ترجمـة / وليد خالد أحمد
نـص / رفائيل باتاي
تذكرني قصة الجنس في العالم العربي، بالقصة القديمة عن التلميذ الذي يتدرب عند الساحر والفيل الوردي Pink Elephant فبعد أن يشرح معلم الكيمياء الى تلميذه ، الخطوات المعقدة التي يجب اتباعها في صنع الذهب ، يضيف قائلاً : (ان الأمر المهم جداً ، خلال العملية كلها ، هو أن لا تفكر بالفيل الوردي أبداً) وبعد أن اصبح التلميذ متأثراً بهذا التحذير بشكل تام ، حاول يائساً أن يراعيه بالاحتراس من التفكير فيه ، ولكن بالطبع ، لم يكن قادراً على إبقاء هذا الموضوع الممنوع بعيداً عن تفكيره . وأخيراً ، كان عليه أن يوقف محاولاته لصنع الذهب ، وبألم عاتب سيده قائلاً : (لماذا يا سيدي ؟ لماذا طلبت مني أن لا افكر بالفيل الوردي ؟ فلو انك لم تطلب ذلك مني ، لما فكرت فيه أبداً).
ان (الفيل الوردي) في كيمياء الحياة العربية ، يعني تحريم التفكير بالجنس ويقوم الآباء وذوي السلطة والآخرين بترسيخ فكرة خطيئة الجنس لدى الطفل العربي وفي الثقافة ككل والتي تحيط الفرد بجو يذكره باستمرار بنفس الموضوع. ان انفصال الجنسين واستخدام الحجاب من قبل النساء ، والقواعد الدقيقة الأخرى كافة التي تحكم وتحدد الاتصال بين الرجال والنساء ، لها التأثير القوي على جعل الجنس الامر الرئيسي الذي يشغل البال ويمنع الذهن من التركيز في موضوع آخر في العالم العربي . ان تحريم الجنس ، ينشئ حالة من التعلق الشاذ حول الموضوع نفسه .
الشرف الجنسي
ان المفهوم الغربي العام للشرف ، هو ذلك المفهوم الذي لا يجد فيه الشخص الغربي الاعتيادي صعوبة في فهمه. ومع ذلك ، حتى في تعريفه الأكثر واقعية مثل (الوجه) فانه بالغ التأثير في المجتمع الغربي أيضاً .
ان ما يجعل الغربي مرتبكاً بصدق ، هو محاولته معرفة المفهوم العربي الخاص لـ(شرف) المرء الذي يعتمد على السلوك الجنسي للنساء اللواتي لهن علاقة بذلك المرء . وكذلك فان الغربي يعاني خسارة معينة لـ(الوجه) عندما ترتكب زوجته ـ الى مدى أقل ابنته ـ الزنا ، والذي يصبح معروفاً لدى الآخرين .
ولكن الطلاق ، كقاعدة هو كل ما يتطلب من الزوج الغربي أن يقوم به لاستعادة (وجهه) فضلاً عن استعادة ثقته بنفسه أو توازنه ، وبقدر تعلق الأمر بالأب فانه في معظم الحالات، سوف يظهر فهماً مليئاً بالعطف تجاه ابنته التي تمر بأزمة في حياتها . ومن وجهة النظر الغربية لا يعتبر الشخص مسؤولاً لا قانونياً ولا أخلاقياً ، وعن افعال الآخرين ، وبالتالي فان الاعمال المشينة ، حتى من أقرب الناس اليه ، تلقي ظلاً شاحباً ، عند حصولها ، على شرف الفرد القائم بالعمل المشين .
وفي الثقافة السائدة في العالم العربي يكون الموقف مختلفاً جداً فالروابط العائلية قوية الى درجة ان كل أفرادها ، يعانون من (اسوداد الوجه) بسبب الفعل المشين وغير المشرف الذي يقوم به أي فرد منهم . وعلى أية حال ، ضمن المحتوى العام، يميز العقل العربي بشكل حاد بين تلك الاحداث المخزية والتي لها علاقة بالنساء ، وتلك الأحداث التي لا تشتمل على النساء . وفي العالم العربي ، ينتج العمل المشين المضر بشرف الرجل ، من سوء السلوك الجنسي لابنته أو أخته أو ابنة عمه . ومن الناحية الأخرى ، فان الخيانة الزوجية من جانب الزوجة ، تجلب للزوج العربي تأثيرات انفعالية فقط وليس تأثيرات ضارة بشرفه .
ان جذور هذا الرأي الخاص بـ(شرف) الرجل ، تمتد عميقاً في تركيب وحركية جماعة القرابة العربية . وان روابط الدم من خط سلالة الأب ، لا يمكن أبداً تعريضها لأضرار بالغة ، وينبغي عدم اضعافها طوال حياة الشخص . وهذا يعني أن المرأة حتى عندما تتزوج من جماعة نسب مختلفة فانها لا تتوقف أبداً عن كونها عضواً في عائلتها الأبوية الأصلية . وبالمقابل ، فان عائلتها الأبوية تستمر في كونها مسؤولة عنها . وهذا له تأثيرات مفيدة بالنسبة للمرأة المتزوجة ، وخاصة خلال الفترة الصعبة من حياتها ، والتي تسبق الوقت الذي يصل فيه أولادها الى مرحلة البلوغ ويصبحوا المساندين لها والمدافعين عنها .
وقبل ذلك الوقت ، حيث تعتبر الزوجة الشابة شيئاً طارئاً على عائلة زوجها ، يمكنها أن تعتمد على مساعدة وتعاطف والدها واخوتها . وان معرفة هؤلاء الرجال الذين يقفون صفاً واحداً وبصلابة خلفها ، وانهم متهيئون عند الحاجة للقتال من أجلها ، يضع قيداً على عائلة زوجها في تعاملهم مع (الكنة) الشابة .
ومهما كانت درجة الثقة أو عدم الثقة التي تحصل عليها المرأة ، فانها تنعكس على عائلتها الأبوية . وهذه المسؤولية المستمرة ، تكون مؤثرة اذا أصبحت المرأة مذنبة بأرتكابها حماقة جنسية ، أو عندما يثير سلوكها الشك الكافي بأنها تتعرض للإغواء من قبل الآخرين للقيام بعمل ممنوع وفقاً للعرف والتقاليد . وان الرادع القوي المبتكر وفقاً للأخلاق والثقافة العربية تجاه الجنس المحظور (والذي يعني ممارسة العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة غير المتزوجين) ، يتمثل في شرف العائلة المتعلق بالسلوك الجنسي لبناتها المتزوجات وغير المتزوجات . وعندما تصبح البنت مذنبة بارتكابها أقل نوع من الطيش الجنسي (والذي يعرف بتعابير مختلفة في أماكن مختلفة) ، يتعرض شرف والدها وأخواتها الى الانتقاص والإهانة أيضاً . ولا يمكن استعادة شرف العائلة بمعاقبة المرأة المذنبة ، وفي الدوائر المحافظة ، فأن هذا العقاب يعني قتلها .
وكون السلوك الجنسي للمرأة ، وهو مجال يختلف بشكل حاد عن المجالات الأخرى المتعلقة بالصفات المتزامنة لـ(الشرف ـ العار) ، فانه ينعكس في اللغة أيضاً . وعندما يكون الشرف في حالته غير الجنسية فان المعنى الضمني يعبر عنه بـ(الشرف) ، وأن النوع المميز من الشرف المرتبط بالنساء والذي يعتمد على سلوكهن الصحيح ، يدعى (العرض) .
ويعتبر الشرف مرناً اعتماداً على سلوك الرجل ، واسلوب الكلام والفعل فان (شرفه) يمكن ان يحصل عليه أو يقويه أو يجعله يتلاشى أو يخسره أو يستعيده وما شابه ذلك . وبالمقابل فان (العرض) مفهوم صلب لكل امرأة (عرض) خاص بها ، وهي مولودة به وتنشأ وتترعرع به وهي لا تستطيع تقويته لأنه شيء مطلق ولكن من واجبها المحافظة عليه . ان الجريمة الجنسية التي ترتكبها المرأة مهما كانت خفيفة تسبب لها فقدان عرضها ومتى ما تم فقده فلا يمكنها استرداده .
وبمستوى المفهوم الانفعالي تفسر الصفة الطبيعية لوجود البكارة لدى البنت بـ(العرض) وان كلاً من (البكارة) و(العرض) مسميان لشيء واحد يخص الانثى ولا يمكن تقويتهما بل يمكن خسرانهما وان خسارتهما جسيمة ولا تعوض وان الاثنين (أي البكارة والعرض)متشابهان في اعتبار آخر ، حتى اذا هوجمت المرأة واغتصبت فانها تفقد (عرضها) تماماً مثلما تفقد بكارتها .
وان الامر الذي يختلفان فيه بالطبع هو الظرف الذي يتوقع فيه ان تفقد المرأة بكارتها بشكل قانوني ومؤيد خلال ليلة الزفاف حيث ان ذلك لا يصاحبه فقدان (العرض) . المرأة الصالحة تحتفظ بعرضها وتحرسه الى يوم وفاتها .
ان ما هو أكثر اثارة للإعجاب ان (شرف) الرجال يعتمد كلياً تقريباً على (عرض) نساء عوائلهم، صحيح ان الرجل يتمكن من اضعاف أو فقدان (شرفه) وذلك بعدم اظهار القدرة على البسالة أو الشجاعة أو الضيافة والكرم .
وعلى أية حال فان عدم التحلي بمثل هذه السمات نادرة لان الرجال يتعلمون في مجرى حياتهم المبكرة إدامة جميع مظاهر البسالة والضيافة والكرم ومع ذلك اذا ما اصبح الرجل مذنباً في تجاوز مكشوف لأي من هذه السمات فانه بالطبع سوف يفقد (شرفه) ولكن ذلك لن يكون مصحوباً بأي عقاب يقرر ويفرض تقليدياً . وبالنسبة للجرائم التي هي خارج تركيز النظام الأخلاقي كالقتل والسرقة وعدم الوفاء بالوعود وقبول الرشاوى وما شابه ذلك من الاعمال المشينة فان الرأي العربي ليس موحداً حيالها : يقول البعض بأن مثل هذه الأعمال قد تؤثر على شرف الرجل ويرى آخرون أنها لا تؤثر ولكن بالنسبة لنتائج التعدي على (عرض) المرأة فهناك اجماع كامل ومؤكد أنها تدمر (شرف) أقربائها من الرجال .
وقد أدى ذلك بأحد الطلبة الدارسين للأخلاق العربية الى الاستنتاج بأن جوهر الشرف بوضوح هو((حماية (عرض) الانثى القريبة للمرء)) .
ويمكننا أن نضيف الى ذلك أن التعدي على عرض المرأة بواسطة عشيقها هو الجريمة الوحيدة (عدا الانتحار) التي تتطلب تنفيذ عقوبة الاعدام وفقاً للنظام الاخلاقي العربي . ولكون أن عدم تبصر المرأة يؤذي عائلتها الابوية وليس عائلة زوجها فان عائلتها الابوية ـ والدها نفسه او أخوتها أو أولاد أخوة أبيها ـ هم الذين يعاقبونها ، وذلك بقتلها الذي يعتبر الطريقة الوحيدة لإصلاح الضرر الذي اصاب شرف العائلة .
