الله سبحانه أخذ العهد على ذريته أن يعبدوه وهم لا زالوا في عالم الذر يوم مسح على ظهر آدم مسحتين، مسحة وضعه عن يمين آدم فقال هؤلاء من أهل الجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون ، ومسحة وضعه عن شمال آدم فقال هؤلاء من أهل النار وبعمل أهل النار يعملون ..!
منذ ذلك الحين ظل روح ابن آدم تحنو إلى ربها ، وصوت العقل ينادي بالإنحياز للحق والتعرف إلى ربها ، ولذا تجد كلما ابتعد الإنسان عن سنن الفطرة يؤنبه ضميره ، لأن هذا المخلوق لا يصلح إلا للعبادة ، وعلى مدار تاريخ الانبياء كلما ابتعد الناس عن عبادة ربها وخبت فيهم جذوة النبوة ، تجد العقل يتمارى في الحقيقة، لأن العقل وحده لا يمكن إدراك التفاصيل بل لابد الرجوع إلى المشرب الأول ، والتحرر من قيود النفس والهوى والشهوات المستحكمة والشبه العارضة الصارفة عن الحق ، ولما استحكمت الشهوات والشبهات على العقل والفطرة اتخذ الناس سُبُلاً شتّى ، كي تصل إلى اليقين ولم تجد مرادها .
العقل بطبيعته يحب الجدل والمراء ، والنفس مطواعة له لكن يشق عليها مجاراة العقل في أسئلته المرهقة .
إذا نظرنا في واقعنا الآن ، كيف للعقل أن ينسجم مع كل هذه التراكمات ، المنتشرة في هذه الحياة ، ففيهم الوثنيون الجهال ، وفيهم الأميون ، وفيهم ملاحدة ، والحداثيون ومن يسمون بالعصرانيين ، ومن على شاكلة هؤلاء ، وأحسنهم حالاً بقايا من أصحاب الديانات المحرفة ؟
كيف للعقل أن يصل إلى كل هذه النتائج لأجل أن يبلغ بهؤلاء إلى بر الأمان ؟ العقل وحده غير قادر على أن يبلغ إلى حلول يقينية ما لم يدعمه الوحي .
لأن الانبياء هم رسل الله إلى البشرية ، ومهمتهم إيقاظ العهد الذي اندرس في النفوس ومخاطبة الإنسان بما يصلح نفسه وجسده ومعاشه، لأن علوم الانبياء تتصف باليقينية ، وأخبارهم تتصف بالصدق ، ومن ثم أي تجربة تدّعي إصلاح الإنسان وكماله لابد أن تحاكم إلى الصورة الآدمية الأكمل على وجه الأرض، وهم الانبياء عليهم السلام وهم المذكّرون بالفطرة التي خلق الإنسان عليها ، وبالعهد الذي أُخذ على بني آدم ، وهم في عالم الذر المذكور في قوله سبحانه :
” وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ، ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ”
ومن فضل الله لهذه البشرية فإن الشريعة كاملة ، ورسالة النبي الخاتم لا تزال محفوظة يحاكم إليها كل تجربة تدعي الوصول إلى معرفة الخالق ، أو إلى عبادته على أكمل وجه .
ونختم بقوله تعالى ” لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “