تمثل ملاذًا للهروب من قسوة الواقع، وفي الوقت ذاته كانت تشير إلى الجمال والتجدد، كما أنها كانت تنطوي على دلالات رمزية تعكس حالة الشعب الكردي، حيث يقول في قصيدته (نوروز ):

البنفسجة المختبئة تحت الشوك
فتحت عينيها السوداوين فرأت

حقل النرجس، بألف لحظ

يضحك، اصفر أبيض !

النرجس المستحم بالشمس الدافئة

كان يحمل بشرى للبنفسجة

“عبد الله كوران أحد الشعراء الذين يفتخر بهم الشعب الكردي، باعتباره النجم الساطع والينبوع الدافق والجبل الشامخ في الشعر الكردي المعاصر.. يعتبر كوران أستاذا لمدرسة الشعر الكردي الحديث، لقد ساهم بشكل جدي في تطور الشعر الكردي، وتغيير أوزانه وعروضه وإيقاعاته متلائما مع الظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية لمجتمعه، لقد دشن كوران مدرسة جديدة في النصف الأول من القرن العشرين، ونبذ عملية التقليد والتكرار وأوصل الشعر إلى قمة الإبداع، وأحب الجمال وغنى له وتمحور شعره حول الجمال في جانبيه: “المرأة والطبيعة”.. لقد وصف كوران الطبيعة كثيرا وصوَر جمالها وروعتها ولكنه اعتبر جمال المرأة أفضل بكثير من جمال الطبيعة، ويجد كوران أن الجمال في الإنسان هو الروح والعمل الطيب، فالجسد سوف يفنى ويضمه القبر المظلم بين دفتيه، وهناك جمال واحد سيخلد عبر القرون.. وكان كوران دائماً مع الحدث، ويعد من أبرز الأدباء الذين انخرطوا في الممارسة الأدبية النضالية” (8).

أثره على الشعراء الكرد اللاحقين
عبد الله كوران كان يمثل حجر الزاوية في تحوّل الشعر الكردي نحو الحداثة، وترك تأثيراً بالغاً على العديد من الشعراء الكرد. فقد قام شعراء مثل شيركو بيكس و لطيف هلمت ببناء تجاربهم الشعرية على الأسس التي وضعها كوران، سواء في ما يتعلق بالشكل أو المضمون. يمكن القول إن الشعر الكردي المعاصر ما كان ليصل إلى مستواه الحالي دون إرث عبد الله كوران، الذي شكّل الجسر بين الشعر الكلاسيكي والشعر الحداثي.
“يعتبر كوران أستاذا لمدرسة الشعر الكردي الحديث، لقد ساهم بشكل جدي في تطور الشعر الكردي، وتغيير أوزانه وعروضه وإيقاعاته متلائما مع الظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية لمجتمعه، لقد دشن كوران مدرسة جديدة في النصف الأول من القرن العشرين، ونبذ عملية التقليد والتكرار وأوصل الشعر إلى قمة الإبداع، وأحب الجمال وغنى له وتمحور شعره حول الجمال في جانبيه: “المرأة والطبيعة”.. لقد وصف كوران الطبيعة كثيرا وصوَر جمالها وروعتها ولكنه اعتبر جمال المرأة أفضل بكثير من جمال الطبيعة، ويجد كوران أن الجمال في الإنسان هو الروح والعمل الطيب، فالجسد سوف يفنى ويضمه القبر المظلم بين دفتيه، وهناك جمال واحد سيخلد عبر القرون.. وكان كوران دائماً مع الحدث، ويعد من أبرز الأدباء الذين انخرطوا في الممارسة الأدبية النضالية” (9).

قال: أختاه، أختي الجميلة ذات العيون المليئة بالحياة،

باب الدار موصد

ولماذا الدموع في عينيك تنهمر؟

إنه الربيع

من على القمم البيضاء يظهر

شعاع وتألق الياقوتة الحمراء

مشاعل نيران بداية العالم الجديد!..

البنفسجة الخجولة ذات العيون السود

بدأت بالغناء!