وليس من الصعب ادراك القاعدة في إيقاع العقاب على المرأة الزانية من قبل عائلتها الأبوية وبدلاً من زوجها والذي يؤدي في النهاية الى إدامة تماسك الجماعة . وتتمثل هذه القاعدة في الميل للحفاظ على الادعاء الغيور للعائلة الأبوية في السيطرة على حياة أعضائها والذي تمارسه العائلة باعتباره حقاً من حقوقها وانها لن تتنازل عنه حتى في حالة البنت المتزوجة وان السماح لزوجها بمعاقبتها والذي هو ليس عضواً في عائلتها الأبوية سوف يعطي السيطرة الى شخص خارجي وان ذلك سوف يؤدي الى اضعاف سيطرة العائلة على أعضائها .
وعلى أية حال ، لوجوب معاقبة المرأة الزانية فان عائلتها الأبوية سوف تتعهد بهذا الواجب المرير المتمثل بقتلها ولا تحاسب على تنفيذه وفقاً للمبدأ القائل بان شرف العائلة يجب أن يصان حتى اذا كلف ذلك حياة أحد أفرادها ، ومن الناحية الأخرى يعتبر من الأمور الأساسية أن يترك الى الزوج المفجوع حرية البحث عن الشخص الذي غرر بزوجته، وقتله . وتحكم العلاقة بين الزوج وعشيق زوجته ، اجراءات مؤثرة من نوع آخر ففي الوقت الذي لا يكون فيه شرف الزوج قد اصابه ضرر مادي بسبب عدم تبصر زوجته ونزوتها فان حقوقه في الممارسات الجنسية التامة المشروعة مع زوجته تتعرض الى ضرر جسيم لا يعوض ويتطلب القيام بالانتقام الدموي من الشخص الذي غرر بزوجته .
وفي هذا المجال تختلف الأعراف العربية بشكل متميز عن الأعراف الايطالية الجنوبية حيث ان الزوج الايطالي الذي يدنس عرضه بالزنا يعاني من ازدراء وسخرية الآخرين باعتباره (Cornuto) ويعاني من خسارة كبيرة للوجه ، وتميل الأفكار القانونية الفرنسية الى جانب الزوج الذي يجد زوجته مرتكبة العمل الفاحش (متلبسة بالجريمة
Flagrant Delicto ) ، وخلال انتهاك حرمته الاخلاقية قد يقوم الزوج بقتل زوجته أو بقتل حبيبها . وتذهب العاطفة العربية الى أبعد من ذلك :انها تبرئ الزوج الذي يقتل عشيق زوجته حتى بعد حدوث القتل بسنين على ارتكاب الفعل المشين مع زوجته فضلاً عن مطالبتها الزوج لأن يقوم بذلك .
وكل هذا يشير الى أن الرجل العربي الذي يتورط في امور جنسية يتجاوز فيها العلاقة الزوجية والحقوق الزوجية للآخرين فأنه في الحقيقة يمارس مخاطر كبيرة تكفي لأن تمنع أي شخص أن يمارسها ان كان قادراً على وزن النتائج الممكنة لعمله بشكل منطقي . حتى عندما يتمكن من التخلص من حمق الزوج الذي أصابه الأذى، فهناك مخاطر أخرى في بعض الأقطار العربية المحافظة والتي تعاقب السارق بقطع يده اليمنى ، فان التجاوز الجنسي يعاقب عليه بقطع رأس الشخص المعتدي .
وكل هذا يعني أن الشخص العربي الاعتيادي ما لم يحدث أنه يعيش في مدينة كبيرة حيث تكون المومسات متيسرة أو كما في بيروت حيث بدأت الأعراف الجنسية الغربية بالانتشار لن تكون لديه تجربة جنسية مع النساء ال أن يتزوج . وعندما نظيف الحقيقة التي مفادها أن العربي الاعتيادي لا يتزوج الا بعد أن يبلغ منتصف العمر أو في أواخر العشرين من عمره مع ضرورة إعطاء العروس مبلغاً من المال يسلم الى أبيها نجد أنه عادة تمر سنين بين النضوج الجنسي وبداية الفعالية للعلاقة الجنسية الطبيعية المشروعة .
ان الحساسية العربية تجاه (العرض) كبيرة الى درجة ان الطريقة الكلية للحياة قد بنيت عليها ، مستهدفة منع حدوث أي موقف قد يؤدي الى ان تفقد المرأة فضيلتها (عفتها) الجنسية او قد يؤدي الى تمكين الرجل من أن يسبب مثل هذه الخسارة .
وحتى قبل أن تبدأ المرأة بمرحلة البلوغ الجنسي ومنذ ذلك الوقت فصاعداً والى آخر أيام عمرها يجب حمايتها باتخاذ الترتيبات الاجتماعية والتي يقررها الرجال وتأخذ هذه الاجراءات المصممة لحماية (عفة) المرأة عدة أشكال ، بعضها مجرد اجراءات تقييدية أو احترازية والبعض الآخر مؤلم جداً وضار بالصحة . ومن الاجراءات الاولى (التقييدية) ارتداء الحجاب وعزل النساء وابعاد البنات منذ الصغر عن الدخول الى المدارس . ومن الاجراءات الأخرى الضارة بالصحة أجراءات عمليات الختان القاسية بالنسبة للاناث وأحياناً يتولد الشعور بالخوف من ان الزوجة أو البنت قد تفقد (عرضها) سواء برغبتها أو عن طريق الاكراه وان ذلك الخوف يصل الى درجة قوية قد يؤدي الى قتلها .
ولقد اعتبر قتلها مفضلاً على فقدان (الشرف) المتمثل بفقدان (عرضها) بالنسبة لأقربائها من الرجال ضمن عائلتها . ويحكي أحد الفلاحين قصة شيخ من قبيلة عريقة كان يعيش في منطقة الأهوار في جنوب العراق حيث يسود المنطقة وضع اجتماعي واطئ ولقد وقع أحد الشباب من عرب الأهوار في حب ابنة الشيخ وأراد الزواج منها الا ان الشيخ رفض ذلك بسبب النسب المتدني لذلك الشاب . وعلى اية حال في أحد الأيام لاحظ الشيخ أن ابنته يبدو عليها الاهتمام بذلك الشاب عندما مر الأخير في المنطقة وهو يدفع بقاربه المصنوع من القصب وذلك بضغط عصاه في قاع الهور وبناء على ذلك أخذ الشيخ الكبير ابنته الى مكان مهجور وقتلها وذلك لمنع (عرضها) وبالتالي (شرفه) من ان يدمر وذلك بسبب رغبتها في الزواج من ذلك الشاب ، ومن النهاية الجنوبية للعالم العربي أفادت التقارير بانه خلال الحركة المهدية قام بعض العرب السودانيين بقتل زوجاتهم وبناتهم خوفاً من أنهن سيهاجمن من قبل الجنود العائدين الى جيش الخليفة والذين كانوا يعتبرون عبيداً .
وقد أصبحت مثل هذه الأعمال المتطرفة ، بالطبع ، أكثر ندرة ، وفي الوقت الحاضر وحتى بين العرب السودانيين ، قد (لا تقتل) البنت التي تكتشف بأنها قد فقدت بكارتها قبل الزواج . ومن الناحية الأخرى فان الزانية قد تتعرض الى التعذيب كامتحان لها وعند عدم اجتياز ذلك التعذيب تقتل وكذلك فأن الشخص الذي أغوى أو غرر بالمرأة تقليدياً يقتل من قبل أقرباء المرأة .
وبقدر تعلق الأمر بختان الأنثى فان المبرر المنطقي له هو أما لمنع البنت من ممارسة الجنس المحظور قبل الزواج وذلك بإزالة البظر أو جعل العمل الجنسي غير ممكن بالنسبة لها وذلك بسد الفرج ، الى أن يفتح مرة أخرى بالقوة ,هذه العادة هي من العادات التي كانت منتشرة بين العرب قبل الاسلام وفي الحقيقة جرت ممارستها أيضاً في مصر الهيلينية وفي شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام جرت العادة على تنفيذ عملية الختان من قبل امرأة اختصاصية تدعى (المبزرة Mubazzira ) وحتى في العصور الاسلامية المبكرة اعتبرت عمليات ختان الانثى بين بعض القبائل العربية شرطاً اساسياً لابد من القيام به قبل الزواج . ولا يزال الختان بالنسبة للأناث يجري بشكل اعتيادي الى وقت قريب في الأقطار العربية ،بين بعض سكان المدن والبدو في الأردن ، في مكة وفي جنوب الجزيرة العربية (منطقة ظفار وعمان … الخ) ، في قبائل العراق الجنوبية أضافة الى مدينة البصرة في مصر ( بين كل من المسلمين والأقباط) في السودان حيث تمارس عملية سد الفرج بالرغم من اعتراض رجال الدين أو الاجماع الخاص للمتعلمين الدينيين ، في بعض أجزاء الصحارى وغيرها من المناطق . وهذه القائمة ليست بالتأكيد هي القائمة الشاملة لكافة المناطق في الاقطار العربية التي تجري فيها عملية ختان الانثى ، حيث ان الانتشار الواسع لهذه العادة يجعل من المحتمل ممارستها في الاقطار العربية الأخرى التي لم تصل التقارير عنها الينا .
وفي الوقت الذي علّق فيه الكثير من المراقبين على انتشار ختان الذكور باعتباره فحصاً للرجولة والبسالة والشجاعة التي يتمتع بها الولد الذي ينجح بعملية الختان وهو يشعر بالزهو في نفسه وبأنه قادر على تحقيق عمل جريء، الا ان قليلاً جداً منهم اثار السؤال الخاص بماهية التأثير النفسي لعملية ختان الانثى بالنسبة للبنات اللواتي أجرين هذه العملية . وغني عن القول بأنه لا تعتبر عملية الختان بالنسبة للانثى في أي مكان فحصاً للشجاعة وذلك لان الشجاعة ليست صفة مصاحبة للنساء أو متوقعة منهن ، وفضلاً عن ذلك لكون عملية الختان للانثى ، وبالمقابل لعملية ختان الذكر تنجز بشكل نموذجي سراً وخلسة فان العملية تحسب على انها تؤثر في البنت وتطبع في نفسها شعوراً بالنقص بالنسبة الى الأولاد .
وفي الوقت الذي يمكن ان يؤدي فيه ختان الذكور الهدف المتوقع منه زيادة رجولة الرجل ، فان عملية ختان الانثى تنجز لغرض تقليل انوثة المرأة عن طريق تقليل رغبتها الجنسية وذلك بتشويه مظاهر أنوثة البنت . ويشير أحد المراقبين الى أن عملية ختان الأنثى وخاصة بالصيغة القاسية والتي تجري في السودان ،تسبب صدمة شديدة جداً الى حد أن أولئك المسؤولين عن تعليم الأناث ، يقولون بأن البنات غالباً ما تظهر عليهن البلادة بشكل ثابت .
ويبقى سؤال واحد أخير له علاقة بمفهوم (العرض) .
ـ ما هو التفسير لهذه الحساسية الهائلة تجاه الشرف الجنسي الأنثوي الذي يمارس من قبل المجتمع البدوي بشكل خاص ، ومن قبل المجتمع العربي التقليدي بشكل عام ؟ لماذا تتطلب الأعراف الشعبية إيقاع عقوبة الموت بالنسبة لمن يتعدى جنسياً على المرأة ويمكن محاولة الإجابة بالإشارة فقط الى عدة عوامل في الثقافة العربية التقليدية .
