23 ديسمبر، 2024 3:35 ص

عبد السلام عارف وفاته وخلافته

عبد السلام عارف وفاته وخلافته

في مساء١٣ نيسان ١٩٦٦ الذي صادف الاربعاء ، وبعد السابعة بدقائق معدودة ، سقطت طائرة ( الهليكوبتر ) التي تقل الرئيس عبد السلام عارف – عندما كان في جولة تفقدية – في منطقة تبعد عن البصرة ( ٥٠ كم ) شمالا ، بسبب مطبات هوائية شديدة ، مع غبار في الجو ، ماجعل مجال الرؤية معدوماً ٠ ولم تكن الطائرة مجهزة بآلة ايجاد الاتجاه ( راديو كومبس) ، ولا مطار البصرة ( القريب ) يملك جهاز اعطاء الاتجاه للطيارين ممن فقدوا اتجاههم في الاجواء العراقية ٠
وقد انتهى التحقيق بعد شهر من الحادث ، الى ان الطائرة اشتعلت بعد اصطدامها بالارض ، نتيجة تسرب وقود الطائرة الى محركاتها ، وانه ليس هناك ما يدل على تفجيرها اطلاقا ٠ لقد كان الحادث قضاءً وقدراً ، ولم تتبناه يوماً اية جهة ٠
وعُثر على جثث الضحايا فجر اليوم التالي ، وكانت جثة الرئيس عبد السلام واضحة المعالم ، سوى ان بعض شعره كان محترقاً ، وكذلك كانت قدمه اليمنى قد احترقت ، وقد تمزق قسم من سترته ، والتي وجدوا فيها مصحفا صغيرا ٠ ونُقلت الجثامين عصرا الى بغداد ٠
وجرى لها تشييع رسمي ، بمشاركة وفود عربية واجنبية ، ظهيرة يوم السبت ١٦ نيسان ، ثم دفن الرئيس عارف في حديقة جامع الشيخ ضاري في ( ابو غريب ) ٠
كانت الحكومة العراقية قد اعلنت صباح الخميس ١٤ نيسان – وبعد العثور على جثث الضحايا فجر ذلك اليوم – عن الحادث ووفاة الرئيس فيه ، وتولي رئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن البزاز مهام الرئاسة ، الى حين انتخاب رئيس جديد – خلال اسبوع – باغلبية ثلثي المجموع الكلي لاعضاء مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني – حسب احكام الدستور المؤقت النافذ ٠ كما أُعلن منع التجول حتى اشعار آخر ٠
وفي ١٦ نيسان ، اجتمع ( ٢٨ ) شخصا ، لاختيار الرئيس من بين مرشحين ثلاثة ٠
الاول ، كان اللواء عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع -المعروف بشخصيته العسكرية القوية – ولم يحصل الا على صوته هو ٠ وقد رفض عرضا من ابن مدينته قائد الحرس الجمهوري العقيد بشير الطالب بفرضه رئيسا بالقوة ٠ بالمناسبة ، فان الرجل وبعد ان حُكم عليه بالاعدام – عام ١٩٦٩ – ثم خفف للسجن المؤبد ، دسوا له السم – عام ١٩٨٢ – في سجن ابو غريب ، واخذت اعراض السم تظهر عليه تدريجيا ، حتى اصبح مشلولا لايقوى على الحركة ، ثم مات ذات صباح ، فجاء رجال الامن والمخابرات ومعهم عربة حيث وضعوه فيها وغطوه بشرشف واخذوه ، وهكذا مات بقسوة وحيداً معذباً ٠ وللاسف لم يجر لهذا الرجل الوطني والنزيه اي تكريم- بعد عام ٢٠٠٣ – ولم يطلقوا اسمه على شارع او ساحة ، حتى في مدينته الموصل !!!!
الثاني ، كان الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء ، عميد كلية الحقوق الاسبق ، وقد حصل على الاغلبية ( ١٤ صوتا ) ٠ ولكن الرجل اضطر للانسحاب تحت التهديد ، و يقال ان العميد سعيد صليبي – قائد قوات بغداد – هدد البزاز بالاعتقال واجبره على الانسحاب ٠ وهكذا خسر العراق فرصة تاريخية عظيمة بانسحاب هذا الرجل المثقف والنزيه والقدير ٠ والبزاز هو الاخر كان قد اعتقل عام ١٩٦٩، وعذبوه بقسوة حتى اصيب بجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة والنطق ، وقيل ان ذلك بفعل زرقه بابرة سامة ، ثم اطلقوا سراحه ، ومات عام ١٩٧٣ ودفن ببغداد ٠ وهو الاخر – وللاسف الشديد بل وللعار -لم يجر تكريمه بعد ٢٠٠٣ حتى ولا باصدار طابع يحمل صورته ، ولم يطلق اسمه على اي شارع او ساحة ٠٠الخ ببغداد ٠
اما الثالث ، فهو اللواء عبد الرحمن عارف رئيس الاركان وكالة ، وقد حصل على ١٣ صوتا ٠ ولكنه اصبح هو الرئيس ، بعد انسحاب البزاز ، واعادة التصويت ٠ فمصر والتي كانت تملك نفوذاً كبيراً في العراق كانت تؤيده – وكان الوفد المصري برئاسة المشير عبد الحكيم عامر قد رشح في البداية عارف عبد الرزاق رئيسا للجمهورية ثم تبنوا عبد الرحمن عارف – هذا من جهة ٠ وكانت اغلب القيادات العسكرية في ايدي ضباط من محافظة الرمادي موالون لبيت عارف من جهة ثانية ٠ وربما هناك أسباب اخرى قد ساهمت في اختياره ، فانه كان الاضعف من بين المرشحين الثلاثة ، وأقلهم طموحاً وخطراً ٠ فضلا عن انه اقلهم كفاءة ٠ وهكذا كانت فترة حكمة قصة فشل .
كان بين ٢٨ رجلا من الذين اختاروا الرئيس الجديد ، ١٦ مدنيا (رئيس الوزراء والوزراء) ، و١٢ قائدا عسكريا ٠ وبحسب انتمائهم القومي والمذهبي ، كان هناك كردي واحد ( مصلح النقشبندي وزير الدولة ) ، واربعة وزراء شيعة ٠ وخمستهم لم يكن لهم أي دور يُذكر في عملية انتقال السلطة ، كانوا مجرد تتمة عدد ، والحقيقة ان القرار كان بيد رجل واحد ، هو العميد سعيد صليبي قائد قوات بغداد ٠