22 نوفمبر، 2024 8:15 ص
Search
Close this search box.

عبادة النيران في الزرادشتية – القسم الثالث

عبادة النيران في الزرادشتية – القسم الثالث

وفضلا عن هذا، فلا يقول المجوس للنار بمقام اقل من ربوبية نوعية على خلاف مايقوله الدكتورمحمد معين، بل إنهم كانوا يرون للنار قدرة خارقة و تأثيراً روحيا ومعنويا، ولا يزالون يقولون بذلك. وقد نقلنا قبل هذا: أن النار لقبت في الافستا (آذر ایزد) أی آنها (ابن الله) ويقول، کریستنسن بهذا الصدد: ان النار في هذا الدين من أهم جميع سائر العناصر الموجودة، ويعلق على هذا في الهامش يقول: يعتقد هرتل في مقالاته التي كتبها تحت عنوان (منابع التحقيقات الهندو ایرانية) يعتقد: بأن الايرانيين كانوا يرون آن عنصر النار نافذ في كل صغير وكبير في هذا العالم “، ويضيف کریستنسن بالقول:”وآنا أعتقد أن الذي يقوله هرتل لا يخلو من حقيقة في المقام. وکتب نفس الدكتور المعين بشأن معبد (آذر برزین مهر)أحد معابد النيران الكبيرة والأصيلة، يقول: جاء في البند الثامن من الفصل ۱۷: آن معبد آذر برزین مهر كان قائما حتى عهد گشتاسب، وکان ملجأ ًللعالمين حتى آمن بزرادشت انوشیروان و گشتاسب، فحمل گشتاسب معبد آذر برزین مهر إلى جبل ریوند الذي يدعی پشتاسپان وپشت أيضاً وينقل عن خرده اوستا ( الافستا الصغيرة) أنه يقول: ان الفلاحين يصبحون أعلم وأطهر وانقى ثيابا ببركة هذه النار، وببركة هذه النار تساءل گشتاسب و تلقى الجواب ويقول بشأن( آذر فرنبغ) الذي هو الآخر أحد المعابد الأصيلة للنار: كان هذا المعبد يخص للموابذة الكبار، وقد جاء في البند الخامس من التفسير الپهلوی انار بهرام في دعاء خرده اوستا : ان هذا المعبد اسمه: آذر فرنيغ، وهي نار عليها يكون حماية سائر النيران، وببركة هذه النار يجد الموابذة والدساتير العلم والكبراء وأصحاب الجاه والشأن الرفيع، و هذه النار هي التي قاومت الضحاك .

وجاء في البند الثامن من الفصل السابع عشر بشأن” آذرگشناسب التي هي ثالث المعابد الكبار والأصيلة: كانت آذرگشناسب حتى ملوكية کیخسرو ملجأ للعالمين، وحينما خرب کيخسرو بحيرة چچست جلست هذه النار على عرف فرسه فدفعت عنه الظلام و السواد وهيتئة النور والضياء حتى استطاع أن يخرب معابد الأصنام، فبنى في ذلك المحل على جبل اسنوند معبد ايران و جعل تلكالنيران في ذلک المعبد. وفيه:” ان معبد آذر گشنسب هي احدى ثلاث شرارات من الجنة نزلت إلى عالم التراب لامداد العالمين، وقد استقرت بآذربایجان”. ويقول فردوسی بشأن ذهاب کیکاوس و کیخسرو إلى معبد آذر گشناسب:

نقوم عند النارعلى قدم وساق

حتى يهدينا يزدان الطاهر

فحيث يكون یزدان راقدا

يجد ممثل العدل الطريق اليه…!“.

فليت شعري! آية طائفة من طوائف عباد الاصنام كانت تقول باكثر من هذه القدرة

المعنوية الخارقة لأرباب أنواع يقولون هم بها؟!. ينظر: مرتضى مطهري، الاسلام وإيران، ص193 194.

