19 ديسمبر، 2024 1:35 ص

لقد كانت تربطني مع الشاعر العراقي الراحل (كمال سبتي) صداقة تحمل بعضاً من الذكريات.
ففي عام 1984 حين كنت أقيم في إحدى الاقسام الداخلية لمنطقة باب المعظم اثناء دراستي في أكاديمية الفنون الجميلة- بغداد.
كان الشاعر كمال يسكن حينها في الطابق العلوي مع صديق شاعرأخر وطلبة أخرين من الاكاديمية
ثم إنتقل كمال فيما بعد الى غرفتي في الطابق الارضي من البناية على أثر خلاف مع الشاعر وأصدقاءه
وقد كان في الغرفة أيضاً صديق وضيف قد شاركنا السكن ، وهو المترجم والصحفي(مالك الناصري).
 
لقد قضينا حينها أيام ممتعة وساخرة ومهمة ،كانت مفعمة بالحوارات واللقاءات المتكررة مع فنانين وكتاب أخرين أيضاَ، في مقهى( أبو سعد) في ساحة الميدان وفي مقهى (حسن عجمي) في شارع الرشيد
كان الشاعر كمال سبتي كائناً ليلياً، قد أدمنت أقدامه أرصفة وأزقة بغداد والتي عشقها مثلما عشق وإستوحى بعض شعره من مملكة طفولته مدينة (الناصرية).

غالباً ماكان كمال يهذي بالشعر مع ذاته ليلاً فوق تلك الارصفة التي كانت تعرف خطاه وخطاياه تماما.ً
وعادةً ماكانت بوابة القسم الداخلي تغلق بعد منتصف الليل ، وكانت تلك هي مشكلة والتي يعاني منها عشاق الليل من سكنة هذا المكان
فلم يعد هنالك خيار لاقدام الليل غير أن تتسلق تلك النوافذ ثم تتسلل خلسة عبر رواق البناية.

ولقد كان هنالك ثمة معبراً سرياً يقع خلف القسم الداخلي، إكتشفته فيما بعد وأخبرت كمال عنه ، فكان الصديق سعيداً بهذا الممر، والذي لم يتعرف عليه الحارس بعد. وكنا نكتم السر خشية من أن يتسرب خبر الممر السريّ الى حارس البناية.
وفي إحدى الليالي المتأخرة أو قبيل الفجر تسلق كمال الممر السريّ ودخل الغرفة . وقد تفاجأت حين سمعت كمال وهو كان يئن من الوجع ووجهه كان مدمى وكدمات واضحة كانت تبدو على رقبته وصدره. صرخت غاضباً، ياللعنة… ماذا حصل بك ياصاحبي!!!!!
أخبرني كمال بوجعٍ، إن أزلام النظام من الاستخبارات أو ضباط عسكريين كانوا في إجازاتهم الدورية قد إعتدوا عليه بالضرب بأعقاب مسدساتهم مع ركلات قاسية في (كراج النهضة)، لانه قد حاول إيقاف الضباط من تحرشاتهم الجنسية بطالبةٍ جامعية كانت تنتظر الحافلة للذهاب الى مدينتها، وكانت تلك الفتاة خائفة ووحيدة في مرأب النهضة.
أخذت كمال على وجه السرعة الى قسم الطوارئ في مدينة الطب القريبة من باب المعظم.
وكان حينها كمال يساوره قلق شديد حول سلامة عينه على أثر كدمة قاسية كانت تحيط بمحجر عينه اليمنى، وكنت أهدأ من مخاوف الصديق.
بعد أن تفحص الطبيب آثار الكدمات على وجه وصدر كمال ،أخبرنا الطبيب ان كل شيءعلى مايرام، باستثناء بعض رضوض كانت على عظام الصدر.. ابتسم كمال ونظر لي وقال “سعد إن عيني بخير. 

الحد لله على سلامتك يافارس القرون الوسطى أيها النبيل وانت تحاول إنقاذ فتاة من براثن التنين “قلت لكمال وأنا كنت أربت على كتفه”  ضحكنا ثم ذهبنا الى إحدى المطاعم لتناول وجبة الفطور ثم إجتزنا باب المعظم نحو ساحة الميدان للقاء مالك الناصري في مقهى أبو سعد، ولاحتساء الشاي والاستماع الى المقامات العراقية

حتى إذا حل المساء كانت الارصفة عادةَ ما تأخذنا الى حانات أبو نؤاس وعلى ضفاف دجلة لنلتقي بإصدقاء أخرين.

أحدث المقالات

أحدث المقالات