عبد الحسين شعبان وبشتشان​

عبد الحسين شعبان وبشتشان​

بداية أقول عن تجربتي مع قراءة ومطالعة مدونات السير الشخصية والمذكرات للشخصيات السياسية والمفكرين والمثقفين عموما لها طقوسها الخاصة كوني الجا اليها عادة عندما اشعر بالإجهاد وانا اقرا في مجال اختصاصي القانوني او السياسي لذلك تكون مثل هذه الكتب محطة استراحة فكرية وبعدها اعاود استئناف ما انتهيت اليه من مدونات ورقيه او الكترونية مؤخرا سنحت لي فرصة قراءة كتاب المفكر والباحث الحقوقي والسياسي الدكتور الصديق عبد الحسين شعبان بعد ان أهدي لي نسخة منه على هامش معرض بغداد الدولي الأخير (بشتشان الطواحين.. وثمة ذاكرة) – شهادة وليست رواية – ويبدو للوهلة الأولى ان الكتاب يتكلم عن واقعة مؤلمة تضرجت بالدماء وقعت في منطقة بشتشان الواقعة في إقليم كردستان والتي كانت ملاذا لنشاط حركة سياسية معارضة للنظام السابق في منأ عن سيطرته وبطشه او كان هكذا يظن من ذهب اليها ليمارس نشاطه في المعارضة المسلحة ضد النظام ، ولكن وجدت في هذا الكتاب الصادر عن دار الرافدين في طبعته الأولى سنة 2024 في حجمها الصغير ولكنها مملوء بالمفيد كونها لم تقتصر على وقائع ومجزرة بشتشان فقط وانما تناولت جزء كبير من السيرة الذاتية لنضال وحياة المؤلف ومعاناة اسرته بعد التحاقه في صفوف المعارضة فضلا عن التطرق الى رفاق دربه قيادات وقواعد الحز الشيوعي ممن عمل معهم سواء في إقليم كردستان او غيرها من بقاع الشتات فضلا عن علاقاته وسلوكه وارائه في تلك الفترة من ثمانينيات القرن الماضي عندما كان العراق يخوض حربا ضروسا مع ايران .

في بداية الكتاب يصف المؤلف هذه البقعة جغرافيا ويقول قرية بشتشان قرية معزولة مثل قرى جبل قنديل الأخرى ولا تصل اليها سيارات ويتنقل سكانها اما مشيا على الاقدام،او يركبون الحيوانات ولا سيما البغال. والبغل مهم في حركة الأنصار لدرجة عدّ من الرفاق (الجهاديين) حسبما كنا نتندر فيما بيننا. ويذكر المؤلف في محل اخر عن طبيعة هذه المنطقة الوعرة عبارة استوقفتني كثيرا وهي ( ان أحدا لا يستطيع العيش في هذه المنطقة سوى الخنازير والشيوعيين ) وأقول ان مثل جيلنا الستيني ومن سبقنا ممن اخضعوا لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية او خدموا كمتطوعين من ضباط ومراتب ضمن قواطع المنطقة الشمالية وجبالها الشاهقة وربايها وراوقمها الشاهقة ، يدرك ما وصفه شعبان عن اوصاف المنطقة ومعاناة الجيش أيضا واهتمامهم بأهم واسطة نقل العتاد والاطعمة الا وهي البغال والتي كانت محط اهتمام كبير من الوحدات العسكرية العاملة في تلك المناطق . ونعود الى بشتشان وما حدث لأنصار الحركة الشيوعية في شتاء 1983 حسب وصف المؤلف شعبان والذي رافق هذه الواقعة المؤلمة سوء الأحوال الجوية والعواصف الثلجية التي ساهمت أيضا في هلاك عدد من الرفاق اثناء الانسحاب العشوائي والجهل بالمنطقة.

