عامر الكفيشي المعروف سابقا بـ(الشيخ أبو حيدر الكوفي) من خطباء المنبر الحسيني، ومن المقربين جدا من زعيمه نوري المالكي، بل من اللصيقين به، يخرج علينا بكلام، لا يمكن وصفه، إلا أنه ذروة في التخلف والتطرف والداعشية بثوب إسلاموي شيعي، وما خطابه من على فضائية (آفاق) المعبرة عن صوت المالكي وأشياعه، إلا تكرار بما طرحه أكثر من مرة زعيمه الأمين العام لحزبه أثناء تبوئه لمنصب رئاسة الوزراء وما بعد ذلك في أكثر من مناسبة، وكما قال المثل مع التحوير، إنما الصقور المتطرفة على أشكالها تقع.
فلنتناول بعض ما قاله الشيخ الدعوي المُلمِّح بما يقترب من التصريح بهدر دم العلمانيين والشيوعيين والليبراليين والمدنيين.
قال الكفيشي هذا: «إن مواجهة العراقيين داعش أسهل من مواجهتهم أولئك الذين يختفون في داخل الساحة العراقية، ويحتلون العقول والقلوب والنفوس»، انتبهوا إلى عبارة «يحتلون العقول والقلوب والنفوس».
ثم قال: «هؤلاء الذين أخذوا يفسدون عقول شبابنا وبناتنا في الجامعات والمؤسسات من أصحاب الفكر العلماني المتفسخ الذين ينشرون مبادئ الكفر والإلحاد والشيوعية الكافرة والمبادئ القومية الشريرة والمدنية التي يتحدثون بها ليل نهار». ثم انتبهوا إلى عبارة «يفسدون عقول شبابنا وبناتنا» وإلى عبارات «أصحاب الفكر العلماني المتفسخ … مبادئ الكفر والإلحاد … الشيوعية الكافرة …». وما عبارة «الشيوعية الكافرة» إلا تذكير بالفتوى سيئة الصيت لمحسن الحكيم «الشيوعية كفر وإلحاد».
فكيف يكون التخلف، وكيف يكون التطرف، وكيف يكون التحريض على القتل، وكيف يكون الخطاب الداعشي بثوب شيعي دعوي، وكيف يكون الإفلاس، إذا لم يكن خطاب الكفيشي يعبر عن كل ذلك؟
ثم إن كلام الكفيشي وبث فضائية (آفاق) له، هو مخالفة صارخة تستوجب المقاضاة للمادة السابعة – أولا من دستور العراق، والتي نصها:
«يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.»
فالكفيشي إنما مارس بكلامه هذا التكفير والتطهير الفكري والسياسي، ومجّد هذه الثقافة التكفيرية، ومهّد للعنف والتصفية بالنسبة لمن يؤمن بوجوب تصفية الملحد والكافر، بعدما عمّم تهمة الكفر والإلحاد على من ذكرهم.
كما إن كلامه مخالفة صارخة للمادة (37) – ثانيا، والتي نصها:
«تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني.»
وليس الكفيشي وحده الذي يجب أن يقاضى، بل فضائية (آفاق)، ما لم تعتذر وتعلن براءتها من كلامه.
إن فزع المالكي والكفيشي وآفاق وبقية الإسلاميين المتطرفين، ونستثني المعتدلين، إن وجدوا، من تأثير التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية الديمقراطية والمدنية والعلمانية والليبرالية وفزعهم من تأثير ثقافة الحداثة، المتسمة بالعقلانية والنزعة الإنسانية، يدل على إفلاسهم فكريا وسياسيا، وهم لا يعلمون إن حتمية التاريخ تنبئنا مبشرة إيانا بأن المستقبل، قرب أو بعد، إنما لهذه التيارات الفكرية والثقافية والسياسية، التي تؤمن بالإنسان وحقوقه، وبالمواطنة والمساواة، وبالحريات المسؤولة، كما هو أي المستقبل للحداثة والمدنية والعلمانية والليبرالية.
فشكرا للكفيشي، وشكرا لزعيمه، ولمريديهما على الكشف عن الوجه الحقيقي المتطرف لقوى التطرف واللاعقلانية، وشكرا لهم على اعترافهم بإفلاسهم الفكري والثقافي، فهذا يبشرنا بمستقبل سيكنس التطرف والتخلف والداعشية بكل ألوانها ودرجاتها ومذاهبها ومدارسها، طال أو قصر تحقق هذه الحتمية.