بانطلاق وبلا تردد

عبد الله كوران لم يكن مجرد شاعرٍ كتب قصائد عن حب الوطن، بل كان مبدعًا ربط بين الشعر والسياسة، وبين الجمال والواقع. عمل على تجديد الشعر الكردي بأسلوبه الفريد الذي مزج بين الرمزية الواقعية والتجديد الفني، وقد ترك كوران إرثًا شعريًا لا يزال يتردد صداه في شعر الأجيال اللاحقة من الشعراء الكرد. وهنا نأمل من مراكز الدراسات الأكاديمية المستقبلية أن تواصل استكشاف أبعاداً أخرى من شعره وتأثيره العميق في الثقافة الكردية، مع التركيز على تأثيره في الحركات الأدبية والسياسية في العالم الكردي.

من وخز خنجر العدو

رمت بنفسها في حضن باقة الورد..

وردة البنفسج المنزلية تحت الشوك

عندما وصلت ليدي المتلهفة،

امتلأت من عبيرها أنفاسي،

الوطن في شعر عبد الله كوران
كان الوطن موضوعًا محوريًا في شعر عبد الله كوران، حيث كان يعتبره حجر الزاوية الذي يجب أن يكون مصدرًا للحفاظ على الهوية والكرامة. لكن مفهوم الوطن في شعره لم يكن مجرد مكان جغرافي، بل كان معنيًا بالحرية والعدالة.

الوطن كرمز للهوية
لايمثل الوطن في شعر عبد الله كوران الأرض التي تنتمي إليها الجماعة الكردية فقط ، بل يشير إلى الرؤية الأوسع التي تدمج بين الأرض والتاريخ والشعب. هذا الوطن كان يشمل مشاعر الانتماء العميقة التي تتجذر في كل فرد من أفراد المجتمع الكردي، كما يمثل في الوقت ذاته رمزًا للحرية المنشودة.
و يتناول كوران في قصائده، حالة الشتات التي عانى منها الشعب الكردي جراء الحروب والمجازر، ويُظهر الوطن باعتباره جزءًا من الهوية التي يجب الحفاظ عليها، بل والنضال من أجلها،هو لا يكتفي بالحديث عن الوطن باعتباره مكانًا ماديًا، بل يعرضه كقيمة معنوية وكمساحة حيوية يجب على الشعراء والجماهير أن يعيدوا تكوينها باستمرار من خلال النضال والمقاومة.
“من نتاج كوران الشعري هي مرحلة الواقعية، حيث أنه ارتبط من خلال أشعاره بقضايا النضال الوطني الديموقراطي، قضايا الكفاح من أجل الحرية والأمن والسلام، وكان الصوت المجسد لطموحات وآمال الجماهير العريضة وسائر الوطنيين والثوريين آنذاك، لقد كتب في هذه المرحلة “سجن الضحاك” وفيها تناول أسطورة كاوا الحداد الذي كان قائد الانتفاضة الكردية ضد الطاغية الضحاك” (10).

وسكبت وشوشة العطر في مسامعي

ولبشارة: أقبل..

نوروز ! أنبأتني

المرأة في شعر عبد الله كوران
لقد كانت المرأة في شعر عبد الله كوران تمثل جانبًا مهمًا من الشعر الاجتماعي والسياسي، حيث كانت تُصور كمصدر للقوة والمقاومة. المرأة، في شعره، هي أكثر من مجرد رمز للجمال أو الحب؛ فهي رمز للنضال، الصبر، والحرية.
(يقول “حواس محمود”: “الشاعر الكردي عبد الله كوران أحد الشعراء الذين يفتخر بهم الشعب الكردي، باعتباره النجم الساطع والينبوع الدافق والجبل الشامخ في الشعر الكردي المعاصر.. يعتبر كوران أستاذا لمدرسة الشعر الكردي الحديث، لقد ساهم بشكل جدي في تطور الشعر الكردي، وتغيير أوزانه وعروضه وإيقاعاته متلائما مع الظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية لمجتمعه، لقد دشن كوران مدرسة جديدة في النصف الأول من القرن العشرين، ونبذ عملية التقليد والتكرار وأوصل الشعر إلى قمة الإبداع، وأحب الجمال وغنى له وتمحور شعره حول الجمال في جانبيه: المرأة والطبيعة) (11).

