الزعيم عبد الكريم قاسم والقائد العسكري العراقي الذي عرف بضبطه العسكري كقائد عسكري، وبمهنيته الفذة كزعيم وطني، وكحاكم ثوري صديقا للطبقة العسكرية بكل مراتبها متعاطفا مع جنوده، محبا لشعبه بعيدا من التخندق الحزبي والطائفي. والذي عرف بوطنيته وحبه للطبقات الفقيرة التي كان ينتمي إليها. إذ تمكن هذا القائد العسكري بفعل عوامل عقيدته العسكرية الصحيخة وخطوطه المستقيمة التي أسست على المبادئ النزيهة والشريفة للقائد العسكري الحريص على امن وسلامة ارضه وشعبه .محافظا على قسمه العسكري بحماية الارض والشعب والمقدسات من كل المخاطر التي تهدد البلاد . فكان نعم القائد والزعيم الذي استلهم قيم المبادئ السامية في الاخلاص و الامانة والشرف والشجاعة من خلال مكتسبات ارث عقيدته العسكرية النابعة من صميم الدين والاخلاق والانسانية .والتي كانت السبب الرئيسي و من مؤهلات نجاح حكمه للعراق كقائد عسكري من طراز خاص من رحم اعرق مؤسسة عسكرية هو الجيش العراقي الباسل . رغم افتقاره لجانب التجربة السياسية كحاكم سياسي للعراق إلا إنه بفعل عامل انتماءه الوطني العميق نجح في قيادة العراق تحت ظل حكمه العسكري بالرغم من كل التحديات والاضطرابات التي كانت تعصف البلاد .
اتُهم الزعيم من قبل اعدائه بالدكتاتور و بعدم فسحه المجال للاخرين بالإسهام معه في الحكم واتهم من قبل خصومه السياسيين بالتفرد بالحكم حيث كان يسميه كل الشعب العراقي ماعدا اعدائه في الشارع وكافة وسائل الاعلام آنذاك ب”الزعيم الأوحد” حبًّا به لتفرده في محبة الفقراء.
عبد الكريم قاسم الشخصية العسكرية والسياسية التي تميزت من أكثر الشخصيات إثارةً للجدل التي حكمت العراق بعد ثورة 14 تموز التي مازالت خالدة في ذاكرة العراقيين، حيث تم الإطاحة بالنظام الملكي وأُعلن عن قيام الجمهورية العراقيةوعين رئيسا للوزراء وقائداً عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع وكالة في العراق، وأصبح أول حاكم عراقي بعد الحكم الملكي من 14 تموز / يوليو 1958 ولغاية 8 شباط/فبراير 1963 .
بعد ان تهيأت له ظروف الثورة حيث كان عضواً في تنظيم الضباط الوطنيين ” أو الأحرار” وقد رُشح عام 1957 رئيسا للجنة العليا للتنظيم ،وساهم مع قادة التنظيم بالتخطيط لحركة أو ثورة 14 تموز 1958 التي قام بتنفيذها مع افراد التنظيم والتي أنهت الحكم الملكي وأعلنت قيام الجمهورية العراقية.واتسم عهد عبد الكريم قاسم بالاضطرابات السياسية نتيجة سياسة حكومته التي اتسمت بطابعها الوطني وابتعادها عن الخط القومي العربي الذي كان يتزعمه جمال عبد الناصر في مصر بقيادته ايضا خط الثورة او بما تعرف حركة الضباط الاحرار، وقد كان جمال عبد الناصر قوي الطموح لبناء وحدة عربية قومية من خلال الحركة العربية ،وقد كان الضباط الشريفيين (وهم الضباط العراقيين الذين خدموا مع الشريف حسين، شريف مكة، وإبنه فيصل في سوريا)، جميعهم من خريجي المدرسة العسكرية العثمانية، أو قادة ثورة العشرين العراقية، وكذلك الرعيل الثاني من السياسيين المدنيين والعسكريين العراقيين من خريجي المدرسة العراقية خلال الحكم الوطني.