ان إيقاع عقوبة الموت بالنسبة لجريمة الزنا التي ترتكب من قبل المرأة ، موروثة من الممارسات التي كانت تجري قبل الاسلام .
وفي الحقيقة انها تعود الى العصر التوراتي ، سوية مع فكرة أن الزنا يسبب العقم ، وأنه ذنب كبير جداً الى درجة انه يجعل جميع الناس أو الجماعة المشمولين به مذنبين أيضاً يتلاشون من الارض الطيبة . ولكون المجتمع العربي، كمجتمعات الشرق الأدنى والذي تميز بظهور السلطة الأبوية في العائلة والقبيلة والنسب الذي يستند الى الرجل وتعدد الزوجات ، فان الرجل العربي يتمتع بحرية جنسية واسعة ، وان حالته الزوجية لا تضع بأي حال من الأحوال أي تحديد على فعاليته الجنسية ولا يزال هذا الموقف يحصل لحد الآن . وحتى ان كان الرجل متزوجاً وحتى ان كان له اربع زوجات ـ حسب التحديد الذي تضعه الشريعة الاسلامية ـ فانه يستطيع أن يكون علاقات جنسية مع المحضيات (الأمات اللواتي يملكهن الرجل) ، أو مع المومسات أو مع أية أمرأة أخرى ليست تحت ولاية رجل آخر .
وعندما يتزوج الرجل فلا يتوقع منه أن يحجم عن ممارسة الفعالية الجنسية خارج نطاق الزوجية. ولا يصبح الشخص مذنباً بارتكابه جريمة (خطيئة) جنسية الا عندما تصبح العلاقات الجنسية غير المشروعة التي مارسها مع امرأة، مفضوحة لدى الآخرين والتي تعتبر عندئذ من الأعمال المخلة بالشرف الجنسي .
وأما بالنسبة للمرأة فان الموقف يختلف بشكل جذري ويفترض ان للمرأة علاقات جنسية مع زوجها فقط والذي تزف اليه شرعاً . وان أنوثتها الجنسية ملك لزوجها بشكل تام طالما أنهما متزوجان وفضلاً عن ذلك يجب أن تحافظ المرأة على (بكارتها) كاملة الى أن يحدث اول زواج لها .وان التأكد من ذلك هو فعلاً الواجب الأسمى لعائلة المرأة وبالنسبة للمرأة يعتبر سماحها بالاستمتاع بجنسها من قبل أي شخص عدا زوجها ، الذنب الأكثر جسامة الذي يمكن أن ترتكبه .
وفي المجتمع البدوي لم يكن الفصل بين الجنسين عملياً ، حيث لا يمكن فرضه على مضارب أو خيام البدو الرحالة ولا خلال السفرات الطويلة في الأراضي الوعرة عند التنقل من مرعى الى آخر . وكان الرجال والنساء من عائلات مختلفة ، يعرفون ويشاهدون ويلتقون مع بعضهم البعض . وبموجب نظام السيادة ، فان الرجل يتزوج من البنات ضمن قبيلته أو قبيلته الفرعية أو عائلته . وفي مثل هذا الموقف ، فان الاغراء الذي لا يزال موجوداً بالنسبة للاتصال الجنسي المحظور ، يجب عدم تشجيعه ومحاربته بشدة وبموجب قواعد مشددة .
ولهذه القيود يجب أن يضاف القيد الأقل اهتماماً نسبياً بالحياة الانسانية الفردية والذي هو نتيجة أخرى للتأكيد الشديد الذي تضعه الطباع البدوية على تماسك الجماعة . وتقيم حياة أي فرد من الجماعة بشكل أساسي ، بدلالة مساهمته في الترفيه عن الجماعة وهذا يعني ان الجماعة التي ارادتها متجسدة في رجالها وتعبر عنها بواسطتهم ، تعتبر التضحية بحياة اي عضو فيها ضروري اذا كان شرف العائلة معرضاً للخطر . وبقدر ما يتعلق الأمر بالنساء فانهن يعتبرن بمرتبة أدنى من مرتبة الرجال ـ وهذا مفهوم موجود قبل الإسلام ، وقد أكده القرآن في الآية (34) من سورة النساء َ(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) . وبقدر تعلق الأمر بالقيمة الرئيسية للمرأة من وجهة نظر الجماعة فهي قدرتها كأم حقيقية أو في المستقبل كأم لأفراد الجماعة وعندما ترتكب اثماً تتجاوز فيه حدود الآداب والذي يجعلها غير ملائمة لواجب المرأة الأسمى فعندئذ تقرر قدرها بنفسها : يجب أن تموت . أن الذنب الجسيم المتمثل بممارسة الأنثى للأفعال الجنسية المخلة بالآداب العامة يحاط بأساليب واسعة من اساليب السلوك التي تحدد من هذه الممارسات والتي يمتد اليها جميعاً مفهوم (العرض) والتي يؤدي انتهاكها الى فرض عقوبة الموت .
ان جميع الامور التي تحيط بالعقل العربي وتجعله منشغل البال بالجنس بحيث تمنعه من التركيز في موضوع آخر ، تظهر بوضوح في امرين جليين منتشرين في العالم العربي كله مع بعض الاستثناءات المحلية . الأول ، هو أن كلاً من الرجال والنساء يرون افراد الجنس المقابل بشكل أساسي أهدافاً جنسية والثاني هو أن الرجال يعتبرون جميع فعاليات النساء على أنها نوع من أنواع الجنس وبشكل خاص اذا كانت تلك الفعاليات تخل بالقواعد التقليدية لفصل الاناث عن الذكور .
وتظهر هنا خاصية التمسك بالقناعة التقليدية بأنه حتى العرب الذين يحبذون اجراء بعض التحسينات في موقف النساء يستمرون بالاعتقاد بان اختلاء الرجل والمرأة لوحدهما في مكان معين يؤدي حتماً الى قيامهما باجراء الاتصال الجنسي . ففي الجزائر على سبيل المثال، طرح سؤال على رجال عرب كانوا يسكنون في قرية تقع في واحة نائية في منطقة تدعى (القصبة) .
ماذا تفعل لو أنك أتيت الى البيت ووجدت رجلاً غريباً في بيتك ؟
وكانت ردود الفعل ذات خصائص متميزة :
كل عربي فسر وجود الرجل الغريب في بيته على انه مؤشر للزنا . وان الاستجابة كانت مباشرة وثابتة وانفعالية ، “أقتله” .
ووفقاً لما أورده طالب عربي جزائري بان الرجال الشباب (ينظرون الى المرأة ، في مواجهة حقيقية على أنها ليست الا هدفاً للاستمتاع باللذة) . ويبين مولود فرعون الكاتب الجزائري والقائد الثوري ، وبشكل قاطع (الى الوقت الحاضر ، لا يزال الهدف الأساسي للحياة الاجتماعية والآداب والعادات هو الحماية الغيورة لجنس المرأة) .
وأن الرجال يعتبرون ذلك حقاً عليهم ولا يمكن التصرف فيه و(ان شرفهم مدفون في “مهبل المرأة” كما لو كان كنزاً ذا قيمة نفسية في الحياة …) .
ويرون في نموذج النساء المقابل لهم أنهن مخلوقات لا يتمكن المرء من أن يضع ثقتة فيهن واللواتي يشبهن (الحيوانات ، وأنهن ذوي شهوة جنسية عارمة ويرغبن اجراء الجماع الجنسي مع أي رجل ، وذلك كل ما يثير اهتمامهن) ، أو كما يقول المثل العربي السوداني (متى ما يلتقي رجل وامرأة فان الشيطان سيكون ثالثهما) .
وان النساء انفسهن ، لا يتمكن من مقاومة تأثير الاغراء ويستجبن لمثل هذه الآراء التي يقول بها الذكور وانهن يعرفن بأن : (النساء هدف شهواني يطارده الذكور من أجل اللذة ، واذا ما تم الاستيلاء عليه ، فعندئذ يدان ويمنح الرجال الاستئثار بالنساء وان ينظروا اليهن نظرة شهوانية تامة من الناحية الجنسية … لأن (النظرة الأولى) نحو مظاهر الأنوثة تجعل النساء يعتقدون بأنه يوجد شيء مخزي حول الجنس) .
وفي نفس الوقت فان النساء مقتنعات بأن الرجال (يطاردون الجنس) وهذه الدلائل القليلة والتي يمكن موازنتها بسهولة بدلالات أخرى عديدة من باقي أجزاء العالم العربي ينبغي أن تكون كافية لبيان الرأي التام فيما يخص انشغال البال بالتأثيرات الجنسية التي يملكها الجنس المقابل . وهذا بدوره يؤدي بصورة حتمية الى معرفة التأثيرات الجنسية العائدة للجنس الآخر والخلاصة أن الجنسين ينجذبان بأن كل منهما نحو الآخر بطريقة لا يمكن مقاومتها ويرى كل منهما الآخر بشكل اساسي كهدف جنسي ويجب أن تبقى هذه القاعدة خاضعة الى ضوابط وحواجز صارمة منعاً لممارسة الاستمتاع الجنسي المحظور قانوناً .
والبيان الثاني لانشغال البال المسبق هذا ، هو عدم النظر الى فعالية الأنثى دون الاشارة الى الأعتبار المهم المهيمن لعزل النساء عن الرجال لذلك مثلا ، ان دخول المرأة العربية الى مجال العمل يواجه معارضة من قبل الأشخاص المتمسكين بالتقاليد ، ليس على أساس قدرتها او عدم قدرتها على العمل ، ولكن على أساس التأكيد على أنه في مجال العمل لا تتمكن المرأة من الاحتفاظ بعفافها ونفس الاعتبارات تحفز الناس التقليديين لمنع دخول المرأة الى الحياة السياسية . ففي سنة 1952 ، رفض المجمع الخاص لعلماء الدين في الأزهر المشهور في القاهرة ـ المدرسة اللاهوتية العليا للاسلام ـ طلباً حول حقوق المرأة في التصويت والاشتراك في انتخابات البرلمان ليصبحن نائبات في المجلس وقد استند هؤلاء العلماء في مناقشاتهم على التحذير الوارد في الآية (33) من سورة الاحزاب في القرآن (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .
وهكذا فان النص القرآني أخبر بأن على النساء أن يبقين في بيوتهن ولذلك فانه من واجب المرأة أن تعمل كل شيء لصيانة شرفها وسمعتها … ويجب استبعاد النساء عن مواقف الاغراء ومنعهن من التعرض الى الاغراء من قبل الآخرين .
ويجب استثناء النساء من الاجتماعات مثل الاجتماعات التي تعقد لأغراض التصويت والانتخابات واجتماعات البرلمان وما شابه ذلك لأنه في مثل هذه المناسبات سوف تختلط النساء مع الرجال وقد يؤدي ذلك الى اثارة المصادقات والمضاجعة بغير تمييز وقد اسند هذا الرأي بدعم ثانوي يستند أيضاً الى التقليد القرآني تتأثر النساء بشكل خاص بالعاطفة .
في الواقع ان المرأة بسبب أنوثتها تتعرض الى الاستسلام لإغراءات الرجل المستندة الى السبب والنتيجة .