رمزًا للمقاومة
كما وتحتل المرأة مكانة بارزة في قصائد عبد الله كوران، حيث يصورها لا كمجرد موضوع عاطفي، بل كرمز للثبات والصمود في ظل الصعوبات والمحن التي يعيشها الشعب الكردي. في قصائده، تتجسد المرأة في أكثر من صورة: الأم، الحبيبة، المجاهدة، وحتى الأرض الأم التي ترمز إلى الوطن. من خلال هذه الصور، يعبر كوران عن العلاقة العميقة التي تجمع المرأة بالكردي في صراعه من أجل الحرية.

رمزاً للألم والأمل
في العديد من قصائده، تبرز المرأة كأيقونة للألم الناتج عن الاضطهاد الاجتماعي والسياسي، وكذلك كرمز للأمل في التغيير والتحرر. فالشعراء الكرديّون بشكل عام قد خصصوا جزءًا من أعمالهم للحديث عن دور المرأة في الثورة والنضال، وكان عبد الله كوران من أبرز هؤلاء الشعراء الذين رفعوا مكانة المرأة في أدبهم. هو لا يقتصر في تصويره للمرأة على النموذج التقليدي للمحبة فقط، بل يتجاوز ذلك ليربطها بكل النضالات السياسية والاجتماعية التي شهدها المجتمع الكردي.
بإجمال، تكشف هذه الموضوعات عن رؤية عبد الله كوران العميقة والإنسانية للعالم من حوله. كانت الذاكرة بالنسبة له أكثر من مجرد استرجاع للماضي، بل كانت أداة لفهم الحاضر والمستقبل. كما أن الوطن لم يكن فقط الأرض، بل هو الأمل المستمر في الحرية. أما المرأة، فقد كانت الحامل الرئيسي لرؤية كوران النضالية، فهي رمز الألم والأمل، الصمود والتحرر.
يُظهر شعر عبد الله كوران قدرة فنية عالية على دمج البُعد الاجتماعي والسياسي في قالب شعري رصين، ما يجعله من أهم شعراء الكرد في القرن العشرين.
“أكثر الأغانى العاطفية الكردية شهرة وعذوبة، تكون كلماتها مأخوذة من شعر” كوران ” ثم حدثنى عن قصيدة غنائية طويلة، أصبحت فيما بعد أوبريت، وهى بعنوان “الوردة الدامية “** والتى استطاع فيها الشاعر أن يمزج بين الحس السياسى والأجواء الرومانسية، ويمد من خلالها بكثير من عوامل القوة والتأثير والنجاح .. ويعتقد محدثى بأن هذه الملحمة الشعرية كانت مستمدة من أسطورة كردية شعبية بعنوان (لاس وخزال)” (12) .
تميّزت قصائد كوران ببنية لغوية بسيطة، لكنها محمّلة بالدلالات. اعتمد في تشكيله الجمالي على التكرار، الصورة، والرمز، كما استثمر العناصر الطبيعية مثل الجبل، النهر، والشجرة، لتوليد معانٍ وطنية ووجودية. كذلك لجأ إلى المفارقة الشعرية في تصوير المفاهيم الكبرى من خلال التفاصيل الصغيرة واليومية.
عبد الله كوران شاعرًا يملك قدرة استثنائية على استخدام البنية الجمالية لشعره لخلق توازن بين البساطة والرمزية. يحرص على أن تكون قصائده قريبة من وجدان المتلقي، ومع ذلك فهي محملة بالأبعاد الرمزية التي تضفي عليها عمقًا دلاليًا يتجاوز المعنى السطحي للكلمات. أسهم كوران في بناء شعره على مفهومي “البساطة والرمز”، وكيف تمكن من تحقيق توازن بينهما بشكل يتسم بالجمال الفني والقدرة على التأثير.

