“وما نيل المطالب بالتمني……ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا”
التمني عاهة أسطورية فتاكة مقيمة في وعينا الجمعي , وتوهمنا بأننا نحقق ما نريده بموجبها , ووفقا لمقتضيات وطاقات التمني القابعة في دياجير رؤانا.
فديدننا التمزق والتناحر والتصارع والتبعية وتجاهل المصالح الوطنية بأنوعها , لأن الوطن حالة لا وجود لها في أذهاننا.
فالمقسم يُقسم , والضعيف يزداد ضعفا , والنيران تتأجج , والتناحر يتنامى , والوجيع في ذروته القصوى , فالعربي يقتل العربي , والمسلم يقتل المسلم , وأبناء الوطن الواحد يتذابحون , وينكل بعضهم ببعض.
وعندما يريد الطامع فيهم أن يفترسهم ويستثمر بضعفهم وجهلهم , ويقضم ما يريده من وجودهم , يتناوحون , ويتباكون , ويتصايحون , ويصرحون , ويجتمعون , وينددون ويستنكرون , لكنهم يعودون إلى دوامة تصارعهم وإستنزافهم لطاقاتهم وقدراتهم , وتتكرر المأساة , ولا من عظة وبُعد نظر.
وتهدأ ثورتهم العاطفية , وينهمكون بأعمالهم العنيفة ضد بعضهم , ويتمرغون بذلهم وهوانهم , وكيد الكائدين لهم , ويتفاخرون بالإعتماد على عدوهم للنيل من أخيهم العربي والمسلم.
وأمام هذا المنظر المتكرر عبر الأجيال , تحتار الأفهام وتتوجّم القلوب ويسود الإستغراب والعجب.
فالمَطالب لا تستحضرها التمنيات , وإنما القوة والإرادة الصادقة العزومة المقدامة المستعدة للمنازلة والفوز بما تريد , بينما المجتمع العربي من أقصاه إلى أقصاه يقاتل ذاته وموضوعه ويجفف مصادر قوته ومعين قدرته , ويتأسد العربي على العربي , والمسلم على المسلم , ويريدون من الآخرين الرحمة والعدل والإنصاف وهم يتوحشون على وجودهم.
وبأفعالهم المروعة يحققون مصالح الطامعين بهم , وما يجري بينهم هو الذي جرى في الأندلس , وما إتعظوا ولا تعلموا درسا حضاريا مفيدا.
وتبقى الخطب رنانة والشعارات طنانة والواقع يسكب قدراته وينتهك حرمات ذاته وموضوعه .
فلماذا تلومون أعداءكم الذين تقدمون لهم ما يريدون على طبق جهلكم وإنهماككم بقتلكم لبعضكم؟!!