22 ديسمبر، 2024 6:49 م

عام على انتخابات العراق.. محلك سرّ!

عام على انتخابات العراق.. محلك سرّ!

بحلول العاشر من هذا الشهر، يكون قد مرّ عام كامل على اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، التي اريد لها ان تكون حلا ومخرجا لازمة سياسية خانقة وخطيرة، تفجرت وتصاعدت مستوياتها بوضوح عبر التظاهرات الاحتجاجية الواسعة في مثل هذه الايام من عام 2019، والتي افضت الى استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وبالتالي انهيار حكومته بعد عام ونصف من ولادتها. ولكن بدلا من ان تكون انتخابات 10 تشرين الاول-اكتوبر 2021 حلا ومخرجا للازمة، فأنها كانت بحد ذاتها ازمة معقدة وشائكة ومتداخلة في عناصرها وادواتها ومدخلاتها ومخرجاتها، وابلغ دليل على ذلك هو انها افرزت مشهدا اتسم بأضطراب وارتباك سياسي ومجتمعي غير مسبوق، حتى في ذروة التداعيات الامنية الكبيرة، سواء حينما هيمن تنظيم القاعدة الارهابي على الشارع العراقي، من خلال العمليات الارهابية المتواصلة خلال الاعوام 2005 و 2006 و 2007، او بعدما اجتاح تنظيم داعش الارهابي في صيف عام 2014 مدنا ومناطق عديدة، ووصل الى تخوم العاصمة بغداد والمدن الدينية-النجف وكربلاء- وسيطر بصورة شبه كاملة على سامراء.

قبل عام من الان، كان الجميع يترقب بحذر يختلط فيه التفاؤل مع التشاؤم، مخرجات العملية الانتخابية، وما يمكن ان تفرزه من مسارات تصحيحية جديدة للاخطاء والسلبيات السابقة، والان يترقب الجميع في ظل اجواء بات يغلب عليها التشاؤم والتفكير بأسوأ الاحتمالات والخيارات وليس افضلها، الخروج من عنق الزجاجة وانهاء حالة الانسداد السياسي، في خضم حراك جماهيري مرتبك احياء للذكرى السنوية الثالثة لتظاهرات تشرين الاحتجاجية.

وبين العاشر من تشرين الاول-اكتوبر 2021، والعاشر منه في عام 2022، كانت معظم-ان لم يكن كل-الخطوات والمبادرات عقيمة وغير مجدية، وبدلا من ان تفضي الى حلحلة الازمة وتقريب وجهات النظر وترميم الثقة بين الفرقاء، كانت تزيد الامور سوءا، والازمة تعقيدا، والفرقاء تباعدا، والشارع يأسا واحباطا.

فالانتخابت جاءت بنتائج جدلية مشكوك بصحتها ونزاهتها، لتدفع قوى سياسية معينة، وتحديدا قوى الاطار التنسيقي، الى تحريك جمهورها رفضا لتلك النتائج، وبعد مايقارب شهرين اعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية، من دون تغيير كبير على النتائج الاولية التي كانت قد اعلنتها بعد اغلاق صناديق الاقتراع بوقت قصير، وبعد ذلك، صادقت الهيئة القضائية على النتائج، ولم تجد قوى الاطار بدّا من الاقرار بذلك الواقع والقبول به، على امل ان تثمر المفاوضات مع التيار الصدري صاحب العدد الاكبر من المقاعد(73 مقعدا)، بتشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر من خلال تحالف الطرفين، لضمان حق المكون الاجتماعي الاكبر (المكون الشيعي)، بالتصدي لتشكيل الحكومة، بيد انه كان لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر كلام اخر، تمثل بخيار مغادرة التوافق والاتجاه الى تشكيل حكومة اغلبية وطنية مع اطراف من المكونين الكردي والسني، وبالفعل فأنه خطى خطوات عملية في هذا السياق، عبر تشكيل تحالف ثلاثي ضم كل من التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وتحالف السيادة بزعامة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، وقد تم الاعلان عنه رسميا تحت اسم تحالف انقاذ وطن، في الثالث والعشرين من شهر اذار-مارس الماضي، اي بعد خمسة شهور ونصف على اجراء الانتخابات. ليطرح مباشرة اسمي مرشحيه لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وهما وزير الداخلية في حكومة اقليم كردستان ريبر احمد البارزاني، وسفير العراق في بريطانيا جعفر محمد باقر الصدر.

