23 ديسمبر، 2024 8:04 ص

عالم السجون المُرْعبة في العراق!

عالم السجون المُرْعبة في العراق!

تختلف أسباب الحبس، أو الاحتجاز، أو التوقيف في عموم دول العالم ما بين إقامة العدل، وتطبيق القانون، وإدانة لنظام سياسيّ سابق، وتصفية بعض الحسابات الشخصيّة والانتقام، وربّما، لاقتلاع فكرة، أو تيّار سياسيّ، أو ثقافيّ!
والسجون اقترحها الحُكماء لتقويم وتعديل السلوك البشريّ غير السويّ، ولتكون مكاناً مناسباً للإصلاح وإعادة التأهيل النفسيّ والفكريّ للمجرمين، أو لأصحاب السلوكيات غير السليمة، ولم يفكّروا بجعلها أماكن للانتقام وزرع الكراهية، ولتنشئة المجرمين والسفّاحين، وحتّى الشاذّين فكرياً!
وفي العراق بعد العام 2003، صارت مسألة البقاء على قيد الحياة من أقسى التحديات، وقد وصلت مراحل الصراع، أحياناً، إلى نهايات مأساويّة خُتمت بالقتل، أو التهجير، أو المطاردة، أو الاعتقال أو غيرها من الأساليب والنهايات المليئة بالآهات والدم والألم!
ويصارع العراقيّون منذ أكثر من عقد ونصف، وهم أحرار في أحيائهم السكنيّة، العديد من التحدّيات القاتلة والمرهقة، ومن بينها فقدان الأمن، والمليشيات الحاقدة، وضياع القانون، وانعدام الكهرباء، والمشاكل الاقتصاديّة، وفقدان موارد الحياة الحرّة الكريمة، والآن دخلت عليهم جائحة كورونا لتكون ضمن التحدّيات المهلكة!
ومقابل هذه الملايين الطليقة المُتعبة هنالك عشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين الذين يعانون من حرقة التهم الكيديّة، وآهات التعذيب المستمرّ حتّى بعد صدور الأحكام النهائيّة بحقّهم، وكذلك المتاجرة بقوتهم داخل السجون عبر وسطاء تابعون لأحزاب حاكمة، والأدهى من كلّ ذلك هو الإهمال الصحّيّ، وبالذات مع تفشّي فيروس كورونا في العديد من السجون والمعتقلات!
وعالم السجون العراقيّة الغامض والشائك يبدأ من لحظة الاعتقال مروراً بمراحل التحقيقات الكيديّة، وصولاً للحُكم النهائيّ، ثمّ مراحل ما بعد الحُكم، والمتمثّلة، بالأوضاع المأساويّة للسجناء، وبمواعيد الزيارات غير الثابتة وفي سجون بعيدة جداً عن سكن عوائل السجناء!
وفي هذا الملفّ الخطير، ذكر المرصد الدوليّ الحقوقيّ يوم الاثنين الماضي أنّ” آلاف السجناء يعيشون في أوضاع مزريّة في ظل تأخّر حسم قضاياهم، وأنّ تفشّي فيروس كورونا في العراق، يشكّل خطراً إضافياً على حياة المعتقلين، خاصّة وأنّ السجون تفتقر لأدنى مقوّمات ومتطّلبات الرعاية الصحّيّة اللازمة، وأنّ السلطات تعتقل أكثر من 60 ألف شخص، بينهم نحو 1000 امرأة، يتوزّعون على 13 سجناً، فضلاً عن عشرات السجون السرّيّة التابعة للمليشيات والأحزاب وفصائل الحشد الشعبيّ”!
وفي مشهد مؤلم بعيد كلّ البعد عن القيم الإنسانيّة، نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعيّ، يوم الخميس الماضي، شريطاً مصوراً يُظهر مجموعة نساء من ذوي المعتقلين بتهمة (٤) إرهاب في سجن التاجي شمالي بغداد وهن يقفنّ تحت أشعّة الشمس الحارقة ويطالبنّ رئيس الحكومة والبرلمان بتفعيل قانون العفو العامّ!
وبعيداً عن الإحصائيات غير الدقيقة فيمكن لحكومة مصطفى الكاظمي أن تخرج من جدليّة أوضاع السجون المثيرة للجدل والشكّ عبر آليّة بسيطة تتمثّل في:
– تشكيل لجان رسميّة، لمعرفة واقع السجون والمعتقلات في الجوانب القانونيّة والإنسانيّة والصحّيّة، وتضمّ كلّ لجنة ممثّلين من مكتب رئيس الحكومة ووزارات الداخليّة والعدل والصحّة، والبرلمان والوقفين السنّيّ والشيعيّ، والأمم المتّحدة ومنظّمات المجتمع المدنيّ ونقابتي المحامين والصحفيّين.
– تقدم اللجان تقاريرها كاملة لرئيس الحكومة والأمم المتّحدة بحياديّة ونزاهة وموضوعيّة!
– العمل على تفعيل قانون العفو العامّ، والعفو المشروط خلال مدّة أقصاها ثلاثة أشهر!
– فتح باب الاعتراض على الأحكام القضائيّة عبر لجان مختصّة ونزيهة!
– سعي الحكومة لمعالجة واقع السجون، وإنهاء حالة الاكتظاظ التي تعاني منها كافّة السجون.
– العناية بالجانب الصحّيّ للسجناء والمعتقلين ذلك لأنّ إهمالهم صحّيّاً يعني الحكم عليهم جميعاً بالإعدام، ولهذا يجب أن تبقى قضيّة الحفاظ على أرواح السجناء وصحّتهم من أولويّات إدارات السجون!
– إدخال الموظّفين المدنيّين والعسكريّين العاملين في الدوائر الإصلاحيّة في دورات تثقيفيّة وقانونيّة لتعريفهم بحقوق السجناء، والعقوبات المتوقّعة في حال انتهاكها!
هذه الخطوات وغيرها تهدف لزرع الأمل لدى المعتقلين والسجناء وعوائلهم الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مليشيات إداريّة رسميّة تبتزّهم حتّى في ساعات الزيارة المليئة بالرشاوى والابتزاز والإذلال!
منْ يُريد الإصلاح عليه أن يركّز على العدالة في العقاب، ولهذا فإنّ هذه الخطوات المقترحة ليست لترفيه السجناء، بل للحفاظ على كرامتهم وحياتهم، ولتقود في النهاية إلى نتائج ايجابيّة وفي مقدّمتها تراجع معدّلات الجريمة، وتجفيف منابع العنف، والتمهيد لإعادة الانخراط الآمن للسجناء في المجتمع!
السجناء والمعتقلون المظلومون ينتظرون بريق الأمل، ولحظة بعث الحياة ثانية بخروجهم من المقابر التي تسمّى زوراً وبهتاناً بالدوائر الإصلاحيّة!
فمنْ يمكنه حسم ضياع هؤلاء المواطنين ما بين الحياة والممات؟

Dr_jasemj67@