ـ طيب القلب.. متواضع.. متسامح.. نزيه اليد.. هادئ.. قليل الكلام.. كثير التفكير.. كما عرف عنه الكياسة والعقل.. وحبه للناس.. وكرهه لاختلاق أي اختلاف حقيقي أم مصطنع بين العراق ودول الجوار.. أو بين العراق ودول العالم.
ـ مخلص في عمله.. غير متسرع في قراراته.. ليمنح نفسه بعض الفرص لمعالجة ما يعنيه.. لا يهتم بمظاهر الفخفخة والتظاهر.
ـ كان عسكرياً مهنياً.. وأمراً جيداً ومحترماً ومحبوباً من قبل زملائه الضباط وجنوده.. لم يسجل عليه أي تقاعس في تنفيذ المهام والواجبات أبداً.
ـ بدأ حكمه كرئيس للجمهورية بالعفو العام عن كل السياسيين من مختلف الفئات.. وقام بتبييض السجون من جميع السجناء والمعتقلين السياسيين من مختلف الفصائل.
ـ فسح المجال لمعارضيه بنوع من الديمقراطية.. فأسس المجلس الرئاسي الاستشاري.. الذي ضم عدداً من رؤساء الوزارات السابقين.. كان بعضهم من خصومه.. كخطوة أولى نحو تحقيق الديمقراطية.
ـ هو الحاكم العراقي الوحيد في العراق الحديث.. الذي لم يعتقل أو يسجن أحداَ حتى من معارضيه أو من منافسيه.. مما شجع الآخرين للتآمر عليه حتى نجحوا.
ـ لم يعرف عهده الطائفية.. أو العنصرية.. وكان يجل رجال الدين جميعهم ومن مختلف الأديان والمذاهب.. وهو أول رئيس جمهورية يختار رئيس وزراء من الطائفة الشيعية.. وهو ناجي طالب.
السيرة والتكوين:
من مواليد بغداد العام 1916.. أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد.. انتسب الى الكلية العسكرية العام (1936-1937).. انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار منذ وقت مبكر.. وأصبح عضواً في اللجنة العليا لهذا التنظيم منذ تأسيسها العام 1957.
على اثر الخلاف بين أخيه عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 نقل مع وحدته إلى الحدود الأردنية.. ثم أحيل إلى التقاعد في 21 آب 1962.
أعيد إلى الجيش العام 1963.. وعين قائداً للفرقة المدرعة الخامسة.. ساهم في تنفيذ خطة انقلاب الرئيس عبد السلام عارف في 18 تشرين الثاني 1963 ضد الحرس القومي.. وعين رئيساً لأركان الجيش وكالة.
انتخابات رئاسة الجمهورية:
بعد مصرع الرئيس عبد السلام عارف في 13 نيسان 1966 بادر كل من الدكتور عبد الرحمن البزاز (رئيس الوزراء).. واللواء الركن عبد العزيز العقيلي (وزير الدفاع) لترشيح نفسيهما إلى منصب رئاسة الجمهورية.. مستندين بذلك إلى كفاءتهما وخبرتيهما وموقعهما.. والى صلب الدستور المؤقت ووجوب التقيد بأحكامه.
كان البزاز يرى أن الفرصة الدستورية مهيأة له للظفر بهذا المنصب.. ويرى ضرورة انتهاز هذه الفرصة لإنهاء حكم العسكريين للعراق.. الذي استمر ثماني سنوات.. وإعادة هذا الحكم إلى المدنيين.
أما عبد العزيز العقيلي.. فكان يرى نفسه المرشح (صاحب الحق) في خلافة الرئيس عبد السلام عارف.. لاسيما انه يشغل (وزير الدفاع).. المنصب الذي يجعل منه القائد الفعلي للجيش.. بحيث يستطيع أن يؤثر في مجرى الأحداث.. مضافاً إلى ذلك (كتلة ضباط الموصل).. التي كانت تطالب بانتخاب (العقيلي) رئيساً للجمهورية.. التي كان من بين أفرادها بعض قادة لواء الحرس الجمهوري.. المرابط في بغداد.. كما رشح عبد الرحمن عارف أيضاً نفسه لرئاسة الجمهورية.
