23 ديسمبر، 2024 1:40 ص

عبد الجبار الرفاعي وخزعل الماجدي

عبد الجبار الرفاعي وخزعل الماجدي

المفكر الحُرّ هو ليس كالمفكر المقيد الذي يرزح تحت اصفاد قيود التراث و الافكار النمطية الجاهزة، التي وضعها المفكرون القدماء وفق عقليتهم المقاسة على تلك الازمنة والعصور الغابرة، كون العالم الآن في حالة حراك فكري وعلمي وحضاري وانساني ناهض، فضلا عن الحراك البحثي والنقدي والتكنولوجي، وغربلة الموروث القديم الذي بات لا ينسجم و واقعنا المعاش، القائم على معايير علمية وعقلية.
عبد الجبار الرفاعي تنطبق عليه المقدمة الآنفة الذكر (اعتمادي على ما ينشره هنا وهناك من دراسات ومقالات)، بينما خزعل الماجدي لا تنطبق عليه هذه المقدمة، على ما سنوضحه في هذا المقال.
الماجدي ينتقد بأدواته البحثية والعلمية، وفق منهج خال من العاطفة والوثوق بالمرويات التاريخية التي لا تنسجم والمنطق السليم، المبني على منطق العقل والموضوعية، اضف الى ذلك إنه لا يؤمن بالميتافيزيقا؛ بينما الرفاعي كأيديولوجي بنى افكاره من فسيفساء التراث، ومن خلال هذا التراث، الذي فيه الغث والسمين، فهو رجل حوزوي درس الافكار النمطية القديمة: من فقه وشريعة وتاريخ وعقائد، وسوى ذلك، وظلت تلك الاطر، التي درسها وتعلمها، حاضرة في مخياله، وإنْ حاول أن يغادرها، بعد إن درس الفلسفة الاسلامية، وتعمق فيها، وكتب فيها بحوث ودراسات، لكن تلك الاطر ظلت حاضرة في تفكيره وفي وعيه، لأنه درسها عن قناعة وعن وعي، وعن دراية لا ترتج اركانها، ويشعر إنها هي الجادة الصحيحة وهي الطريق اللاحب، والتي يصل من خلالهما الى الحقيقة فيمسكها من تلابيبها.
خزعل الماجدي، هو المفكر الحُرّ، المتحرر من القيود التي تحجّم تفكيره وتسلب وعيه، فهو مثقف حقيقي، ومفكّر لا يعود بتفكيره الى الوراء، بقدر ما ينظر الى الامام نظرة ثاقبة، فينتقد بشكل موضوعي، والماجدي درس العلم الاركيولوجيا، وخص ابحاثه في الاديان وتاريخها، وقارن فيها مقارنة علمية، ونشر دراسات وبحوث ضخمة في هذا الاتجاه، بلغت اكثر من خمسين كتابا، وكلها كتب مهمة تفيد بمضمونها الباحثين والكتاب والمثقفين والقراء، بكافة انتماءاتهم الفكرية والثقافية وكل من يرغب بمعرفة حقيقة الاديان، وتاريخها الذي يبدو غامضا للكثير بما فيهم بعض المثقفين، وكيف بدأت ومن ثم كيف تطورت، وكيف إنها اخذت من بعضها البعض. فهو يرى، وعلى سبيل المثال إن جُل تعاليم الاسلام هي ذاتها كانت موجودة في الديانة الزرادشتية، وكذلك في الديانة المانوية. الماجدي درس الاسطورة وتوصل الى إن الاسطورة هي اساس كل الاديان، بل هي الاساس الذي قامت عليه، وشيدت عليها صرحها التليد، ويشارك الماجدي الرأي هذا، الكاتب والمفكر السوري فراس السواح في معظم كتبه التي خاض فيها هو الآخر تاريخ ومقارنة الاديان، واعطى معنى مشترك لمفهوم الدين لا سيما في كتابه “دين الانسان”. ويخلص الماجدي في دراساته وبحوثه الى إن الاديان هي صناعة بشرية بامتياز، وتاريخ ولادة هذه الاديان هو قريب جدًا (اربعة آلاف سنة أو تزيد قليلا، بينما وجود الانسان على البسيطة يربو على مليوني سنة). الا إن الدين، وبحسب الماجدي، يعطي