(مَنْ أحبنا أهلَ البيتِ فليتخذْ من الفقرِ جلباباً، مَنْ أحبنا أهلَ البيتِ دعّهُ البلاءُ دعّاً) ما أروعكَ يا أميرَ المؤمنين، ومَنْ سواكَ للمؤمنين أمير، مأثرة من مآثر الإمام علي (عليه السلام)، بأن يطلب منا أن نكون بمستوى عالٍ من الأداء، حتى عندما يختبرنا الباريء عز وجل بمختلف أنواع البلاء فطريق الحق لا يمكن إختزاله بالتدين والإيمان بالظواهر الشكلية فقط بل أن يتوافق السلوك الباطن مع الظاهر وإلا فبعض الناس ظاهرهم مغرٍ وباطنهم خواء وهم كثرٌ.
بعيداً عن الصخب المجتمعي، كم من الناس يضعون لأنفسهم خارطة طريق للتغيير نحو الأفضل، وكم منهم مَنْ وصل لقناعة حول الدنيا ولهوها وزينتها الزائفة؟ وهل يفكر في أن الموت يأتي بلحظات؟ وكيف أمضى رحلته؟ لذا تجد الشخص الواعي لا يخاف الموت ما دام على الحق، رغم انه ليس بمعصوم عن الزلل، وعليه إذا فقد الإنسان الرؤية يصبح بلا بوصلة، وتتلقفه الرياح يميناً وشمالاً، ويعمل لكن بلا نتيجة، فهو لا يقف على أرضية راسخة.
(الإنعزال كدودة القز تشتغل ليل نهار وتعمل شيئاً مهما، ولا تعرف أنها تحيط نفسها بهذا الخيط يوماً بعد آخر حتى يكتمل العمل، فتموت حين يغلق أي منفذ للهواء، ومن المؤكد الإستفادة من نتاجها لكنها تموت)، والمصاديق كثيرة عن هذه العبارة البليغة، فهناك بعض الناس ينعزلون في عالمهم الإفتراضي (جنة الفردوس) ليلاً ونهاراً، فيموتون في الحياة لأن بنيتهم الإيمانية ليست قوية كفاية، لتتحمل خيوط الشبكات الدنيوية التافهة متوهمين بالعمل الخلاق، فيتكسرون على صخور التحديات.
قد يصطدم الإنسان بكثير من المطبات، من خلال قناة تتمدد داخل نفسه الأمارة بالسوء، ويستخدمها للتستر والهروب من واقعه المريض، فالمفترض أن الدنيا دار بلاء وإبتلاء، وعليه أن يوطن نفسه على (الإمتحان، الصقل، الإختبار، العزيمة، التجربة، الحكمة، التوبة النصوح)، ويعتقد بأن الذنب مكرمة أخلاقية وهو في أصله ذميمة، يحاسبه الله عليها في الآخرة، ولكن من متعظٍ واعٍ ليدرك فوارط أمسه بمناقب يومه؟ وإن لم يفكر ويتدبر فيسكون ضحية للغزو الشيطاني، وهزيمته مؤكدة .
النضج الحقيقي للإنسان هو أن تبدأ بالتوكل لتكون عظيماً بالفعل والقول، حتى وإن تجلببت بلباس الفقر والزهد، فيكفيك فخراً وعزة أن معلمك يعسوب الدين، الإمام علي بن أبي طالب (عليهما السلام) فهذا طريق شائك يجلب لك البلاء والأعداء، فأما الأول فطوبى لمَنْ صبر واحتسب عند خالقه، وأما الثاني فموتوا بغيظكم، فما ترونه أيها المرضى يعكس حقيقتكم وليس حقيقتي أنا، وخير رفيق للألم والبلاء، هو الأمل الذي يُخرِج الحقيقة كالماء، فظاهري وباطني ليس خواء.
بعد كل ما قلت هناك سؤال خطير موجه للساسة: هل أنتم مع علي وجلبابه أم لا؟ والأكثر خطورة مَنْ سيصبح رئيس الوزراء، هل سيتختلق بأخلاق علي باطنه كظاهره، حتى وإن إصطدم بعقبات النفوذ والثروة، والجاه والسلطة، فهل سيقول كما قال علي: يا دنيا غري غيري؟ ثم هل ستحملون الفؤوس للبناء؟ أم ستقطعون الرؤوس للفناء؟ فالشعب العراقي دفع ما دفع، وما رأيكم بخطابات المرجعية الدينية حول خدمة الشعب؟ تساؤلات مطروحة على الساحة وقادم الأيام ستجيب.