رئاسته للجمهورية:
في دورة الاقتراع الأولى.. حصل البزاز على 14 صوتاً.. من مجموع 28 صوتاً.. فيما حصل عبد الرحمن عارف على 13 صوتاً.. ونال عبد العزيز العقيلي على صوت واحد فقط (بمعنى إن الجميع لم يقبل به).. وكان المصوتين لعبد الرحمن عارف 11 ضابطاً من مجموع 12 باستثناء العقيلي.. إضافة الى وزيري .. فيما صوت 14 من الوزراء للبزاز.
ولكون أن أحداً لم يفز بأغلبية الثلثين بموجب الدستور.. لذلك جرت دورة انتخابية ثانية.. كان فيها تأثير الضباط حاسماً.. رافضين قبول تولي البزاز رئاسة الجمهورية.. مما أضطر البزاز إلي سحب ترشيحه تحت ضغط العسكريين لصالح عبد الرحمن عارف.
سياسته:
لم يتمتع الرئيس عبد الرحمن عارف بخبرة واسعة في السياسة الخارجية.. ولم تكن خلال فترة حكمه أية سياسة مميزة أو واضحة إلا بعض الإنجازات المحدودة على صعيد إكمال القليل مما بدأ به الرئيس السابق عبد السلام عارف في مجال العمران.. كذلك في مجال التسليح.
ـ بدأ حياته الرئاسية صباح السادس عشر من نيسان العام 1966.. فاصدر في ذلك اليوم عفواً عاماً عن السجناء السياسيين من دون استثناء.. وأكد في قرار العفو على تأمين حقوقهم الوظيفية أو التقاعدية.
ـ اتسم حكمه باتساع هامش الحريات الثقافية.. وشيوع روح التسامح والترفع عن الصغائر والضغائن.. والابتعاد عن الوشايات.. ومحاولاته فسح المجال لمعارضيه بنوع من المرونة.. فأسس ما يعرف ب (المجلس الاستشاري الرئاسي).. الذي ضم عدداً من رؤساء الوزارات السابقين.. كان بعضهم من الخصوم.. فنشطت في عهده الأحزاب السياسية.. التي كان يحتفظ معها بعلاقات ودية.. وكان متسامحا حتى مع الساعين للإطاحة به.. ولم يوقع أبداً طيلة حياته على أي مرسوم للإعدام.
محاولة انقلابية فاشلة:
لم يمض شهر على تسنم عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية بدأت الاستعدادات للإطاحة به.. حيث يقول صبحي عبد الحميد الوزير السابق والقيادي في التيار الناصري: (قررنا القيام بعمل سريع للإطاحة بالنظام.. وطلبنا من عميد الجو عارف عبد الرزاق الذي كان في القاهرة العودة الى العراق.. وفعلا دخل عبد الرزاق وجماعته العراق سرا وتوجهوا الى الموصل.. ووضعت الخطة.. وبدا التنفيذ من بعد ظهر يوم 30 حزيران العام 1966 فقد دخل سراً إلى القاعدة الجوية في الموصل كل من العميد الركن الطيار المتقاعد عارف عبد الرزاق والرائد الطيار المتقاعد ممتاز السعدون بملابسهما العسكرية.. وكانا مسلحين بالرشاشات والمسدسات وكان في انتظارهما الملازم الأول الطيار صباح عبد القادر.. وتوجه الثلاثة إلى أوكار الطائرات وأمروا ضباط الصف بتهيئة طائرتين من نوع هوكر هنتر.. استقل الأولى الرائد ممتاز السعدون.. فيما الثانية الملازم الأول صباح عبد القادر.. وقبل انطلاقهما الى الجو حضر العميد الركن يونس عطار باشي قائد الفرقة الرابعة ومعه العقيد احمد رشيد آمر القاعدة الجوية وأمرا بمنع طيران الطائرات.. وحدث جدال ليتطور إلى تبادل إطلاق النار.. وسيطر عارف عبد الرزاق على الموقف وحلقت الطائرتان وتوجهتا باتجاه قاعدة الحبانية وبغداد.. منبهين المشاركين في الحركة إن ساعة الصفر الثالثة بعد الظهر يوم 30 حزيران.. وإنها قد بدأت وعليهم السيطرة على معسكر الحبانية وعلى الإذاعة في الصالحية وتدمير القصر الجمهوري.. كما توجهت طائرتان أخريان.. الأولى بقيادة النقيب الطيار محمد جاسم الجبوري لقصف القصر الجمهوري وبعض المناطق الحساسة.. وفعلا تم القصف لبعض المواقع.