نصوص
يرتكز في كتابة نصوصه على البساطة في الطرح ،وهذا الاسلوب عد ميزة له في شعره على غيره من الشعراء،البساطة بمفهومها القدرة على نقل المشاعر والأفكار بطريقة سلسة مبسطة ودون تعقيد تتيح الفهم الواضح من قبل المتلقي، وهي وسيلة مبسطة بعيدة عن التكلف في الطرح. كما استطاع ان يدمج الرمزية بالبساطة ليحمل نصوصه أبعاداً ورؤى تتنوع بتنوع المواضيع بطابع مبسط لاتعقيد فيه،وقد وظف ذلك التوجه في قصيدته (أنا كردي).

“أنا كوردي
وإن كسرتني السلاسل
فقلبي لا ينحني إلا للجبل”

تمثل هذه الأبيات هوية وأنتماء وتعبر عن كرامة الشعوب التي تمثلها المقاومة ، اعتمد فيها كوران تكثيف الصور التي عبر عنها بالجمل القصيرة التي اعتمد ضمنها الرموز التعبيرية الحقيقية التي تمثل البئية الجغرافية لحياة الكرد ، فالجبل في عرف الأكراد رمزاً للصمود والكبرياء، ثم أن تأكيد الذات كانت عنواناً بارزاً عند كوران في نصه هذا أراد ان يوصف من خلاله القوة الكامنة في النفوس والتواقة للتحدي بشكل دائم أما الصعاب التي يتطلب مواجهتها الاتحاد الذي يمثل الخلاص في أثبات الهوية الكردية وتتحقق من خلاله الشخصية الذاتية التي سعى كوران لأثباتها.
الدلالات التي حملتها تلك الأبيات جاءت معبرة عن هموم الكرد كشعب ،وليس دلالات فردية للتعبير عما يعاني منه الشاعر ، وتلك قضية نضالية تحمل أبعاداً نفسية كثيرة ونبيلة أراد لها كوران أن تكون ضمنية في أبياته،اتبع الشاعر الأسلوب المباشر في التعبير عما يدور في ذهنه بصيغة خطابية تعبر عن (الأنا) الجمعي ،وليس الشخصي كفرد،كما أن لها دلالات سياسية وثقافية كثيرة تعبر عن نضال شعب وقضية أمة.

“زهرة تنمو في ظلّ البنادق”

أما في زهرة الجبل فأراد ان يظهر الدور الحقيقي للمرأة الكردية المناضلة ، أمتازت بعمق مفرداتها ومعانيها، حملت القصيدة متناقضات في اللفظ فهي تذكر المرأة ككائن يوصف بالرقة ونقيض ذلك الصلابة التي تتطلبها المقاومة والصبر والتحمل.
عبر عبد الله كوران في نصه عن قضية مركزية تتمثل في الهوية الكردية والحرية التي يكافح من أجها الكرد طيلة عقود، جاء فيها على ذكر الطبيعة بغنائية رمزية هادفة كوسيلة للتعبير عما أراد من خلال ما أحتوته من رمزية معبرة.