الاطمئنان النفسي والروحي للمؤمن بها، وليس بالضرورة إنها حقيقة ساطعة، ويعتبر إن قضية آدم وزوجه هي: إنه آدم كان ملكا، وإن الفراعنة الذين حكموا مصر هم ملوك كانوا قمة في الانسانية والعدالة، بحيث إن من عدالتهم جعلت الناس تعبدهم، لأنهم (المصريون) التمسوا منهم روح العدالة الصادقة، الامر الذي اعتقده المصريون آنذاك إن الفراعنة هُم آلهة يستحقون أن يُعبدوا. وفي كتابه (كيف تحول عشرة ملوك سومريين إلى عشرة أنبياء توراتيين) وقد يثير سخط الكثير على هذا الكتاب وعلى كاتبه، فهو واضح من عنوانه.
عبد الجبار الرفاعي، لا يؤمن بما يطرحه الماجدي من اطروحات معرفية، ويعتبر نفسه إنه (مثقف ديني)! فهو يؤمن بالأسطورة على إنها حقيقة صاحبت الانسان منذ وجوده على ظهر الارض، ولا يوجد للرفاعي بحوث في نقد تلك الاطر، بل ولا نجده قد تعرض لها، من بعيد أو من قريب، ويعتبر إن المساس بها كالمساس بالمقدّس، ويرى أن الانسان في حالة ظمأ مستمر الى الدين، ظمأ انطولوجي، كما عبّر في كتابه (الدين والظمأ الانطولوجي) ناسيا أو متناسيا إن جُل الحروب التي وقعت في العالم، كانت اسبابها اسباب دينية بحتة؛ فالديانة اليهودية قد شنت حربًا شعواء على الديانة الزرادشتية وكذلك على الديانة المانوية؛ وحرب الثلاثين التي وقعت بين الكاثوليك والبروتستانت و”هي سلسلة صراعات دامية مزقت أوروبا بين عامي 1618 و1648 م، وقعت معاركها بدايةً وبشكل عام في أراضي أوروبا الوسطى العائدة إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ولكن اشتركت فيها تباعا معظم القوى الأوروبية الموجودة في ذاك العصر، فيما عدا إنكلترا وروسيا”. فهي حرب بين الدين الواحد، أي يكفر احدهما الآخر، واعتبر نفسه هو صاحب الحق، والآخر على الباطل او على الضلال.
ولا داعي للحديث عن الحروب التي وقعت بين السنة والشيعة، فإن الحديث عنها ذو شجون، و هي حروب لن تنتهي حتى وقتنا هذا، ففي كل عصر هناك من ينفخ النار في رمادها.
الكاتب والمفكر والمثقف الحُرّ، شرط أن لا يقفز على الحقائق، وأن لا يؤمن بالأساطير، ويتسلح بالخرافة، الا رأيه بأنّ الاساطير هي اساطير بحد ذاتها، فالغيبيات وما ينافي العقل والمنطق السليم لا تمت بصلة للمثقف، والمفكر الحُرّ؛ الا من ناحية المجاملة، فمثلا أن الشيخ الرئيس ابن سينا كان يعتقد إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، وهذه الجملة تحتاج الى مجلد بكامله لغرض الشرح والايضاح، فهو كان يجامل في كثير من القضايا.
الرفاعي، إذا كان يعتبر إن شريعتي مثقف ايديولوجي، أي نمطي لا يصيب الواقع بمقتل، فهو ايضا يحذو حذوه، من حيث يدري أو لا يدري، لكن طريقة تفكيره مخلفة عن طريقة ونهج شريعتي، بل إن شريعتي في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) هو نقد موضوعي، تاريخي، حاول أن يعطل فيه ادوات حقبة مهمة ماضية من الزمن، لعبت فيها السياسة لعبتها، ولا زال صدى تلك الحقبة شاخصًا بيننا. ومثل هذا البحث لم يدلو الرفاعي فيه دلوه.
امّا حديث الرفاعي عن علي الوردي، حيث يصف الوردي بأنه مثقف نقدي، فأنا اتفق معه، لأن علي الوردي رجل علم وليس رجل دين.