وفي الساعة السادسة والربع اتصل الرئيس عبد الرحمن عارف بالعميد الركن عارف عبد الرزاق في محاولة لإيقاف حركته.. كما اتصل أيضا بالقطعات العسكرية في الموصل.. حيث يذكر الرئيس عبد الرحمن عارف انه “اتصل بالضابط (س) وهو الأمر الأقدم من المنشأة في تل السيف.. ليأخذ سرية تنزل في المطار وتأتي بعارف عبد الرزاق”.. وفعلاً جيء به محظوراً الى بغداد وأمام الرئيس عبد الرحمن عارف.. وهكذا فشلت الحركة.. والقيً القبض على المساهمين فيها.. وفي نهاية العام 1967 أطلق سراح عارف عبد الرزاق والعناصر القومية العربية الأخرى.. ولم يعد في السجون أي سجين أو معتقل سياسي.
أبرز انجازاته:
القضية الكردية:
ـ كان متعاطفا مع القضية الكردية.. فالتقى مصطفى البرزاني في شمال العراق.. واستقبلهُ هناك استقبالاً حاشداً لا مثيل لهُ.. وحل المشاكل العالقة.
فمنذ تسنم الرئيس عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية أمر بالعمل الجدي لحل المسألة الكردية.. وبدأت المفاوضات بين الطرفين.. وبعد 100 يوم من المفاوضات بين الطرفين تم التوصل إلى اتفاق في يوم 29 حزيران العام 1966 تضمنً تلبية الكثير من المطالب الكردية.
واعتبر بيان 29 حزيران 1966 أول حل جدي للقضية الكردية.. وتوقف القتال.. طيلة حكمه وجرى تطبيق العديد من هذا الاتفاق.. وعمً الهدوء في شمال العراق.
مواقف عربية مشهودة:
أبرزها:
ـ أن الرئيس جمال عبد الناصر اتصل به بعد نكسة الخامس من حزيران 1967.. بالرئيس عبد الرحمن عارف وأخبره انه لا يملك مالا يدفع به رواتب الموظفين.. ولا خبزاً يطعم به ملايين المواطنين.. فبادر عبد الرحمن إلى تقديم الدعم المالي الممكن.. وقام على الفور بجولة سريعة واسعة في المملكة السعودية ودول الخليج الأخرى.. التي كانت علاقاتها فاترة مع مصر في تلك الفترة.. وأقنعها بتعويض مصر عن العائدات المفقودة من قناة السويس المغلقة وقتذاك.
ـ كما سافر إلى موسكو في زيارة مشتركة مع الرئيس الجزائري هواري بومدين.. واقنعا الاتحاد السوفييتي بضرورة إعادة تسليح الجيشين المصري والسوري.
ـ ولعب دورا أساسيا في تأسيس القيادة العربية المشتركة بعد نكسة حزيران 1967 وترصين الجبهة الشرقية عسكريا.. وتحريك الجحفل العراقي إلى المفرق بقيادة اللواء (حسن النقيب).
عارف يروي خفايا أحداث 17 تموز 1968:
يبدأ الرئيس عبد الرحمن محمد عارف روايته قائلاً: تسلمتُ تقريراً من مديرية الأمن العامة صبيحة يوم 17/ 5/ 1968 (أي قبل الانقلاب بشهرين).. جاء فيه إنهم رصدوا بعض التحركات السياسية لعناصر بعثية دائمة الاتصال بعبد الرزاق النايف مدير الاستخبارات العسكرية.. وترتئي الدائرة عدم التحرش فيهم حتى تكتمل الصورة لعناصرها القيادية.. وقد قمت بالاتصال فوراً بالنايف.. وأبلغته إن هناك عناصر بعثية تستغل اسمك في التحرك.. فنفى ذلك.. وأعرب عن عزمه لاعتقال من هو بعثي إلا إنني فضلت تأجيل الأمر.. كي لا افسد تحريات قوات الأمن.