وقد كتبت مجلة (هوخت) الناطقة بلسان ندوة الزرادشتيين في طهران والتي صدرت في شهر فروردين سنة 1329هـ – ش- ابريل/ نيسان1949م، وتوقفت عن الصدور في شهر تشرين الثاني/ نوفمبرعام 1984، رئيس تحريرها الدكتور رستم صحفه، مقالة بقلم الموبد أردشير آذر گشنسب بعنوان: رد الاتهامات، جاء فيها:” أن الزرداشتيين لم يكونوا يعبدون النيران ولا يعبدون، ويستمر يقول: نحن نأتي بآيات من الكتب السماوية فنثبت بها أن الله هو نور الانوار و منبع جميع الانوار، ومن هناك نعلم أن الزرداشتيين باقبالهم على النارو النور في حين صلاتهم ودعائهم، انما هم يناجون ربهم و يستعينون منه بواسطة هذه الانوار، وأن هذا لا يخل بتوحيدهم بأي وجه من الوجوه، كما يتوجه اتباع سائر المذاهب في حين صلاتهم إلى الكعبة ولا ينبزهم بذلك أحد بالشرك وعبادة الاحجار او التراب“. مجلة هوخت، تهران، شماره ده هـ ، سال بيست، أرديبهشت 1348هـ – ش/ فبراير/ شباط عام 1969م، ص29.

ثم شرح الموبد اردشیر آذرگشنسب فوائد النار الواضحة بعنوان أنها عنصر شریف ومقدس، وبعد ذلك يقول: وعلى أي حال، فانما تيسر كل هذا التقدم للانسان القديم بمساعدة النيران الحمراء و المحرقة، وعلى هذا فهو كان على حق اذ أذعن للنار بحرمة فائقة وحسبها رسالة سماوية انزلت عليه لمساعدته، وبنى لها المعابد وجعلها مشتعلة دائما لا يطفئها بل يمنع من اطفائه”.

ويرد الاستاذ مرتضى مطهري (1919- 1979م) على الموبد اردشیرآذرگشنسب بالقول: نعم أن الله هو نورالأنوار، لكن لا معنى أنا نقسم الأشياء إلى قسمين: أنوار وظلمات، ونحسب أن الله هو نور الانوار وليس نوراً للظلمات! بل أن الله نور الانوار یعنی، بما أن الوجود يساوى النور بالنسبة إلى الظلام الذي يساوى العدم، لهذا نقول إن الله هو نور الأنوار، ونقول:{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءعَلِيمٌ } ، سورة النور، الاية: 35، ولا فرق في هذا بين النور المحسوس کالنار والشمس والقمر والمصباح وبين الحجر والتراب، وليس معناه أنا إذا توجهنا إلى النار نكون قد توجهنا إلى الله، أما إذا توجهنا الى الحجر نكون قد توجهنا إلى غير نور الأنوار.

يقول هذا الموبد المجوسی: ان الزرادشتيين يتوجهون إلى الله بواسطة النار!“.

وأنا أقول والكلام للاستاذ مطهري: لكن التوحيد أن لا يجعل الانسان لاقباله على الله واسطة بينه و بين الله اذا يقول: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }، سورة البقرة، الاية 168، فلا يلزم بل لا ينبعى أن يجعل الانسان بينه وبين الله واسطة للإقبال عليه.

أما قياس هذا الموبد التوجه إلى النار بالتوجه إلى الكعبة؛ فقد بحثنا حوله قبل هذا وتبين أنه قياس مع الفارق. ويقول هذا الموبد: أن في النار فوائد كثيرة للانسان، و لذلك فهوعلى حق لو اذعن لها بحرمة فائقة

ونقول : هنا بيت القصيد؛ بل انما بعث الانبياء کی يعرفوا الانسان منبع الخيرات والبركات و النعم و الآلاء، وکي يعطوه بصيرة نافذة في امثال هذه الأمور، وكي يوجهوه من الأسباب إلى مسبّها ، وکی یفسروا له: أن: الحمد لله رب العالمين، يعني: أن كل ثناء و دعاء انما يخص ذات الله رب العالمين بالاستحقاق.

ثم نتساءل فنقول : هل أن النار رسالة سماوية نزلت لمساعدة الإنسان فحسب؟! لو كان المقصود من السماء هذا الجو الذي على رؤوسنا فلاشئ من النار ولا ما يقول هذا الموبد المجوسی: ان الزرادشتيين يتوجهون إلى الله بواسطة النار!”.

و أنا أقول: لكن التوحيد أن لا يجعل الانسان لاقباله على الله واسطة بينه و بين الله اذا يقول:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ سورة البقرة: الآية 186،  فلا يلزم بل لاينبعى أن يجعل الانسان بينه وبين الله واسطة للدعاء والتضرع.

أحدث المقالات