وفي الآونة الأخيرة اخذ علماء الأزهر يتكيفون مع الظروف المتغيرة 0حصلت النساء على حق التصويت في مصر سنة 1956 وفي سوريا سنة 1949 وفي لبنان سنة 1953 وفي العراق سنة 1967 ، وقد عبر علماء الأزهر في آرائهم في فتواهم التي صدرت في سنة 1953 حول الفروق الطبيعية بين عقل الرجل وعقل المرأة ، والتي لا تزال منتشرة بين العديد من الأقطار العربية ، رجالاً ونساء ، متعلمين وغير متعلمين . وغالباً ما يلاحظ المرء حتى بين النساء العربيات المتحررات واللواتي يشغلن مناصب خارج بلدانهن ، وجود خجل ذاتي معين يتمثل بالارتباك أمام الغرباء ويعبر عنه أما بدرجة معينة من الارتباك المتبقي غير المعلن ، أو على هيئة موقف يتمثل بالتحدي الدقيق حول الموضوع المعني . أن الارتياح الطبيعي الذي يتصرف بموجبه كل من الرجال والنساء والأولاد والبنات المثقفين ثقافة غربية تجاه كل منهما للآخر ، وفي معظم الحالات غير موجود بصورة ملحوظة.
الكبت الجنسي
يوجد موقفان للحياة الجنسية بالنسبة للعرب والتي غالباً ما تصادف العالم الغربي ويصور الموقف الاول العرب بكونهم ضحايا التقييدات القاسية في القضية الجنسية بجعل النساء المحجبات منعزلات بدقة عن الرجال . ويصور الموقف الثاني العرب بكونهم رجال قدماء قذرين حتى عندما يكونوا شباباً ، فانهم يستمتعون بالحركات البهلوانية الملتوية المثيرة للحس أو الشهوة الجنسية ، فهم يرقصون بملابس شبه عارية ويهزون البطون أمام الجمهور علناً ومطلقين لأنفسهم العنان في حفلات المجون الخاصة بحريمهم في البيوت وكما هو المعتاد في الحالات المتكررة فان هذه المواقف لا تحمل معها الا مماثلة ضعيفة جداً بالنسبة للحقيقة .
وتضم الحياة الجنسية للعرب اشكالاً مختلفة كما هو الحال بالنسبة لشعوب الغرب ، لذلك فان مجازفة المرء بإصدار أي تعميم حول طبيعة الأنوثة والرجولة العربية ، تكون محفوفة بالمخاطر للغاية، ما لم يؤخذ بنظر الاعتبار انه بالنسبة الى العقل العربي يعتبر عالم الجنس مسألة شخصية وحساسة في حياته أكثر مما هي علية بالنسبة للشخص الغربي المتحضر . وبسبب وجهة النظر هذه فان دراسة هذا الجانب من حياة العربي تكون محفوفة بالحواجز أكثر مما هو الحال بالنسبة لدراسة أي جانب آخر وتبرز الصعوبات ليس فقط في مجال عمل الأنثروبولوجى والمقابلات الشخصية وانما أيضاً في مجال المعلومات المستخلصة من الأدب المنشور حيث ان الاحصائيات التي تعالج مظاهر الأنوثة والرجولة ضئيلة جداً .
وكالجوانب الأخرى العديدة للحياة العربية فان الجانب الجنسي هو الآن في حالة تغير أو تقلب مستمر . وبموجب تأثير الحياة والحضارة الغربية ، فان الاعراف الجنسية التقليدية بدأت تتغير . وبسبب قبول الأعراف الغربية من قبل الناس في العالم العربي وبشكل متزايد ، فان الخزين الاحتياطي من التصرفات الجنسية العربية التقليدية ، الذي مر عليه قرون عديدة من الزمن ، بدأ بالضمور . ولا تزال الغالبية العظمى من العرب متمسكة بتقاليدها القديمة ولكن عدد الذين يتبعون الاساليب الغربية في تزايد مستمر يومياً .
وبالنسبة الى التقاليد الجنسية العربية التقليدية فيمكن ملاحظتها دون الولوج الى أسرار المخدع في غرفة النوم ، بحيث يمكن تصور الانطباع الناتج عن ممارسات الكبت الجنسي القاسية .
ان حالات عدم الاختلاط الملاحظة علناً بين الرجال والنساء ، عند اجتماعهم في مكان واحد حيث يجتمع الذكور منفصلين عن الاناث ، وكل منهما له عاداته الخاصة واسلوب تفاهمه والتزامه الخاص ، وعوامل أخرى عديدة كلها تشير حتى بالنسبة الى المراقب غير المدرب سيكولوجياً بان الأنماط السلوكية قد تطورت بسبب الاستجابة الى الكبت المبكر .
وبالنسبة الى كل من النظرية الفرويدية والنظرية النفسية التجريبية توجد حلقة اتصال محددة بين الصفة العدوانية ومظاهر الرجولة والأنوثة الجنسية . أن العدوانية ليست هي الصفة الأكثر بروزاً ولكن شدتها أيضا ًذات علاقة وثيقة بشدة الدافع الجنسي الذكري ، وبالرغم من ان هذه الميول العدوانية تكبح منذ الطفولة المبكرة وخلال حياة الفرد ، الا انها تبقى جزء من عقله الباطن ، كما يظهر ذلك من حقيقة أن ناتج الرغبات والنزوات الصبيانية للطبيعة الجنسية ، تستمر خلال العمر المتقدم وان آلة الكبت في الطفولة المبكرة تتمثل بالتأثير الأخلاقي للبيئة .
تعتبر الأم هي الشخص المهيمن في المقام الأول وان الطلب الملح للأب بوجوب مراعاة رغبات الاب في تربية الطفل ، وهو العامل الاساسي في خلق الاحباط لدى الطفل وأحياناً يجد الطفل ان هذا الاحباط بدرجة كبيرة بحيث لا يمكن احتماله ويرفض هيمنة الأب ويعلن مزاجه العدواني بشكل عنيف، وما ذلك الا محاولة قوية منه لتأكيد الذات ، وفي الوقت الذي جادل فيه بعض الباحثين بأن (العدوانية هي في الأساس أداة للتعبير عن الحيوية) فان معظم الباحثين النفسانيين يفترضون بأن العدوانية (Aggressiveness) مترادفة مع العداوة (Hostility) والتدمير (Destructiveness) ويجادلون بانها تظهر دائماً كنتيجة للإحباط . وفي هذا الاحساس أو المفهوم الثاني سوف نستخدم مفهوم العدوانية في هذا الفصل في محاولتنا لفهم مجموعة مصطلحات الكبت الجنسي ـ الاحباط ـ العدوانية ، والمتعلقة بالشخصية العربية .
ابتداء ،يجب أن نحاول ايجاد الموقف المغروس في عقل الطفل العربي تجاه الجنس . هناك بعض الدلالات الموثقة التي تشير الى أن ممارسات تنشئة الطفل العربي في هذا المجال ، على الأقل بعد السنة الثانية أو الثالثة من الحياة ، تتميز بكونها قمعية للغاية . ففي البيت العربي المثالي ، اما أن يهمل وجود المظاهر الجنسية للطفل أو أنها تمنع عنه .
ان موقف الكبت الذي تتخذه الأم بالنسبة الى المظاهر الجنسية في أطفالها قوي جداً الى درجة أن 75% من الامهات اللواتي جرى استجوابهن في دراسة عن هذا الموضوع ، ذكر بأن اطفالهن لم يلمسوا أبداً أعضائهم التناسلية . وقد فسر الباحث المشرف على تلك الدراسة ذلك بانه من الممكن أن يكون انعكاساً الى موقف الامهات الشديد بالنسبة لمثل هذا السلوك ، بدلاً من كونه واقعة حقيقية :عارضت الامهات بشدة مثل هذا السلوك بحيث انهن يرفضن السماح حتى لأنفسهن بممارسته وفضلاً عن ذلك فان الـ 25% من الامهات اللواتي قبل بمشاهدة أطفالهن وهم يلعبون باعضائهم التناسلية ، عبرن جميعاً تقريباً (90%) عن استنكارهن القوي لهذه الممارسة .
ولم تكن الأمهات العربيات فقط أكثر تقيداً في القضايا الجنسية من الامهات الامريكيات ولكن أيضاً أقل سماحاً للأطفال في ممارسة الصفة العدوانية تجاه الأبوين ، وأكثر قسوة وتحديداً في تدريب الأناث على استخدام الزينة والتبرج، واستخدام العقوبات البدنية القاسية .
وان نتيجة مثل هذه الممارسات في تنشئة الطفل ضمن سياق الثقافة الموجهة دينياً كالثقافة العربية ، تكون أنشاء مصاحبة وثيقة في عقل الطفل بين الجنس والشعور بالذنب ، ولقد بينت في مجال آخر من هذا البحث بأنه في المجتمعات العبرية في زمن نزول التوراة والمجتمعات اليهودية التلمودية ، كان ينظر الى أي نوع من الفعالية الجنسية المحرمة على أنها (عقدة الذنب ، ذلك الذنب الذي يمقته الله مقتاً شديداً وهو الذنب الذي لا يمكن أن يغفره الله أبداً) . وقد احتفظ العرب بهذا الرأي القديم بشكل تام الى حد هذا اليوم .
وكما يعبر عن ذلك (ادوارد عطية) في مذكراته كانت هناك عدة ذنوب جرى تحذيره ضدها من قبل والديه عندما كان طفلاً ، ولكن : (هناك ذنب واحد يلقي ظلاً على الذنوب جميعاً وهذا الذنب هو ذنب الذنوب الا وهو الجنس وقد تشبعت بفكرة الجنس تدريجياً الى ان اخذت اشعر بان الانسان عموماً ، يجب أن يكون خجلاً من الجنس الذي يجب حفظه دائماً في الظلام وفي روابط الزواج المقدس ، يصبح الجنس مسموحاً به ضمن تلك الروابط ، وهكذا فان هذا النوع من الذنب تصبح له صفة مشروعة قانوناً ، ولكن خارج هذه العلاقة الزوجية المقدسة ، حتى القبلة تعتبر عملاً مخلاً بالشرف ، ما لم تكن مقدمة للزواج المباشر … وكان على النتيجة الخالصة لكل هذه التأثيرات ، أن تتطور في عقلي الى شعور عام وحاد بالخجل حول موضوع الجنس كله ، ومن كل جوانبه ، سواء أكان مشروعاً أو غير مشروع وكان يبدو لي أنه حتى عندما يتزوج المرء ، فانه لا يستطيع معالجة القضية الجنسية باسلوب الاعتذار أو طلب الصفح (Apologetic Manner) وفي أيامي الاولى من المدرسة كنت خجلاً جداً حتى من ذكر كلمة بنات) .