عندها عرفتُ إن هناك حركة ما لقلب نظام الحكم.. وعلى اثر ذلك دعيتُ الى اجتماع في 28/ 5/ 1968 ضم أربع عشرة شخصية عسكرية وقومية من بينهم: أعضاء في حركة الثوريين العرب الذين تركوا العمل قبل أسابيع.. إضافة الى عبد الرزاق النايف.. وإبراهيم الداوود.. وولدي قيس.. وفي الاجتماع تمت مناقشة ما جاء في ذلك التقرير.. من دون الإيحاء الى مصدره.. فأجاب النايف دون الآخرين: بأن ما ورد إليكم سيدي الرئيس هراء وليس له صحة.. والأحوال على جانب من الاستقرار الكبير!!.
ويضيف الرئيس عارف:
طرح النايف علينا اقتراح نقل ضابط وضباط صف من الوحدات الفعالة المرابطة في بغداد أو القريبة منها للشبهات التي تحوم حولهم لأنهم من البعث العربي الاشتراكي.. كما اقترح إعادة 27 ضابطاً أوقفوا عن العمل بعد حركة تشرين الثاني عام 1963 ومنحهم جميع حقوقهم المغبونة.. وتبين لي.. يقول عارف “بعد انقلاب 17 تموز تبين إن ضباط القائمة الأولى كانت من “البعث اليساري”.. الموالي لسورية.. والقائمة الثانية من البعث اليميني”جناح عفلق”!!.
وكان النايف يهدف من ذلك إبعاد القائمة الأولى كي لا تجهض حركتهم الانقلابية من قبل جماعة البعث اليساري.
ويكمل عارف حديثه مع الباحث هيثم غالب الناهي المنشور في كتابه خيانة النص قائلاً: استلمتُ خبراً في الثاني من حزيران مفاده إن السفارة البريطانية تلتقي بصورة مستمرة مع بعض الضباط.. ما زالوا في السلك العسكري.. وبعضهم من المتقاعدين.. وقد شوهد كل من حردان التكريتي واحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وأكرم الياسين يزورون السفارة البريطانية ليلاً على شكل مجموعات لم تتجاوز الاثنين.. وبواقع مرتين للفترة الماضية.. التي لم تتجاوز الشهرين.. كما شوهد احمد حسن البكر مرات عدة يزور السفارة البريطانية منفرداً كل ثلاثة أيام مع بزوغ الفجر حتى لا يكشف أمره.
فقررتُ استدعاء البكر دون الآخرين لمعرفتي بكيده ونواياه.. وسبق وأن حذرته من اللعب بما لا يحمد عقباه قبل سنة.. حين كانت هناك شكوك حول تحركه السياسي.. فتم اللقاء في داري مساء الثامن من حزيران العام 1968.. وحين وصوله مترجلاً من مسافة بعيدة من الباب الرئيسي صاح بمجرد أن رآني: “سيدي الرئيس: إنت فخر.. إنت عزة.. لولاك ما كان لي اثر”.. فقلتُ: اجلس احمد.. ليً حديث خاص ومحرج معك.. وأحلفك بالله أن تجيبني بصراحة وتخرج معززا مكرماً.. خبرني هل انتم بصدد انقلاب وتغيير نظام الحكم.. وإذا كان كذلك لماذا تتجهون للأجنبي؟ شنو عدكم انسويه.. العراق ما يتحمل نكسة”.
إلا إن احمد حسن البكر ما أن انتهيتُ حتى قال لي بالحرف الواحد: “سيدي إنت تدري.. أنا حتى من البعث أعلنت براءتي.. وأنا الآن تماماً بعيد عن العالم السياسي”!.
فسألته وزياراتك للسفارة البريطانية فأجاب بكل صلافة: “سيدي تعتقد أخون وطنيتي وموقفي من الإنكليز.. وازور سفارتهم.. وأنا واحد من ضباط 14 تموز.. وأنت أكثر العارفين.. ونبيك محمد وشايه”.
فقلت له: “اسمع احمد زين.. وبلغ حردان وصالح وجماعتك الآخرين.. ما في أسهل من الاعتقال.. لكن لا أريد أن أسيء لمن حمل الرتبة العسكرية”.
فراح البكر مجيبا: “سيدي.. والله لم أفكر يوماً بالتآمر عليك.. ولم أفكر يوماً أن اطمح أصير رئيس.. والواقع أنا لحد يومك هذا أتأرق واخجل من رئاستي للوزراء في العام 1963.. وما نتج عنها.. إنت أهلاً للقيادة.. ونحن أتباعكم.. راح اطلع منك للبيت الى أن إنت دز عليً”.
