23 ديسمبر، 2024 2:17 م

ظواهر الفساد في قطاع الكهرباء

ظواهر الفساد في قطاع الكهرباء

لا تبدو ازمة تجهيز الطاقة الكهربائية المتكررة ظاهرة محددة باطار واحد بل جملة مظاهر تسرى في المواقع الاخبارية ووسائل الاعلام مثل النار في الهشيم ، منها ما هو متخصص بالجوانب الفنية لهذا القطاع تمثل الفساد في العقود الحكومية ، واخرى تتعلق بالفساد السياسي في الاستثناءات التي تمنح لمواقع الاحزاب ومساكن المسؤولين ، يضاف الى ذلك افعال الفساد الاصغر في مظاهر تعاطي الرشوة في قطاع الصيانة، وما بين كل ذلك ما يمكن تسميته بالفساد المقنن في اعمال صيانة خطوط التجهيز فائق الفولتية “11-33 الف فولت ” من قبل مقاولين محليين او من قبل عمال الصيانة مقابل عمولات او مكافأت .

ومن خلال متابعة الكثير من المواقع الاخبارية والصحف، يمكن تقسيم مظاهر الفساد في قطاع الكهرباء وفقا لآليات قياس الفساد العلمية وفقا لما يلي :

اولا : الفساد الاصغر في تداول الرشوة على قطاع واسع في دوائر التجهيز “المحطات” التي تكلف بالتعامل مع المواطن في اصلاح العطب للمنازل او المحلات ، او تجهيز الاسواق بساعات اضافية خارج مبدأ العدالة في التوزيع مقابل ثمن .

ثانيا : الفساد المقنن في صيانة خطوط نقل الطاقة الكهربائية وهي معرضة لأعمال تخريب متكررة بسبب الوضع الامني الذي يمر به البلد من خلال مقاولات ثانوية او من خلال التعامل مع اجراءات ادارية لمكافأة موظفي الصيانة ، مما جعل ظاهرة تكرار قطع هذه الخطوط بأفعال خارجة عن ارادة وزارة الكهرباء، وحاجتها الماسة لإصلاحها لاسيما مرورها في مناطق امنية ساخنة، يؤكد ان اعلانات هذه الوزارة ان هذه الاصلاحات دون ايجاد حلول لها ،ما يؤكد استشراء الفساد الاداري والمالي داخل موافق هذه الوزارة .

ثالثا : الفساد المتعارف عليه في العقود الحكومية والتعينات وعدم وجود الرجل المناسب والكفوء والنزيه في المكان القيادي الاداري المناسب، وهي ظواهر متواجدة ليس في هذه الوزارة فقط بل في بقية وزارات الدولة العراقية، بما يؤكد الحاجة الى تحديد موضوعي لهذه المظاهر ودرجة تأثيرها على التنمية المستدامة في عمل الدولة .

رابعا : الفساد المدرك من مؤسسات الدولة ، كون الكثير من اسباب الفساد في هذا القطاع مدركة من قبل جهات معنية في الدولة ومنشورة ومتداولة في وسائل الاعلام مثل مكتب المفتش العام ، او لجنة الطاقة في مجلس النواب او منظمات المجتمع المدني من مراكز بحوث ودراسات معنية بهذا الموضوع ، لكن اي من المقترحات او المعالجات التي طرحت في مثل هذه النشاطات الاقرب الى الجانب الاكاديمي لم يتم ادراك النتائج المتوخاة منها او درجة التزام الجهات التي قامت بها او نظمتها ، لكي تخضع للمتابعة الكفيلة بإظهار درجة الالتزام الوظيفي” القانوني والاداري” لوزارة الكهرباء بما ورد فيها .

خامسا : الفساد الحكومي المتمثل في عدم الانسجام ما بين متطلبات التخطيط المطلوب لتجهيز الطاقة من قبل وزارة النفط، وبين متطلبات وزارة الكهرباء على الرغم من ارتباط كلا الوزارتين بنائب واحد لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة ، وهو فساد موضوعي يتمثل في اخلاقيات التخطيط ودرجة التنسيق داخل مجلس الوزراء وتأثير المحاصصة السياسية على نشاط الحكومة للنهوض مسؤولياتها الاساسية في ادارة مرافق البلد الخدمية ، وابسط مثال على ذلك عدم التخطيط لاسالة الغاز المصاحب لاستخراج النفط واستخدامه في توليد الطاقة الكهربائية بعد التعاقد على شراء محطات غازية ، فيما استمر التعاقد ” الاجباري” على شراء الغاز من ايران لأسباب يرى بعض المحللين انها سياسية .