اما عن الجهة التي نفذت الهجوم على معسكرات الأنصار في بشتشان فالمؤلف لم يكتفي بذكر الجهة التي قامت بالهجوم الدموي وهي بيشمركة حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني لا بل يذكر قائد هذه الحملة الدموية بالاسموهو الراحل (نشروان مصطفى) . ويعزو المؤلف أسباب هذه المذبحة بالنص: يمكن القول انه لم يكن لدينا خطة حين دخلنا المعركة، فقد انجررنا الى بعض استفزازات (اوك) ويقصد هنا الاتحاد الوطني الكوردستاني، ولم تكن لدينا خطة حين تحالفنا في ظروف معقدة خصوصا في ظل الحساسيات التاريخية والاحقاد والضغائن والمنافسة على مواقع النفوذ، لذلك لم يكن صحيحا التحالف مع مجموعة واهمال أخرى لان الأخيرة ستحسب التحالف ضدها. ويقول أيضا: ان قضية بشتشان ليست قضية حزبية وسياسية صرفه. ناهيك عن انها ليست مسالة تامر او كيدية وانما هي قضية إنسانية وحقوقية واخلاقية، تعكس نوع العلاقات بين القوى السياسية، والقيم التي تحملها والامر لا يتعلق بالمهاجمين او المرتكبين، بل بالضحايا أيضا.

المحصلة النهائية لمجزرة بشتشان الأولى والثانية وفي ظروف بالغة التعقيد من حيث الوقت كون العراق كان يخوض حربا طاحنة ضد ايران وتباين المواقف على الصعيد على المستوى الوطني والإقليمي والدولي وكذلك التوقيت الزمني والمكاني لضرب اهم حركة حليفة او متحالفة مع الحركة الكوردية وسوء تقدير في الموقف من قيادات حركة الأنصار عندما ذهبت في اتجاه  التأييد لجناح كردي على حساب اخر رغم التباين والتناقض الشاسع بينهما حد كسر العظم كما يقال كان ضحيته ونتائجه سقوط (71) من الأنصار كشهداء عدا الجرحى ولعل اهم سؤال يساله المؤلف واي متتبع للأحداثهو . هل تم اسدال الستار على مذابح بشتشان؟

يجيب الدكتور شعبان ونتفق معه في طرحه. ان حق الضحايا او ذويهم لا يسقط بالتقادم وبإمكانهم اللجوء الى القضاء وفقا للقانون ان ارتأوا ذلك وهو حق لهم لا يستطيع ان يلغيه أحد. ولابد من الوقوف عند هذه النقطة ونسأل امام أي قضاء ووفق أي قانون يطالب ذوي الضحايا وبعد عقود من الزمن لاسيما وان المتهمين بهذه المجازر أصبحوا من صناع القرار في البلاد ما بعد 2003 ومنهم توفاهم الله.

يبقى موضوع اخر وقد طرحه المؤلف وهو الحل السياسي ويكون في إطار تسويات سياسية ويقول أيضا: على الرغم من الصمت وعدم الإفصاح ليس المقصود بالتسوية ترضيات او امتيازات لبعض من يمثل الضحايا، وانما نحتاج الى مكاشفات واعتذار، وكل ما يتعلق بالعدالة الانتقالية.

الاستنتاجات:

لابد لي ان ادلو بدلوي لما توصلت اليه من نتائج عبر قراءة هذا الكتاب ولعل أهمها الطابع الغدري وهو ما يؤكد عليه المؤلف وخاصة عندما يقول عقب لقائه بقائد هذه المجزرة بعد 2003 ويصفه بالصديق ناوشيروان مصطفى وعتبه المملح بعد سنوات وتغير الظروف والاحوال السياسية للعراق ويقول: وإذا كانت الحرب خدعة كما يقال، فهناك فرق بين الخدعة والغدر. ويشير في هذا السياق الى قتل الاسرى، لاسيما العرب حيث تم فرزهم عن الاسرى الاخرين والاجهاز عليهم، وهو ما يتنافى مع ابسط القواعد الإنسانية، ناهيك عن القوانين الدولية والوطنية والتعاليم الدينية.

ومن النتائج التي خلصت اليها ايضا سوء التخطيط وعدم الاهتمام بحساب توازن القوى على مستوى الداخل والمنطقة وعدم الاخذ بنظر الاعتبار التطاحن بين الحزبين في المنقطة الشمالية والذي يفترض بهم ان يتخذوا موقفا محايدا من هذه الصراعات.

وختاما الكتاب يميط اللثام عن واقعة مؤلمة في مسيرة الحزب الشيوعي راح ضحيتها عدد غير قليل من قيادات وقواعد هذا الحزب.