ان الموقف تجاه الجنس ، والذي بيّنه (عطية) أعلاه هو بالضبط ما قد يتوقعه المرء كنتيجة للكبت القاسي الذي يفرضه الآباء العرب على ابنائهم وعندما يصل الطفل الى سن الخامسة أو السادسة، يصبح الكبت ذاتياً ، أي مندمجاً في نفسه بصورة كافية ليحدد على الأقل فيما بعد ، موقف الشخص البالغ تجاه الجنس ، ان الكبت والنهي (الكبت النفسي أو التحريم) ، يظهر تأثيرهما في تأخير ظهور الفعالية الجنسية وفي دراسة ، بمقياس صغير اجريت على طلبة جامعيين عرب من لبنان وسوريا والأردن والعراق على شكل استفسارات وكانت بدون ذكر أسماء المستجوبين على اجابتهم. وكان عدد الطلاب المستجوبين من الذكور (113) طالباً وتتراوح أعمارهم بين (17ـ 28) سنة ، وتبين أنهم قد مارسوا الفعاليات الجنسية بأعمار مقاربة الى أعمار الطلبة الأمريكيين الذكور وقد درست هذه الحالة من قبل (كنزي) والذي اشار الى أن الطلبة العرب قد نضجوا جنسياً في نفس العمر تقريباً الذي نضج فيه الطلاب الأمريكيون وكان ذلك بحد ذاته اكتشافاً مهماً لأنه يدحض الفكرة التي كثيراً ما تجابهنا بأن العرب ينضجون جنسياً بوقت اسرع من الاشخاص الموجودين في أغلب الجماعات العرقية الشمالية ومع ذلك فان الطلاب العرب مارسوا تجربتهم الأولى في الفعالية الجنسية (سواء بممارسة العادة السرية أو الجماع أو بالشذوذ الجنسي أو الجماع الجنسي الطبيعي) حوالي بعد سنة لاحقة كمعدل عن الوقت الذي يمارس فيه الطلبة الأمريكيين الذكور هذه الفعاليات وهذا يفسر من قبل القائمين بالدراسة بأنه (من المحتمل أن يكون ذلك نتيجة للكبت الجنسي في البيت العربي) وهناك اكتشاف آخر يشير الى التأثير الدائم للكبت الجنسي المبكر .
ولقد قدر الطلاب ان نسبة حدوث أو تكرار الانواع المختلفة من الفعاليات الجنسية بين الاصدقاء الذكور واعضاء من جماعتهم هي أو طأ من حدوثها فعلاً ، وكذلك قدروا عدد النساء في جماعتهم واللاتي مارسن الفعالية الجنسية قبل ان تنعقد الحالة الزوجية بأنه واطئ جداً . وكان معدل التقدير اكثر بقليل من 10% ومع ذلك فان 34% من هؤلاء الطلاب قد مارسوا التجربة الجنسية الطبيعية مع النساء غير المومسات .
وهذه الفجوة بين الاعتقاد والحقيقة يوازيها التفاوت أو التضارب بين السلوك العام والتصرف الشخصي وينشئ السلوك العام في مجال الجنس ، الانطباع بأن الكبت الذي يمارس في فترة الطفولة ، ينتقل الى مرحلة البلوغ . ان اي عرض عام لمظاهر الرجولة والانوثة الجنسية ممقوت بالنسبة للشخص العربي . وان الزي العربي التقليدي غير المألوف مع بعض الاستثناءات ، يخفي بشكل مؤثر معالم الشكل الانساني ومغطياً له من الرقبة الى القدم . وفي المجتمع المدني من الطبقة الوسطى والعليا كان التقليد سائداً بالنسبة للنساء بارتداء الحجاب على وجوههن بينما كان لباس الرأس يغطي الرأس والشعر لكل من الرجال والنساء ونتيجة لذلك فان أحد ردود الفعل الأولى للعرب تجاه ظهور الاشخاص المتأثرين بالمدنية الغربية ، وهو الحكم عليهم بقلة الحياء وبأنهم منافون لأصول الأدب والحشمة وبالتالي فانهم فاسدوا الأخلاق وقد أخذ ذلك الانطباع عنهم بسبب تقليد النساء للأوربيات في ارتداء التنورات الضيقة والقصيرة والبلوزات الضيقة ذات الرقبة المفتوحة والاكمام القصيرة أو بدون أكمام اطلاقاً ، وتسريحات الشعر المرتب المكشوف ووجوه النساء المكشوفة والمدهونة بالزينة ، وكذلك بنطلونات الرجال الضيقة والتي تبرز معالم السيقان والأرداف وقمصانهم ذات الأكمام القصيرة والمفتوحة من جهة الرقبة وأوجههم الحليقة والنظيفة وشعر رأسهم الطويل وغير المخفي والتي تظهر الخصائص الانوثية .
وفي المجتمع العربي التقليدي لا يحلم الرجل وزوجته أبداً ان يسيرا سوية في الشارع جنباً الى جنب فضلاً عن عدم وضع الذراع على الذراع أو يداً بيد . ويعتبر مثال هذا السلوك بين الرجل والمرأة عرضاً عاماً للألفة والمودة وان المكان الملائم له هو البيت ، وفي خلوة غرفة النوم وحتى في البيت وعند وجود الاطفال أو الأولاد الذين ينتمون الى نفس العائلة أو الوالدين ، فان الاتصال بين الزوج و الزوجة يتحدد كثيراً ويعتبر الاستفسار الذي يقوم به شخص معين عن الحالة الصحية لزوجة صديقه نوعاً من الاستفسار غير المقبول كلياً .
وان كلمة (زوج) في اللغة العربية رقيقة جداً في الاستخدام بسبب ايحاءاتها الجنسية انها مشتقة من الفعل الذي يعني زوج (اي الجمع بين اثنين) ويستعاض عنها بتعابير تأكيدية أو رمزية عديدة مثل (امرأة) أو (مدامتي ، أي سيدتي)،(حرم) أي (المرأة المحرمة) و(تلك التي يجب أن تقدس أو تكرم) ، ( بنت عمي) وهي تستخدم من قبل الزوج حتى اذا لم يكن الزوج فعلاً ابن عم الزوجة ، (يا أختي) ، أو (يا بنت الناس) . والزوجة بالمقابل تدعو زوجها (يا سيدي) ، (يا بن عمي) أو (يا ابو حسن) .
ويعبر عن نفس الموقف في سلوك الرجل الشاب قبل الزواج على الأقل في البيئة التي تسيطر عليها التقاليد . ان الأولاد يريدون الاستمتاع برؤية البنات ويبذلون قصارى جهدهم للحصول على لمحة منهن . ولكن أعراف القرية تؤكد على أنه من غير اللائق بالنسبة للرجال الشباب والبنات ،أن ينظر بعضهم للبعض الآخر حتى عبر شارع أو ساحة . لذلك فان المشهد الآتي يمكن ملاحظته كل يوم بعد الظهر في احدى القرى اللبنانية التي كانت موضوعاً للدراسة .
(الرجال الشباب يتنزهون جيئة وذهاباً أمام القرية تماماً بعد الظهر ، وقبل حوالي نصف ساعة من معرفتهم للوقت الذي سوف تأتي فيه الفتيات لحمل الماء . وبالطبع فان الغاية من هذا العرض هو الحصول على نظرة من البنات ولكن حالما تقترب الفتيات من المكان الذي يؤخذ منه الماء ، ينسحب الشباب . ان انتظار الشباب لمدة نصف ساعة ، وتبادل النظرات مع الفتيات ، يطلق فيهن ردور الفعل الذاتية والتي توحي الى كل شاب هناك : يجب عليك أن تغادر المكان فوراً ، لأنه سيكون من غير اللائق أن تبقى واقفاً تحوم حول الفتيات ترمقهن بنظرات غرامية) .
الحرية الجنسية والضيافة الجنسية
بالرغم من وجود الضوابط التي تحدد السلوك الجنسي في أنحاء العالم العربي الا ان الاختلافات المحلية بالنسبة لما يعتبر ضمن حدود السلوك الجنسي المناسب ذات تأثير واسع في القطاعات المختلفة من المجتمع العربي . ففي المجتمع البدوي (المتنقل) ومجتمع القرية ، اضافة الى الطبقات الدنيا في المدن ، تقتضي ضرورات الحياة وجوب اشراك النساء بفعاليات معينة خارج البيت . فبالنسبة الى البدو الرحل ، تقوم النساء بجمع الحطب والجلة (الروث او براز الحيوانات) ورعي القطعان وجلب الماء وما شابه ذلك ، وبالنسبة للقرويين تقوم النساء بحمل الطعام الى الرجال الذين يعملون في الحقل ويساعدنهم في العمل الزراعي وخاصة في موسم الحصاد وجلب الماء وأخذ الحاصل الى السوق لبيعه وما شابه ذلك .
وفي المدن يذهبن الى السوق لشراء الطعام يعملن في بيوت الأغنياء . وبالتقدم في الأخذ بأساليب الحياة والمدنية الغربية بدأت في الاشتراك في مواقع العمل لانتاج الدخل القومي خارج البيت وفي كل هذه الفعاليات تتيسر للفتيات غير المتزوجات الفرص لرؤية الرجال ، والفرص أمام الرجال لرؤية الفتيات ، وبالتالي للالتقاء مع بعضهم البعض وتكوين علاقات الصداقة . وحتى قبل بروز ظاهرة الأخذ باسباب المدنية الغربية فان الحرية النسبية التي يتمتع بها الشباب والفتيات حتى بين القبائل البدوية الأكثر شرفاً غالباً ما كانت تؤدي الى حالات من الحب بينهم وكثيراً ما تصبح الفتاة حاملاً نتيجة لذلك وغالباً ما تكون النتائج مفجعة .
وفي المجتمع المستقر جرت العادة على المشاركة التقليدية المسموح بها بين الرجال والنساء في الاعياد الدينية في الجوامع ، وقد أمنت تلك المشاركات فرصاً للمغازلة والمزاح وان يضع الرجال أيديهم فوق النساء بحرية أكثر وبشكل خاص على الحدود الخارجية للعالم العربي وفي المناطق النائية عن المراكز المدنية الاسلامية لا تزال التقاليد القديمة قبل الاسلام باقية وتسمح بحرية تصرف واختيار بدرجة أكبر بين الجنسين وتستحسن الكثير من الاعراف الجنسية والتي تثير الخوف والامتعاض بالنسبة للمسلم التقليدي . وقد أشارت بعض التقارير الى السماح الواسع للحرية الجنسية وبشكل خاص في منطقتين من العالم العربي ويعتبر كلاهما هامشياً بالنسبة للثقافة العربية الاسلامية . الطوارق في منطقة صحارى الوسطى والغربية ، وسكان الحافات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية ولكون الطوارق ليسوا بعرب ، لذلك فاننا سوف لن نتطرق اليهم في هذا البحث وسوف نحصر اهتمامنا بجنوب شبه الجزيرة العربية .
يقول الرحالة والعالم الجغرافي العربي ياقوت الحموي مؤلف القاموس الجغرافي المتميز بشموليته الواسعة باللغة العربية والموسوم بـ(معجم البلدان) ، وفي وصف مدينة (المرباط) على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية ، بأن الرجال : (كانوا يغارون على نسائهم قليلاً ، نتيجة للعادات السائدة في ذلك البلد في كل ليلة تذهب نساؤهم الى خارج المدينة ويقمن بتسلية الرجال غير المحرمين عليهن بسبب علاقة الدم من الدرجة الاولى ويمزحن ويجلسن معهم الى وقت متأخر من الليل وقد يمر الرجل على زوجته أو أخته أو أمه أو عمته واذا كانت تمزح وتجلس مع شخص آخر فانه يسمح لها بذلك ويذهب الى امرأة أخرى ويجلس معها كما لو كانت زوجته) .
وبعد مرور أكثر من قرن ، ورد تقرير آخر عن الأعراف الجنسية في مدينة اخرى في الجنوب من شبه الجزيرة العربية . ومؤلف هذا التقرير هو ابن بطوطة أحد الرحالة المشهورين في ذلك الوقت والذي زار معظم انحاء العالم المعروف في القرن الرابع عشر . يقول (ابن بطوطة) عن النساء في مدينة (نزوة) الرئيسية في عمان ، بأنهن (سيئات في عاداتهن) ولكن رجالهن لا يغارون عليهن ولا يعترضون على سلوكهن ، والنساء في هذه المدينة تحت حماية الأمير ويسمحن لانفسهن بممارسة الأعمال المنافية لمبادئ الأخلاق وحتى آباؤهن لا يتمكنون من منعهن من القيام بذلك .