لاسباب عديدة تتعلق بمستقبل وامن العراق فقد أراد القوميون العرب، بمختلف فصائلهم، ناصريون أو بعثيون، حرق المراحل وعدم الرجوع إلى رأي الشعوب العربية، والإكتفاء بتحقيق الوحدة عن طريق إصدار قرارات حكومية فوقية، والقفز على الواقع، فسقطت الوحدة كنتيجة حتمية لهذا التسرع والعمل غير المدروس، تلك السياسة التي حذر منها الزعيم عبدالكريم قاسم والحزب الشيوعي الذي كانت له رؤيته المتوافقة مع نظرية الحكم والسياسة التي انتهجها الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم في رؤيته للقضية القومية ،وقد اثرت هذه التداعيات على مستقبل العراق الداخلي واوجد خيبة أمل لدى بعض الجماهير من العراقيين ولمراكز القوى والشخصيات السياسية العراقية والعربية ومنها الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وأشيع أن عبد الناصر ساند وموّل في أيلول 1959 المعارضين لقاسم مما أدى إلى محاولة لانقلاب عسكري على حكم عبد الكريم قاسم في الموصل. وما تلته لاحقا من مؤامرة اغتيال ضده وسقوط نظام حكمه ..وعلى صعيد إنجازات عبد الكريم قاسم ابان فترة توليه السلطة في العراق رغم حداثة التجربة الثورية والتحديات الداخلية
لكن ليس سهلاً أن تترجم النّظريات خصوصاً السياسية الاقتصادية ،و الأجتماعية إلى عمل و واقع .. و العقائد إلى مواقف مشهودة, فهناك فرق كبير بين المُدعين للقيم و المُثل و العدالة و التقوى، و بين الذين ضبطوا سلوكهم و أخلاقيتهم و مدعياتهم على المستوى العمليّ بعد ما تمنكوا من السلطة و الحكم بشكل خاص .. خصوصاً ما يتعلق بآلأموال و الرواتب و آلحقوق و الماديات, والامتيازات والعقارات والحمايات ولا استثناء من هذا الأمر مرجعاً أو حزباً أو عالما الا ما ندر ً .. و سواءاً كان إسلامياً أو علمانياً أو إشتراكياً أو ديمقراطيا .وهذه حقائق اثبتتها التجارب الاحقة في الحكم على العراق والذي عانى الشعب منها حقبة طويلة من الظلم والاجحاف والفساد الحكومي وسلب الحقوق وضياع ثرواته واحتلال اراضيه ،ومعاناة شعبه قتلا وتهجيرا .
لقد كان الزعيم بعيدا عن ملذات الدنيا وعظمة السلطة ولم تفسد عقله واخلاقه . بل كان امينا لمنبعه الفقير، حريصا على وحدة شعبه، محبا لشعبه ومجتهدا بعمله ، وتواقا لسعادة الناس ومحاربة الفقر والحرمان فأنعكس ذلك في حب الشعب له وفي منحه اراضي للفقراء للمرة الأولى في تأريخ العراقساهم بتطوير العراق والقضاء على البطالة، فكان رائدا في افتتاح المشاريع الصناعية والأنتاجية التي ضربت ارقاما قياسية ، نسبة الى عمر الثورة القصير، والى سعة المناطق التي وزعت عليها تلك المشاريع. وبناء مساكن الفقراء وافتتاح الطرق وبناء المستشفيات وتطوير القطاعات الاخرى فلم يكن غريبا ان نسمع بأنه كان اغلب وقته يقضيه في مقر وزارة الدفاع ويكرم الجنود من راتبه الخاص او يقوم ليلا بزيارة احد باعة الشاي الشعبيين او زيارة معمل الصمون، او حتى ركوب باص المصلحة مع الركاب.لم يكن مبالغا فيه حينما كانت شقيقته او احد افراد عائلته يجلب له الطعام من البيت اواني المنيوم صغيرة لحفظ ونقل الطعام من مكان لآخر ليجلس بكل بساطة مع الجنود ليشاركهم طعامهولم يكن مبالغا في قوة حمايته المكونة من شرطين حتى في اثناء تجواله ،وكان يسكن في دار مملوكة للحكومة وبأجر شهري، وفي منطقة شعبية،نزاهته فاقت الوصف، ان كان في ممتلكات بيته او حسابه المصرفي او حتى في المبلغ الذي وجد في حوزته عشية اغتياله، ناهيك عن صدق نواياه تجاه الفقراء، يوم طالبته شقيقته بقطعة ارض، مثل باقي العراقيين الذين حصلوا على قطع اراض آنذاك، فأخذها الى منطقة (الصرائف) وقال لها: حتى يأخذ كل واحد منهم قطعة ارض، عند ذاك ستكون لك ايضا. قصى ايام حكمه في بساطة المعيشة في ملبسه كان متواضعا، ولم يظهر بأية بدلة مدنية، بل كان يلتحف بالبدلة العسكرية طوال مشواره، حتى في خطاباته، وفي المهرجانات والمناسبات التي كان يحضرها، كان بسيطا، يلقي التحية على الكل، ويومئ للكل، مبتسما وضاحكا، فرحا بهذا الشعب، ولم تمنع حمايته الناس من الوصول له،او كان يخشى المصافحة مع الناس.كان محبا لكل القوميات والأديان والطوائف، لابل ان احدا لم يلحظه وهو يؤدي الصلاة، حتى لا يعطي اي انطباع حول مذهبه الأسلامي،و المواقف العملية لا تُبان حقيقتها عبر الأعلام و الصحف و البيانات و الأذاعات و الفضائيات كما يدعي اليوم الكثيرون من الساسة و خصوصا المتأسلمين و آلفضائيات التابعة لهم بل تبان من خلال التمكن عبر السلطة و آلأموال التي يحوزها المعني بإعتبارها المختبر و الميدان الوحيد لتقييم إستقامة إو إنحراف سلوك و شخصية و مدعيات الأنسان أو الحزب أو المرجعية أو أية جهة معنية كانت! قياسا بكل الانظمة والحكومات التي تلت حكمه من رؤساء ،وقيادات ،واعضاء برلمان .في الاستحقاقات، والامتيازات والصلاحيات، والسلوكيات .على المستوى السياسي، والاجتماعي، والوظيفي.. فالفرق شاسع جدا اخلاقيا، ومهنيا، ووطنيا .لقد اتخذ عبد الكريم قاسم من نظرية وابعاد حكمه السياسي التي اتسمت بلغة المسامحة والتعاطف، والعمل بجدية ووطنية على مستوى وحدة الوطن بكل اطيافه وتعدد قومياته واديانه وطوائفه وقد نجح في عددا من القرارات المهمة التي تعتبر بمثابة إنجازات حُققت في عهده ومن بينها:- الخروج من حلف بغداد الاستعماري.- تحرير العملة الوطنية من إرتباطها بالكتلة الإسترلينية. – شروعه ببناء المساكن للطبقات الفلاحية الفقيرة التي هاجرت إلى بغداد .- دعا الشعب للتوجه نحو العلم و شهد عهده تشييداً لعدد كبير من المدارس.- عين أول وزيرة في العراق ودعا إلى تحرير المرأة وسن قوانين لضمان حقوقها ومشاركتها الرجل في حياته العملية في كافة المجالات.