سادسا : مظاهر عدم اعتماد حلول بديلة ، لاسيما تلك التي وردت في الكثير من الدراسات عن الطاقة البديلة، يضاف الى ذلك عدم قدرة وزارة الكهرباء على انتاج موارد بشرية قادرة على التعامل مع الازمة بعقلية الادارة المنفتحة ، وانطوائها على عقليات ادارية محافظة تخشى المبادرة الادارية الجريئة للخروج بحلول قوية للازمة .

سابعا : عدم كفاءة منظومة الحلول البديلة لتجهيز الطاقة الكهربائية بالمولدات الاهلية ، وهي منظومة عرضة لشبهات الفساد ما بين اصحاب المولدات والمجالس البلدية من جهة ومنافذ تجهيز الوقود من جهة اخرى مما جعل هذه المنظمة نوعا متشعبا من مظاهر الفساد متعدد الاوجه .

ثامنا : التجرأ على القانون من خلال سرقة الطاقة الكهربائية دون وجود موارد مادية مقابلة، وعدم قدرة شرطة الكهرباء على الحد من هذه الظاهرة ، وعدم كفاءة نظام استحصال الاموال من قبل جباية الكهرباء ، اضافة الى تأخر اصدار اوراق الاستحصال لفترات طويلة مما يجعل المواطن امام مشكلة زيادة اجور الكهرباء .

التحليل :

قد لا يجمل كل ما تقدم جميع مظاهر الفساد في قطاع الكهرباء، فالدراسات النوعية تتحدث عن توليد كبير للطاقة فيما الوضع الامني يدعو الى استخدام منظمة توليد مناطقية ، يضاف الى ذلك شدة الاختلاف ما بين نموذج الادارة اللامركزية لصلاحيات مجالس المحافظات لإدارة شؤون الطاقة في محافظاتهم وبين نموذج الادارة المركزية لادارة الدولة للطاقة الكهربائية في عموم العراق ، هذا التخبط القانوني والمصنع للطاقة وعلاقاتها بمعضلة سيطرة المحافظات على التجهيز من جهة ودرجة استجابة الحكومة المركزية لتجهيز محطات التوليد بالوقود المطلوب وبالكميات الكافية ، يجعل موضوع انتاج الكهرباء امام معضلة حقيقية ، سياسية ، قانونية، فنية ،عدم قدرة الدولة على نقل التخطيط الى واقع حقيقي،عدم اعتماد الدراسات المرموقة في الوصول الى حلول حقيقية تدير الازمة الحالية بشكل صحيح ، وتخطط لحلول مستقبلية منظورة وبعيدة المدى.

هذا التداخل في معضلة الطاقة حولها الى مطالبة شعبية انتهت الى تظاهرات تطالب باقالة وزير الكهرباء ، وجعلت المرجعية الدينية الرشيدة تطالب رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الى ضرب الفساد بيد من حديد ومنه الفساد في هذا القطاع ، واي تحليل موضوعي لأسبابه يتعدى مستوى الفساد داخل وزارة الكهرباء فقط ليصل الى العقود الحكومية الكبرى، ومستوى قدرة الدولة على انفاذ القانون وفعالية الحكومة في انشطتها الادارية والاقتصادية وهي اركان مهمة في مقاييس الفساد الدولية تتطلب مهمة قراءة مظاهر الفساد في اي قطاع مركب مثل قطاع الكهرباء التعاطي مع اليات وضع مؤشراتها بالشكل الصحيح .

معالجات مقترحة

اولا :اهمية توزيع المسؤوليات ما بين معالجة مظاهر الفساد في قطاع الكهرباء كفساد وظيفي “اداري ومالي” وبين تأثيرات الفساد الاكبر للدولة على هذا القطاع ، وهذا يتطلب دراسة اليات اقرار الذمة المالية لكبار المسؤولين في وزارة الكهرباء تحت عنوان من اين لك هذا ؟؟ ، وايضا البحث عن تأثير مدونات السلوك الوظيفي وتطبيقاتها على موظفي قطاع الكهرباء .

ثانيا : ايجاد خط شروع زمني محدد للبدء بعملية اصلاح جذرية يتتابع بمراحل متتالية تصاعديا تدمج ما بين الحلول القانونية لمعالجة مظاهر الفساد وبين الحلول المطلوبة للإصلاح في البناء المؤسس للدولة ككل ، واليات متابعة التنفيذ وتحليل نتائج الانجازات وتذليل المعوقات .