18 ديسمبر، 2024 8:05 م

عبد الحسين شعبان في كتابه دين العقل وفقه الواقع

عبد الحسين شعبان في كتابه دين العقل وفقه الواقع

مناظرات مع الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي
صاحب الفكرة يجب ان يتحمل الكثير من أجل توصيل فكرته . ولنا في الأنبياء قدوة .

د. عبد الرحمن منيف

في كتاب عبد الحسين شعبان الصادر من مركز دراسات الوحدة العربية (2021) ، تناول قضية مهمة أصبحت تؤرق المثقفين و المتخصصين في شأن الدراسات الدينية و الإسلامية على وجه التحديد وذلك منذ زمن بعيد وقد كتب صادق جلال العظم : عرف الانسان الدين منذ فجر التاريخ ، ومع هذا فقد تصدى بعض المفكرين لنقد الدين من شرقيين وغربيين ، ولكن نقد الدين في الثقافة العربية الإسلامية يكاد يكون نادرا .

وهناك فرق كما يقول الدكتور شعبان بين الدين والتديّن مثلما هو بين القيم الدينية ذات الابعاد الإنسانية وبين الممارسات الدينية لبعض ” رجال الدين” والتي هي في الكثير من الأحيان بعيدة عن جوهر الدين. وكان الدكتور شعبان جريئاً بفتح هذا الملف الشائك، محاولاً الإجابة على قضايا دينية وذلك طابع يحتل حياة الناس التي كثير ما يدور النقاش بها وحولها .

تضمن الكتاب قسمين، القسم الأول وهو الإطار المنهجي و المفهومي، والقسم الثاني المناظرات مع الفقيه الإسلامي اية الله السيد أحمد الحسني البغدادي سليل العائلة الكريمة الدينية و جده المعروف بمواقفه الفقهية في الدين والوطنية .

ففي مقدمة الكتاب و التي اسماها ( على سبيل التمهيد ) كتب الدكتور شعبان : في الحديث عن الدين و التدين ، الدين و العقل ، الدين والواقع ، الدين والعلم ، الدين و القانون ، فمازالت الحقبة المظلمة التي يقابلها في أوربا القرون الوسطى تسكن الكثير من عقولنا و تعشش في لغتنا السائدة والمستخدمة بقواميسها ومفرداتها و اشتقاقاتها و أحكامها و تتحكم في سلوكنا و تهيمن على عاداتنا و تقاليدنا لتفرض الركود والرتابة و النمطية و الشكلانية على حياتنا وتفرش جنا حيها على نمط تفكيرنا لتجرنا إلى الماضي بدلا من التطلع إلى المستقبل (أنتهى الاقتباس من د. شعبان ) .

وهنا يجب التأكيد الى ان المفكر شعبان أخذ بنظر الاعتبار التطورات التي حدثت في اوربا في مجالات متعددة منها الفلسفة والاقتصاد والسياسة و علم الاجتماع ، وظهور عدد غير قليل من المفكرين والعلماء على مرّ التاريخ من أمثال افلاطون وارسطو وماركس و انجلس وكذلك نيوتن و انشتاين و مندل في الوراثة و دارون و ونظرية التطور إضافة إلى علماء من المسلمين والعرب مثل ابن خلدون وابن رشد وابن سينا وغيرهم ممن قدموا للبشرية الكثير كل في مجاله من اجل التطور ، ولكن التيّار الديني المتزمّت شنّ الحرب عليهم ومنهم من دفع حياته من اجل مكتشفاته العلمية كما قال احدهم متحديا الكنيسة (انها تدور ) ، و هنا جاءت نظرية فصل الدين عن الدولة على ان يبقوا في امورهم الدينية في الكنائس و الجوامع والمساجد ويتركوا شؤون الدولة والإدارة لمن هو أهل لها.

ويقول الكاتب : ما نحتاجه إليه اليوم هو إخضاع ما لدينا من سلطات ومؤسسات ولغات ومعارف و مورثات و أخلاقيات و قوانين و طرائق تديّن و إيمانيات “بعضها “لا علاقة له بالدين ،للنقد حتى وإن كان خروجا عن المسلمات و اليقينيات ، مادام هدفه البحث عن الحقيقة .

ويستطرد ويقول ثلاث قضايا لا بد من اجتماعها لتطورنا بحسب الشاعرالبريطاني ت . س. أليوت هي : المعلومة ، و المعرفة ، والحكمة . والأخيرة هي الأعلى درجة . وبحسب الفيلسوف الصيني كونفوشيوس (الحكمة تعني معرفة الناس) أما (الفضيلة فهي حب الناس) فلا يكفي ان تتوافر لدينا المعلومات لتتولد المعارف ، بل ينبغي الوصول إلى الحكمة التي ما تزال غائبة ، وتلك تمثل الإبداع و الابتكار بدلا من التقليد والجمود ، استخلاصا للتجربة و تساوقا مع التطور التاريخي ، و تأتي الحكمة مع العقل الذي هو أساس الدين ، إذ لا دين خارج العقل ، فالأخير هو الشرع الأعلى للإنسان ، وبالعقل يعالج الإنسان شؤونه استنادا إلى علوم عصره ، وكلما تمكن من استيعابها استطاع أن يتساوق مع متطلبات زمنه (انتهى الاقتباس).

