23 ديسمبر، 2024 7:10 ص

عاد الشاعر ، وما حل ّ البرهان ! – قراءة في شعر حيدر الحمداني / 1

عاد الشاعر ، وما حل ّ البرهان ! – قراءة في شعر حيدر الحمداني / 1

أصـدر صـديـقـي الـعـزيـز الـشـاعـر حـيـدر الـحـمـدانـي ( والـمـقـيـم فـي الـولايـات الـمتـحـدة )  أولـى نـتـاجـه الـشـعـري ، والـمـوسـوم ( طـائـر الـبـرهـان ) مـن دار الـتـوحـيـد للـنـشـر والـتـوزيـع فـي الـربـاط بـالـمـغـرب بـطـبـعـتـه الأولـى ، وبـغـلاف مـن تـصـمـيـم الـفـنـان الـتـشـكـيـلـي الـعـراقـي الـمـغـتـرب ( وفـاء بـلال ) وتـقـديـم الأسـتاذة والـشـاعـرة الـكـبـيـرة ( بـلـقـيـس حـمـيـد حـسـن )
 ويـحـمـل فـي طـيـاتـه أفـكـارا ً غـايـة ً فـي الـعـذوبـة ، هـي مـزيـج مـن الـفـرح ، والـحـزن والـتـرقـب والإحـبـاط ، ودورات الـغـربـة الـمتـلاحـقـة بـكـل شـقـوقـهـا ومشـقــتـها مـبتـدأ بـهـا مـن مـحـلـتـه ( الـحـويـزة ) فـي سـوق الـشـيـوخ والـمـتخـمـة بـنـعـمـائـهـا ونـعـومــتـهـا ، والـمتـاخـمـة إلـى شـواطـئ الـفـرات وبـسـاتـيـنـه الـغـنـاء ، قـافـزا ً إلـى قـفـار الـصـحـراء الـهـائـجـة بـعـواصـفـهـا وغبرتـها وقسوتها ، وهـو يـنـوء ( بـثـقـل الإحـبـاط ) فـانـبـرت  خـلـجـاتـه الـنـابـعـة مـن شـغـاف قـلـبـه الـنـابـض بـشـجـن الـشـاعـر الـولـهـان  نـداءاً صـارخـا ً وهـجـيـن !
 فـقـد أطـلـق الـشـاعـر بـرهـانـه الـطـائـر ، قـبـل أن يـفـلـت مـن بـيـن يـديـه رحـمـة ً مـنـه عـلـى صـديـقـه اللـصـيـق يـائـسـا ً ، ومـا تـوخـيـت هـذا الـيـأس الـمـطـبـق لـدى الـشـاعـر الـثـائـر أن يتـحـول إلـى مـزيـج مـن الـوجـع اللـذيـذ والـنـشـوة الـعـابـرة ، فـهـو يـقـول فـي سـنـوات الـمـحـنـة  :
 لـك َالـضـَجـيـج ُ لتـخـدش وجـه الـنــًـعـاس .
ولـك الأحـلام ُ لـتـغـلـق فـم الـبـبـغـاء ،
 أيـهـا الأخـضـر ُ فـي دمـي ،
 امنـح لـونـك للـمـَـغـيـب ،
 وطـيـورك للـغـنـاء …
لـمـصـب نــَهـر عــَـيـنـيـك تـَـَـدافـعـت ُ
مـن دوحـة الـيــَـبـاس وأفـواه الـفـَـجـيـعـة
 أجـمـع الـبـَـيـاض مـن الـمـسـافـات ،
 لأرتـق ثـوب سـواحـلـك .
وهـذا الـجـزع الـمـر الـذي لا يـسـقـى  لظامئ   ، ولا يـسـتـقـي مـن مـرارتـه الـشـاعـر الـمـنـكـفـئ ، لا بالـمـعـركـة الـتـي خـاضـهـا بـوعـيـه مـقـاتـلاً شـجـاعـا ً  ومـنـتـفـضـا ً بـدواعـي الـوعـي الـمـطـبـق  ، ولا بـالــثـأر والإيـثـار  ، ولـكـن ولأول وثـبـة وجـد نـفـسـه الـشـاعـر والـمـنـدفـع صـوب الـصـحـافـة والإعـلام مـغـروسـا ً فـي ثـنـايـاهـا ، فـمـا كـان مـنـه إلا ّ أن لا يـتـخـلـى عـن شـاعـريـتـه ، ويـدخـل الـحـرب كـعـنـتـرة ابـن شـداد ، ويـعـلـن عـن لـسـان حـالـه :
