18 ديسمبر، 2024 8:47 م

عاشوراء بين التاريخ واتباع معاوية

عاشوراء بين التاريخ واتباع معاوية

سألني سائل من اهل المغرب عن سبب الحقد الكبير الذي يعتمر قلب البعض ضد بني امية؟ مع انهم ماتوا وزالت دولتهم منذ اكثر من الف واربعمائة سنة, ومن جانب اخر يجب الانتباه الى ان بنو امية هم من فتح البلدان ووسع من جغرافية دولة الاسلام, وهم من نشر العلم واقامة العدل, وهم من حفظ القران والسنة من الضياع, هكذا عرفنا وتعلمنا منذ الطفولة في المدارس ونشاهد بالتلفزيون ونسمع في الجوامع والاذاعات, فما يصدر عنكم مجرد حسد وتنفيذ للأجندة تسعى لتخريب صفو المسلمين؟

فقلت له: سؤال مهم ويحتاج مني بعض التوضيح, وعودة لجذور القصة كي تنكشف لكم حقيقة دولة بني امية.

اولا: بدايات حرب معاوية وابيه

من بعد سنوات من الفتن والتقلبات, وصل الامر بحكم المسلمين الى معاوية بن ابي سفيان, الشخص الذي اجتهد كثيرا هو وابوه في محاولة القضاء على الاسلام المسلمين في زمن الرسول الخاتم (ص) للحفاظ على عبادة هبل, فكان دورهم قياديا في حرب بدر واحد والخندق, وتحالفوا مع اليهود في محاولة للخلاص من النبي الخاتم (ص), الى ان استسلموا في عام الفتح, وانتهى نهجهم العلني في حرب النبي الخاتم(ص).

عندما دخل المسلمون مكة اصبح ابو سفيان ومعاوية امام خيار واحد وهو الدخول في الاسلام, فكانوا ضمن فئة الطلقاء, وداخل مجتمع المسلمين وجدوا في فئة المنافقين خير حليف لهم في حرب الرسول واهل بيته, الى ان تحقق جزء من هدفهم, وبعد رحيل الرسول الاعظم (ص) اصبحوا بني امية يد السلطة ومن المقربين, بعيدا عن استحقاقات الايمان والعبادة والسمو الاخلاقي, انما كتحالف قديم, لتفتح الابواب لاحقا وليكون معاوية اول ملوك بني امية.

ثانيا: القهر الاموي

وفي ايام سطوة معاوية على الحكم اصبح التوجه الحكومي نحو إجبار الناس على طاعة الحاكم, مهما فعل من قبائح ومنكرات, واكراه المواطن على التنازل عن كل القيم التي غرسها الاسلام, بل واجبارهم على الرؤية الدينية التي يراها معاوية, ومن رفض من الناس افعال الحكام تعرض لأبشع الانتهاكات, فقتل الكثيرون واحرق بيت الكثيرون فقط لانهم رفضوا الخضوع لسلطة الملك الاموي, بل عمد معاوية لتشكيل فرق تهجم على اطراف المدن الغير خاضعة لسلطته كالأنبار والموصل, فيقتلون كل من يصادفهم ويسرقون وينهبون النساء, كل هذا لغرض اشاعة الخوف والرهبة من الخروج عن حكم الملك الاموي.

ثالثا: الامويين والحديث النبوي

عند الكلام عن حديث الرسول والذي يعتبر ركيزة مهمة للمسلمين في حياتهم وعبادتهم وعقيدتهم, فقد عمد الملك الاموي معاوية على انشاء فكر ديني مسخ! ولذلك استأجر العشرات من رواة الحديث من ضعاف النفوس والاراذل, ليبثوا احاديث مكذوبة ومنها ما تدعو لطاعة السلطان برا كان او فاسقا! كالحديث ((أن من قام بالخلافة ثلاثة ايام لم يدخل النار))*1, ليصبح للسلطان الفاسق حجة في ما يفعله من فضائع, ومنها من تشوه الاعتقاد بعدل الله, ومنها ما تشوه صورة النبي الاعظم (ص), وتكاثرت موارد الوضاعين, ولتصبح تلك الاحاديث المدسوسة دينا يتعبد به الى يومنا هذا, فتكاثرت الاحاديث المدسوسة لتصبح بالألاف تنقل بالكتب والصحاح وتقرا في الجوامع والمجالس, فكانت لدنانير معاوية تأثيرا في الانحراف الذي تحول لأرث مقدس عند البعض!

رابعا: افعال الامويين القبيحة

وعندما وجدوا خضوع عجيب من الامة, تضخم حجم ظلمهم للامة, حتى وصل بهم الامر الى ان هدموا الكعبة المشرفة بالمنجنيق, واحرقوا جزءا منها, فكان احد اكبر قبائهم, واباحوا مدينة الرسول (ص) لجيش بنوا امية ثلاثة ايام, لتحصل فضائع وفجائع في المدينة المنورة, وذكرت تفاصيلها المحزنة في كتب التاريخ, ثم وصل, بهم الامر انهم كانوا يختمون في اعناق الصحابة والتابعين, على انهم عبيد وخول للخليفة الاموي كما تختم الحيواناتً! واصبحت الاموال بيد الامويين ومن تزلف لهم, والامة تعيش الفقر والعوز.