ورغم ان هذا التحالف ضم حوالي 160 نائبا، الا انه اخفق في انجاز مشروعه المتمثل بتشكيل حكومة الاغلبية الوطنية، لاسباب وظروف مختلفة، لعل ابرزها، نجاح الاطار التنسيقي في ضم وتحشيد عدد لايستهان به من الكتل والنواب المستقلين الى ساحته، ليحول دون تأمين اغلبية ثلثي اعضاء البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا ما شكل بداية النهاية للتحالف الثلاثي، الذي يمكن القول انه انتهى وطويت صفحته بقرار الصدر الانسحاب من العملية السياسية وسحب اعضاء كتلته الـ(73) من البرلمان، وذلك منتصف شهر حزيران-يونيو الماضي، مؤكدا في بيان له انه قرر الانسحاب من العملية السياسية حتى لا يشترك مع الفاسدين، بأي صورة من الصور، في اشارة الى بعض قوى الاطار التنسيقي وليس جميعها.

وكان انسحاب الصدر، تعبير واقعي عن وصوله الى طريق مسدود، مع التأكيد على حقيقة ان حلفائه الاكراد والسنة لم يكونوا مقتنعين بالقدر الكافي بخيار الاغلبية، واكثر من ذلك، كانوا يعدون انسحابه خطأ استراتيجيا، بالنسبة لكيان حصل على المركز الاول بعدد مقاعد البرلمان، وهذا ما تحدث به مؤخرا القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري. وما يثبت عدم قناعة الاكراد والسنة بذلك، هو انهم لم يتبنوا خيار الانسحاب كما فعل حليفهم الصدر، بل سارعوا الى فتح وتوسيع قنوات التواصل والاتصال مع قوى الاطار للاتفاق والتوافق معها حول الاستحقاقات السياسية المطلوبة.

بيد ان العقد الاشكالية لم تنتهي عند هذا الحد، لان انسحاب الصدر من العملية السياسية(الحكومة والبرلمان) لم يعني غيابه وانسحابه من الشارع، وهذا ما جعل الاطار معه الاطراف الاخرى يبذلون الكثير من الجهود والمساعي لاجل اعادته واشراكه بكل المفاصل والتفاصيل، الا انه اختار الطريق الاخر، بعدما اتخذت قوى الاطار خطوتها العملية والمهمة نحو تشكيل الحكومة الجديدة، بترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة المقبلة، وبأنتظار تكليفه من قبل رئيس الجمهورية الجديد بعد حسمه من قبل الفرقاء الاكراد.

طريق الصدر الاخر، تمثل بالعودة الى البرلمان، ولكن هذه المرة ليس بواسطة النواب المنتخبين من الشعب، وانما بواسطة قواعده الجماهيرية، التي وجهها اواخر شهر تموز-يوليو االماضي الى التظاهر ثم دخول المنطقة الخضراء والاعتصام داخل مبنى البرلمان، وهذا ما حصل بالفعل. حيث فهم كل ذلك بانه رد انتقامي على قوى الاطار ومنعها من تمرير مشروعها لتشكيل الحكومة كما منعته هي في السابق.

وبعد حوالي شهرين من الاعتصام داخل البرلمان، وما افرزه من اوضاع قللقة ومضطربة، وشلل شبه تام للحياة اليومية، حينما وصل الى حد الصدام المسلح، اعلن الصدر اواخر شهر اب-اغسطس الماضي، اعتزاله الحياة السياسية، ومن ثم امر اتباعه بأنهاء الاعتصام ومغادرة البرلمان بالكامل.

