23 ديسمبر، 2024 12:35 م

عبد الكريم كاصد : (40 ) كتاباً .. وأكثر

عبد الكريم كاصد : (40 ) كتاباً .. وأكثر

“كملاكٍ محمولٍ على غيمةٍ

أتطلع إلى وطني

وأبكي

***

أيّها العالم

أنأتيك بالمجاهر

لترى عذاباتنا ” عبد الكريم كاصد

منذ البدايات انصرف الشاعر عبد الكريم كاصد بجدية و نهم للقراءة الثقافية المتنوعة. في العام الدراسي 6219-1963 كان طالباً في كلية اللغات- قسم اللغة الفرنسية – جامعة بغداد. في إعصار 8 شباط 1963 هرب إلى البصرة، واختبأ في بيتهم بـ(صبخة العرب) ،ولم يغادره إلا بعد هزيمة القتلة في حكمهم الأول، وتقدم للدراسة على نفقته الخاصة، في جامعة دمشق فقبل في قسم الفلسفة. نشر للمرة الأولى قصيدة في مجلة (الآداب)اللبنانية، عندما كان طالباً في دمشق، كما كان يشارك في النشاط الثقافي و ينشر في الجرائد والمجلات السورية. كتبت عنه الناقدة (سلمى الخضراء الجيوسي) في عمود ثقافي كانت تنشره، في مجلة شهرية لبنانية-عامة، ولم تكن (الجيوسي) تعرفه ، لكنها اطلعت على قصيدته المنشورة وبعض شعره مخطوطاً عبرَ بعض أصدقائه، وأنهت عمودها نصاً: ” ثمة مستقبل شعري لامع ومتميز لهذا الشاعر الشاب القادم من العراق”. في دمشق، تعرف(كريم) على كثير من الأدباء السوريين منهم: ” ممدوح عدوان، فائز خضور، علي الجندي، محمد الماغوط،على كنعان” ، وهؤلاء بالذات ربطته بهم علاقة وثيقة، فقد سكن والشاعر ممدوح عدوان، في بيت واحد لفترة طويلة. بعد تخرجه ،عمل في معهد المعلمين في البصرة مدرساً لعلم النفس التربوي، وارتبط بعلاقة حميمة مع الشاعر الراحل(محمود البريكان) الذي كان مدرساً للغة العربية في ذات المعهد. أوفد(كريم) للتدريس إلى الجزائر سنة 1969. في الجزائر انكب على تعلم

اللغة الفرنسية، وكان يذهب في العطلة الدراسية إلى باريس والانتظام في معاهد تعليم اللغة الفرنسية حتى أجادها.عاد إلى العراق سنة 1972 وبدأ النشر في الصحف والمجلات العراقية والعربية، وشارك كثيراً في النشاط الثقافي في البصرة والعراق ، ونشر عدداً من التراجم الشعرية عن اللغة الفرنسية. صدر له عن دار العودة في بيروت مجموعته (الحقائب)عام 1975 ولم يتسلم منها غير نسخ قليلة جداً، بسبب بداية الحرب الأهلية اللبنانية. كما لم تكن طبعتها ملائمة، فطبعها ثانية، عام 1976 في مطبعة الأديب البغدادية ،وقد صمم غلافها الفنان”محمد سعيد الصكار” وكانت لوحاتها الداخلية للفنان “صلاح جياد” وخطوط غلافها للفنان “عزيز النائب”.عام 1977 بدأ بإعداد مجموعته الثانية (النقر على أبواب الطفولة) للنشر. كنا ، كريم ومهدي محمد علي وأنا، على موعد مسبق مع الفنان(فيصل لعيبي)، الذي قَدم إلى البصرة من فرنسا، و جلسنا في منزل كريم ، بمنطقة (نظران). بعد نهار قضيناه معاً، تخلله قراءات شعرية لكريم من مجموعته الشعرية الثانية (النقر…). أبدى )فيصل( رغبته في تصميم غلافها وأن يضع لصفحاتها الداخلية بعض التخطيطات. تعرض كريم لمشاكل كثيرة من قبل هيئة رقابة المطبوعات لغرض إجازة ( النقر…). وصدرت ،بعد شكوك عدة معها ، عن مطبعة شفيق- بغداد- وفي وقت غير مناسب، وواجهت مصيراً محزناً إذ تركها كريم لدى باعة الكتب والمكتبات التي سريعاً ما حجبتها عن العرض.نهاية عام 1978 غادر(كريم) ، برفقة الشاعر الراحل (مهدي محمد علي) ،هرباً من تجبر النظام وفظاظته وبطشه ، عبر بادية (السماوة) في رحلة شاقة دامت ثمانية أيام نحو الكويت. ومنها إلى عدن، وعمل في مجلة (الثقافة الجديدة) اليمانية. و انتقل إلى لبنان وسوريا وأخيراً استقر في لندن وحصل على (البكالوريوس) في الأدب الانجليزي ثم (الماجستير) في الترجمة. بعد سقوط النظام ، سمي مهرجان المربد عام 2006 باسمه تكريماً لمنجزاته الشعرية والثقافية المتنوعة المتعددة، ومواقفه الحياتية الناصعة. يتنقل حالياً بين لندن والبصرة والقاهرة وعواصم عربية وأجنبية مَدعواً لإقامة جلسات شعرية خاصة به،أو المشاركة في جلسات ثقافية وشعرية. ما زال يواصل إصداراته المتنوعة حتى بلغت