ويعتبر بنو امية اول من سن الملاهي والغناء والطرب والشرب في الاسلام, واول من كان يهب مبالغ طائلة جدا للمغنين والمخنثين والشعراء المتملقين, ويمنع المال عن سائر الامة لتعيش تحت ضغط الحكم وضغط الظروف المعيشية, وبنو امية هم اول من بث العصبية بين مكونات المجتمع الاسلامي, كما بثوها بين العرب والموالي, وبين العشائر على نطاق كل امصار الدولة الاسلامية.

خامسا: فاجعة استشهاد الامام الحسين (ع)

وكان اكبر افعالهم القبيحة هو قيامهم بقتل الامام الحسين (ع) في كربلاء, عبر ارسال الطاغية يزيد بن معاوية بجيش جرار لمحاصرة الامام الحسين وعائلته واصحابه في صحراء, ثم السعي الحثيث للقضاء عليهم فصوت الحسين كان الصوت الوحيد الذي عكر صفو دولة الجور, فاحسوا بالخطر على كيانهم فعملوا على قتل ابي عبدالله الحسين, فكانت معركة الطف هو وحدها التي فضحت بني امية, حيث بينت بوضوح مكان الحق فكانت مواجهة صريحة بين الحق والباطل.

نعم ان الامام الحسين استشهد في كربلاء لكن صوته لم يمت وكلماته بقيت حيه في وعي الامة فصرخت (( هيهات منا الذلة)) صرخة في عمق روح الامة كي تنتفض وتترك الكسل والخضوع وتتشجع في رفض الباطل ونصرت الحق, وبعد كربلاء كان الدم الحسيني مشعل النور للثورات اللاحقة, التي جعلت من حياة الظالمين جحيما لا يطاق, الى ان سقطت دولتهم.

هذه سيرة الطغاة من بني امية ممن تحكموا بأمر المسلمين نتيجة سكوت الامة عن الانحراف عن الحق, قتل وسلب ونهب ودسائس, وتحريف السنة النبوية, وقتل العلماء والصالحين, ودعم

سادسا: الهدف من التذكير

نذكر هنا عدت نقاط لتبيان اهمية قراءة التاريخ وعدم عقلانية الرفض, وهي:

اولا : نذكر ان ثلث القران عبارة عن سرد تاريخي والقران دستور الامة, منه نتعلم ومنه نأخذ دروس الحياة, فمن يرد علينا اهتمامنا بالتاريخ, بالأصل هو يرد ويعترض على القران اهتمامه بالتاريخ, ويتضح لكل عاقل خطيئة من يرفض فكرة الاهتمام بالتاريخ.

ثانيا: التاريخ أعظم معلم للبشرية، فيه الحِكم والعبر، فيه التجارب والسير، منه نعرف الصواب فنتبناه ونعرف الخطأ فنتفاداه. التاريخ هو الأساس الذي تبنى عليه البنيان الشامخة، هو الأصل الذي منه تتفرع الفروع.

ثالثا: الحكمة تقول ان الأمة التي تكون بلا تاريخ قيمتها صفر بين الأمم، وفي الحقيقة ليست هناك أمة ليس لها تاريخ، فالدعوة لنسيان الماضي سببها اما لطمس وتزوير للحقائق، وإما لأن تاريخهم لا يُشرِّف بأحداثه البشعة, وكثير من الدول ممن لم يدون تاريخها تخلق أشخاصاً وهميين وأبطالاً أسطوريين من الخيال، وتنفق أموالاً باهظة على تجميل صور الطغاة.

ودعني اتساءل: لماذا يهتم الفرد كثيراً بمعرفة آبائه وأجداده؟ في حين نجد أن الابن غير الشرعي يمقته المجتمع؟ لأن من لا أصل له لا فرع له.

رابعا: من خلال دراسة التاريخ تعرف الصديق من العدو، وتعلم كيف يفكر خصمك، وما هي أساليب مكره، وكيف يخطط لك؛ إذ إن الإنسان هو نفسه مذ أن خُلق، وإنما التغيير البسيط يأتي في نمط الحياة، وهذا لا يؤثر كثيراً في أفكار الإنسان، وأقصد هنا الأفكار الأساسية كالمعتقدات والثوابت الدينية والفكرية.

خامسا: من اهم اهداف قراءة التاريخ هو الانسان كي ينجح في حياته يجب ان يستفيد من تجارب الامس, ان يفهم رموز التاريخ, من الذي يمثل رؤية الحق, ومن يمثل رؤية الشيطان, من كان يعمل على تدمير الدين والمجتمع, ومن ضحى بدمه في سبيل الدين والمجتمع, وان نتعلم الشجاعة في متابعة الحق وركل الباطل حتى لو كان بجوار الباطل منفعة مادية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*1: كتاب المستطرف/ ص88/ باب السلطان