ومع ذلك لم تنتهي الازمة، لانه في الوقت الذي كانت قوى الاطار وشركائها السنة والاكراد يحثون الخطى نحو تشكيل الحكومة الجديدة، لم تتوقف الحملات السياسية والاعلامية والشعبية المضادة لتلك الخطوات، التي زادت ورسخت القناعات بأن اي ترتيبات سياسية يغيب عنها التيار الصدري لن يكتب لها النجاح على المدى البعيد، هذا في حال نجحت على المدى القصير.

واخيرا، وقبل ان يكتمل العام الاول من عمر الانخابات البرلمانية بأسبوعين، عاد البرلمان العراقي ليلتئم من جديد بعد حوالي اربعة شهور على توقف جلساته واعماله، وبقدر ما بدا ذلك انجازا مهما وخطوة اساسية لكسر الجمود السياسي وتحقيق الانفراج، الا ان الجلسة التي تضمنت انتخاب العضو المستقل محسن المندلاوي نائبا اولا لرئيس البرلمان خلفا للمستقيل القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، وتجديد الثقة بالحلبوسي رئيسا للبرلمان بعدما اعلن عن تقديم استقالته بصورة مفاجئة، لم تفلح تلك الجلسة في تبديد سحب التشاؤم والقلق وهواجس السيناريوهات والخيارات السلبية الخطيرة، لاسيما مع صمت الصدر، وتلميحات وزيره صالح محمد العراقي بعدم التعاطي مع ما سيحصل ويقرر لاحقا، والاستعراضات والمظاهر المسلحة لتشكيلات سرايا السلام التابعة للتيار الصدري، والتي جاءت متزامنة مع تظاهرات الحراك التشريني في بغداد وبعض المحافظات.

في الواقع، اشرت مجمل مظاهر المشهد السياسي خلال عام كامل، الى حقائق كبيرة وخطيرة، لايمكن بأي حال من الاحوال تجاهلها او القفز عليها، الا وهي، غياب الثقة بين الشركاء او الفرقاء السياسيين، حتى هؤلاء الذين شكلوا مؤخرا تحالف ادارة الدولة، وهم ذاتهم الذين اداروها-ومعهم التيار الصدري-طيلة سبعة عشر عاما. وكذلك فأن معارك كسر العظم لم تفضي الى تحقيق اي مكاسب لاي طرف من الاطراف، ناهيك عن كونها جعلت الامور تدور في حلقة مفرغة لانهاية لها. والحقيقة الاخرى، تتمثل في ان التوافقات الهشة، بل اسقاطاتها السلبية، هي الخيار الممكن والمتاح على المدى المنظور، وليس هناك افضل منها. وارتباطا بذلك، فأن تثوير وتحشيد وتعبئة الشارع، يمكن ان يربك الامور، ويقطع الطريق على الخصم ويمنعه من الوصول الى ما يريده ويخطط له، الا انه في ذات الوقت لن يتيح لمن يتبناه بلوغ مراده بعيدا عن مطالب واستحقاقات الاخرين، فضلا عن ذلك، فأن ايقاع حراك الشارع قد ينخفض ويتراجع، لانه في نهاية المطاف لاينفصل ابدا عن مجريات كواليس السياسة وحراكاتها ومخرجاتها الواقعية، ولعل معطيات التظاهرات التشرينية الاخيرة اشرت بشكل او باخر الى هذه الحقيقة.

بعد مرور عام كامل على الانتخابات العراقية، والجميع يراوح محلك سرّ، يعني ذلك بلا ادنى شك ان الاشكاليات والعقد كثيرة وكبيرة وخطيرة، ورحيل هذا الاسم ومجيء ذاك لرئاسة الحكومة او للمناصب الاخرى، ربما يبدو مخرجا او جزءا من الحل من جانب، بيد انه من جانب اخر، قد لايتعدى كونه انتقالا بالازمة من مرحلة الى مرحلة لاحقة، او استمرار الدوران في ذات الحلقة المفرغة او في حلقة مفرغة اخرى لاتختلف عنها الا قليلا، وما دامت المقدمات لم تتغير فمن الطبيعي جدا ان تكون النتائج كذلك.