ان عدم التمسك باتباع التقاليد والقوانين التي تنظم العلاقات الجنسية أو على الأقل اصدار الشائعات عن الاعمال الجنسية ، لا تزال باقية الى الوقت الحاضر وان ما يثير التعجب بشدة في هذا المجال ، هو القبول بممارسة الضيافة الجنسية .
وفي تقرير لـ(جوهان لدويك بوركارد) المستشرق السويسري والرحالة المشهور في أوائل القرن الثامن عشر ، أفاد بأنه من بين العادات القديمة التي كانت سائدة في احدى القبائل في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية هو أن يقضي الضيف الليلة مع زوجة مضيفه . وعندما يظهر الضيف انه مسرور ومطاع للمرأة فانه يعامل في صباح اليوم التالي بكل احترام وتقدير ، ولكن اذا أظهر الضيف عكس ذلك فانه قد يجد ان الجزء الأسفل من عبائته قد قطع من قبل زوجة المضيف كعلامة على احتقارها له ويطرد مهاناً من قبل نساء وأطفال الحي .
وأوردت التقارير أيضاً عن الضيافة الجنسية ومظاهر التواني في اتباع التقاليد والأعراف الجنسية في أواخر القرن التاسع عشر من القبائل المختلفة في جنوب شبه الجزيرة العربية حيث تكون البنت حرة في ممارسة الشؤون الجنسية مع الغرباء عندما يصبح عمرها خمسة عشر سنة والى أن تتزوج . وحتى بعد الزواج ، فانها لا تتوقف عن تسلية الغرباء والترفيه عنهم الا اذا كان زوجها موجوداً في الحي وعند عدم امكان اخفاء السر وان هذه المعادلة لها بعض الاختلافات المحلية ، ولكن القاسم المشترك هو توفير الحرية الجنسية الواسعة للنساء ، ويضمن ذلك الملاقات ليلاً مع الرجال الذين لا تربطهم بهن علاقة قرابة ضمن القبيلة ومع الغرباء .
ان السماح بهذه الممارسات الجنسية هو نتيجة للطقوس الخاصة بالانجاب المترسبة من الفترة التي سبقت الاسلام، والتي كان غرضها التأكد من تحقيق الانتاج الخاص بالانسان والحيوانات والزراعة .
وفي الوقت الذي يشير فيه عدد من الكتاب المعاصرين الى أن الضيافة الجنسية لا تزال موجودة بين بعض القبائل العربية ، فان كتاباً آخرين ينكرون وجودها على الاقل في تلك الأجزاء من شبه الجزيرة العربية التي يعرفونها .
وعلى أية حال ، فان جميع التقارير بهذا الصدد تتفق على أنه في جماعات معينة في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية ، لا يرتدي الرجال سوى ازار يشد على الخصر ، ليستر العورة ، ويتجولون حاسري الرأس ، وان النساء لا يرتدين اي لباس فوق الخصر ، فضلاً عن كونهن غير محجبات ولا يضعن غطاء فوق رأسهن ، ولديهن الحرية والسهولة في الاتصال الجنسي مع الرجال . ويشاركن بجزء من خدمة الضيوف وتقديم مراسيم التحية والتحدث معهم ، ويحدث كل من الزواج والطلاق بسهولة كبيرة .
الأنواع المختلفة للتنفيس عن الطاقات الجنسية المكبوتة
ان مثل هذه التفاصيل ممتعة ، بصورة رئيسية لأنها تمثل بعض الاستثناءات بالنسبة للدور الذي تؤديه الحشمة والقيود المفروضة في المجتمع على الامور ذات الخصائص الجنسية في العالم العربي وعلى أية حال فان السلوك العام شيء والتصرف الشخصي شيء آخر ، ولقد وجد بصورة سرية ان الفعالية الجنسية لدى الطلبة العرب هي أكثر شدة مما هي لدى الطلاب الأمريكيين . ومتى ما تمكن الطلبة العرب من التغلب على التحريم الجنسي المغروس فيهم منذ فترة الطفولة ، فان أكثرهم سوف يمارس علاقات جنسية طبيعية او علاقات جنسية شاذة بدرجة أشد من الطلبة الأمريكيين الذين قام المؤلف المذكور أعلاه بمقارنتهم مع الطلبة العرب . وان عدد الذين مارسوا العادة السرية ، كان متساوياً تقريباً في الجماعتين ، ومع ذلك فان الطلبة الأمريكيين كانوا يمارسون العادة السرية مرتين تقريباً بقدر ممارسة الطلبة العرب لها ، وقد يعزى ذلك الى حقيقة استنكار العادة السرية بين الطلبة العرب بدرجة اشد من استنكارها في الولايات المتحدة .
ومن الناحية الأخرى ، فان أكثر من ضعفي الطلبة العرب (59%) بالنسبة للطلبة الأمريكيين (28%) ، قد اتصلوا جنسياً بالمومسات خلال سنة واحدة قبل الدراسة والتي يبدو انها فترة الخلوة المفضلة لأنها تتضمن قليلاً من الجو الرومانسي وأنها فترة مناسبة بالنسبة للفتاة للتفكير بالزواج ولا يؤثر ذلك على النظام الذي يحكم شرف العائلة … الخ .
وان كل هذه الاعتبارات معروفة بالنسبة للذين يألفون الأعراف والتقاليد في العصر الفكتوري في انكلترا لذلك لا يستشهد بمثل تلك الاعتبارات لإلقاء الضوء على العقل العربي بشكل خاص ، عدا الاستشهاد بموقف عام أمكن التغلب عليه في الغرب منذ زمن طويل .
وبالمقابل فن النظرة تجاه الشذوذ الجنسي ، هي أكثر تحرراً بين العرب مما كانت عليه في الغرب لحين ظهور حركة (التحرر المبهج) (Gay Liberation) خلال السنوات القليلة الماضية وان موضوع الشذوذ الجنسي الذي تحرم التقاليد مناقشته او ذكره ليس درجة قوية كما كان عليه الحال في أمريكا في فترة الخمسينات ، وهي الفترة التي اجريت فيها تلك الدراسة ، وقد اعتبر دور الشذوذ الجنسي الايجابي ، بشكل خاص ، متناسباً مع صفات الرجولة وفي هذا الجانب يتطابق الموقف العربي مع الموقف التركي الذي يعتبر ممارسة الشذوذ الجنسي الايجابي بمثابة اعلان وتأكيد على تفوق الرجولة المتصفة بالعدوانية للشخص القائم بها ، ويعتبر ان القبول بدور الشذوذ الجنسي السلبي هو عمل مخجل ويحط من قدر الشخص الذي يمارسه ، لأنه يجعل الرجل أو الشاب الممارس له خاضعاً ومنفذاً للدور الأنثوي .
في معظم اقطار العالم العربي ، لا يسمح بالتحدث علنا عن فعالية الشذوذ الجنسي أو أية اشارة الى الميل للشذوذ الجنسي ، كما هو الحال بالنسبة الى التعابير الخاصة بالنشاط الجنسي (للذكر والأنثى) فهذه الأمور هي شؤون خاصة ويجب أن تبقى سرية ، وخاصة أن الشذوذ الجنسي محرم في القرآن ، كما ورد ذلك في الآيتين(165-166) من سورة الشعراء (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) .
وعلى أية حال فان الموقف الشعبي لا يتخذ اي موقف تجاه الشذوذ الجنسي وبالرغم من التحذيرات التي تطلقها المدارس الاسلامية المختصة بالفقه والتشريع ومبادئه فان الممارسة تبدو شائعة الى حد الوقت الحاضر . ومن الممتع أن نبين أنه حتى في مكان مثل (سيوا) حيث يسود الشذوذ الجنسي ويمارس بشكل تام وعلناً ، فان الشريك السلبي (في العملية الجنسية) الذي يمثل دور الانثى ، تسخر منه النساء وتحتقره . ويقول أحد المطلعين ومن ذوي المعرفة :
(لا يوجد رجل واحد في سيوا ، كلهم نساء) ويوضح هذه العبارة بقوله (الا ترى أن الرجل الذي قام بممارسة الشذوذ الجنسي السلبي عندما كان ولداً ، أنه قام بدور المرأة ، وعندما يقوم بهذه الممارسة وهو رجل ، فانه لا يزال يلعب دور المرأة ؟) .
وهذا يعني ، ان العملية وإن كانت تمارس عادة بشكل عام ، إلا أن الشعور بالاحتقار والإزدراء تجاه الرجل الذي يقوم بالدور الأنثوي (السلبي) ، يبقى قائماً .
وان نفس التقييم للفعل الجنسي باعتباره تأكيداً لسيادة الصفة العدوانية للشخص الذكر يأتي من خلال الرأي العربي القائل بأن ممارسة العادة السرية هي أكثر خزياً وخجلاً من ممارسة الجنس مع المومسات .
مع المومس يقوم الرجل بعمل يتصف بالرجولة وعلى أية حال فان اي فرد يقوم بممارسة العادة السرية فانه يدلل بوضوح على عدم قدرته على مباشرة الفعل الجنسي الايجابي والفعال ، وبذلك يعرض نفسه الى الاحتقار والسخرية . وهناك موقف واحد يخرق فيه هذا القيد العام المألوف ، عندما يشتط غضباً كل من الرجل والمرأة ، فان كلاً منهما سيكون على وشك أن يرفع القيود ويطلق العنان للممارسات الجنسية السيئة المنافية للآداب العامة . وان مثل هذا الاستعداد الذي ينفجر فيه العرب ويمارسون فيه مثل هذه الأعمال المخلة بالشرف لاحظها ووصفها (ادوارد وليم لين) في أوائل القرن التاسع عشر في القاهرة : (من أفضل الأشخاص المتعلمين ، غالباً ما تسمع تعابير بذيئة ومنافية للآداب العامة ولا تصح أن تقال الا للعاملين في بيت الدعارة فقط) ، والى الوقت الحاضر فان أقل خصام أو عدم اتفاق، يمكن أن يؤدي بسهولة الى إطلاق عبارات بذيئة مصحوبة بغضب ، مثل (كس امك ـ فرج والدتك)، متبوعة بتبادل التعابير البذيئة والتي هي اكثر افتضاحاً ولذلك فهي أكثر ضرراً وأكثر تهييجاً للأفعال المنافية للآداب العامة .
وللموقف العربي تجاه الجنس جانب اضافي آخر يجب التطرق اليه . وهذا الجانب هو الواقعية المتطرفة ، والتي يعزى اليها الرغبات والوظائف الجنسية والتي تناقش بتفصيل واستمتاع كبيرين ، وخاصة في صحبة كل من الذكور والأناث .
وتعتبر هذه الظاهرة مربكة دائماً بالنسبة للمراقب العربي الذي يكون في وضع محير لا يتمكن فيه من التوفيق بين القناعة والحياء الذي يميز السلوك الجنسي علناً .
