قد أشتهر الفنان المرحوم عبد الجبار عباس بدور المرأة ولاسيما أن الساحة الفنية، كانت آنذاك تشكو شحة كبيرة بالعنصر النسوي. وأجاد عبد الجبار في ذلك أجادة كبيرة بحيث جعل الناس يعتقدون أنه امرأة فعلاً وخصوصاً في شخصية (أم علي) التي بدأ فيها بمسرحية (يريد يعيش) ثم طورها في مسرحيات أخرى، وأيضاً جسدها في الإذاعة في برنامج كان يعده تحت عنوان (أنت تكتب ونحن نمثل) يعالج هذا البرنامج مشاكل الناس من خلال رسائلهم.
ولد عبد الجبار عباس 1923 في منطقة باب الشيخ ببغداد، متزوج وله ستة أبناء، حيث أرتبط أسمه ببدايات تأسيس تلفزيون جمهورية العراق في مايس من عام 1956، وقبلها بدأ في المسرح مع الفنان الرائد المرحوم (جعفر السعدي) في المدرسة الجعفرية حيث مثل معه في المتنبي ومعتصماه وكان يمثل الأدوار الرجالية والنسائية معاً.
في عام 1956 انتمى الى فرقة المسرح الشعبي وقدم معها مسرحية (يريد يعيش)، وفي السنة نفسها أسست فرقة (شباب الطليعة) للفنان (بدري حسون فريد) فانتمى اليها وقدم معها عدة أعمال مثل (اللص والشرطي)، ثم أرتبط بفرقة مسرح الفن الحديث بعد تأسيسها من قبل الفنان يوسف العاني، وفي عام 1958 تم تعينه عضوا في قسم التمثيليات بالبرامج الخاصة لإذاعة جمهورية العراق، ومنها بدأ مسيرته الفنية في العديد من البرامج التي كان يأنس لها الجمهور لموضوعية طرحها ومعالجتها الجريئة.
أبرز إسهاماته في السينما العراقية أفلام (فتنة وحسن) و(أرحموني) و(عروس الفرات) و(سعيد أفندي) و(أبو هيلة) و(شايف خير) و(الحارس) و(المنعطف) وغيرها، في حين تربو أعماله في المسرح على المئات من من المسرحيات، منها البستوكة، والنخلة والجيران، ويريد يعيش، والخرابة، والقربان، وهاملت عربياً، ورسالة مفقودة، وأنا أمك ياشاكر، والحلم، والخان وغيرها.
في حين أبدع في التلفزيون منذ بداياته الأولى من خلال العديد من الأعمال الفنية أبرزها ثلاثية حضرة صاحب السعادة، ولن ينتكس الوليد، وأبو البلاوي، وحامض حلو، والوجه الآخر، ورباعية
عبوسي يعود، وتحت موسى الحلاق وغيرها وتم تكريمه عام 1993 كرائد مسرحي في يوم المسرح العالمي، وكان الفنان المرحوم عبد الجبار عباس من الفنانين الذين حافظوا على التزامهم الفني ولم ينحدر في متاهات الفن الرخيص، ولا سيما المسرح التجاري برغم العوز المادي الشديد في سنواته الأخيرة، مما أضطره الحال الى العمل كحارس ليلي في مدرسة بمنطقة الإعلام حيث يسكن، كذلك تعرض لحادث دهس سيارة ترك أثراً سيئاً عليه بحيث جعله لا يتذكر الأحداث التي مر بها سابقاً..
كتب عنه في حينها الفنان الكبير يوسف العاني (فمنذ ان وعى ومارس درب الفن الحقيقي النظيف.. تعالى مع نفسه فصار مطلوبا ومرغوبا في أكثر من مكان وحالة.. المسرح، السينما، الإذاعة، التلفزيون.. فبعد أن بدأ بدور “ام علي) حين عزت الأدوار النسائية صار مخرجا إذاعيا تشفع له كفاءته وتجربته.. وممثلا يسأل عنه الناس ان غاب عنهم وسار الزمن بتناقضاته.. والإنسان ابن زمنه.. فأقعده المرض.. مرض جاءه على عجل حين رافق أصدقاء السوء.. ولم يحفظوا له حرمة بل استغلوا طيبته ووفاءه.. ولم يكن يدري ان الدنيا –أحيانا– غادرة أن لم تنتبه لمن ولما يحيطنا منها.. وكاد أن يفقد الحياة أكثر من مرة.. لكن عائلته الكريمة الطيبة أحاطته، وراحت تكدح كما كدح وتبذل الجهد كي تحافظ عليه.. فأكسبته سنوات عمر جديدة.. ولكن، لن يطول العمر وقسوة الحياة أعتى من أن تتكسر.. فتوقف القلب الطيب ليغادرنا بهدوء كأنه الصمت.. مثلما جاءنا ذات يوم صامتا ليقول: “أريد أن اعمل معكم.. لأتعلم”.. فتعلم وعلم.. ثم عاد ليصمت الى الأبد).