وفعلا كما يذكر عبد الرحمن عارف إن البكر التزم داره حتى دخول البعثيين القصر الجمهوري.. وسألتهم أين احمد؟ فقالوا في الإذاعة يذيع البيان الأول للثورة!.. فقال لهم: بلغوه إن عبد الرحمن يقول: “إن من علامته إذا وعد اخلف”.. ويقصد عارف بذلك الحديث النبوي الشريف: “علامات المنافق ثلاث..إذا وعد اخلف.. وإذا تحدث كذب.. وإذا ائتمن خان”.
وفي السابع عشر من حزيران سلمت الأمن العامة الرئيس عارف تقريراً مفصلاً عن خيوط الانقلاب العسكري.. وبمساعدة دول أجنبية من خلال سعد صالح جبر وناصر الحاني.
ويقول قيس نجل الرئيس عارف:
“لم أر والدي حزينا مثل ليلة الثامن عشر من حزيران.. ولم أره متردداً.. مثلما وجدته ذلك اليوم.. فمرة يأمرني الاتصال بفلان للحضور.. ومرة أخرى بعد دقائق يتراجع.
ومع صبيحة التاسع عشر من حزيران اتصل الرئيس عارف بالاستخبارات العسكرية.. وأطلعهم على ما ورد له من تفاصيل.. وطلب حضور كل من عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود.. ويقول الرئيس عارف: حين واجهتُ النايف والداوود بما يضمرانه مكيدة ليً.. تناول إبراهيم الداوود كتاب الله “المصحف الشريف” من على طاولتي.. وقالا نحلف بالقرآن نحن أتباعك ونحميك أكثر من أنفسنا.. ولا نتآمر عليك.. ولكي يؤكد النايف موقفه مني قام على اثر ذلك بإلقاء القبض على العديد من الضباط وضباط الصف والمدنيين من البعثيين.. قدرت أعدادهم حينذاك بمائة وأربعة وستين عسكرياً.. وعدد لا يستهان به من المدنيين لان التقرير الذي ورد إليً ينص على إن هناك انقلابا عسكرياً يقوم به البعث العربي الاشتراكي مع دولتين عربيتين مجاورتين الأردن والسعودية.
ويذكر الرئيس عارف إن المعلومات تلك أخذت من شخصيتين أردنيتين تم إلقاء القبض عليهما.. وهما يرومان دخول السفارة البريطانية ببغداد بالمستمسكات بعد أن روقبا بدءاً من دخولهم الأراضي العراقية.
لكن تبين فيما بعد إن عبد الرزاق النايف قد قام باعتقال العسكريين والمدنيين من البعثيين من جناح سورية ليبقى الشارع فارغاً لجناح عفلق.
يبدو مما تقدم وسيرة عبد الرحمن عارف إن هذا الرجل كان حسن النية بدرجة مفرطة.. فكيف لا يتحقق من الأشخاص المعتقلين بمعزل عن النايف.. إذا كانت التقارير تشير الى تورطه بالانقلاب؟!.. خاصة إن التقارير تؤكد إن جناح عفلق هو المتآمر وليس البعثيين بشكل مطلق!
ويبدو إن الصورة تتكرر فالبرغم من تقارير الأمن والتحذيرات العديدة من الداخل والخارج فان الأمير عبد الإله” الوصي على العرش”.. ونوري السعيد بقيا مترددين ولم يتخذا ما يتطلبه الأمر للحفاظ على النظام الملكي.. وها هي نفس الصورة تتكرر لدى عبد الرحمن عارف.
المهم إن الرئيس عبد الرحمن عارف طلب من ابنه قيس الاتصال بالصحفي سامي فرج علي مراسل جريدة الأنوار اللبنانية في بغداد وحال مجيئه يقول الرئيس عارف:
أخبرته مباشرة بوجود مؤامرة وشيكة الوقوع ضد العراق.. ترأسها بريطانيا وتدعمها دولتان عربيتان مالياً وعسكرياً والبعث هو المرشح.. عليك بنشر تلك المعلومات من دون ذكر اسمي” أي اسم الرئيس عبد الرحمن عارف “لكوني لا أريد الإحراج مع الدول المجاورة”.
وكان صيد جريدة الأنوار سميناً فقد نشرت المعلومات وبشكل تفصيلي مع تعليقات موسعة.. ومانشيتات رئيسية.. وفي اليوم التالي تناولت الصحف الأخرى”عربية وأجنبية” المعلومات.. وأخذت تحلل ما أثار ضجة واسعة وقتها.