يحتوي الأدب الشعبي والذي يعتبر مصدراً للمتعة لكل من العرب المتعلمين وغير المتعلمين لقرون عديدة مثل الكتاب المشهور (ألف ليلة وليلة) والمعروف في الغرب بأسم (الليالي العربية) على حكايات تضم أحداثاً جنسية محظورة عرفاً والتي غالباً ما توصف بصراحة تفوق مع ما يمكن مقارنته بوصف الشهوات الجنسية الغربية . ومما لا شك فيه أن الغاية من سرد تلك الحكايات هو جلب المتعة للقارئ أو السامع ، الذي من غير المحتمل أنه قد واجه مثل تلك المواقف الجنسية الواردة في تلك الحكايات المتصفة بنفس الوقت بغياب التقدير الأخلاقي بشكل ملفت للنظر .
وأن الأعمال الجنسية الناجحة لبطل القصة ، تتحقق نتيجة لنشاطه الصحي أو دهائه أو الحظ السعيد غير المتوقع وكنتيجة لذلك ، فلا قصاص أو عقاب يصيبه ، بالرغم من انتهاكه الواضح للنظام الأخلاقي .
ان عدم الاكتراث واللامبالاة الأخلاقية ، واضحة في الحرية التي تتميز بها مناقشة القضايا الجنسية ، حتى في حالة حضور الأطفال ولقد سجلت مثل هذه المناقشات منذ القرن العاشر والى القرن العشرين عندما جمعت هذه القصص (الليالي العربية) . وفي القرن التاسع عشر ، قرأها (لين) في القاهرة ، وشعر في حينه بأنه مضطر للإشارة الى وجوب أن :
(تسمى الأشياء وتقرأ المواضيع ، من قبل النساء اللاتي يتصفن بدماثة الخلق ومن الطبقات الراقية وذات التصرف الحسن ، ودون حمل أية فكرة عن تلك الحكايات بكونها غير لائقة ، وخاصة عند سماع مواضيع جنسية مفضوحة عن الرجال والتي قد يحجم الكثير من المومسات في بلداننا ، مثل انكلترا ، عن ذكرها) .
وبعد مرور سنة اشارت (ونفريد بلاك مان) الى نفس الملاحظة عن النساء في أحدى قرى مصر العليا وكتبت تقول : (ان القضايا الجنسية هي من المواضيع الرئيسية لمحادثاتهن) وحتى أمام الأطفال والكبار ، فانهن(يبحثن القضايا الأكثر خصوصية دون أي تحفظ) وكانت النتيجة أن الأطفال منذ أعمارهم المبكرة يسمعون المناقشات والنكات حول القضايا الجنسية وكنتيجة لذلك يكتسب الأطفال بوقت مبكر ، نفس النظرة اللاأبالية تجاه الجنس . وكما لاحظ أحد المراقبين (حتى البنات يلعبن بدمى تمثل مشاهد جنسية لواقعة تامة ، ولكن قلة الحياء الحيوانية البسيطة هذه ، ليست مفزعة ولا علاقة لها بما ينافي الآداب العامة ولا تؤثر على المبادئ الأخلاقية) .
ومن الواضح أن الفلاحين لا يرون تناقضاً بين هذا الكلام والسلوك الحر والتقييدات الجنسية المشددة والتي تحدد سلوك كل من الأولاد والبنات الى أن يصلوا الى مرحلة البلوغ الجنسي ، ومن النادر أن يقال للأطفال العرب (حقائق الحياة) من آبائهم أو امهاتهم المرتبكين ، قبل فترة من مرحلة المراهقة ، يتعلم الأطفال كل ما هو معروف الى والديهم عن الجنس ، ويضمن ذلك كل الأنواع المختلفة من الفعاليات الجنسية المحظورة وغير المحظورة وعندما نحاول أن نفهم ما يصطلح عليه بـ(التناقض الجنسي الظاهري) في حياة الفرد العربي ، يجب أن نكون ملتفتين الى أنه بقدر ما تؤكد الاعراف التقليدية على عفاف العائلة والعزل الجنسي خارج الزواج ، فانه خلال الزواج تبرز مسألة معرفة ممارسة الجنس .
ويذكر الحديث (النبوي) ـ الخزين التقليدي الديني الشفوي أصلاً ، والذي ينظم كل جوانب حياة المسلم ـ بأن الشخص المفضل في المجتمع الاسلامي ، هو ذلك الفرد الذي يعقد أكثر ما يتمكن من عقود الزواج (ضمن الحد المسموح به) ، بينما تعتبر العزوبية مبدأً منافياً للتقليد الديني وبموجب ذلك فقد يشير الرجل الى رغباته أو فعالياته الجنسية دون أي ارتباك وبنفس الطريقة التي قد يعبر بها عندما يكون جائعاً أو عندما يريد أن يستمتع بحمام دافئ . والأمثلة عن هذا الموضوع متوفرة في المستويات العليا والدنيا للمجتمع العربي والمعروف عن الملك بن سعود أ أنه كان بصحبة عدد من ضيوفه ، وبعد تناول طعام الغداء الفاخر استأذن من ضيوفه وأخبرهم بأنه ذاهب الى (الحرم) لفترة قصيرة وأنه سيعود بعدها ليشارك اصدقاءه متعتهم وبدون أية درجة من الارتباك .
في كل الاجتماعات المقتصرة على الذكور فقط فان الاصدقاء في بعض المناسبات يتفاخرون بأعمالهم الجنسية البارعة ، وذلك بخلط الحقيقة مع المبالغة .
ونفس الموقف الذي لا يعرف الخجل بالنسبة للقضايا الجنسية الخاصة بالزواج موضح في الحادثة التي يرويها (ريجارد سانغر) ، أحد الطلبة الأمريكيين الدارسين في الجزيرة العربية ، في بيت أحد الموظفين الحكوميين في المملكة العربية السعودية ، كانت مجموعة من النساء مجتمعة لمشاهدة عرض سينمائي خاص .
وفي الساعة الحادية عشر ليلاً ، دق جرس التلفون ،(انه كان زوج لأربع من النساء المدعوات ، وقد طلب ارسال احدى زوجاته الى بيته ، ولم يكن مهماً أية واحدة منهن بالذات وفجأة نهضت اربع سيدات بدينات وتحركن ببطئ وغادرن العرض السينمائي ، والتمسن من مضيفتهن بالسماح لهن بالعودة ثانية في الليلة المقبلة لمشاهدة نهاية الفيلم) .
والآن يبدأ بالظهور الخط الفاصل بين السلوك (المخجل) والسلوك (غير المخجل) قبل كل شيء ، يوجد أولاً ، حظراً شديداً على الاتصال العام بين الرجال والنساء ، وبضمن ذلك اية اشارة حتى وان كان الاتصال لا يشير الا الى اثارة طفيفة .
وما دام الجمهور لا يعرف أسماء الأشخاص (رجالاً ونساء) الذين يتم اللقاء الجنسي بينهم ، فليس هناك خطر على ذلك الاتصال . ومن الناحية الأخرى ، في الحالات الخاصة ، كل شيء مسموح به ، وهنا يتقلص التحريم كله ويمكن القيام باي شيء بدون التعرض الى القصاص ما دام لا يوجد أي شخص يرى ما يجري القيام به ، وان ذلك بدون التعرض الى القصاص ما دام لا يوجد اي شخص يرى ما يجري القيام به ، وأن ذلك ينفذ بسبب الكبت والحرمان.
وبالنسبة للمحادثات الشفوية ، فان الموقف يختلف في المصاحبة الجنسية الفردية بين الاصدقاء ،يمكن التعبير عن الاهتمام بالقضايا الجنسية بكل حرية ، واستناداً الى الميل العربي للتعبير شفوياً والتوسع اللفظي في القضايا الجنسية ، يمكن الحصول على لذة الاستمتاع الى الكلام عن الجنس كما لو كان اجراء حقيقياً للفعل الجنسي .
ويمارس بعض التقييد فقط عندما يكون الأمر متعلقاً بالزوجة أو الزوج وبقدر تعلق الأمر بالمناقشة الشفوية عن القضايا الجنسية ، فان المصاحبة الجنسية الفردية ، تعتبر حلقة خاصة ، فقط عندما يكون أعضاء كلا الجنسين موجوداً، فان التكلم عن الجنس يصبح محظوراً .
وبهذه النظرة يبدو أنه في الواقع لا يوجد تناقض ظاهري في السلوك الجنسي العربي وانما توجد نزعتين متناقضتين أو مبدأين متعارضين جنباً الى جنب فهناك استقطاب الجنس المشروع وغير المشروع يشجع الاستقطاب الأول ويمنع الثاني ويوجد أيضاً استقطاب التصرفات الخاصة والعامة . في المواقف الخاصة ، يطلق العنان لممارسة الجنس بحرية وفي الأوضاع العامة يجب عدم التلميح اليها أبداً ، واستقطاب ثالث ، هو في الفعل والكلام يتمكن المرء أن يتكلم في الصحبة الجنسية الاحادية عن الجنس بقدر ما يرغب ، وأما الفعل في الخارج ، فانه محاط بتحديدات عديدة، وضمن مجال الكلام يوجد استقطاب اللغة المسيطر عليها وغير المسيطر عليها ، واحدة تسمح بالوقار والحشمة والتقييد ، بينما الأخرى استفزازية تثير الغضب والافعال المنافية للآداب العامة .
الجمع بين المتناقضين والتحول
لقد قيل ما يكفي عن الأعراف الجنسية المغروسة في الاطفال والكبار العرب ، وكذلك عن الجو الذي يحيط عالم الجنس ، مما يجعلنا نشك بأن النظرة العربية النموذجية تجاه الجنس ، يجب أن تكون جامعة لموقفين متضادين وهذا في الحقيقة هو الواقع . ان الشواهد الثابتة التي تذكرنا بالأثم المتسبب عن الجنس ، هي في فترة من الزمن وفي نفس الوقت شواهد ثابتة على الرغبة بالجنس ، وان تثقيف كل من الأولاد والبنات يتألف من سلسلة متواصلة من التحذيرات (المواعظ والتوبيخات) تجاه الجنس ، الى أن يتعزز الإدراك فيهم بعدم تجاوز (حدود الأدب) أو عدم ارتكاب الآثام التي اذا ما قاموا بها فستكون كارثة في الجانب الجنسي لعوائلهم جميعاً . وعندما يكبر الأولاد والبنات ، فانهم يجدون تقريباً كافة الترتيبات الاجتماعية التي تحدد حياة جماعتهم مركزة في قضية واحدة هي ، منع امكانية تجاوز حدود الأدب الجنسي وكل هذه الأمور تساعد في انشاء صورة محددة لأنفسهم في عقول كل من الرجال والنساء ، فضلاً عن الصورة المحددة للجنس المقابل .
وينمو الشاب وهو يعتقد بانه لو لم يكن الفصل بين الجنسين موجوداً ولولا عقوبة الموت التي ستواجهه عندما يمسك وهو يعترف بالذنب الجنسي ، فانه كافة اجراءات المنع الموضوعة أمامه ، ستكون غير قادرة على منعه من القيام بالجماع الجنسي مع أول امرأة تصادفه وكذلك فانه يأخذ بنظر الاعتبار غريزته الجنسية التي تدفعه بقوة لممارسة النشاط الجنسي بحيث لا يمنعه من اشباع غريزته ، سوى عدم قدرته البدنية من مضاجعة النساء من طبقته الاجتماعية (بسبب عزلهم والاشراف عليهم … الخ) وان الصورة المتكونة لدى الشباب عن البنات والنساء ، تكمل هذه الصورة الذاتية ان الدافع الجنسي للشباب قوي أيضاً واذا ما تمكن الشاب من حصر واحدة منهن لوحدها فانها تظهر مقاومة شرسة في البداية ، ولكن حالما يتمكن من تقبيلها ، فان البنت نفسها (تنكسر عينها) وانها سوف تستسلم له برغبتها ، وفي الحقيقة وكما هو الرأي الشعبي فان الرغبة الجنسية الحيوانية للمرأة هي أقوى من الرغبة الجنسية للرجل .