عبدالله كوران (1904 م ـ 1962 م)
ولد الشاعر الكردي الشهير “كوران” سنة 1904 م ، في مدينة “حلبجة” بمقاطعة “شهرزور” التابعة لاقليم هورامان الكردستاني ،اسمه الكامل (عبد الله سليمان عبدالله بك) و لقبه “كوران” ،عمل مدرسا في مدينة “حلبجة” لسنوات،و عقب نشوب الحرب العالمية الثانية غادر مع مجموعة من المثقفين الكرد إلى مدينة “يافا” في (فلسطين ـ إسرائيل) حيث عمل هناك في اذاعة (الشرق الأدنى) ،في العام 1940م اعتقل “كوران” من قبل السلطات العراقية و سجن لمدة عام و بعد أطلاق سراحه عاد إلى كردستان و استقر في مدينة “سليمانية ليعمل بالصحافةٍ.
أصبح رئيساًً لتحرير (جريدة زيان ) الكردية لمدة عامين.ألقي القبض عليه مرة أخری من قبل السلطات العراقية،وذلك بتهمة نشاطه مع مجموعة انصار السلام فحكم عليه لمدة سنة واحدة تنقل خلالها بين عدة سجون ،نفي بعدها إلى “سجن بدرة” بمحافظة الكوت العراقية، و بعد اطلاق سراحه في العام 1956 م توجه إلى العاصمة العراقية بغداد ،عاش “كوران” ظروفاً معيشية قاسية،عُين مراقباً للعمال في أحد مشاريع البناء ببغداد ،لكنه لم يمكث في هذا العمل سوى بضعة أيام حتى اندلعت أوسع مظاهرات جماهيرية في بغداد احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر،ونتيجة لدوره في تلك المظاهرات اعتقلت السلطات العراقية “كوران” مرة أخری وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات و بعد أن قضى أقل من سنتين في السجن اندلعت ثورة 14 تموز سنة 1958م في العراق ،فاطلق سراحه إسوةً بباقي السجناء السياسين.
عاد “كوران” إلى النشاط السياسي و العمالي وطرد من وظيفته،غادر”كوران” مدينة سليمانية متجها مرة أخری إلى العاصمة العراقية بغداد،حيث تم تكريمه هناك و عيّن أستاذاً للأدب الكردي و النقد الأدبي في كلية الآداب بجامعة بغداد،وكان ذلك مترافقاً مع عمله كعضو في هيئة تحرير جريدة (آزادي) الكردية،توفي الشاعر الكردي”عبدالله كوران” بتاريخ 18 -تشرين الثاني وفمبر-1966 م ، بعد معاناة طويلة مع المرض ودفن جثمانه في مقبرة (سيوان) بمدينة سليمانية في شمال العراق (13 ).

 

المصادر:

1-جواد ملكشاهي، عبد الله گوران الشاعر المناضل،صحيفة التآخي، بغداد، مايو 18, 2024.
2- صحيفة المسرى، في ذكرى ميلاده الـ120 .. بغداد تحتفي بالشاعر المجدد ( عبد الله كوران)، نوفمبر-7- 2024 .
3-فعاليات «مهرجان الثقافة الكُردية الأول»دورة الشاعر عبد الله كوران في اتحاد الأدباء 10-نوفمبر-جريدة الشرق العراقية،الصفحة الأخيرة.
4-عصمت شاهين الدوسكي،لصورة الشعرية الكلاسيكية – الشاعر حسين الباته يي والصورة الشعرية الكلاسيكية – الصورة الجريئة المرسومة بإتقان تأخذ دورها الأخاذ في التأثير – الجزء /8، كورد أونلاين صحيفة كردية مستقلة،17 سبتمبر، 2024.
5-الآن كرد، تعانقنا وبكينا معاً!، موقع حزب الإرادة الشعبية، كانون01،03 ،2016.
6-علي أحمد،عبدالله كوران الشاعر الأممي الخالد،مشروع أورورا الإعلامي،August 19 ،2024،موقع فيس بوك.
7-علي الموسوي،الرومانسية الضاجة في شعر “عبدالله كوران”، موقع معكم،05 ،06 ،20212.
8- د. عزة محمود علي، الأدبُ الكُردي .. “الشِعْرُ”،مركز آتون للدراسات، الصفحة الثقافية، ذكر جملة( قبل ثلاث أسابيع) ولم يذكر تاريخ النشر.
9-عزة محمود علي، مصدر سابق.
10-سماح عادل،عبد الله كوران.. الشاعر الأستاذ الذي جدد في الشعر الكردي، صحيفة كتابات،أفاق ثقافية، أكتوبر-25-2018.-10
11-سماح عادل، مصدر سابق.
12–هاشم الموسوي، الرومانسية الضاجة في شعر “عبدالله كوران، موقع معكم،05-06-2012 .
13-13-منشور Hozanvanên Kurd شعراء الكُرد،https://www.facebook.com/permalink.php/?story_fbid.

أحدث المقالات

أحدث المقالات