18 ديسمبر، 2024 6:01 م

بدءاً لابد من القول ان الشاعر سعدي يوسف يحظى هناك في بريطانيا حيث يقيم برعاية صحية وحياة آمنة … والا لكان واجبا على الدولة العراقية ان ترعاه !
مشكلة سعدي يوسف انه تطرف في طائفيته ، و تحول الى شوفيني حاد – وهو الشيوعي الاممي السابق – وصار يغترف من قاموس كان يستعمله طائفي مشهور في ثلاثينيات القرن الماضي ( عبد الرزاق الحصان ) ، فصارت تتردد في قصائده – ان كانت هي فعلا شعر !!! – مفردات اطلقها الحصان على شيعة العراق ، نافيا عنهم عراقيتهم وعروبتهم … الانكى من هذا ، انه في هذه النقطة تماهى مع الارهاب تماما حتى كأن لسان حاله يقول : داعش تمثلني ، او انا اقف معها ، وهنا الخطيئة التي ندين الرجل عليها .
ولو لم يكن سعدي يوسف هذه القامة الادبية الكبيرة ، لكان ما يقوله من قبيل اللغو الذي يملأ الانترنت والذي لايستحق الوقوف عنده او تجريمه .
البعض سيقولون ان الرجل ليس بطائفي انما ملحد وشتم دول الخليج ولم يدع احدا الا شتمه … وهكذا فان طائفيين كثيرين يتبجحون – بمناسبة او غير مناسبة – انهم ملحدون ولا يعنيهم الدين ولا المذاهب …
يقول د برهان غليون : الاكثر عنفا في الحرب الطائفية والاكثر حماسا لها هم اولئك الذين ينكرون الدين بشكل عام او لا يمارسونه ولا يعتقدون به فعلا ( المسألة الطائفية ومشكلة الاقليات ص 40 ) .
ويعرفها الوردي قائلا : الطائفية ليست دينا انما هي نوع من الانتماء القبلي الى مذهب او شخص معين . والفرد الطائفي حين يتعصب لمذهب لايهتم بما في المذهب من مبادئ خلقية او روحية ( لمحات ج2 ص 6 ) .
وللدكتور صلاح الدين البيطار مقولة شهيرة : لازلنا افردا وعشائر وطوائف ، لم نصل درجة المواطنة بعد .
ويمثل الطائفي العلماني مفارقة عجيبة : فهو علماني عندما يتعلق الامر بالدين ، وطائفي عندما يتعلق الامر بالمذاهب . وغالبا هو اخطر من الطائفي المتدين واكثر قسوة .
وقد بدت هذه الصورة بافظع اشكالها ، هناك في اوربا في المقاومة الايرلنديه ( الجيش الجمهوري الايرلندي الحر ) الذي يقوده كاثوليك علمانيون . وهنا في المشرق العربي ، في الحرب الاهلية اللبنانية ، حيث كان كل المتقاتلين من كل الطوائف علمانيين . و قد يُصاب المرء عندما يقرأ مذكرات كمال جنبلاط – قائد الحركة الوطنية اللبنانية اليسارية والمثقف العلماني الكبير – بالدهشة او حتى الصدمة !
ان الطائفية في بعض البلدان ، هي نتاج ظروف تاريخية واجتماعية معقدة ، بحيث اضحت جزءا من النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي لتلكم البلدان . حتى ان كاتبة لبنانية كبيرة كتبت على غلاف احدى رواياتها هويتها الطائفية !
وقد زاد الاستعمار الطين بلة . ففيما يخص العراق مثلا ، يقول د عبد الله النفيسي عن السياسة البريطانية : وقد توقعت دائرة الاستخبارات البريطانية ان تؤدي هذه السياسة الى الايقاع بين الطائفتين ( دور الشيعة – ص 119 ) . وللاسف ان النفيسي نفسه وهو اكاديمي كويتي مشهور تحول – في السنين الاخيرة – الى مؤيد للعنف الطائفي في العراق .
وبالعودة الى حديثنا عن يوسف ، ان شعوبا كثيرة عانت من هذه الظاهرة واحتارت كيف تتعامل معها : ادباء كبار ويرتكبون خطايا وطنية …
فسيلين ربما اعظم كاتب فرنسي بالقرن العشرين ، بل واحد من اهم كتاب ذلك القرن وابلغهم تأثيرا ، ولكنه كان متهما بمسايرة النازية ، رغم انه لم يكن نازيا واصطدم معهم ذات مرة وسجنوه . لكن الجنرال ديغول – بعد تحرير فرنسا – طارده ، ولولا هروبه الى الدانمارك لاعدمه كما اعدم كاتبا آخر ( روبرت برازيلاتش) لم يتسنَ له الهروب . ولازالت كتبه لا تُطبع واسمه لا يُكرم . ربما لهذا ايضا علاقة بكون سيلين معادياً للسامية ، لكن النتيجة واحده . وقد دافع كثيرون عنه وعن امثاله بانهم لم يرتكبوا جرائم جنائية وانما عبروا عن قناعات فكرية .
من المفيد الاشارة الى مقولة الروائي الأمريكي الكبير فيليب روث : “سيلين هـو نسختي الخاصة من بروست، حتى ولو كانت معاداته للسامية قد صنعت منه شخصًا لا يُطاق ولا يستحق الصفح. لكي أقرأ سيلين ينبغي لي تعليق العمل بضميري اليهودي، لكني أجد نفسي مدفوعًا لفعل ذلك، إذ إنّ معاداة السامية ليست في صلب أعماله، فسيلين مُخلّص عظيم”.
طبعا هذا رأي نخبوي ، وسيمر وقت طويل حتى يعاد الاعتبار لسيلين … مع الاشارة الى ان سيلين دافع عن نفسه كثيرا حتى وفاته عام 1960 ، بينما لازال يوسف مصرا ومتماديا !!!!
هناك ربما ما يجمع بين الاثنين ، اي بين سيلين ويوسف ، فاحد الكتاب وصف سيلين بقوله : كان سيلين كاتبًا ذا نزعة إنسانية، مصابًا بخيبة أمل فادحة، فتحول إلى ناقم على الوجود البشري بأسره؛ بعدما رأى عالمًا طافحًا بالوحشية البشرية الغبية.