 ولـقـد ذكـرتـك ِوالـرماح نـواهـل ُ،،، مـنـي وبـض الـهـنـد تقـطـر مـن دمـي .
وودت تـقـبـيـل الـسـيـوف ِ لأنـهـا ،،،  لمـعـت كبارق ثـغرك الـمـبـسـم .ِ
لـقـد حـمـل حـيـدر الـحـمـدانـي أعـبــاء جـيـلـيـن مـن الانـحـطـاط الـفـكـري ، والـتـردي الـتـربـوي فـاسـتـفـاضـت قـريـحـتـه بـالـكـبـت والـكـتـمـان ، ومـا أن أنـعـتــق مـن الـعـبـوديـة والدكتاتورية الـعـمـيـاء والـمـقـيـتـة حـتـى تـحـررت أفـكـاره ، وانبثـقـت وتـبـلـورت  مـشـاعـره مـن الـقـيـود والأغـلال ، ومـا عـاد بـمـستـطـاعـه إلا ّ أن يـشـدوا ويـقـول الـشـعـر ، كـمـا أبـدع فـي طـائـر الـبـرهـان ، صـديـقـه الـذي لـم يـعـد مـعـه ، ولـكـنـي  أيـقـيـن بـأنـه سـيـعـود ولـن يـنـقـطـع هـذه الـمـرة أبـدا .
– تـركـت فـي قـلـبـي الـوصـايـا ،
– وفـي حـقـيـبـتـي ريـشـك الأزرق ،
–  إنـك تـعـلـم ُ
–  إنـي لـم أبـتـعـد كـثـيـرا ً
–  رغـم كـل الـمـسـافـات
– عـرفـت الـمـيـاه والـقـصـب
–  وحـيـنـمـا تـمـر الـقـطـارات
–  تـلوّ ح  بـمـنـقـارك
– حـيـن يـنـزل الـمـطـر تـفـرد جـنـاحـيـك
– وتـحـلـق جـنـاحـيـك صـوب الـسـمـاء
– سـأعـود يـومـا ً إليـك
–  سـنـعـود يـومـا ً إلـى الـمـيـاه والـمـطـر .
لـقـد تـحـقـقـت نـبـوءات  الـشـاعـر حـيـدر الـحـمـدانـي فـي الـكـثـيـر مـمـا أثـرى ، ولـكـنـه عـاد ، ولـم يـجـد طـائـره ( الـبـرهـان ) لأنـه غـادر هـو الآخـر بـعـده بـسـنـوات ،  حـيـن جـفـت الأهـوار !
الـحـقـيـبـة التـي حـمـلـتـُـهـا إلـى الـمـنـفـى ،
 لـم يـكـن فـيـهـا غـيـر قـلـبـي الـكـسـيـر ،
 وأبـجـديـة الـثـيـاب .
…..     ….    ….
والـتـقـيـنـا فـي الـعـاصـفـة ،
 كـانـت الـجـهـات الـزئـبـقـيـة ،
 تـعـبـث فـيـهـا رمـال الـصـحـراء .
 وفـي الـحـلـقـة الـقـادمـة سنـتـصـفـح ( طـائـر الـبـرهـان ) مـن ريـشـه الأزرق والأحـمـر والـبـنـفـسـجـي ،
 حـتـى نـطـلـق الـقـول الـبـيـان بـمـا نـبـغـت بـه قـريـحـة صـديـقـي وأبـن مـديــنــي ( الـشـاعـر والإعـلامـي ) حـيـدر الـحـمـدانـي  الـذي جـعـلـنـي أثـق أكـثـر مـن ذي قـبـل بـأن الـكـثـيـر مـن  أبـنـاء هـذه الـمـديـنـة الـسـومـريـة مـاهـريـن فـي صـنـاعـة الـشـعـر ، بـمـا فـيـهـا قـطـطـهـم ( يتـمـوأن الـشـعـر )
 إنـهـا مـديـنـة تـأبـى إلا ّ أن تـكـون الأثـرى بـالـشـعـراء والأدبـاء والـمـبـدعـيـن .    
 وللـحـديـث تـكـمـلـة فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة  .