لكن سامي فرج علي لم يلتزم بما طلبه عارف من عدم ذكر اسمه وعدم الإفراط ببعض التفاصيل.. بل ذكر كل ما حواه اللقاء والمعلومات التي تسلمها.. كما حذرت الأنوار اللبنانية الشعب العراقي من مغبة عودة البعث ثانية.
كل ذلك جعل سامي فرج علي أول معتقل سياسي بعد 17 تموز 1968.. ومع كل ذلك فالنتيجة هي وقوع الانقلاب في صبيحة 17 تموز ولم يفاجأ عبد الرحمن بدخولهم القصر.. وكان جاهزاً ليس كعادته فعندما سئل أين ترغب الذهاب؟ اختار عارف تركيا لسببين:
الأول: قربها من وطنه الذي اجبر الرحيل منه.. والثاني: لكونه توا كان عائداً من تركيا.. وقد سلم إليه مفتاح مدينة اسطنبول فإجلالا لهم اختار تركيا.
ويقول عارف “ربً موقف لن أنساه أبداً.. هو وجود السفير البريطاني ببغداد في مطار بغداد.. حال دون مغادرتي العراق.. فقد صافحني وقال: وداعاً هذا ثمن من لم يحترم التاج البريطاني.
يقول قيس نجل الرئيس عارف غادرتٌ مع الوالد رحمه الله الى لندن على متن طائرة خاصة من الخطوط الجوية العراقية.. ومن مطار المثنى صعدنا الى الطائرة مباشرة وبكل بساطه.. وغادرنا وكان خط الطائرة بغداد اسطنبول لندن.. وهبطت في مطار اسطنبول لمدة 45 دقيقه للتزود بالوقود.. وقد نزلنا (الوالد وأنا) الى استراحة المطار.. والتفً حوله الصحفيون.. واعتذر الوالد عن الإدلاء بأي تصريح.. وقال لهم اعتذر انتهت مهمتي.. وغادرت السياسة.. فانصرفوا.. وكان أيضاً في المطار أعضاء القنصلية العراقية في اسطنبول.. سلموا على الوالد وحمدوا الله على سلامته.. ثم وصل وزير الخارجية التركي وسلم على الوالد.. وقال له إني مبعوث من الرئيس جودت صوناي.. ويرسل تحياته لك.. وإذا ترغب أنت ضيفنا في تركيا.
قال له الوالد انه ذاهب الى لندن لان زوجتي في المستشفى.. وإذا قررتٌ الاستقرار في تركيا سوف أخبركم.. وبلغ تحياتي وشكري الى الرئيس جودت صوناي.. أما سبب ذهبنا الى لندن لان الوالدة حينها كانت للعلاج في إحدى المستشفيات في لندن.
نزاهته:
ـ رئيس الجمهورية عبد الرحمن محمد عارف.. لا يملك سوى دار سكنه.. وهي قطعة الأرض الحكومية.. في مدينة اليرموك ببغداد.. التي وزعت للضباط بعد ثورة 14 تموز 1958.. وبناها بسلفه العقاري.
ـ كان رئيساً للجمهورية عبد الرحمن.. لا يهتم بمأكله.. إذ كانت وجبته الأساسية قطعة لحم مطبوخ.. يلفها برغيف خبز.. ويأكلها.. يعقبها بكأس من الشاي العراقي الثقيل.
ـ لم يهتم بمظاهر الفخفخة والتظاهر.. وكان بمقدره أن يمتلك كل ما يريد من خلال منصبه.. لكنه أبى.
ـ كان راتب الشهري.. كرئيس للجمهورية 800 دينار.
ـ بعد حرب حزيران 1967.. أنزله الى 640 دينار لدعم المجهود الحربي.
ـ لم يميز أفراد عائلته عن بقية أفراد الشعب في الحقوق والواجبات: حتى عندما كان ابنه البكر (قيس) طالباً في الكلية العسكرية.. يكفي أن الكلية العسكرية تشهد في سجلاتها للطالب (الملك غازي).. والطالب (قيس عبد الرحمن محمد عارف) على التزامها التام.. وخلقهما الرفيع.
ـ لم يمنح ابنه (قيس) عندما أصبح ضابطاً أي منصبٍ أو موقعٍ أو امتيازٍ عن زملائه الضباط الآخرين.. ولا في معاملة أبنائه الآخرين في المدارس معاملة خاصة.