كان انسانا نزيهاً وحريصاً على خدمة الشعب العراقي لم يكن يضع لشخصه ولأهله وأقربائه أي أعتبار أو محسوبية أمام المسؤولية الوطنية. كما هو الحال في العراق الجديد . واتخاذه سياسة التسامح والعفو عن المتآمرين الذين تآمروا على الثورة (سياسة عفا الله عما سلف) وأصدر الكثير من قرارات العفو عن المحكومين بالإعدام ولم يوقع على أحكام إعدام، في فترة عهده .وكانت ميوله واتجاهاته انسانية بحته تدل على انسانيته وعطفه ونقاء سريرته ولم بتصرف كقاىد عسكري في القرارات والتعاملات الادارية والانسانية في المجتمع وقد طغى جانبه الانساني على ايديولوجية وتركيبة سلوك القائد العسكري في الحدة والصرامة والقوة والعنفوان .بل كان قائدا متواضعا عطوفا ورحيما مع الشعب ومع اعوانه وافراده فكان مثالا للقائد العسكري الذي ولد من صميم واعماق الجيش العراقي والذي يفخر به وبمواقفه وشجاعته وامانته في ان يكون عنوان ومفخرة الجيش العراقي الذي حمل شرف قيادة وطنية ومسؤولية تاريخية .
اما حينما نتحدث عن الحقبة التي تلته ، فقد شهد العراق قادة وحكام ومسؤولين، كان معظمهم يتصرف مع الشعب وكأنه قطيع من الأغنام او الماشية، متعاليا ومتغطرسا.وقد كان الشعب يخشى هؤلاء الحكام الذين تحولوا الى حيوانات كاسرة حينما وصلوا السلطة. وصادروا هوية البلد الحقيقية واغرقوا البلد في مستنقعات الفساد والتفرقة والتشرذم والتشتت والصراعات الداخلية على اسس قومية واثنية وطائفية وقد كانت حقبة النظام البعثي المقبور من اشد الانظمة الخطيرة التي ساهمت في ضياع العراق وثرواته واغراقه في مستنقع الحروب العبثية الخاسرة وانقطاعه عن محيطه العربي بسبب سياساته الرعناء وعسكرة المجتمع العراقي وضرب كل القوى والاحزاب الاخرى التي ساهمت بشكل كبير في اسقاط نظام الطاغية .لقد عانت الانظمة السياسية خللا كبيرا في النظام السياسي واثرت سلبا على الواقع العراقي بسبب افتقار هذه الانظمة الى استراتيجية حقيقية هادفة تخدم السياسات الداخلية والخارجية برؤيا وطنية عادلة وفشلت في ادارة الحكم بسبب غياب المشروع الوطني في ظل التخندقات الطاىفية والحزبية وفي ظل لغة العنف والانتقام والخيار المسلح .فيما كانت سياسة الإدارة للبلد
وفق نظرية الحكم التي انتهجها الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم برغم كل الشوائب التي علقت عليها لكنها كانت نظرية سياسية ناجحة في ادارة العراق والذي طبق مفرداتها في نبذ كل اشكال العنف والتطرف وكسب محبة الشعب والعفو عن أعداء نظامه وبراءته من انتمائه لأي حزب سياسي وتاكيد انتماءه وولاءه للشعب وللوطن وعمل على اساس وطني ومهني لخدمة شعبه ووطنه في ظل تركيبة الحكم المعقدة في العراق بسبب التنوع الديني والقومي والاجتماعي والفكري وخصوصا ان العراق كان ولا يزال يشكل المحور التاريخي والحضاري في الوطن العربي والاسلامي