23 ديسمبر، 2024 10:22 ص

قبل اشهر معدودة استقطب رئيس الوزراء نوري المالكي اعجاب العراقيين العرب السنة حينما اعلن عن تشكيل عمليات دجلة , وعزز خطوته بارسال قوات الى المناطق العربية المحاذية للمناطق ذات الاغلبية العراقية الكردية في شمال محافظة كركوك , والاكثر من ذلك , ذهب بعض الساسة المحيطين بالمالكي الى حد الاعلان عن نهاية ( التحالف الكردي الشيعي) وان المادة 140 المقدسة لدى الساسة الاكراد , باتت في حكم المنتهية .

في خضم تلك الاجواء , جوبه الزعماء الاكراد بحالة من الاحراج حيث حشرهم المالكي في زاوية , وبدوا وكأنهم يحاربون الخيارات الوطنية .

في تلك الاثناء انزل الكثير من الساسة والزعامات العشائرية في الانبار وكركوك صور السياسي العروبي اياد علاوي من طاولاتهم ومضائفهم ورفعوا محلها صور المالكي .

بعد ثلاثة اشهر , داهمت قوات امنية وزارة المالية وعبثت بمكتب الوزير رافع العيساوي الذي فر الى الفلوجة واستدعى رفاقه السابقين واوعز بتحرك على مستوى الشارع  وهو ما عرف لاحقا بالتظاهرات المطلبية  التي انتقلت الى كركوك والموصل وسامراء .

التظاهرات تحولت الى امر واقع فرض نفسه على الكثيرين وصار لها مؤيدون كثر خاصة الناقمين على سياسات رئيس الوزراء .

هنا تنفس السيد مسعود بارزاني الصعداء وخرج من زاويته الحرجة والمحرجة ورفعت صوره من قبل المتظاهرين  الى جوار صور العيساوي واردوغان  ….واختفت صور المالكي .

كرت سبحة التنازلات

في الاسبوع الثاني ارتفع حجم الخطاب التصعيدي من قبل المتظاهرين بعد ان دخل – مناصراً – بارزاني واردوغان وقناة الجزيرة .. وهنا ( صارت الحديدة حاره ) فتشكلت اللجان  لتلبية مطالب المتظاهرين وشملت :

–        منح رواتب تقاعدية وباثر رجعي لاحد عشر الف عضو في حزب البعث  المنحل – بموجب الدستور – وتعيين من يرغب منهم .

–        رفع الحجز والحجر عن الاف العقارات العائدة للبعثيين .

–        اعادة الالاف من كبار ضباط الجيش المنحل – بعثيون – الى الوظيفة او الاحالة على التقاعد وباثر رجعي .

–        اعادة الالاف من موظفي مجلس الوزراء في عهد صدام حسين  وموظفي القصور الرئاسية وعناصر وضباط جهاز الامن الخاص والاستخبارات العسكرية والمخابرات والحرس الجمهوري الخاص وفرقة حماية صدام حسين , اعادتهم جميعا الى الخدمة او الاحالة على التقاعد .

–        الافراج عن اربعة الاف معتقل ومحكوم بموجب المادة 4 ارهاب وجميعهم من الطائفة السنية ونصفهم تقريبا يدينون بالمذهب السلفي التكفيري .

والاغرب في هذه الافراجات هو اطلاق سراح المدانين بجرائم ارهابية بناء على دعاوى رفعت من قبل الضحايا ,, وقد جرى تبرير الافراج على اساس قبول ورضا ذوي الضحايا .  بمعنى اخر ان الافراج عن هؤلاء تم بالغاء مبدا قانوني اصيل وهو الحق العام اي حق الدستور والدولة في مقاضاة مرتكبي الجرائم .

كل هذه التنازلات , كان الحديث عنها قبل شهرين فقط , جريمة وخيانة .

الاكراد والفرصة السانحة

يقال ان الاعتراف بكلمة سينتهي بصفحات طويلة , وهكذا كان , حينما تحولت قرارات اللجان المعنية ب( تلبية مطالب المتظاهرين ) الى سقوط مريع ضرب كل الثوابت والقيم والدستور والقوانين عرض الحائط  بل وشطبت كل الشعارات التي على اساسها  انتخب المالكي من قبل غالبية العراقيين العرب الشيعة قبل 3 اعوام .

الاكراد وجودوا الفرصة سانحة لان المالكي هو الان في الزاوية الحرجة والضيقة , فما الذي حصل ؟

التقارير الخاصة تؤكد ان رئيس الوزراء الغى  قيادة عمليات دجلة وسحب القوات العسكرية من المناطق العربية , في حين بقيت قوات البيشمركة في مواقعها , ما يعني ان وجودها اصبح امرا واقعا وسيتكرس ولن يكون نقطة تفاوضية في المستقبل .

 سياسيا , يتردد ان المالكي ارسل وفودا عدة , علنية وسرية الى اربيل وبجعبهم حزم من التنازلات التي بدأ الزعماء الاكراد يمهدون لها لغرض التطبيع الذهني والاعلامي ومن ثم السياسي من قبيل الكونفيدرالية والاستقلال الاقتصادي و,,,

بالمختصر , المالكي اساء التقدير وصدق بان العراق دولة وان النظام هو ديمقراطي  وان الدستور هو الحاكم , ولذلك خسر المالكي اكثر بكثير مما كان يتوقعه سياسيا واعلاميا من القصة السخيفة المسماة عمليات دجلة وكانه لم يتعض من سلفه السيد الجعفري الذي اقصي لانه تحرش بالاكراد .

ما حصل اكبر من ان يوصف بانه انقلاب السحر على الساحر , وبالتاكيد لا نقول اللهم لا شماتة لان ما حصل هو كارثة لنا جميعا , فاقل ما سينجم عنها هو انعدام الثقة بالساسة الحاكمين واتهامهم بانهم غير مؤهلين لحكم العراق .

بالمناسبة .. ماهي الضرورة من الاستعجال بترسيم الحدود مع الكويت هل هي رعونة اخرى ام هو الحظ العاثر؟؟  لان تصرفات كهذه هي التي ستخفض من عديد  الاوراق المؤيدة لمرشحي المالكي في الانتخابات .

ملاحظة :  البعض يقول ان المحيطين بالمالكي ومستشاريه  يعتقدون  بان الناخب العراقي جاهل بهذه الحقائق التي بحاجة الى تفكير واستنتاج  وبالتالي لا تنعكس على اصواتهم , باعتبار اننا لسنا  في فرنسا التي عاقب فيها الشعب ساركوزي في الانتخابات لانه  اخطأ برفع السن التقاعدية من 60 الى 62 عاما .