ـ لم يمنح حرمه أي امتياز عندما أصبح رئيساً للجمهورية.. فقد كانت خريجة دار المعلمات الابتدائية.. وتم تعيينها بدرجة (معلمة) في مدرسة الخالدية في كركوك العام 1944.. وذلك بعد مرافقتها لزوجها في تنقلاته العسكرية ضمن صفوف الجيش.. ثم انتقلت بعد أعوام إلى بغداد للعمل في مدرسة (الخنساء الابتدائية) في الأعظمية.. ثم الى مدرسة (14 رمضان) بمدينة اليرموك في بغداد.. التي ظلت تمارس التعليم فيها حتى العام 1966.. وهو العام الذي أحيلت فيه إلى التقاعد.
ـ نزاهة وكفاءة رؤساء الوزراء الثلاثة الذين استوزرهم وهم: (عبد الرحمن البزاز.. وناجي طالب.. وطاهر يحيى).. كذلك جميع وزراء عهده في الحكومات الثلاث.. فقد حاول الانقلابيون بشتى الطرق والسجن والتعذيب تلويث سمعة كبار المسؤولين في عهد عبد الرحمن عارف لكنهم فشلوا.
ـ عند حدوث الانقلاب 17 تموز 1968.. وعندما فرضوا عليه مغادرة العراق.. اشترط ثلاثة اشتراطات.. هي:
الشرط الأول: الذهاب الى لندن.. لان زوجته هناك لأجراء عملية جراحية.. فوافق الانقلابيون.
الشرط الثاني: سلامة ابنه (قيس) فوافقوا أن يسافر معه.. ملحقاً في السفارة هناك.
الشرط الثالث: انه لا يملك أي مال.. وطلبً سلفه 3000 دينار.. على أن تستقطع من راتبه التقاعدي.. وافقوا.. وقالوا له تصلك الى لندن.
وهكذا غادر الرجل العراق مكرهاً.
يقول قيس نجل الرئيس عارف: سألني الوالد كم معك فلوس؟
قلتُ له: باقي راتبي تقريباً 30 دينار.. قال: وأين تذهب بها؟
ثم قال الوالد: حينما قالوا لي تسافر الى الخارج.
قلت لهم: ما عندي مصروف كيف اذهب والعائلة هناك تحتاج.. وطلبتُ سلفه.. وافقوا على سلفه ليً 3000 دينار.. قالوا نعم تصلك الى لندن.
وهنا أقلعت الطائرة.
ـ تم تحويل السلفة ثلاثة آلاف دينار الى للرئيس عارف الذي وقع على إيصال استلام ألسلفه الى محاسب السفارة العراقية بلندن.
ـ تم استقطاعها من راتب التقاعدي شهرياً 40 دينار.. ولمدة سبع سنوات.. حسب ما مثبت في اضبارته التقاعدية.
ـ تم احتساب الراتب التقاعدي للرئيس عبد الرحمن عارف على أساس رتبة (فريق).. وعلى القانون السابق.
ـ وقانوناً يجب أن يحتسب راتبه التقاعدي على أساس أخر راتب له كرئيس للجمهورية.
ـ وهكذا غبنً الرجل كثيراً.. ولم يعترض .. فالمال عنده آخر ما يفكر به.
ـ وكان راتب التقاعدي الشهري 140 دينار.. بعد استقطاع مبلغ ألسلفه 40 دينار.
نهاية المطاف:
توفيً الرئيس عبد الرحمن عارف في 24 آب العام 2008 في العاصمة الأردنية عمان.. وتم دفنه في مقبرة شهداء الجيش العراقي في مدينة المفرق.. حيث أجريت له مراسم لائقة بمنصبه السابق كرئيس للجمهورية العراقية.
رواتب تقاعدية لعائلة عبد الرحمن عارف:
في 25 / 8 / 2008 صدر قانون تخصيص رواتب تقاعدية لعائلة رئيس الجمهورية الأسبق عبد الرحمن محمد عارف.. حيث تقرر منح خمسة ملايين دينار لزوجته فائقة عبد المجيد.. ومليون و200 ألف دينار لكل من ابنيه قيس ونبيل”.. جاء هذا القرار لتأمين مستوى معيشي لائق لعائلته.