أكثر من (40) كتاباً توزعت بين مجموعات شعرية، وكتب نثرية في البحث، و السيرة، والسفر،وحوارات معه، وترجمات عن اللغتين الفرنسية والانكليزية لشعراء من مختلف العالم. كما ترجم وأعدّ مسرحية (حكاية جندي) وقدمت على مسرح (أولد فك) الشهير بلندن، وكانت بلغتين في آن واحد، اللغة العربية، وشارك فيها من العراق بعض الممثلين الشباب،واللغة الانكليزية، ومثل فيها بعض الممثلين الانكليز،وأثارت اهتماماً عربياً وانكليزياً ، وله أيضاً مجموعة قصصية بعنوان (المجانين لا يتعبون)،و ترجم شعره إلى اللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية والفارسية والطاجيكية، وبعض اللغات العالمية الأخرى،وصدر بعضها في كتب ومنها مجموعة”مقاهٍ” التي صدرت، عن دار (ماني بريس) باللغة الإنجليزية. وترجمتها ابنته (سارة) ، وراجعها الشاعر الإنجليزي ديفيد كيرت، وكتب عنها في صحيفة (مورننغ ستار)البريطانية مقالاً مطولاً بعنوان: “أشعار لا تُنسى”. وكذلك في موقع (تجمّع كتاب الشعر)، وهو تجمّع أسسه الشاعر الشهير (تي. إس. إليوت) سنة 3195، وفي مجلة (بانيبال)كتب الشاعر والناقد الإنجليزي نوربرت: “يقول هارولد بلوم أن على القصيدة أن تُدهش وتُمتع، وهذا ما تفعله قصائد كاصد”. (نايجل ويل) ، مترجم أشعار المتنبي إلى اللغة الإنجليزية، كتب عنها: “كم مذهلة هذه القصائد.” أما الناقد الانجليزي (يان سيد) فكتب:” ديوان مذهل، أمتعني جدا إنه يذكرني بالشاعر إنغاريتي” كما ترجمت(مقـاهٍ) إلى اللغة الفرنسية. وقد صدرت بعض كتب (كريم) بطبعات عدة ،عن دور نشر عربية مختلفة.آخر ما صدر له في الشعر(حَذام) و يحمل اسم السيدة زوجته، التي غامرت بحياتها شابةً، في مرحلة قاسية و حرجة، إذ غادرت العراق بعد هربه منه بفترة وجيزة ، وحيدة وفي مغامرة نادرة واجهت فيها المحن و المصاعب و المشقات، حتى التحقت به في (عدن)، وعاشت معه حياة الغربة والنفي الدائمين ، وتوفيت في لندن ودفنت فيها ، وخصها كريم بكتابه هذا ، إكراماً ووفاءً لها، ومقدمته بعنوان (خطأ في المعيار) تحدث فيها عن مرض القلب الذي لازمها طويلاً ، وورد في بعضها:”مررنا أنا وحَذام ببلدان عديدة ينقصها الدواء فلم يحدث لها ما يفزعني، علي قلقي وتوجسي الدائمين كنت أتطلع

حولي وأقيس المسافة بين أقدار محتملة ووطن بعيد وأدفع الموت بيدي – ودفعته، فهل كانت نجاتها آنذاك خطأ”؟. و(حَذام) تبدو لكريم : في غابة نفسي ضيعتك ذات مساء فقلبت الغابة أحمل فانوسي وأصيح : حذام..! حذام..! فلا يرجع غير صدي يتردد أصداء حذام..! حذام..! انطفأ الفانوس. “لماذا أنت شاعر!؟” هذا السؤال وجههُ إليه الأستاذ ” سعدون هليل” ، في حوار أجراه معه لـ”مجلة الثقافة الجديدة” ، فأجاب: ” أنه يشبه سؤال الآخر: لماذا أنتَ تتنفس؟”.أشد ما يميّز قصائد (كريم)، هو احتفاؤه باليوميّ ، لا للتوقف عنده بل من أجل عبوره إلى نقيضه من أحلام وطفولة ، ووقائع وأساطير، وهو حتى في أغلب تفصيلاته المعتادة، كان مأخوذاً بما يتجاوز هذه التفصيلات ، من مخيلة ومشاعر ورؤى وأفكار. ولم يمارس هذا بفطنته وقدراته الشعرية وحدها ، بل بوعيه الاجتماعي- الثقافي الحاد ، مدركاً انّه جزء من حركة شعرية يمثًلها شعراء عديدون ، وهمها هو هذا التوجه بالذات ، من دون حصر الشعر في إطارٍ ما، لأن هذه الحركة بلا إطار أصلاً وهي بعمق الواقع وتجدده الدائم وسعته ، حيث الجوهر عصيّ على الإمساك إن لم تسعفه ثقافة شعرية و تجربة حياتية عميقتان. (عبد الكريم كاصد) تشبع بالمحلية العراقية و فرادتها ووصل بها إلى العالمية وينتمي بشقاء وعيه ومأساويته إلى صبخة عربه، وأبي خصيبه، ونخله الذي يشارف على الانقراض ،وبصرته ،ونجفه ،وشاهدته في مقبرة وادي السلام، والطفل الجائع في عاشوراء، وأسد بابله، و الأحبة، الذين لا يحصون، ومصائرهم المحزنة

والمجحفة ، والى (اللوعة)..تلك( اللوعة) التي لا يعرف نكدها و عذاباتها أو يحس بها غير (العراقي) ودمائه التي سالت سابقاً وما زالت تسيل، بلا ذنوب أو معاصٍ أو آثامٍ أو خطايا، دون خلق الله جميعاً ..ولعل قدرها انها: ولدت وعاشت وانتمت إلى هذا الـ(عراق)..الذي يتفرد وينفرد بكل شيء في هذا الكون، لكنه: عاثر الحظ منذ قرون .