وهنا يشير الكاتب إلى أهمية استيعاب الحكمة وعلوم العصر لكي يتسنى للإنسان ان يكون مع سمة العصر في تحليله لكل ما يجري حوله ومن ضمن ذلك الدين و موقفه منه ، وفق فهمه له ومعرفته من وجهة نظره.
وفي القسم الثاني من الكتاب (المناظرات) يفتح شعبان الأبواب على مصراعيها في حوار عميق مع الفقيه أحمد البغدادي وهو حوار بين مفكّر علماني وفقيه إسلامي كما جاء في تعريف مركز دراسات الوحدة العربية. حيث تتناول المناظرات الثمانية عشر قضايا جريئة مع رجل دين شجاع بمواقفه الدينية والسياسية كان ولايزال وطنيا حريصا على وحدة تراب العراق و حضارته وله مواقفه المشهودة ضدّ المحتل و من جاء مع الاحتلال ، وحتى لم يتوانى عن نقده للحوزة الدينية لموقفها الساكت عن الاحتلال الانكلو امريكي الصهيوني من بلد الرافدين.

وضع الكاتب في مناظراته عناوين متعددة ، جرى النقاش بينهما حول الدين من وجهة نظر الكاتب وهو معروف في توجهاته العلمانية و تبنيه للجدلية الفكرية الماركسية ، إضافة كونه مع عائلة نجفية معروفة من سدنة الروضة الحيدرية، ومن هنا جاءت معارفه الدينية و من خلال مثابرته في قراءة الكثير من الكتب التي لها علاقة بالاديان ، وكما يكتب في المناظرة الأولى معبرا عن رأيه قائلا : و المهم عندي هو ليس كل من يؤدي الفرائض أو لا يؤديها ويمارس الطقوس و الشعائر أو لا يمارسها ، بل إن ما يتقدم لدي على غيره هو عمل الخير و مساعدة الناس في قضاء حوائجهم و الدفاع عن حقوقهم ، و ذلك جوهر الدين ، ولا سيما بتمثل القيم المشتركة لبني البشر تلك التي تقوم على أبعاد إنسانية في الحرية و السلام والعدل و المساواة و التسامح ، و الإيثار و التضحية ، وخصوصا في نصرة المظلوم و إحقاق الحق . وهو ما كنت أحاور به صديقي “المؤمن ” السيد أحمد الحسني البغدادي ، بل إنه كان يتوافق معي في أن الكثير من الذين يدعون الأيمان أو يزعمون التقوى و الورع الديني هم بعيدون عنه ، وبحكم بيئتنا المشتركة نحن نعرف جيدا أن نميز بين الثرى و الثريا ، وبين الأصيل والمزيف و الصالح والطالح و المعلن و المستتر ، وكان النبي محمد قد قال في وصف هؤلاء : لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم و صومهم و كثرة الحج، والمعروف وطنطنتهم بالليل ( كثرة الكلام الخفي في الليل ) ولكن انظروا إلى صدق الحديث و أداء الأمانة . بمعنى العبرة بالأفعال و ليس بالأقوال ،يكتشف وبعضهم عند أول إختبار.

وكانت ردود السيد البغدادي ردوداً نيرّة وتنسجم مع روح العصر وثقافة الانسان ، ويقول الكاتب في النقد والنقد الذاتي ل “رجال الدين ” وهنا أحالني السيد البغدادي إلى نص جميل كان قد كتبه يتعلق بنقد التقليد ، حين يحاول بعض رجال الدين جمع الاتباع و المريدين و السعي لجعل الناس يقلدونهم ، حتى يصبحوا بجهلهم وطاعتهم “عبيداً “مستضعفين كما يقول .

وهناك عناوين أخرى منها في نقد مبدأ “التقليد ” وهل الفتوى ضرورية؟ والطائفية و التمذهب وغيرها من الأمور الهامة في حياة الانسان والعلاقة بالدين.

اجد ان الكتاب وما يحتويه من مواضيع مهمة جدير بدراسته والتمعن فيه قبل رجال الدين وطلاب الحوزة لما فيه من أفكار تنسجم وروح العصر .للمؤلف والسيد آية الله البغدادي مثلما على اليساريين دراسته لأنه يعبّر عن آراء رصينة واجتهادية وجريئة.