23 ديسمبر، 2024 2:35 م

منذ فترة طويلة لم يلج الى حديقة نادي اتحاد الادباء في بغداد، وبعد معاناة طويلة مع الذات وجلدها وتأنيبها والغوص في ادق تفاصيل عذاباتها غير المنتهية، قرر وكعادته بين فترة واخرى، ان يعلن انتفاضته على القيود الاسرية والمجتمعية، وتديّن زوجته غير المجدي، ويحمل خطاه المتهالكة مع خمسين الف دينار يضعها في جيب قميصه، وهوية الانتماء الى الاتحاد، وابنه الذي اصر ان يأخذه الى الطبيب ، بعد ان رآه يتهالك ويشعر بالحزن الشديد، فكان ان خيّره بين الطبيب وساحة الاندلس، فاختار ساحة الاندلس، حيث يرقد اتحاد الادباء، بصورة الجواهري الكبيرة، والنخلة الفارعة المحترقة.

كان يحاول فك اشتباك الاحداث الذي يدور في رأسه، وهبط في ساحة الاندلس ، وكله امل ان يغسل بعض ماعلق به من ادران الصحو خلال هذه الفترة الطويلة من الزمن، تفاجأ ان النادي مقفل، خف الى الحارس يسأله: ما الامر؟ لماذا النادي مقفل؟، هو فسحتي الوحيدة في بغداد، تعجب الحارس، انه مقفل منذ زمان، الم تسمع الاخبار؟.

كأنه خجل وهو الذي يدعي الثقافة من متابعة امر مهم كهذا، فراح يصلح خطأه وهو يردد: (لا سمعت، لكن قلت احتمال اعادوا تصليح الاضرار، وفتحوه ثانية)، اراد الهروب سريعا من عيون الحارس التي قرأت الكثير عنه، كيف كان وقع مقالتي في تلك الصحيفة في 2010 عندما كتبت عن نوري السعيد وهو يرفض اغلاق النوادي الليلية والبارات، وكانت المناسبة الهجوم على نادي اتحاد الادباء وغلقه، كنت حينها مواكبا للاحداث واستحضرت حكاية طريفة، حين اصر النواب في العهد الملكي على اغلاق النوادي، فتصدى لهم نوري السعيد، وقام بدعوتهم الى داره وهيأ الشراب والطعام وقام بصرف الخدم واقفل الحمامات.

لم تمر الا ساعة، حتى هرع النواب يبحثون عما يفك ضيقهم ، فوجدوا الحمامات مقفلة واستنكروا الفعل، وراحوا يعيثون فسادا وفوضى في حديقة المنزل الكبيرة، ورئيس الوزراء يضحك وهو يهيىء المفاجأة، هذا ماتريدونه، تريدون اغلاق البارات والنوادي لتتحول بغداد الى بار كبير، وتنتشر القناني الفارغة وتصبح الساحات والحدائق خرابا كبيرا، ولا تسلم حتى الازقة الضيقة، عندها فقط تنازل البرلمان عن قراره وتراجع عنه، لم يمض الا القليل، حتى اتصل بصديقه الكاتب،

وشرح له انه في باب الاتحاد يرجو النجدة ويستغيث، اصطحبه صديقه الى مكتب في الطابق الرابع في احدى العمارات.

انهكه السلم الكبير والمتشعب، وازعجه انطفاء الكهرباء في كل حين، هذا المكتب اردت ان اعمل منه وكالة انباء، ولكنني لم استحصل الموافقات بعد، اتصل بصديقه صديق آخر يريد الحضور، فاستفهم من عندك في المكتب؟ فقال: فلان، فرد الصديق عبر الهاتف : لا اعرفه، لم يجد ان الامر يستحق العناء، تناول كأساً واحدة من العرق ، وغادر مسرعاً، مع ابنه الذي الح على التسكع في شوارع الكرادة، وهو يعلم عن اي شيءٍ يبحث ابوه وهو يفتش في الوجوه، فاصطحبه الى مقهى البغدادي، وجد صديقا غير حميم، استغرب من طريقة استقباله الباردة، فاقترح على ابنه الذي نصحه ببناء عالمه الخاص، العودة، عليّ فعلاً ان ابني عالمي الخاص، ساصنعه بنفسي.

هذا العالم الحالي لم يعد صالحاً للعيش، ولا حتى استذكار الماضي، وكما يقول الشاعر سعدي يوسف في احد اللقاءات: لم ارتح من حنيني الا بعدما قتلته، وانسجمت مع غربتي، فكان الابداع والحرية، لم اقل اني ساغادر العراق، فلم يعد هناك متسع للوجد ولا متسع من العمر، لكني ساجعل البيت النادي الذي افكر فيه، واجعل من كتبي اصدقاء لي وندامى، عليّ ان ابني عالما بخرائط، لا كما يريد عبد الرحمن منيف، عالما بلا خرائط، وعندها من الممكن ان اقتل حنيني وانشغل بعالمي الجديد، نعم هذا هو الحل الوحيد الذي يناسبني قبل توديع هذه الحياة، لم يستسلم للصحو على كل حال، ولجأ الى كبسولة وضعها للطوارىء وخلد في نوم عميق.