وتتطابق الصورة الذاتية للمرأة مع هذه الصورة المبينة أعلاه ويجري تنشئة الفتاة بحيث انها تعتقد بأنها متى ما وجدت مع رجل لوحدهما ، فانها سوف لن تكون قادرة على مقاومة اندفاعاته ، لذلك يجب ان لا تسمح لنفسها بالوقوع في مثل هذا الموقف وانها قد تعلمت منذ الطفولة وترسخ في ذهنها بأن مجرد منظر المرأة يكون كافياً لإثارة الرغبة الجنسية لدى الرجل وقد تكون الظروف الخارجية فقط هي المانع من تحقيق ارادته ضدها وتعتبر هذه الآراء والتوقعات ذاتية وتختلف باختلاف النساء وفي مجتمع حديث حيث يعتقد كل فرد فيه بأنه ما لم تمنعه الظروف بشكل حتمي فانه يستطيع القيام بالجماع الجنسي مع نظيره المقابل وان كلا من الرجل والمرأة سوف يسلك هذا الاتجاه على حد سواء .
لذلك فان الجنس ممنوع وينظر اليه بتحسب وخوف ولكون الجنس مرغوباً لذلك فان عليه اقبال شديد وقد جرت ممارسة هذين الانفعالين بدرجة معتبرة من الشدة بحيث يمكن اعتبارهما مؤشراً لشدة الرغبة الجنسية في فترة الطفولة وبعد فترة المراهقة ينشئ هذا الكبت شعوراً عميقاً بالاحباط ، وعلى أية حال فعندما تتحطم السيطرة الاجتماعية أو انها تستبعد ، فان الصفة العدوانية المكبوتة المتسببة عن الجنس المحبط ، تندفع مخترقة حدود الكتمان وتصبح مكشوفة وتفتش عن مجال لها لقيام بفعل يعبر عن الحالة الجنسية ، فضلاً عن القيام بأي عمل عدواني آخر وفي مثل هذا الموقف يؤدي الغضب الى استخدام كلمات جنسية فاحشة عدوانية بشكل قوي . وعندما ينتقل الفرد الى وسط اجتماعي جديد مثلا الى مدينة كبيرة ، يختلف الموقف ، في البيئة التي لا يكون فيها الفرد معروفاً ، يشعر بان الأمور القديمة التي كانت محظورة عليه بتهديداتها الفطرية بانزال العقاب ، يمكنه الآن أن ينتهكها بدون أن يتعرض الى القصاص .
والنوع الثالث من المناسبات التي يتوقف فيها مفعول منع العمل الجنسي المحظور عن اداء وظيفته ، هو الملاقاة صدفة بين رجل أو عدة رجال وامرأة في مكان خال لا يوجد فيه شهود . وفي مثل هذا الموقف وخاصة اذا لم تكن المرأة عضواً في تلك الجماعة المتماسكة أو عضواً في جماعة معادية ، فمن المحتمل جداً انها تسئ استعمال ممارستها للجنس ، وعندما تيسر امكانية كافية لتحديد الاشخاص الذين يهاجمونها فانهم يقوموا بقتلها للحفاظ على حياتهم .
وقبل ان نختم هذا الفصل ، دعنا نضع لمساتنا الأخيرة ، ولو باختصار ، على مدى صحة وجود النموذج المتكرر الذي يصور العرب بانهم نموذج مولع بالجنس الى مدى أبعد من الاشخاص الذين يعيشون في الأجواء الشمالية. هل أن العرب أكثر احساساً واكثر ميلاً لإطلاق العنان لأنفسهم في ممارسة الفعالية الجنسية من أجل اللذة والمتعة التي توفرها تلك الفعالية ؟ هل يلعب الجنس دوراً أكثر أهمية في العقل العربي مما يفعله مثلاً ، الجنس في العقل البريطاني أو الألماني ؟ .
في القرن التاسع عشر ، اجاب (لين) ، الذي كان يعمل مراقباً متحمساً ومراسلاً دقيقاً مهتماً بالتفاصيل ، أجاب على هذه الأسئلة بـ(نعم) وبشكل بات (وبقدر تعلق الشهوانية بالميل الى الانفعالات الجنسية ، فان المصريين وكذلك شعوب أخرى من الأجواء الحارة يتجاوزون ، بشكل مؤكد وبدرجة أكبر ، الشعوب الشمالية …) ويذكر (لين) ، (ان النساء المصريات يتميزن بكونهن ماجنات وشبقات في مشاعرهن) ويضيف ان ما هو أكثر اهمية هو ( أن تلك الخاصية توصف بها تلك النساء من قبل ابناء وطنهن بدون تحفظ ، حتى في التحدث مع الأجانب) واننا نتردد في اعطاء مثل هذا الجواب الصريح . ومن النظام الجنسي الأكثر صرامة والذي هو جزء من الثقافة التقليدية للعرب يتمكن المرء أن يستنتج بان كل الأمور المحظورة التي تناولتها تلك الثقافة ، هي في الحقيقة ضرورية بسبب الاغراء الجنسي الشديد المتوفر للعرب أكثر مما هو متوفر بالنسبة للثقافات الأخرى ولكن يتمكن النرء بعد ذلك ان يبرهن بان انشغال البال بالجنس والذي يميز العرب ، هو النتيجة الحتمية لتلك القوانين والأنظمة التي تحدد وتكبح فعاليتهم الجنسية .
وعلى أية حال ، يمكن أن نستخلص بأنه بالمقارنة مع الغرب ، يشكل عالم الجنس أكثر من معضلة بالنسبة للعرب وبالتالي يستأثر باهتمام وانشغال للبال كبيرين . وأصبح التباين ملحوظاً بشكل خاص منذ ظهور ما يسمى بالثورة الجنسية في الغرب في فترة الستينات ، والتي نتج عنها غياب الكثير من القيود الجنسية المحظورة التي كانت مفروضة اجتماعياً وثقافياً ، وتمكنت الاعراف الجديدة ، التي تم قبولها في المراكز المدنية الكبيرة في الغرب ، والمتميزة بحرية الارادة ، من تقليل الجانب المحافظ للجنس ، وتحويل الفعاليات الجنسية الى ما يشبه الفعاليات الرياضية التي يشارك فيها جميع الشباب . وسابقاً ، كان الشباب يوجهون لتكريس طاقاتهم لاغراض الدراسة وممارسة الالعاب الرياضية ، واما ممارستهم للفعاليات الجنسية ، فقد كانت تجري بشكل مخفي فقط . وفي الوقت الحاضر ، اصبح مقبولاً من الشاب ان يسلك مجالات ثلاثة قي الحياة ، ويجب ان يحصل على الكفاءة فيها قبل ان يكون متهيئاً بشكل تام لاحتلال المكان الملائم له في المجتمع ، وهذه المجالات هي : الجنس والالعاب الرياضية والدراسة ( حسب تسلسل اهميتها ) . وفي العالم العربي ، لا يوجد مثل هذا التسلسل في هذه المجالات الثلاثة . ومن حيث الدراسة ، فأنها معترف بها بشكل تام باعتبارها ذات الاهمية المهيمنة ، واما الالعاب الرياضية فانها اخذت تحتل مكانتها باهمية اكبر (وان الدافع القوي بالنسبة لكليهما قوي جداً) ، واما الجنس فلا يزال خاضعاً تحت ظل الاجراءات القمعية القديمة .
ولقد توصل ، على الاقل ، احد المفكرين العرب المؤثرين (علي حسين الوردي) الى ادانة النظام الاخلاقي الجنسي العربي (او المسلم) التقليدي . ويذهب الى الحد الذي يصف فيه الدمار الذي لحق بالمجتمع المسلم وانهاك حيوية الجيل الشاب بسبب التوسع في اجراءات الحظر الجنسي والتي لها تأثير بالغ في انشاء الموانع والدوافع المثبطة واجبار الشاب العربي على إيجاد منافذ في الشذوذ الجنسي والممارسات الجنسية غير الطبيعية الأخرى . ويحاول (الوردي) أن يبرهن على ضرورة القبول التام للسلوك الجنسي الغربي من النوع الذي كان سائداً قبل 1960 من قبل المجتمع العربي. دع النساء يتخلين عن الحجاب واترك الجنسين يختلطان بحرية ويشاركان سوية في الرقص الجماعي وحتى في المغازلة . وبهذه المناسبة ، فانه يستخدم كلمة (المغازلة) والتي يقابلها في اللغة الانكليزية (flittering) والتي تعني أيضاً (كلام الحب) ، وكلمة المغازلة مشتقة من الفعل العربي الذي يعني التردد الى المرأة أو الكلام معها بطريقة محببة.
ولا حاجة الى القول ، بأن دفاع (الوردي) عن الحرية الجنسية أثار استنكار قوياً من قبل أوساط مختلفة والى رفض مقترحاته ، وغالباً ما كان مصحوباً بمعارضة شديدة بالنسبة لتأثير الحضارة الغربية بشكل عام .
ان مغزى هذه المناقشات في كلا الجانبين ، يذكر المرء بالأسلوب الذي كان يميز المناقشات الخاصة بالتحرر الجنسي للنساء ، والتي سبقت الثورة الجنسية للغرب في فترة الستينات وفي تحليله النهائي يصل (الوردي) الى الاستفسار عما اذا كانت النساء يتمتعن بنفس الحرية الجنسية للرجال أم لا أو بمعنى آخر ، هل ينبغي ادامة القياس المزدوج للأخلاق الجنسية أم لا ؟ ولكون الأعراف الجنسية التقليدية ذات اهتمام مركزي بالنسبة للثقافة العربية ، فان المرء قد يتوقع اثارة جهود معارضة مسهبة حول هذه المعضلة .
وكما يبين (الوردي) فان المبدعين سوف يتهمون بمحاولة ادخال أفكار ورذائل فاسدة من البلاد الغربية ذات الأخلاق الفاسدة ، ويمكن التوصل الى حقيقة مفادها ، أن الغرب سوف يتهم بنوع جديد كلياً من الاستعمار ، هو الاستعمار الجنسي ، والذي يشير الى وجود منافسين مبدعين وربما أكثر شراً، في محاولة خبيثة من الغرب لفرض نفسه على المشرق العربي ، وعلى اية حال ، تماماً مثلما أن كل الاعتراضات ضد الامبريالية الثقافية الغربية ، ليست ذات جدوى ، يمكن للمرء أن يتوقع بأنه في النهاية ، سوف لن يكون أمام العقل العربي سوى خيار واحد ، هو قبول الأعراف الجنسية الغربية ، وان براعتها الفطرية سوف تجد طريقاً لتكييفها وصياغتها لتنشئ بعد ذلك نموذج (الاشتراكية العربية) ، المثال العربي الخاص للرغبة الجنسية الجديدة .
المصدر
THE ARAB MIND
RAPHAEL PATAI
CHARLES SCRIBNERS SONS
NEW York 1973